شرح سنن أبي داود [350]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى.

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير بن مطعم رضي الله عنه (أنه جاء هو وعثمان بن عفان رضي الله عنه يكلمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقلت: يا رسول الله! قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، قال جبير : ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب قال: وكان أبو بكر رضي الله عنه يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيهم، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطيهم منه وعثمان بعده) ] .

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى)، مواضع قسم الخمس أي: خمس الغنيمة؛ لأن الغنيمة -وهي ما يحصل في الجهاد- يقسم أخماساً: أربعة أخماس للغانمين والخمس الخامس يكون في المصارف التي ذكرها الله في آية الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، فهذه مصارف الخمس، وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم له في ذلك نصيب، وذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فيها نصيب، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (جعل رزقي تحت ظل رمحي) يعني: أن رزقه يكون من الغنيمة ومن الفيء الذي يفيئه الله عز وجل على المسلمين، ولهذا كان هذا أفضل المكاسب وأجل المكاسب، وهو الذي منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو المطلب من أبناء عبد مناف ؛ لأن عبد مناف هو الأب الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم، وأولاده أربعة هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ، هؤلاء هم أولاد عبد مناف ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي بني هاشم وبني المطلب، وما كان يعطي بني عبد شمس وبني نوفل شيئاً من الخمس، فجاء عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه -وهو من بني عبد شمس- وجبير بن مطعم -وهو من بني نوفل- يسألان النبي صلى الله عليه وسلم عن كونه أعطى بني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل مع أن الكل في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء؛ لأن الجميع أولاد عبد مناف ، أما بنو هاشم فالأمر فيهم واضح؛ لأنهم الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي راجعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو كون بني المطلب مثل بني عبد شمس وبني نوفل، وليس بينهم وبينهم فرق، فكلهم يلتقون مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف .

فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنا وبنو المطلب شيء واحد)، ومعنى ذلك أنه أعطاهم كما أعطى بني هاشم من الخمس، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام لهم السبب في إعطاء بني المطلب تبعاً لبني هاشم؛ وذلك لأنهم تحالفوا معهم، وناصروهم، وكانوا معهم في الجاهلية وفي الإسلام؛ فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أعطى بني هاشم، ولم يعط هؤلاء؛ لأنهم ما كانوا مثلهم.

وفي هذا الحديث بيان لذوي القربى، وأن العموم الذي جاء في القرآن في قوله: وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41]، قد بينت السنة أن المقصود به بنو هاشم وبنو المطلب، وهاشم نسله محصورون في نسل ابنه عبد المطلب، والمطلب هو أخو هاشم ، وقد أعطى بني المطلب تبعاً لبني هاشم.

إذاً: ذو القربى لفظ مطلق يشمل بني هاشم وبني المطلب وغيرهم، بل قد جاء في صحيح البخاري في تفسير قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] أن المقصود منها -كما جاء عن ابن عباس - قرابة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منهم أنهم إن لم يساعدوه ويعينوه فلا يؤذوه؛ لما بينه وبينهم من القرابة، وإنما يخلون بينه وبين الناس.

وذوو القربى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وأن المراد بهم في الآية بنو هاشم وبنو المطلب، وبنو هاشم هم الأصل، وبنو المطلب ألحقوا بهم؛ لأنهم آزروهم وناصروهم، وكانوا معهم في الجاهلية والإسلام.

ثم ذكر أن أبا بكر رضي الله عنه قام بالأمر بعده، ولم يكن يعطي بني هاشم ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم، ولعل السبب في ذلك -والله أعلم- أن الغلة لم تكن مثلما كانت أولاً، وأنها نقصت فنقص الإعطاء على حسب النقص الذي قد حصل، ولما كانت الغلة كثيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم شيئاً كثيراً، ولما قلت الغلة فإن كلاً ينقص نصيبه منها على حسب النقص وعلى حسب السهام التي تعطى للناس.

قوله: [وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده ] .

يعني: يعطي بني هاشم وبني المطلب من الخمس، ومن أجل ذلك لم تحل لهم الزكاة اكتفاء بما يعطون من خمس الغنائم، فمنعوا من الزكاة؛ لأنه وجد ما يغنيهم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له في فضل آل البيت وحقوقهم أنه إذا لم يعطوا من الخمس ومن بيت المال، فإنه يجوز أن يعطوا من الزكاة؛ لأن المانع من ذلك أنهم يعطون من غيرها أي: من الغنائم والفيء، فإذا لم يعط لهم هذا الحق فيجوز أن يعطوا من الزكاة.

تراجم رجال إسناد حديث (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ].

عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].

عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن المبارك ].

عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يونس بن يزيد ].

يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب ].

الزهري مر ذكره، وسعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني جبير ].

جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرني يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: حدثنا جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم وبني المطلب) قال: وكان أبو بكر رضي الله عنه يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث (لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً)

قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عثمان بن عمر ].

عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير ].

قد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث (إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام)

تراجم رجال إسناد حديث (إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام)

قوله: [حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا هشيم ].

هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إسحاق ].

محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير بن مطعم ].

قد مر ذكر الثلاثة.

تفسير السدي لذي القربى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن علي العجلي حدثنا وكيع عن الحسن بن صالح عن السدي في ذي القربى قال: هو بنو عبد المطلب ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن السدي في تفسير ذوي القربى، وأنهم بنو عبد المطلب، وبنو عبد المطلب هم بنو هاشم؛ لأن هاشم بن عبد مناف ليس له نسل إلا من جهة ابنه عبد المطلب ، فقوله: بنو عبد المطلب يعني: بنو هاشم، وهذا فيه عدم ذكر بني عبد المطلب ، وحديث جبير بن مطعم الذي تقدم بين أن ذوي القربى الذين يعطون هم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنهم كانوا معهم في الجاهلية والإسلام، ولم يفارقوهم في جاهلية ولا إسلام، فيكون هذا التفسير بياناً لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم القريبة، وأما من يعطون فقد بينهم الحديث الذي مر عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.

قوله: [ حدثنا حسين بن علي العجلي ].

حسين بن علي العجلي ، صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن بن صالح ].

الحسن بن صالح بن حي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن السدي ].

السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

شرح أثر عمر في سهم ذوي القربى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذي القربى ويقول: لمن تراه؟ قال ابن عباس : لقربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان عمر رضي الله عنه عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقنا فرددناه عليه، وأبينا أن نقبله ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري سأل ابن عباس عن سهم ذوي القربى، قال: لمن تراه؟ قال: لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر في حديث جبير أنه قسمه بين بني هاشم وبني المطلب.

قوله: [وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقنا فرددناه عليه، وأبينا أن نقبله].

ولعل السبب -كما ذكرت سابقاً- أن هذا النقص بسبب نقص الغلة.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في سهم ذوي القربى

قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ].

أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عنبسة ].

عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود .

[حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني يزيد بن هرمز ].

مر ذكرهما، ويزيد بن هرمز هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس ].

الحروري يعني: أنه من الخوارج، نسبة إلى الحرورية الذين كانوا في حروراء عندما خرجوا على علي رضي الله عنه وقاتلهم، وكان ابن عباس هو الذي أرسله علي لمناقشتهم ولبيان ضلالهم.

شرح أثر علي (ولاني رسول الله خمس الخمس)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا أبو جعفر الرازي عن مطرف عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (ولاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر رضي الله عنهما، فأتي بمال فدعاني فقال: خذه فقلت: لا أريده، قال: خذه فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال) ].

أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك في زمن أبي بكر ، وفي زمن عمر ، فأتي بمال فدعاني فقال: خذه، فقلت: لا أريده، قال: خذه فأنتم أحق به، قلت قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال).

تراجم رجال إسناد أثر علي (ولاني رسول الله خمس الخمس)

قوله: [حدثنا عباس بن عبد العظيم ].

عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا يحيى بن أبي بكير ].

يحيى بن أبي بكير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو جعفر الرازي ].

أبو جعفر الرازي ، وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن مطرف ].

مطرف بن طريف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].

عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن علي ].

علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

هذا الحديث فيه أبو جعفر الرازي ، قال عنه الحافظ : صدوق سيئ الحفظ، وقد ضعفه الألباني ، ولعله من أجل أبي جعفر الرازي هذا.

شرح أثر علي (اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا هاشم بن البريد قال: حدثنا حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (سمعت علياً رضي الله عنه يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة رضي الله عنهم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فأقسمه حياتك كي لا ينازعني أحد بعدك، قال: ففعل ذلك، قال: فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ولانيه أبو بكر رضي الله عنه حتى إذا كانت آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إلي فقلت: بنا عنه العام غنى، وبالمسلمين إليه حاجة؛ فاردده عليهم، فرده عليهم ثم لم يدعنا إليه أحد بعد عمر ، فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال: يا علي ! حرمتنا الغداة شيئاً لا يرد علينا أبداً، وكان رجلاً داهياً) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع زيادة تفصيل وتوضيح.

وقوله: وكان رجلاً داهياً، أي: عنده فطنة وحذق ودهاء.

تراجم رجال إسناد أثر علي (اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة)

قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير ].

ابن أبي شيبة مر ذكره، وابن نمير هو عبد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هاشم بن البريد ].

هاشم بن البريد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[حدثنا حسين بن ميمون ].

حسين بن ميمون لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى.

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير بن مطعم رضي الله عنه (أنه جاء هو وعثمان بن عفان رضي الله عنه يكلمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقلت: يا رسول الله! قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، قال جبير : ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب قال: وكان أبو بكر رضي الله عنه يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيهم، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطيهم منه وعثمان بعده) ] .

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى)، مواضع قسم الخمس أي: خمس الغنيمة؛ لأن الغنيمة -وهي ما يحصل في الجهاد- يقسم أخماساً: أربعة أخماس للغانمين والخمس الخامس يكون في المصارف التي ذكرها الله في آية الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، فهذه مصارف الخمس، وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم له في ذلك نصيب، وذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فيها نصيب، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (جعل رزقي تحت ظل رمحي) يعني: أن رزقه يكون من الغنيمة ومن الفيء الذي يفيئه الله عز وجل على المسلمين، ولهذا كان هذا أفضل المكاسب وأجل المكاسب، وهو الذي منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو المطلب من أبناء عبد مناف ؛ لأن عبد مناف هو الأب الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم، وأولاده أربعة هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ، هؤلاء هم أولاد عبد مناف ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي بني هاشم وبني المطلب، وما كان يعطي بني عبد شمس وبني نوفل شيئاً من الخمس، فجاء عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه -وهو من بني عبد شمس- وجبير بن مطعم -وهو من بني نوفل- يسألان النبي صلى الله عليه وسلم عن كونه أعطى بني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل مع أن الكل في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء؛ لأن الجميع أولاد عبد مناف ، أما بنو هاشم فالأمر فيهم واضح؛ لأنهم الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي راجعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو كون بني المطلب مثل بني عبد شمس وبني نوفل، وليس بينهم وبينهم فرق، فكلهم يلتقون مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف .

فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنا وبنو المطلب شيء واحد)، ومعنى ذلك أنه أعطاهم كما أعطى بني هاشم من الخمس، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام لهم السبب في إعطاء بني المطلب تبعاً لبني هاشم؛ وذلك لأنهم تحالفوا معهم، وناصروهم، وكانوا معهم في الجاهلية وفي الإسلام؛ فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أعطى بني هاشم، ولم يعط هؤلاء؛ لأنهم ما كانوا مثلهم.

وفي هذا الحديث بيان لذوي القربى، وأن العموم الذي جاء في القرآن في قوله: وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41]، قد بينت السنة أن المقصود به بنو هاشم وبنو المطلب، وهاشم نسله محصورون في نسل ابنه عبد المطلب، والمطلب هو أخو هاشم ، وقد أعطى بني المطلب تبعاً لبني هاشم.

إذاً: ذو القربى لفظ مطلق يشمل بني هاشم وبني المطلب وغيرهم، بل قد جاء في صحيح البخاري في تفسير قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] أن المقصود منها -كما جاء عن ابن عباس - قرابة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منهم أنهم إن لم يساعدوه ويعينوه فلا يؤذوه؛ لما بينه وبينهم من القرابة، وإنما يخلون بينه وبين الناس.

وذوو القربى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وأن المراد بهم في الآية بنو هاشم وبنو المطلب، وبنو هاشم هم الأصل، وبنو المطلب ألحقوا بهم؛ لأنهم آزروهم وناصروهم، وكانوا معهم في الجاهلية والإسلام.

ثم ذكر أن أبا بكر رضي الله عنه قام بالأمر بعده، ولم يكن يعطي بني هاشم ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم، ولعل السبب في ذلك -والله أعلم- أن الغلة لم تكن مثلما كانت أولاً، وأنها نقصت فنقص الإعطاء على حسب النقص الذي قد حصل، ولما كانت الغلة كثيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم شيئاً كثيراً، ولما قلت الغلة فإن كلاً ينقص نصيبه منها على حسب النقص وعلى حسب السهام التي تعطى للناس.

قوله: [وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده ] .

يعني: يعطي بني هاشم وبني المطلب من الخمس، ومن أجل ذلك لم تحل لهم الزكاة اكتفاء بما يعطون من خمس الغنائم، فمنعوا من الزكاة؛ لأنه وجد ما يغنيهم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له في فضل آل البيت وحقوقهم أنه إذا لم يعطوا من الخمس ومن بيت المال، فإنه يجوز أن يعطوا من الزكاة؛ لأن المانع من ذلك أنهم يعطون من غيرها أي: من الغنائم والفيء، فإذا لم يعط لهم هذا الحق فيجوز أن يعطوا من الزكاة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع