شرح سنن أبي داود [247]


الحلقة مفرغة

شرح حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من غض البصر.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك).

أورد أبو داود [ باب ما يؤمر به من غض البصر ].

وغض الأبصار مطلوب من الرجال والنساء، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ثم قال في الآية التي بعدها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] فغض البصر مطلوب، فالرجال يغضون الأبصار عن النساء، والنساء يغضضن الأبصار عن الرجال.

وأورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، ومعناه أن الإنسان إذا وقع بصره على امرأة فجأة من غير اختيار فإنه لا يواصل ويستمر، وإنما عليه أن يصرف بصره ذلك الذي حصل اتفاقاً من غير قصد، وهو معذور فيه، وأما إذا أمعن النظر وداوم واستمر فإن هذا يكون مؤاخذاً عليه ومنهياً عنه.

وذكر النظر في كتاب النكاح لعله لكون النظر منه ما هو مشروع، وهو النظر إلى المخطوبة ومنه ما هو غير مشروع.

تراجم رجال إسناد حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يونس بن عبيد ].

يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن سعيد ].

هو عمرو بن سعيد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي زرعة ].

هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جرير ].

هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (لا تتبع النظرة النظرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري أخبرنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـعلي : يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) ].

أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يوضح قوله: (اصرف بصرك).

ومعنى الحديث أن النظرة الأولى التي حصلت من غير قصد ومن غير اختيار هو معذور فيها، ولا يواصل ويتبع النظرة النظرة؛ لأن الأولى حصلت وهو معذور فيها، وليست له التي تليها؛ لأنها تكون بقصد وذلك لا يسوغ، فالحديث الثاني يوضح الحديث الأول.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تتبع النظرة النظرة)

قوله: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ].

إسماعيل بن موسى الفزاري صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ أخبرنا شريك ].

شريك مر ذكره.

[ عن أبي ربيعة الإيادي ].

قيل: اسمه عمر بن ربيعة ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن ابن بريدة ].

هو عبد الله بن بريدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) ] والمباشرة هي المس واتصال الجسم بالجسم، بمعنى أنها تلمسها أو تضع يدها على جسمها لتدرك مدى نعومتها، فهذا هو المقصود من المباشرة؛ وذلك لأن هناك نظراً وهناك مباشرة، فالنظر يكون بإطلاق البصر إليها، وأما المباشرة فتكون بوضع اليد على جسمها لتعرف المرأة بالملامسة مدى نعومة الجسم، فليس للمرأة أن تفعل ذلك من أجل أن تصفها لزوجها أو تصفها لأحد من الناس كأنه ينظر إليها.

لكن إذا أرسل الرجل إحدى محارمه لتنظر إلى امرأة وتصفها له ليخطبها فذلك لا بأس به لأنه قد تعلق به غرض صحيح مشروع.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو عوانة ].

قد مر ذكره.

[ عن الأعمش ].

الأعمش مر ذكره.

[ عن أبي وائل ].

هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن مسعود ].

هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإنه يضمر ما في نفسه) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب أم المؤمنين فقضى حاجته منها ثم قال لأصحابه: [ (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإن ذلك يضمر ما في نفسه) ].

ومعناه أن ذلك الذي معها هو موجود مع أهله، فيقضي حاجته مما أحل الله ولا يطلق بصره وينظر إلى ما حرم الله.

فإذا وجدت منه الشهوة ووجدت منه الرغبة لكونه رأى شيئاً -سواء بقصد أو بغير قصد- فالمشروع في حقه أن يقضي حاجته من أهله؛ لأنه بذلك يضمر ما في نفسه، أي أنه يحصل إضعاف الشهوة وإضعاف القوة التي فيه، هذا هو المقصود بالإضمار، فهو من الضمور الذي هو ضد القوة والنشاط.

تراجم رجال إسناد حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام ].

هو هشام الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من رباعيات أبي داود ؛ لأن بين أبي داود فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.

شرح حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر أخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تُمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) ].

قول ابن عباس [ ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ] المقصود باللمم صغائر الذنوب، يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] يعني الذنوب التي هي صغائر، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، فـابن عباس رضي الله تعالى عنه يبين أن اللمم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم يفسر بما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة) ].

قال صلى الله عليه وسلم: [ (فزنا العينين النظر) ]، فسمى مقدمة الزنا زنا وأطلق على المقدمة اسم النهاية، وذلك لأن النظر ومداومة إطلاق النظر قد يتبعه وقد يترتب عليه حصول الزنا.

قال: [ (وزنا اللسان المنطق) ] يعني الكلام، وذلك بأن يأتي بكلام فيه تعريض أو فيه تصريح أو ما إلى ذلك، فهو مقدمة ووسيلة إلى الزنا.

قال: [ (والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ]، فما يكون من الفرج هو النهاية، فإذا حصل الزنا -والعياذ بالله- فإنه يكون قد حصل التصديق لهذه المقدمات ولهذه الوسائل ولهذه البدايات، فصارت النهاية وقوع الجريمة ووقوع الضرر الكبير ووقوع الجرم العظيم الذي هو الزنا.

وقوله: [ (أو يكذبه) ] يعني: فلا يحصل شيء، وإنما تنتهي المسألة عند الصغائر، لكن الصغائر قد تلتحق بالكبائر، وذلك بكون الإنسان يداوم ويصر عليها، فإنها تضخم وتعظم حتى تلتحق بالكبائر، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. فالكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، والصغيرة مع الإصرار تضخم وتعظم؛ لأن صاحبها ليس عنده اكتراث وليس عنده خوف من الله عز وجل، فهو مصر عليها ومداوم عليها، فقد تلتحق بالكبائر.

والصغائر يكفرها اجتناب الكبائر، كما في جاء في الحديث (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).

وقوله: [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) ] الكتابة هنا كتابة قدرية؛ لأن الكتابة تكون شرعية وتكون قدرية كونية، والكتابة القدرية الكونية هي التي في اللوح المحفوظ، فما كتب الله في اللوح المحفوظ فإنه يقع، وما قدر الله أن يكون فإنه لابد من أن يكون، أما الكتابة الشرعية فمثل قول الله عز وجل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45] يعني: فرضنا وأوجبنا وحكمنا بأن النفس بالنفس، ولكن الكتابة المذكورة في الحديث كتابة قدرية.

والمقصود بقوله: [ (ابن آدم) ] فيه أقوال، والذي يظهر أن المقصود بذلك من كان كتب عليه ذلك، ولا يعني أن كل بني آدم كتب عليهم ذلك، فإن من عباد الله ومن خلق الله ومن أولياء الله من يعصمه الله عز وجل من ذلك، فالكتابة ليست على كل أحد، والعموم فيها ليس بمراد على الإطلاق؛ لأن من بني آدم رسل الله، ومنهم الصديقون، ومنهم أولياء الله عز وجل الذين يبتعدون ويحرصون على الابتعاد عن الصغائر فضلاً عن الكبائر، وعلى هذا فيكون المراد بابن آدم من حصل منه ذلك، أما من عصمه الله ومن وفقه الله فلم يكن من أهل الزنا فإنه لا يحصل منه ذلك، وليس مكتوباً عليه؛ لأن المكتوب لابد من أن يقع، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وقد يقال: إذا كانت هذه الأمور مكتوبة على ابن آدم لا محالة فهل يحاسب على فعله؟

والجواب: نعم يحاسب على فعله؛ لأن كل شيء مكتوب على ابن آدم، فالكفر مكتوب على ابن آدم، والإسلام مكتوب على ابن آدم، وكل ما يقع ويحصل في الوجود لبني آدم مكتوب على ابن آدم، لكن لا يحصل ذلك الذي كتب عليه من غير اختياره ومن غير إرادته، وليس هو مجبوراً على ذلك، فالله كتب والعبد اكتسب، ولهذا يمدح ويذم، ولو كان الإنسان ليس له إرادة ولا مشيئة فكيف يمدح وكيف يذم وكيف يعاقب ويجازى على الإحسان إحساناً وعلى الإساءة عقوبة؟! ذلك لأن الإنسان له اكتساب في هذا من ناحية أنه مختار وعنده إرادة وعنده مشيئة، وأما كون الإنسان مجبوراً على أفعاله فهذا ليس بصحيح، فمذهب الجبرية باطل، ومذهب القدرية الذين يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم والله ما قدرها عليهم كذلك باطل، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فالله تعالى قدر، وهو خالق كل شيء، وما قدره الله لابد له من أن يوجد، والعبد له إرادة ومشيئة واختيار، ولهذا يفرق بين الشيء الذي يكون من إرادة الإنسان والذي ليس من إرادة الإنسان، ولهذا يعرفون الفاعل في علم النحو فيقولون: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث. فالإنسان إذا قيل عنه: أكل وشرب فالأكل فعل للإنسان مضاف إليه، لكن الأكل والشرب الذي يحصل للإنسان قد قدره الله تعالى وكتبه، وما شاء الله كان، وكل شيء وقع ووجد عرفنا أنه مقدر؛ لأنه ما شاء الله كان، لكن هل يقع والإنسان مجبور عليه وليس له إرادة وليس له اختيار؟! لا، بل له إرادة وله اختيار وله مشيئة تدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، وقيام الحدث به ليس من فعله، كأن يقال: مرض فلان ومات فلان. فالمرض ليس فعلاً له، بل هو شيء خارج عن إرادة الإنسان، وقولنا: (مات فلان) فلان فيه فاعل، وهو ما فعل الموت، ولكن قام به الموت، والله تعالى هو الذي خلقه فيه وأوجده.

ففرق بين (أكل وشرب) وبين (مرض) وفرق بين الذي يتصرف بأعضائه وبين من ترتعش يده، فالذي ترتعش يده ليس ذلك من فعله، وضربه وأكله وشربه من فعله، ففعله يستحق عليه العقوبة إذا كان سيئاً، وأما الشيء الذي ليس من فعله فلا يعاقب عليه الإنسان.

فإذا كان إنسان يضرب الناس ويؤذيهم فأتى إليه أحد ليؤاخذه على هذا فإنه إذا ضربه من أجل أن يمتنع لأنه قادر على ذلك فضربه عمل صحيح، لكن لا يؤتى إلى شخص ترتعش يده فيضرب ويقال له: أوقف حركة يدك. لأن هذا ليس من فعل الإنسان، ولكن يوصف الإنسان بأنه مرتعش أو أن فيه وصف كذا وكذا.

فالشيء الذي ليس فيه للإنسان إرادة من مثل هذا القبيل.

فالجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وإنه مثل الأشجار التي تحركها الرياح ومثل الريشة التي تطير في الهواء، فحركاته ليست باختياره. وهذا جانب.

ويقابله جانب المعتزلة القائلين بخلق أفعال العباد، والذين يقولون: إن الله ما قدر أفعال العباد، وإن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم. ولهذا قيل: إنهم مجوس هذه الأمة. والحق وسط، فالله تعالى خالق ومريد، وإذا أراد الشيء كان، والعبد مختار ومكتسب، فيمدح ويذم على ما يحصل منه من الكسب، ويثاب ويعاقب على ما يحصل منه من الكسب، ولكن لا تخرج مشيئته وإرادته عن مشيئة الله وإرادته، كما قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بعض أصحابه عن العمل هل هو فيما يستقبل أو في أمر قد فرغ منه أخبرهم أنه في أمر قد فرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟! فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ييسرون لعمل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة).

تراجم رجال إسناد حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

هو محمد بن عبيد بن حساب ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن ثور ].

هو محمد بن ثور الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن طاوس ].

هو عبد الله بن طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ مما قال أبو هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.

شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا)

قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لكل ابن آدم حظه من الزنا -بهذه القصة- قال: واليدان تزنيان، فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القبل) ].

أورد أبو داود حديثاً بالمعنى الذي سبق في حديث أبي هريرة وفيه: [(واليدان تزنيان فزناهما البطش)] يعني التناول والمس وما إلى ذلك.

قال: [ (والرجلان تزنيان، فزناهما المشي) ].

يعني المشي إلى المعصية وإلى الفاحشة وإلى البحث عنها والسعي للوصول إليها.

فالعين تنظر، واليد تلمس وتمد، والرجل تمشي، واللسان يتكلم، وكل ذلك فيما يتعلق بالفاحشة، والنهاية الفرج، فإن وجد منه تصديق ذلك انتهت تلك إلى غاية سيئة، وإن لم تحصل تلك الغاية فإن الفرج يتخلف عن الوقوع في الفاحشة.

وتلك المقدمات إذا لم يصر الإنسان عليها ولم يسع إلى الفاحشة ولم يجتهد في الوصول إليها فإنها تكفر، وأما إذا كان الإنسان مصراً ينتهز الفرص التي تؤدي إلى الفاحشة ويتحينها حتى يقع فيها ولم يتركها إلا بسبب العجز عن الوصول إليها فإن تلك الأفعال التي يفعلها من كلام أو لمس أو مشي فإنه يؤاخذ بها؛ لأن هذه أعمال وحركات مقصودة ومتعمدة.

تراجم رجال إسناد حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حماد ].

هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سهيل بن أبي صالح ].

سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والبخاري روى له مقروناً.

[ عن أبيه ].

هو أبو صالح السمان ، اسمه ذكوان ولقبه السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) من طريق ثانية وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه القصة، قال: (والأذن زناها الاستماع) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه زيادة أن الأذن زناها الاستماع، أي: الاستماع إلى ما يتعلق بالفاحشة.

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عجلان ].

هو محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن القعقاع بن حكيم ].

القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي صالح عن أبي هريرة ].

قد مر ذكرهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من غض البصر.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك).

أورد أبو داود [ باب ما يؤمر به من غض البصر ].

وغض الأبصار مطلوب من الرجال والنساء، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ثم قال في الآية التي بعدها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] فغض البصر مطلوب، فالرجال يغضون الأبصار عن النساء، والنساء يغضضن الأبصار عن الرجال.

وأورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، ومعناه أن الإنسان إذا وقع بصره على امرأة فجأة من غير اختيار فإنه لا يواصل ويستمر، وإنما عليه أن يصرف بصره ذلك الذي حصل اتفاقاً من غير قصد، وهو معذور فيه، وأما إذا أمعن النظر وداوم واستمر فإن هذا يكون مؤاخذاً عليه ومنهياً عنه.

وذكر النظر في كتاب النكاح لعله لكون النظر منه ما هو مشروع، وهو النظر إلى المخطوبة ومنه ما هو غير مشروع.

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يونس بن عبيد ].

يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن سعيد ].

هو عمرو بن سعيد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي زرعة ].

هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جرير ].

هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.