أرشيف المقالات

المقطوع والموصول من شرح المقدمة الجزرية

مدة قراءة المادة : 35 دقائق .
المقطوع والموصول
اللآلئ الذهبية في شرح المقدمة الجزرية (13)

يقصد بالمقطوع: كتابة الكلمة مَفْصولة عن الكلمةِ الأخرى في رَسْم المصاحِف العثمانيَّة، وهو الأصل، ويقصد بالموصول: كتابة الكَلِمة متَّصِلة بكلمةٍ أخرى في رَسْم المصاحف العثمانيَّة.
 
وفائدة هذا الموضوع في معرفةِ كيفيَّة الوقف على بَعض الكلمات القرآنيَّة، فهناك بعضُ الكلمات القرآنية، مثل: "أن لا" تُكتب أحيانًا هكذا، وتسمَّى مقطوعة، وتكتب أحيانًا أخرى "ألاَّ"، وتسمَّى موصولة؛ ففي الحالة الأولى إذا أردنا أن نَقِف عليها اضطرارًا أو اختبارًا أو تعليمًا، يجوز أن نقف على الكلمة الأولى وهي "أن"، وفي الحالة الثانية لا يمكن أن نقف إلاَّ على الكلمة الثانية "ألاَّ"، وقد بيَّن الإمام ابن الجزري أحكامَ المقطوع والموصول في هذا الباب، فقال:
79) وَاعْـرِفْ لِمَقْطُـوعٍ وَمَـوْصُـولٍ وَتَـا ♦♦♦ فِـي المُصْحَـفِ[1] الإِمَـامِ فِيمَـا قَـدْ أَتَـى
 
أي: ينبغي عليك أيها القارئ أن تَعرِف أحكامَ المقطوع والموصول، وتاء التأنيث؛ وسيأتي الحديث عنها بعد هذا الباب، وهذه الأحكام ينبغي معرفتُها كما بيَّن النَّاظِم وفقًا لما جاء في مصحف الإمام؛ أي: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
 
وفي المقصود بـ(المصحَف الإمام) فإنَّ ما عليه أكثر الشُّرَّاح ومنهم ابن النَّاظم وتلاميذه الذين شرحوا منظومتَه كعبدالدائم الأزهري وأبي الفتح المزِّي وغيرهما: أنَّ مصحف الإمام هو المصحفُ الذي اتَّخذه عثمان لنفسِه؛ أي: الذي أَبقاه الإمام عثمان بن عفَّان لنفسه، بخلاف المصاحف التي وزِّعَت على الأَمْصار، (ويسمَّى بالمصحف المدنِي الخاص)، وقد كان في حجْرِه رضي الله عنه يَقرأ منه حين قُتل، وسال دَمُه الشَّريف عليه؛ حيث إنَّ الإمام عثمان بن عفَّان رضي الله عنه كلَّف لجنةً مشكَّلة من: زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، بنَسْخ القرآن الكريم خشيةَ اختلاف الصَّحابة فيه، وتمَّ نَسْخ عدَّة نُسَخ من النسخة المكتوبة في عَهْد أبي بكر الصديق التي كانت موجودةً عند أمِّ المؤمنين حَفصة، ووزِّعَت هذه النُّسَخ على الأَمصار (مكَّة، المدينة، الكوفة، البصرة، الشام، البحرين، اليمن)، مع مقرِئين لها ليعلِّموا النَّاس، وأبقى الإمامُ عثمان بن عفَّان لنفسه نسخةً كان يقرأ منها، وهي ما تسمَّى (مصحف الإمام)، وتسمى كذلك بالمصحف المدني الخاص.
 
وقال الملاَّ علي القاري في كتابه "المنح الفكرية في شرح المقدمة الجزرية": "والأَظهر أنَّ المراد بمصحف الإمام جِنْسه الشَّامِل لما اتَّخذه لنفسِه في المدينة، ولِما أرسله إلى مكة والشام والكوفة والبصرة وغيرها".
 
وقال الشريف بن يالوشه في كتابه "الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة": "ومصحَف الإمام: هو الذي جمَع فيه الإمام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآنَ، ثمَّ نَسَخ منه المصاحفَ، وكان في حجره حين أُصيب".
 
80) فَاقْـطَـعْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ أن لَّا ♦♦♦ مَــعْ مَلْجَـأَ[2] وَلَا إِلَــهَ إِلَّا
(فَاقْـطَـعْ بِـعَـشْـرِ كَـلِـمَـاتٍ أن لَّا)؛ أي: اقطع أيها القارِئ كلمتَي (أن لا) في عشرةِ مواضع، وسيلِي ذكرُها.
 
(مَـعْ مَــلْـجَـأَ): وهنا الموضع الأول من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: 118].
 
(وَلَا إِلَـهَ إِلَّا): وهنا الموضع الثَّاني من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 14].
 
81) وَتَعْـبُـدُوا يَاسِـيـنَ ثَانِـي هُـودَ لَا ♦♦♦ يُشْرِكْنَ تُشْـرِكْ يَدْخُلَنْ تَعْلُـوْا عَلَـى
(وَتَعْـبُـدُوا يَاسِـيـنَ): وهنا الموضع الثالث من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ﴾ [يس: 60].
 
(ثَانِـي هُـودَ): وهنا الموضع الرابع من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾[هود: 26]، وجاءت (أن لا) في موضعين في سورة هود، الموضع الثَّاني منهما مقطوعة، ولذا قال الناظم: (ثَانِـي هُـودَ)، أمَّا الموضع الأول من سورة هود فقد جاءت موصولة، وهو قوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ [هود: 2].
 
(لَا يُشْرِكْنَ): وهنا الموضع الخامس من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة: 12].
 
(تُشْـرِكْ): وهنا الموضع السادس من المواضِع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾ [الحج: 26].
 
(يَدْخُلَنْ): وهنا الموضع السابع من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ [القلم: 24].
 
(تَعْلُـوْا عَلَـى): وهنا الموضع الثامن من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ﴾ [الدخان: 19].
 
82) أَن لَّا يَقُـولُـوا لَا أَقُـــولَ إِن مَّــا ♦♦♦ بِالرَّعْـدِ وَالمَفْتُـوحَ صِـلْ وَعَـن مَّــا
(أَن لَّا يَقُـولُـوا): وهنا الموضع التاسع من المواضع العشرَة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [الأعراف: 169].
 
(لَا أَقُـــولَ): وهنا الموضع العاشر من المواضع العشرة المقطوعة في (أن لا)، وهو قوله تعالى: ﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [الأعراف: 105].
 
فائدة: اختلفَت المصاحف العثمانيَّة في (أن لا) من حيث القطع والوصل، في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ ﴾ [الأنبياء: 87]، والقطع أولى.
 
وما سوى المواضع العشرة السابقة المقطوعة والموضع المختلَف فيه، اتَّفقَت المصاحف العثمانيَّة على وصل (أن لا)، فتصبح هكذا (ألاَّ)، مثل: قوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [النجم: 38].
 
(إِن مَّــا بِالرَّعْـدِ)؛ أي: اقطع أيها القارئ (إنْ) عن (ما) في موضعٍ واحد فقط في سورة الرعد، وهو قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ [الرعد: 40].
 
وما سوى هذا الموضع اتَّفقَت المصاحف العثمانيَّة على وصل (إنْ مَا) فيه، فتصبح هكذا (إمَّا)، مثل: قوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [الأعراف: 200].
 
(وَالمَفْتُـوحَ صِـلْ): يأمر النَّاظم هنا القارئَ بوصل المفتوح؛ أي: (أنْ) بـ(مَا) أينما جاءَت في القرآن الكريم، هكذا: (أمَّا)، مثل قوله تعالى: ﴿ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [الأنعام: 143].
 

83) نُهُوا اقْطَعُوا مِن مَّا مَلَكْ: رومُ النِّسَا.

خُلْفُ المُنَافِقِينَ أَم مَّنْ أَسَّسَا[3]

84) فُصِّلَتِ النِّسَا وَذِبْحٍ حَيْثُ مَا
وَأَن لَّمِ المَفْتُوحَ كَسْرُ إِنَّ مَا

85) الَانْعَامَ وَالمَفْتُوحَ يَدْعُونَ مَعَا
وَخُلْفُ الانْفَالِ وَنَحْلٍ وَقَعَا

(وَعَـن مَّــا نُهُوا)؛ أي: اقطع أيها القارئ (عَنْ) عن (مَا) في موضع واحد فقط، وهو قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ ﴾ [الأعراف: 166].
 
وما سوى هذا الموضع اتَّفقَت المصاحف العثمانية على وصل (عنْ مَا) فيه، فتصبح هكذا (عمَّا)، مثل: قوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].
 
(اقْطَعُـوا مِن مَّـا مَلَكْ: رومُ النِّسَـا)؛ أي: اقطعوا (مِنْ) عن (مَا) التي تتبعها كلمة (مَلَكَتْ) في سورتَي الروم والنساء باتِّفاق المصاحف العثمانية، في الموضعين التاليين:
الأول: قوله تعالى: ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [الروم: 28].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ ﴾ [النساء: 25].
 
(خُـلْـفُ المُنَافِـقِـيـنَ)؛ أي: (مِنْ مَا) في سورة المنافقين في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ ﴾ [المنافقون: 10]، اختلفت المصاحف العثمانيَّة فيها من حيث القطع والوصل، والقَطْع أولى.
 
وما سوى الموضعين السابقين المقطوعة فيهما (مِنْ مَا) في سورتَي الروم والنساء والموضع المختلف فيه في سورة المنافقين، اتَّفقَت المصاحف العثمانية على وصل (مِنْ مَا) فيه، فتصبح هكذا (مِمَّا)، مثل: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23].
 
(أَم مَّــنْ أَسَّـسَـا فُصِّلَـتِ النِّسَـا وَذِبْحٍ)؛ أي: اقطعوا (أمْ) عن (مَنْ) في أربعة مواضع بلا خلاف:
الأول: قوله تعالى: ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ ﴾ [التوبة: 109]، وأشار النَّاظِم إلى هذا الموضع بقوله: (أَسَّـسَـا)؛ لوجود هذه الكلمة في الآية.
 
الثاني: قوله تعالى: ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [فصلت: 40].
 
الثالث: قوله تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 109].
 
الرابع: قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾ [الصافات: 11]، وأشار الناظِم إلى هذا الموضع بقوله: (وَذِبْحٍ)؛ أي: سورة الصافات، ورمز إليها بذلك لوجود قصة ذَبح إسماعيل عليه السلام فيها.
 
وما سوى هذه المواضع الأربعة اتَّفقَت المصاحف العثمانية على وصل (أمْ مَنْ) فيه، فتصبح هكذا (أمَّن)، مثل: قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل: 62].
 
(حَـيْـثُ مَــا)؛ أي: اقطعوا (حيث) عن (ما) حيث جاءت في القرآن الكريم، ولم تَأْت إلاَّ في موضعين:
الأول: قوله تعالى: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ ﴾ [البقرة: 144].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ ﴾ [البقرة: 150].
 
(وَأَن لَّـمِ المَفْـتُـوحَ كَـسْـرُ)؛ أي: اقطعوا (أنْ) بفتح الهمزة عن (لَمْ) حيث جاءت في القرآن الكريم، مثل: قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ [البلد: 7].
 
(إِنَّ مَـا الَانْـعَـامَ)؛ أي: اقطعوا (إنَّ) عن (مَا) في موضع واحد فقط في سورة الأنعام، وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ﴾ [الأنعام: 134].
 
(وَالمَـفْـتُـوحَ يَدْعُـونَ مَـعَـا)؛ أي: اقطعوا (أنَّ) بفتح الهمزة عن (مَا) التي جاءت معها كلمة (يدعون) في نفس الآية، وجاء ذلك في موضعين:
الأول: قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62].
 
الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾ [لقمان: 30].
 
(وَخُـلْـفُ الانْـفَـالِ وَنَـحْـلٍ وَقَـعَـا)؛ أي: اختلفَت المصاحف العثمانية في قطع ووصل (إنَّ ما، أنَّ ما) في موضعين، الأول في سورة الأنفال، والثاني في سورة النحل، وهما:
قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنفال: 41].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النحل: 95]، والوصل فيهما أولى.
 
تنبيه:
الخلاصة في قطع ووصل (إنَّ مَا) و(أنَّ مَا) ما يلي:
1- (إنَّ مَا) في سورة الأنعام حكمها القطع بلا خِلاف، وفي سورة النَّحل خلاف بين الوصل والقطع، والوصل فيها أولى، وما سوى ذلك فالحكم الوصل، مثل: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ [الذاريات: 5].
 
2- (أنَّ مَا) في سورتَي الحج ولقمان حكمها القطع بلا خلاف، وفي سورة الأنفال خلاف بين الوصل والقطع، والوصل فيها أولى، وما سوى ذلك فالحكم الوصل، مثل قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الأنبياء: 108].
 
86) وَكُلِّ مَـا سَـأَلْـتُـمُـوهُ وَاخْــتُـلِــفْ ♦♦♦ رُدُّوا كَذَا قُلْ بِئْسَمَا وَالْوَصْلَ[4] صِفْ
87) خَلَفْتُمُونِي وَاشْتَـرَوْا فِـي مَـا اقْطَعَـا ♦♦♦ أُوحِـيْ أَفَضْتُمُ اشْتَهَـتْ يَبْلُو مَـعَـا
88) ثَـانِـي فَـعَـلْـنَ وَقَـعَـتْ رُومٌ كِــلَا ♦♦♦ تَنْزِيلُ[5] شُعَـرَا وَغَيْرَها صِلَا[6]
(وَكُـلِّ مَـا سَـأَلْـتُـمُـوهُ وَاخْــتُـلِــفْ رُدُّوا)؛ أي: اقطعوا (كُل) عن (مَا) في موضع واحد فقط في القرآن الكريم باتِّفاق المصاحف العثمانية، وهو قوله تعالى: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [إبراهيم: 34].
 
واخْتُلِف في قطع (كُل) عن (مَا) في قوله تعالى: ﴿ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ ﴾ [النساء: 91]، والقطع هنا أولى.
 
ملاحظة: هناك مواضع أخرى غير الآية السابقة اخْتُلِف في قطع (كُل) عن (مَا) فيها، ولم يذكرها الناظم في منظومته، وهي ثلاثة:
الأول: قوله تعالى: ﴿ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ [المؤمنون: 44]، والقطع هنا أولى.
الثاني: قوله تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38]، والوصل هنا أولى.

الثالث: قوله تعالى: ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ [الملك: 8]، والوصل هنا أولى.
 
وغير ما ذكر يُقرأ بوصل (كُل) بــ (مَا) باتِّفاق المصاحف العثمانية، هكذا (كُلَّمَا)، مثل: قوله تعالى: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ﴾ [النساء: 56].
 
(كَذَا قُلْ بِئْسَمَا)؛ أي: كذلك اخْتُلِف في قطع (بِئْسَ) عن (مَا) في سورة البقرة، في قوله تعالى: ﴿ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 93]، والوصل فيها أولى.
 
(وَالْوَصْلُ صِـفْ خَلَفْتُمُونِي وَاشْتَـرَوْا): يأمر الناظِم هنا بوصل (بِئْسَ) بــ(مَا) في موضعين بلا خلاف:
الأول: قوله تعالى: ﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا ﴾ [البقرة: 90].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾ [الأعراف: 150].
 
وما عدا ذلك يُقرأ بالقطع باتفاق المصاحف العثمانية، مثل: قوله تعالى: ﴿ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].
 
(فِـي مَـا اقْطَعَـا)؛ أي: اقطعوا (فِي) عن (مَا) بلا خلاف، وذلك في أحد عشر موضعًا، وسيَلي ذكرها.
 
(أُوحِـي): ويشير النَّاظِم هنا إلى الموضع الأول من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 145].
 
(أَفَضْتُمُ): ويشير النَّاظِم هنا إلى الموضع الثاني من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو قوله تعالى: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14].
 
(اشْتَهَـتْ): ويشير النَّاظِم هنا إلى الموضع الثالث من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 102].
 
(يَبْلُو مَـعَـا): ويشير الناظِم هنا إلى الموضعين الرابع والخامس من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهما: قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48]، وقوله أيضًا: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنعام: 165].
 
فقول الناظم: (يَبْلُو مَعَا)؛ أي: الموضعين التي جاءت فيهما كلمة (لِيَبْلُوَكُمْ) في سورتي المائدة والأنعام.
 
(ثَـانِـي فَـعَـلْـنَ): ويشير الناظم هنا إلى الموضع السادس من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو قوله تعالى: ﴿ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة: 240]، وهو الموضع الثاني في سورة البقرة، ولذا قال الناظم: "ثاني فعلن".
 
أما الموضع الأول في سورة البقرة فحكم (فِي مَا) فيه الوصل، وهو قوله تعالى: ﴿ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 234].
 
(وَقَـعَـتْ): ويشير الناظم هنا إلى الموضع السابع من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو قوله تعالى: ﴿ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الواقعة: 61]، وهذا الموضع في سورة الواقعة؛ لذا أشار الناظم إليه بقوله: "وَقَـعَـتْ".
 
(رُومٌ): ويشير الناظِم هنا إلى الموضع الثامن من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو في سورة الروم، وهو قوله تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [الروم: 28].
 
(كِــلَا تَـنْـزِيـلُ): ويشير الناظِم هنا إلى الموضعين التاسع والعاشر من المواضع الأحد عشر التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهما: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 3]، وقوله أيضًا: ﴿ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 46]، فقول الناظم: (كلا تنزيل)؛ أي: كلا الموضعين في سورة تنزيل؛ أي: سورة الزمر.
 
(شُـعَـرَا): ويشير الناظم هنا إلى الموضع الأحد عشر من المواضع التي يُقطع فيها (فِي) عن (مَا)، وهو في سورة الشعراء، وهو قوله تعالى: ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 146].
 
تنبيه: لم يبيِّن الناظم أنَّ المواضع الأحد عشر السابقة التي ذكرها في حكم قطع (فِي) عن (مَا)، العشرة الأولى منها فيها خلاف بين المصاحف العثمانية والقطع فيها أولى وأشهر، أما الموضع الحادي عشر (الأخير) فقد اتَّفقَت المصاحف العثمانية على حكم القطع فيه.
 
(وَغَـيْـرَهـا صِــلَا)؛ أي: غير هذه المواضع الأحد عشر سابقة الذِّكر، فالحكم وصل (فِي) بــ(مَا) باتِّفاق المصاحف العثمانية، هكذا (فِيمَا)، مثل: قوله تعالى: ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [البقرة: 113].
 
89) فَأَيْنَمَـا كَالنَّـحْـلِ صِـلْ وَمُـخْتَـلِـفْ[7] ♦♦♦ فِي الشُّعَرَا[8] الْأَحْزَابِ وَالنِّسَا وُصِفْ
(فَأَيْنَمَـا كَالنَّـحْـلِ صِـلْ)؛ أي: صِل أيها القارئ كلمة (فأينما) المتصلة بالفاء (وهي الموجودة في سورة البقرة)، كوصلك تمامًا كلمة (أينما) الواردة في سورة النحل، ويتضح من ذلك أن (أينما) تأتي متصلة في موضعين فقط:
الأول: قوله تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾ [النحل: 76].
 
(وَمُـخْتَـلِـفْ فِي الشُّعَرَا الْأَحْزَابِ وَالنِّسَا وُصِفْ)؛ أي: اختُلف بين المصاحف العثمانية في قطع ووصل (أين) عن (ما) في ثلاثة مواضع:
الأول: قوله تعالى: ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ [الشعراء: 92]، والقطع هنا أولى.
الثاني: قوله تعالى: ﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ﴾ [الأحزاب: 61]، والوصل هنا أولى.
الثالث: قوله تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [النساء: 78]، والوصل هنا أولى.
 
قوله: (وُصفَ)؛ أي: نُعِت وذُكِر عند أهل الرسم.
وما عدا المواضع الخمسة السابقة فالحكم القطع باتِّفاق المصاحف العثمانية، مثل: قوله تعالى: ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 148]، وقوله تعالى: ﴿ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ [المجادلة: 7].
 
90) وَصِـلْ فَإِلَّـمْ هُـودَ أَلَّــنْ نَجْـعَـلَ ♦♦♦ نَجْمَـعَ، كَيْـلاَ تَحْزَنُـوا تَأْسَـوْا عَـلَـى
91)حَــجٌّ عَلَـيْـكَ حَـرَجٌ وَقَطْـعُـهُـمْ ♦♦♦ عَن مَّـنْ يَشَـاءُ مَنْ تَوَلَّـى يَـوْمَ هُـمْ
(وَصِـلْ فَإِلَّـمْ هُـودَ): يأمر الناظم بوصل (إن) بــ(لَمْ) في موضع واحد فقط في سورة هود باتفاق المصاحف العثمانية، وهو قوله تعالى: ﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ﴾ [هود: 14].
 
وما عدا هذا الموضع فالحكم القطع، مثل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: 24].
 
(أَلَّنْ نَجْعَـلَ نَجْمَعَ): يأمر الناظم هنا بوصل (أنْ) بــ (لَنْ) في موضعين فقط باتفاق المصاحف العثمانية:
الأول: قوله تعالى: ﴿ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 48]، وأشار الناظم لهذا الموضع بقوله: (نَجْـعَـلَ).
الثاني: قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾ [القيامة: 3]، وأشار الناظم لهذا الموضع بقوله: (نَجْمَـعَ).
 
تنبيه: ذكر بعض أهل العلم كالإمام أبي عمرو الداني أنَّ هناك خلافًا بين المصاحف العثمانية في قطع ووصل (أن لن)، في قوله تعالى: ﴿ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المزمل: 20]، والقطع هنا أولى وأشهر.
 
وما عدا ذلك فالحكم القطع باتِّفاق المصاحف العثمانية، مثل: قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴾ [البلد: 5].
 
(كَيْـلاَ تَحْزَنُـوا تَأْسَـوْا عَـلَـى حَــجٌّ عَلَـيْـكَ حَـرَجٌ): يأمر الناظم هنا بوصل (كي) عن (لا) في أربعة مواضع باتفاق المصاحف العثمانية، وهي:
الأول: قوله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ [آل عمران: 153]، وأشار الناظم لهذا الموضع بقوله: (تَحْزَنُوا).
 
الثاني: قوله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23]، وأشار الناظم لهذا الموضع بقوله: (تَأْسَوْا عَلَى).
 
الثالث: قوله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج: 5]، وأشار الناظم إلى هذا الموضع بقوله: (حَــجٌّ).
 
الرابع: قوله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ [الأحزاب: 50]، وأشار الناظم إلى هذا الموضع بقوله: (عَلَـيْـكَ حَـرَجٌ)، وهذا هو الموضع الثاني في سورة الأحزاب، أما الموضع الأول في سورة الأحزاب فالحكم فيه القطع اتِّفاقًا، وهو قوله تعالى: ﴿ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ﴾ [الأحزاب: 37].
 
وما عدا المواضع الأربعة السابقة فالحكم فيها القطع باتِّفاق المصاحف العثمانية، مثل قوله تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7].
 
(وَقَطْـعُـهُـمْ عَن مَّـنْ يَشَـاءُ مَنْ تَوَلَّـى): يأمر الناظم هنا بقطع (عَنْ) عن (مَنْ) في موضعين باتفاق المصاحف العثمانية، ولا يوجد سواهما في القرآن الكريم، وهما:
الأول: قوله تعالى: ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور: 43].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [النجم: 29].
 
(يَـوْمَ هُـمْ): يأمر الناظم هنا بقطع (يوم) عن (هم) في موضعين باتفاق المصاحف العثمانية، وهما:
الأول: قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى ﴾ [غافر: 16].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ [الذاريات: 13].
 
وما عدا هذين الموضعين فالحكم فيها الوصل باتفاق المصاحف العثمانية، مثل قوله تعالى: ﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: 42].
 
92) ومَــالِ هَــذَا وَالَّـذِيــنَ هَــؤُلَا ♦♦♦ تَـحِـيـنَ فِـي الإمَـامِ صِـلْ وَوُهِّــلَا[9]
(ومَــالِ هَــذَا وَالَّـذِيــنَ هَــؤُلَا): يبيِّن الناظم أن اللام التي بعد (ما أو فما) قُطعت في المصاحف العثمانية عن الكلمة التي بعدها في أربعة مواضع فقط، وهي:
الأول: قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ﴾ [الفرقان: 7].
الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ ﴾ [الكهف: 49].
الثالث: قوله تعالى: ﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴾ [المعارج: 36].
الرابع: قوله تعالى: ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78].
 
فائدة: يجوز للقارئ أن يقف على (ما أو فما) أو على (اللام) اضطرارًا أو اختبارًا أو تعليمًا، ولكن لا يجوز الابتداء باللام ولا بهؤلاء ولا بالذين؛ بل يتعيَّن الابتداء بــ (ما أو فما).
 
(تَـحِـيـنَ فِـي الإمَـامِ صِـلْ وَوُهِّــلَا)؛ أي: إنَّ كلمة تحين في قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [ص: 3]، كما جاءت في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه، حكمها وصل التاء بـ (حين)، هكذا (تحين) وهذا قول القاسم بن سلاَّم (المُكنَّى بأبي عبيد)، وقوله: (وَوُهِّلَا)؛ أي: ضعف هذا القول، أي: القول بوصل التاء بــ (حين)، وعلى هذا القول - الضعيف كما بيَّن النَّاظم هنا[10] - يصح الوقف اضطرارًا أو اختبارًا أو تعليمًا على (ولا)، ولكن لا يصح الوقف عليه اختيارًا والابتداء بكلمة (تحين)؛ بل يتعيَّن الابتداء بكلمة (ولات).
 
ويتضح من ذلك: أنَّه اختلف في قطع التاء عن كلمة (حين)، ووصلها بها، والصحيح قطعها عنها وهو قول الجمهور ومنهم الإمام الشاطبي رحمه الله، وأنَّ (ولات) كلمة مستقلَّة - لا النافية دخلَت عليها تاء التأنيث - و(حين) كلمة أخرى.
 
وعلى هذا يصح الوقف على التاء اضطرارًا أو اختبارًا أو تعليمًا، ولكن لا يصح الوقف عليه اختيارًا والابتداء بكلمة (حين)؛ بل يجب الابتداء بكلمة (ولات)، وعلى هذا الرَّأي كذلك لا يصح الوقف على (ولا)؛ لأنَّ (ولات) كلمة واحدة كما بيَّنَّا.
 
93) وَوَزَنُـوهُــمُ وَكَـالُـوهُـمْ صِــلِ ♦♦♦ كَـذَا مِـنَ الْ وَيَـا وَهَـا[11] لاَ تَفْـصِـلِ
(وَوَزَنُـوهُــمُ وَكَـالُـوهُـمْ صِــلِ): يأمر النَّاظِم هنا بوصل الضمير (هم) بالفعل في كل من الكلمتين: (وزنوهم) و(كالوهم) باتفاق المصاحف العثمانية، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 3].
 
فائدة: الدليل على وصل الضمير (هم) بالفعل في كل من الكلمتين: (وزنوهم) و(كالوهم)، سقوط الألف بعد الواو في كلٍّ من الكلمتين، ولو كانت مفصولة لكتبَت كما يلي: (كالوا هم) و(وزنوا هم) كما يتَّضح ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37].
 
وبناءً على ذلك لا يجوز الوقف على كلمة (كالو) أو (وزنو)؛ لأنَّ هذا كمثل الوقف على كلمة (ثقفتمو) في قوله تعالى: ﴿ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ [البقرة: 191]؛ إذ لا يجوز فصل الضمير المتصل عن الكلمة.
 
(كَـذَا مِـنَ الْ وَيَـا وَهَـا لاَ تَفْـصِـلِ)؛ أي: لا تفصل (أل التعريف) عن الكلمة التي بعدها، كما في نحو: (القانتين، الهدى)، وأيضًا لا تفصل ياء النداء عن الكلمة التي بعدها كما في نحو: (يأيها، يآدم)، وكذلك لا تفصل هاء التنبيه عن الكلمة التي بعدها كما في نحو: (هَأنتم، هؤلاء)، وحكم وصل لام التعريف وياء النداء وهاء التنبيه بما بعدهم جاء باتِّفاق المصاحف العثمانية.

[1] وفي نسخ أخرى: "مُصْحَفِ" بدون (أل) التعريف.

[2] وفي نسخ أخرى: "مَــــعْ مَــلْــجَـــأٍ" بتنوين كسر.

[3] رسمت هذه الكلمة في نسخ أخرى: "أَسَسَ"، وتُقرأ بإشباع فتحة السين فتصبح ألفًا، ووفقًا لذلك فإن الخلاف في الرَّسم، أما في اللفظ فالمؤدى واحد.

[4] وفي نسخ أخرى: "وَالْوَصْلُ" بضم اللام.

[5] وفي نسخ أخرى: "تَـنْـزِيـلَ" بفتح اللام.

[6] وفي نسخ أخرى: "وَغَـيْـرَ ذِي صِــلَا".

[7] وفي نسخ أخرى: "وَمُـخْتَـلَفْ" بفتح اللام.

[8] وفي نسخ أخرى: "فِي الظُّلَّةِ".

[9] وفي نسخ أخرى: "وَقِيلَ لَا" بدلاً من "وَوُهِّــلَا".

[10] قَوَّى الإمام ابن الجزري رحمه الله قول القاسم بن سلاَّم في كتابه النشر في القراءات العشر، فقال عنه: "وهو إمام كبير، وحجة في الدين، وأحد الأئمة المجتهدين، مع أني أنا رأيتها مكتوبة في المصحف الذي يقال له: الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه (لا) مقطوعة والتاء موصولة بحين، ورأيت به أثر الدم، وتبعت فيه ما ذكره أبو عبيد فرأيتُه كذلك، وهذا المصحف هو اليوم بالمدرسة الفاضلية من القاهرة المحروسة".

[11] وفي نسخ أخرى: "كَـذَا مِـنَ الْ وَهَـا وَيَـا".

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢