خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح سنن أبي داود [221]
الحلقة مفرغة
شرح حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن)
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله بن عتبة - عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
قوله: [ باب الطواف الواجب ].
الطواف الواجب في العمرة هو طواف العمرة، وهو ركن من أركان العمرة، أما الطواف الواجب في الحج فطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، وطواف الوداع واجب من واجبات الحج، وكذلك إذا نذر الإنسان أن يطوف فإنه يكون واجباً عليه، وقال بعض أهل العلم: إن طواف القدوم واجب.
وقد عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة وأتى بالأحاديث التي فيها طواف القدوم، ولعل في إيراد الأحاديث تحت هذه الترجمة إشارة إلى أنه يرى أن طواف القدوم واجب، وذلك في حق من كان قارناً أو مفرداً، أما من كان متمتعاً فإنه يطوف طواف العمرة وهو يغني عن طواف القدوم، وهذا مثل كون الإنسان إذا دخل المسجد والصلاة قائمة فإنه يصلي الفرض وهو يغني عن تحية المسجد، فكذلك عندما يدخل المسجد الحرام فإنه يطوف طواف العمرة وهذا الطواف يغني عن طواف القدوم، وأما من كان حاجاً مفرداً أو قارناً فإنه يطوف طواف القدوم؛ لأن الذي عليه من الطواف الواجب هو طواف الحج والعمرة إذا كان قارناً وكذلك إذا كان مفرداً، أما طواف الإفاضة فإنه يكون بعد الحج، سواء كان قراناً أو إفراداً أو تمتعاً؛ لأن طواف الإفاضة لازم في حق الجميع، وهو إنما يكون بعد الإفاضة من عرفة ومن مزدلفة.
وعلى هذا فطواف القدوم من العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه من قبيل المستحب؛ لأن الإنسان يمكن أن يتركه، كما لو جاء الحاج متأخراً وذهب إلى عرفات رأساً ولم يدخل مكة إلا بعد الحج فليس بلازم عليه أن يطوف طواف القدوم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أول ما دخل مكة، فدل هذا على أن القارنين والمفردين إذا دخلوا مكة فإنهم يطوفون طواف القدوم، ويسعون سعي العمرة والحج بعد طواف القدوم، هذا في حق القارن والمفرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعدما طاف طواف القدوم وكان قارناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
يعني: أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير، وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لأن الناس غشوه وازدحموا حوله، فأراد أن يكون على بعير حتى يشرف على الناس، وحتى يأخذ الناس عنه المناسك، وحتى يسمعوا كلامه ويرون فعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث جابر : (فإن الناس غشوه) يعني: ازدحموا حوله صلى الله عليه وسلم فركب البعير.
قوله: [ (وكان يستلم الركن بمحجن) ] المحجن: هو عصا منحنية الرأس، كان صلى الله عليه وسلم يضعها على الحجر ثم يقبلها، ودل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف أول ما قدم مكة وكان على بعير، وأيضاً يدل على صحة طواف الراكب، ويدل أيضاً على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ لأن كون البعير يدخل المسجد ويطاف عليه حول الكعبة قد يكون هناك روث وبول، فدل ذلك على طهارة الأبوال والأرواث مما هو مأكول اللحم، ومما يدل على طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل للاستشفاء، ولو كان بولها نجساً لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن التداوي بالحرام، فدل هذا على أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر وليس بنجس.
تراجم رجال إسناد حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن)
هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
ابن شهاب مر ذكره، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده)
في هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم عام الفتح مكة طاف على بعير يستلم الركن بمحجن، وهذا ليس فيه طواف قدوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر عليه الصلاة والسلام، وإنما طاف عليه الصلاة والسلام تطوعاً، وهذا من الأدلة الدالة على جواز التطوع بالطواف في أي وقت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وهو بمكة عام الفتح، ولم يكن ذلك طواف عمرة وإنما كان طواف تطوع، فدل هذا على أن التطوع بالطواف مشروع، وأما السعي فلا يأتي الإنسان إلا بالسعي الواجب، أي: لا يسعى الإنسان بين الصفا والمروة تطوعاً مثلما يتطوع بالطواف؛ لأن السعي بين الصفا والمروة إنما يكون للحج والعمرة، سواء كانت عمرة مستقلة لا علاقة لها بالحج، أو عمرة تمتع أو قران مع الحج، أما سعي الحج فيكون بعد الحج أو قبله.
إذاً: هذا الحديث فيه أنه طاف عليه الصلاة والسلام على بعير وكان يستلم الركن بمحجن ولم يكن محرماً.
تراجم رجال إسناد حديث: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده)
مصرف بن عمرو اليامي ثقة، أخرج له أبو داود .
يونس بن بكير صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه .
[ حدثنا ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ].
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ].
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن صفية بنت شيبة ].
صفية بنت شيبة رضي الله عنها، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن)
قوله: [ (رأيت النبي عليه الصلاة والسلام طاف على بعير يستلم الركن بمحجنه ويقبله) ] يعني: يقبل الذي لامس الحجر من المحجن.
إذاً: هذا يدل على أن الحجر يقبل مباشرةً، وإذا لم يتمكن الإنسان من ذلك استلمه بيده أو بمحجن أو بعصا أو ما إلى ذلك ثم يقبل ما استلمه به، والأمر الثالث الذي أشرنا إليه آنفاً أنه يشار إليه، هذا إذا كان الإنسان ليس قريباً منه ولا يستطيع التقبيل مباشرة ولا الاستلام بمحجن ونحوه.
قوله: [ (ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعاً على راحلته) ].
يعني: أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى الصفا والمروة وطاف بينهما على راحلته، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم طاف وسعى بين الصفا والمروة على البعير، وفعل ذلك ليراه الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن)
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ ومحمد بن رافع ]
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[ حدثنا أبو عاصم ].
هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معروف يعني ابن خربوذ المكي ].
معروف بن خربوذ المكي صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه .
[ حدثنا أبو الطفيل ].
هو عامر بن واثلة رضي الله عنه، وهو آخر الصحابة موتاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ...)
قوله: [ (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة؛ ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه) ] يعني: أحاطوا به وازدحموا عليه، كل يريد أن يقرب منه وأن يشاهده ويعاينه صلى الله عليه وسلم، فركب على بعيره يطوف عليه ويسعى عليه صلى الله عليه وسلم؛ ليراه الناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
تراجم رجال إسناد حديث: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ...)
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
يحيى هو القطان وقد مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته...)
قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته) ].
يعني: أن السبب في طوافه على الراحلة كونه يشتكي، لكن تقدم في حديث جابر رضي الله عنه أن السبب في ذلك ليشرف فإن الناس غشوه.
فقوله: [ (وهو يشتكي) ] هذه اللفظة جاءت من طريق يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وكونه طاف على بعير واستلم الركن بمحجن هو ثابت في الأحاديث الأخرى.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته...)
مر ذكره.
[ حدثنا خالد بن عبد الله ].
هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن أبي زياد ].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ]
مر ذكره.
حكم الاستلام في أول الطواف وآخره في الشوط السابع
هذا كما مر في الحديث السابق أنه كان يستلمه في كل طوفة.
وهذا لم ينفرد به يزيد بن أبي زياد، بل قد رواه غيره كما مر.
أما الاستلام في آخر الطواف في الشوط السابع فالذي يظهر أنه كلما أتى على الحجر فإنه يستلمه، سواء كان في الأول أو في الآخر، كلما حاذاه يستلمه.
قوله: [ (فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين) ].
يعني: ركعتي الطواف.
شرح حديث أم سلمة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة...)
قول أم سلمة : [ (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي) ] يعني: من المرض.
قولها: [ (فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) ] وذلك لأنه قد يحصل من المركوب بعض الإيذاء للناس، فكونه يكون من وراء الناس يكون أسلم لهم، وحتى لا يتعرض أحد منهم لشيء من الأذى من المركوب، فهذا يدل على جواز الطواف راكباً، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً ليراه الناس، وأما هي فلأنها كانت تشتكي، فدل هذا على أنه يسوغ للإنسان أن يطوف راكباً، وأنه إذا كان يشتكي فالأمر كما قال الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا كان لا يشتكي، ولكن قد تناله مشقة فله أن يطوف وهو محمول على العربة، وكذلك الأمر في السعي بين الصفا والمروة.
تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة...)
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ].
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن زينب بنت أبي سلمة ].
زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم سلمة ].
أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين، وهي هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أما كونه صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور وكتاب مسطور فذلك كان في صلاة الفجر، وأم سلمة كانت تطوف من ورائهم وهم يصلون؛ لأن صلاة الجماعة ليست واجبة على النساء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الطواف الواجب.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله بن عتبة - عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
قوله: [ باب الطواف الواجب ].
الطواف الواجب في العمرة هو طواف العمرة، وهو ركن من أركان العمرة، أما الطواف الواجب في الحج فطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، وطواف الوداع واجب من واجبات الحج، وكذلك إذا نذر الإنسان أن يطوف فإنه يكون واجباً عليه، وقال بعض أهل العلم: إن طواف القدوم واجب.
وقد عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة وأتى بالأحاديث التي فيها طواف القدوم، ولعل في إيراد الأحاديث تحت هذه الترجمة إشارة إلى أنه يرى أن طواف القدوم واجب، وذلك في حق من كان قارناً أو مفرداً، أما من كان متمتعاً فإنه يطوف طواف العمرة وهو يغني عن طواف القدوم، وهذا مثل كون الإنسان إذا دخل المسجد والصلاة قائمة فإنه يصلي الفرض وهو يغني عن تحية المسجد، فكذلك عندما يدخل المسجد الحرام فإنه يطوف طواف العمرة وهذا الطواف يغني عن طواف القدوم، وأما من كان حاجاً مفرداً أو قارناً فإنه يطوف طواف القدوم؛ لأن الذي عليه من الطواف الواجب هو طواف الحج والعمرة إذا كان قارناً وكذلك إذا كان مفرداً، أما طواف الإفاضة فإنه يكون بعد الحج، سواء كان قراناً أو إفراداً أو تمتعاً؛ لأن طواف الإفاضة لازم في حق الجميع، وهو إنما يكون بعد الإفاضة من عرفة ومن مزدلفة.
وعلى هذا فطواف القدوم من العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه من قبيل المستحب؛ لأن الإنسان يمكن أن يتركه، كما لو جاء الحاج متأخراً وذهب إلى عرفات رأساً ولم يدخل مكة إلا بعد الحج فليس بلازم عليه أن يطوف طواف القدوم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أول ما دخل مكة، فدل هذا على أن القارنين والمفردين إذا دخلوا مكة فإنهم يطوفون طواف القدوم، ويسعون سعي العمرة والحج بعد طواف القدوم، هذا في حق القارن والمفرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعدما طاف طواف القدوم وكان قارناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) ].
يعني: أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير، وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لأن الناس غشوه وازدحموا حوله، فأراد أن يكون على بعير حتى يشرف على الناس، وحتى يأخذ الناس عنه المناسك، وحتى يسمعوا كلامه ويرون فعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث جابر : (فإن الناس غشوه) يعني: ازدحموا حوله صلى الله عليه وسلم فركب البعير.
قوله: [ (وكان يستلم الركن بمحجن) ] المحجن: هو عصا منحنية الرأس، كان صلى الله عليه وسلم يضعها على الحجر ثم يقبلها، ودل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف أول ما قدم مكة وكان على بعير، وأيضاً يدل على صحة طواف الراكب، ويدل أيضاً على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ لأن كون البعير يدخل المسجد ويطاف عليه حول الكعبة قد يكون هناك روث وبول، فدل ذلك على طهارة الأبوال والأرواث مما هو مأكول اللحم، ومما يدل على طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل للاستشفاء، ولو كان بولها نجساً لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن التداوي بالحرام، فدل هذا على أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر وليس بنجس.
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].
هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
ابن شهاب مر ذكره، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مصرف بن عمرو اليامي حدثنا يونس -يعني ابن بكير - حدثنا ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: (لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده، قالت: وأنا أنظر إليه) ].
في هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم عام الفتح مكة طاف على بعير يستلم الركن بمحجن، وهذا ليس فيه طواف قدوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر عليه الصلاة والسلام، وإنما طاف عليه الصلاة والسلام تطوعاً، وهذا من الأدلة الدالة على جواز التطوع بالطواف في أي وقت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وهو بمكة عام الفتح، ولم يكن ذلك طواف عمرة وإنما كان طواف تطوع، فدل هذا على أن التطوع بالطواف مشروع، وأما السعي فلا يأتي الإنسان إلا بالسعي الواجب، أي: لا يسعى الإنسان بين الصفا والمروة تطوعاً مثلما يتطوع بالطواف؛ لأن السعي بين الصفا والمروة إنما يكون للحج والعمرة، سواء كانت عمرة مستقلة لا علاقة لها بالحج، أو عمرة تمتع أو قران مع الحج، أما سعي الحج فيكون بعد الحج أو قبله.
إذاً: هذا الحديث فيه أنه طاف عليه الصلاة والسلام على بعير وكان يستلم الركن بمحجن ولم يكن محرماً.