شرح سنن أبي داود [307]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (كان رسول الله إذا سافر قال اللهم أنت الصاحب في السفر...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا سافر.

حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عجلان قال: حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللهم اطو لنا الأرض، وهون علينا السفر) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب ما يقول الرجل إذا سافر. أي: الدعاء الذي يدعو به المسافر عند سفره، وقد أورد أبو داود رحمه الله في كتاب الجهاد جملة من الأحاديث تتعلق بآداب السفر، وذلك لأن الجهاد يكون غالباً عن طريق السفر، لأنهم يخرجون من بلادهم يقاتلون في سبيل الله، وليسوا باقين في بيوتهم إن جاءهم العدو دفعوه، بل يعقدون الألوية ويذهبون للجهاد في سبيل الله ودعوة الناس إلى أن يدخلوا في دين الله، ويغزون الكفار في بلادهم.

فالجهاد يحصل عن طريق السفر، كما أن السفر يكون في غيره، ولكنه من أجل أن الجهاد يكون فيه السفر أورد هذه الآداب في كتاب الجهاد؛ لأن سفر الجهاد أفضل الأسفار، وهو خير الأسفار؛ لأنه سفر لإعلاء كلمة الله، وانتصار المسلمين على غيرهم من الكفار، فمن أجل هذا أورد أبو داود رحمه الله جملة من آداب السفر -سواء للجهاد أو غير الجهاد- في كتاب الجهاد.

ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال: (اللهم أنت الصاحب في السفر) يعني: الصاحب الذي يكون معهم فيحفظهم ويكلؤهم ويرعاهم، ويحوطهم بحفظه ورعايته سبحانه وتعالى، (والخليفة في الأهل) يعني: يكون معه في سفره يرعاه ويحفظه ويخلفه في أهله في حفظهم ورعايتهم، وتحصيل ما يفيدهم، وتحقيق ما يريدون، فهو سبحانه وتعالى المصاحب للمسافر في سفره، وهو الخليفة له في أهله، يعني: فهو يسأل الله عز وجل أن يكون معه في سفره بالتوفيق والتسديد، والحفظ والرعاية، وأن يكون لأهله حافظاً وراعياً وموفقاً ومسدداً، فيسأل له ولغيره في سفره، ولمن وراءه من أهله.

قوله: [ (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر) ].

وعثاء السفر: شدته وتعبه، وما يحصل فيه من المصائب والبلاء والمشقة والعناء.

قوله: [ (وكآبة المنقلب) ].

بأن ينقلب من سفره وقد حصل له بلاء أو مصائب أو أضرار أو كونه أراد المهمة التي سافر من أجلها فلم يحصل على ما يريد فرجع بدون طائل.

وكذلك أيضاً فيما يتعلق بأهله أن يرجع إليهم وقد حصل لهم بلاء أو أضرار، أو فقد أحداً منهم، فيكون كئيباً حزيناً مكتئباً للأمر الذي حصل له، أو الأمر الذي حصل لأهله، فإذا رجع يرجع وقد أصيب بشيء من هذه المصائب، أو لما فاته من الخير الذي أراده.

قوله: [ (وسوء المنظر في الأهل والمال) ].

يعني: كونه تكون مصائب في الأهل ومصائب في المال، فيكون المنظر سيئاً بأن يحصل للمال احتراق أو أي مصيبة تصيبه وتحصل له، بحيث يرجع صاحبه فيراه على وجه يسوءه، وكذلك أيضاً بالنسبة لأهله كونه يرى فيهم شيئاً يسوءه سواء في أخلاقهم أو خلقهم.

قوله: [ (اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر) ].

يعني: كون الأرض تطوى لهم بمعنى أنهم يقطعونها بسهولة ويسر، وكذلك يهون عليهم السفر فيكون سهلاً ليس فيه عناء ولا نصب، ولا يصيبهم بلاء ولا تعب.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا سافر قال اللهم أنت الصاحب في السفر...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا يحيى ].

يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن عجلان ].

محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثني سعيد المقبري ].

سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (أن رسول الله كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً…)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن علياً الأزدي أخبره أن ابن عمر رضي الله عنهما علمه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14] اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، اللهم اطو لنا البعد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاء السفر، أنه كان إذا ركب على دابته يكبر ثلاثاً يقول: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14].

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا أي: المركوب وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ، وهذا نص الآية التي في القرآن، يقول تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13]، فجاء هذا الثناء على الله عز وجل بهذه الإشارة التي تصلح لكل مركوب، يعني: سواء يكون في البر أو البحر أو الجو كل ذلك يقال فيه: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا .

وجاء فيه بالإشارة دون أن يحدد الشيء الذي يركب ويبين عينه ونوعه، فصار الدعاء صالحاً لكل مركوب، بحيث الإنسان إذا ركب سيارة، أو ركب طيارة، أو ركب بعيراً، أو ركب حماراً، أو ركب حصاناً، أو ركب سفينة، كل ذلك يأتي بهذه الصيغة: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ يعني: ثناء على الله عز وجل، وتقديس له لأنه الذي سخر للناس هذا المركوب الذي يركبونه.

أما الدواب والبهائم فقد ذللها الله فصارت مسخرة، ولو عتت لما استفاد الناس منها مع كبر حجمها وقوتها.

قال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ يعني: ما كنا له مطيقين لولا تسخير الله عز وجل وتسهيله وتيسيره، ولو نفرت أو صالت لما استفاد الناس منها، بل يتضررون منها، ولكن بتسخير الله عز وجل وتسهليه وتيسيره حصلت الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وكان الناس يقطعون بها الفيافي، ويبلغون فيها أماكن لا يبلغونها إلا بشق الأنفس.

قوله: [ (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) ].

البر والتقوى: كلمتان إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفردت إحداهما عن الأخرى شملت المعنى الذي تفرق عند الاجتماع، فالبر عند إطلاقه يشمل كل الأوامر والنواهي، والتقوى إذا انفردت تشمل كل الأوامر والنواهي، ولكن إذا جمع بينهما فسر البر بامتثال الأوامر، وفسرت التقوى باجتناب النواهي، فهما من جنس الفقير والمسكين، والإسلام والإيمان، فهذه ألفاظ إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا فرق بينها في الذكر بأن جاء أحدها ليس معه الآخر فإنه يستوعب المعاني التي وزعت عند الاجتماع.

قوله: [ (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) ].

يعني: وفقنا فيه للأعمال الصالحة التي ترضاها لنا وتقبلها منا.

قوله: [ (اللهم هون علينا سفرنا هذا ) ].

يعني: اجعله هيناً سهلاً لا يصيبنا فيه نصب ولا تعب، ولا مشقة.

قوله: [ (اللهم اطو لنا البعد) ].

يعني: المسافة الطويلة اجعلنا نقطعها بسهولة ويسر، بدون أن نشعر بعناء ومشقة.

وقد مر بنا الحديث: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى)، معناه أن السير في الليل فيه نشاط وقوة، ولا يوجد عناء ومشقة مثلما يكون في النهار من الحر وشدة الشمس، فيكون هناك نشاط، فيقطع الناس المسافة وهم مرتاحون لم يشعروا بنصب ومشقة، أما إذا كانوا في مشقة فإنهم يجدون أنهم يمشون والأرض أمامهم طويلة ما حصل لهم ارتياح في السير.

قوله: [ (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال) ].

هذا مر ذكره في الحديث السابق.

قوله: [ (وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن:) ].

أي: أن المكان الذي انتهى إليه وقصده انتهى شغله فيه وأراد أن يرجع إلى أهله، فإنه يقول هذا الدعاء، ويزيد: (آيبون) من الإياب والرجوع (تائبون عابدون لربنا حامدون) وهذا في حال الرجوع والانصراف من السفر، فيأتي بالدعاء المتقدم الذي يكون عند ابتداء السفر، ويضيف إليه هذا الذكر الذي هو (آيبون.. إلى آخره).

قوله: [ (وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا) ].

يعني: عند الصعود يكبرون، وعند النزول يسبحون تعظيماً لله عز وجل، والثناء عليه بالمحامد التي هو أهل لها، والتسبيح: هو تنزيه وتقديس لله عز وجل عن كل ما لا يليق به سبحانه وتعالى.

(فوضعت الصلاة على ذلك) يعني: فيها تكبير وتسبيح.

والتكبير في العلو، والتسبيح في الهبوط خاص بالسفر.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن جريج ].

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: أخبرني أبو الزبير ].

أبو الزبير مر ذكره.

[ أن علياً الأزدي أخبره ].

علي بن علي الأزدي ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا سافر.

حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عجلان قال: حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللهم اطو لنا الأرض، وهون علينا السفر) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب ما يقول الرجل إذا سافر. أي: الدعاء الذي يدعو به المسافر عند سفره، وقد أورد أبو داود رحمه الله في كتاب الجهاد جملة من الأحاديث تتعلق بآداب السفر، وذلك لأن الجهاد يكون غالباً عن طريق السفر، لأنهم يخرجون من بلادهم يقاتلون في سبيل الله، وليسوا باقين في بيوتهم إن جاءهم العدو دفعوه، بل يعقدون الألوية ويذهبون للجهاد في سبيل الله ودعوة الناس إلى أن يدخلوا في دين الله، ويغزون الكفار في بلادهم.

فالجهاد يحصل عن طريق السفر، كما أن السفر يكون في غيره، ولكنه من أجل أن الجهاد يكون فيه السفر أورد هذه الآداب في كتاب الجهاد؛ لأن سفر الجهاد أفضل الأسفار، وهو خير الأسفار؛ لأنه سفر لإعلاء كلمة الله، وانتصار المسلمين على غيرهم من الكفار، فمن أجل هذا أورد أبو داود رحمه الله جملة من آداب السفر -سواء للجهاد أو غير الجهاد- في كتاب الجهاد.

ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال: (اللهم أنت الصاحب في السفر) يعني: الصاحب الذي يكون معهم فيحفظهم ويكلؤهم ويرعاهم، ويحوطهم بحفظه ورعايته سبحانه وتعالى، (والخليفة في الأهل) يعني: يكون معه في سفره يرعاه ويحفظه ويخلفه في أهله في حفظهم ورعايتهم، وتحصيل ما يفيدهم، وتحقيق ما يريدون، فهو سبحانه وتعالى المصاحب للمسافر في سفره، وهو الخليفة له في أهله، يعني: فهو يسأل الله عز وجل أن يكون معه في سفره بالتوفيق والتسديد، والحفظ والرعاية، وأن يكون لأهله حافظاً وراعياً وموفقاً ومسدداً، فيسأل له ولغيره في سفره، ولمن وراءه من أهله.

قوله: [ (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر) ].

وعثاء السفر: شدته وتعبه، وما يحصل فيه من المصائب والبلاء والمشقة والعناء.

قوله: [ (وكآبة المنقلب) ].

بأن ينقلب من سفره وقد حصل له بلاء أو مصائب أو أضرار أو كونه أراد المهمة التي سافر من أجلها فلم يحصل على ما يريد فرجع بدون طائل.

وكذلك أيضاً فيما يتعلق بأهله أن يرجع إليهم وقد حصل لهم بلاء أو أضرار، أو فقد أحداً منهم، فيكون كئيباً حزيناً مكتئباً للأمر الذي حصل له، أو الأمر الذي حصل لأهله، فإذا رجع يرجع وقد أصيب بشيء من هذه المصائب، أو لما فاته من الخير الذي أراده.

قوله: [ (وسوء المنظر في الأهل والمال) ].

يعني: كونه تكون مصائب في الأهل ومصائب في المال، فيكون المنظر سيئاً بأن يحصل للمال احتراق أو أي مصيبة تصيبه وتحصل له، بحيث يرجع صاحبه فيراه على وجه يسوءه، وكذلك أيضاً بالنسبة لأهله كونه يرى فيهم شيئاً يسوءه سواء في أخلاقهم أو خلقهم.

قوله: [ (اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر) ].

يعني: كون الأرض تطوى لهم بمعنى أنهم يقطعونها بسهولة ويسر، وكذلك يهون عليهم السفر فيكون سهلاً ليس فيه عناء ولا نصب، ولا يصيبهم بلاء ولا تعب.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا يحيى ].

يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن عجلان ].

محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثني سعيد المقبري ].

سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن علياً الأزدي أخبره أن ابن عمر رضي الله عنهما علمه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14] اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، اللهم اطو لنا البعد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاء السفر، أنه كان إذا ركب على دابته يكبر ثلاثاً يقول: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14].

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا أي: المركوب وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ، وهذا نص الآية التي في القرآن، يقول تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13]، فجاء هذا الثناء على الله عز وجل بهذه الإشارة التي تصلح لكل مركوب، يعني: سواء يكون في البر أو البحر أو الجو كل ذلك يقال فيه: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا .

وجاء فيه بالإشارة دون أن يحدد الشيء الذي يركب ويبين عينه ونوعه، فصار الدعاء صالحاً لكل مركوب، بحيث الإنسان إذا ركب سيارة، أو ركب طيارة، أو ركب بعيراً، أو ركب حماراً، أو ركب حصاناً، أو ركب سفينة، كل ذلك يأتي بهذه الصيغة: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ يعني: ثناء على الله عز وجل، وتقديس له لأنه الذي سخر للناس هذا المركوب الذي يركبونه.

أما الدواب والبهائم فقد ذللها الله فصارت مسخرة، ولو عتت لما استفاد الناس منها مع كبر حجمها وقوتها.

قال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ يعني: ما كنا له مطيقين لولا تسخير الله عز وجل وتسهيله وتيسيره، ولو نفرت أو صالت لما استفاد الناس منها، بل يتضررون منها، ولكن بتسخير الله عز وجل وتسهليه وتيسيره حصلت الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وكان الناس يقطعون بها الفيافي، ويبلغون فيها أماكن لا يبلغونها إلا بشق الأنفس.

قوله: [ (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) ].

البر والتقوى: كلمتان إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفردت إحداهما عن الأخرى شملت المعنى الذي تفرق عند الاجتماع، فالبر عند إطلاقه يشمل كل الأوامر والنواهي، والتقوى إذا انفردت تشمل كل الأوامر والنواهي، ولكن إذا جمع بينهما فسر البر بامتثال الأوامر، وفسرت التقوى باجتناب النواهي، فهما من جنس الفقير والمسكين، والإسلام والإيمان، فهذه ألفاظ إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا فرق بينها في الذكر بأن جاء أحدها ليس معه الآخر فإنه يستوعب المعاني التي وزعت عند الاجتماع.

قوله: [ (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) ].

يعني: وفقنا فيه للأعمال الصالحة التي ترضاها لنا وتقبلها منا.

قوله: [ (اللهم هون علينا سفرنا هذا ) ].

يعني: اجعله هيناً سهلاً لا يصيبنا فيه نصب ولا تعب، ولا مشقة.

قوله: [ (اللهم اطو لنا البعد) ].

يعني: المسافة الطويلة اجعلنا نقطعها بسهولة ويسر، بدون أن نشعر بعناء ومشقة.

وقد مر بنا الحديث: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى)، معناه أن السير في الليل فيه نشاط وقوة، ولا يوجد عناء ومشقة مثلما يكون في النهار من الحر وشدة الشمس، فيكون هناك نشاط، فيقطع الناس المسافة وهم مرتاحون لم يشعروا بنصب ومشقة، أما إذا كانوا في مشقة فإنهم يجدون أنهم يمشون والأرض أمامهم طويلة ما حصل لهم ارتياح في السير.

قوله: [ (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال) ].

هذا مر ذكره في الحديث السابق.

قوله: [ (وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن:) ].

أي: أن المكان الذي انتهى إليه وقصده انتهى شغله فيه وأراد أن يرجع إلى أهله، فإنه يقول هذا الدعاء، ويزيد: (آيبون) من الإياب والرجوع (تائبون عابدون لربنا حامدون) وهذا في حال الرجوع والانصراف من السفر، فيأتي بالدعاء المتقدم الذي يكون عند ابتداء السفر، ويضيف إليه هذا الذكر الذي هو (آيبون.. إلى آخره).

قوله: [ (وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا) ].

يعني: عند الصعود يكبرون، وعند النزول يسبحون تعظيماً لله عز وجل، والثناء عليه بالمحامد التي هو أهل لها، والتسبيح: هو تنزيه وتقديس لله عز وجل عن كل ما لا يليق به سبحانه وتعالى.

(فوضعت الصلاة على ذلك) يعني: فيها تكبير وتسبيح.

والتكبير في العلو، والتسبيح في الهبوط خاص بالسفر.

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن جريج ].

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: أخبرني أبو الزبير ].

أبو الزبير مر ذكره.

[ أن علياً الأزدي أخبره ].

علي بن علي الأزدي ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.