شرح سنن أبي داود [131]


الحلقة مفرغة

شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد جالساً من طريق جابر الجعفي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نسي أن يتشهد وهو جالس.

حدثنا الحسن بن عمرو عن عبد الله بن الوليد عن سفيان عن جابر - يعني الجعفي - قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو).

قال أبو داود : وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: من نسي التشهد وهو جالس، والأحاديث التي أوردها فيه هي مثل الحديث الذي مر عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، من أن ترك الجلوس والتشهد يكفي فيه سجود، والترجمة قريبة من الترجمة.

فيحتمل أن يكون قوله: من نسي التشهد وهو جالس بمعنى أنه لم يحصل منه جلوس ولا التشهد فيه، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه جلس ولكنه نسي التشهد وهو في حال جلوسه، بمعنى أنه وجد منه واحد وفاته الثاني الذي هو الإتيان بالتشهد، لأن الجلوس يمكن أن يترك ويترك معه التشهد، ويمكن أن يوجد الجلوس ولا يوجد التشهد، بحيث يسهو ولا يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلى آخره، ثم يقوم، ومعنى ذلك: أنه وجد منه جلوس لا تشهد فيه.

وعلى الاحتمال الأول فالترجمتان لا فرق بينهما، وعلى الاحتمال الثاني فإنه يكون بينهما فرق؛ لكن الأحاديث التي أوردها المصنف في الباب فيها أنه قام من الثنتين وترك الجلوس والتشهد معه.

قوله: [ (إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فإنه يجلس) ] أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره ما دام أنه لم يستقر قائماً.

وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام مالم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائماً لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو جبراً لتركه التشهد والجلوس له.

فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام، فإن لم يستقر قائماً عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائماً فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائماً ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وجد السهو منه في هذه الحركة.

ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائماً فعليه أن يرجع، وإن استقر قائماً لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته.

هذا هو حديث المغيرة بن شعبة الذي يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، والكلام فيه كثير، والألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك بسبب طرق وأوجه أخرى تدل على هذا، وإلا فإنه بهذا الإسناد فيه من لا يحتج به، وقد قال أبو داود : ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من طريق جابر الجعفي

قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ].

الحسن بن عمرو ، صدوق أخرج له أبو داود وحده.

[ عن عبد الله بن الوليد ].

صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر -يعني: الجعفي - ].

هو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

قال في عون المعبود: وليس لـجابر بن الجعفي في النسائي وأبي داود سوى حديث واحد في سجود السهو.

وقال المنذري في الحديث: وأخرجه ابن ماجة ، وفي إسناده جابر الجعفي .

[ حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي ].

المغيرة بن شبيل الأحمسي ويقال: شبل، ثقة أخرج له أصحاب السنن.

[ عن قيس بن أبي حازم ].

قيس بن أبي حازم الأحمسي وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عن العشرة المبشرين بالجنة.

[ عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد وهو جالس من غير طريق جابر الجعفي

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن زياد بن علاقة أنه قال: (صلى بنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فنهض في الركعتين، قلنا: سبحان الله! قال: سبحان الله! ومضى، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت).

قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد أنه قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة .

قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ، وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة وعمران بن حصين والضحاك بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن عباس أفتى بذلك وعمر بن عبد العزيز .

قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى بالناس وقام من الثنتين فسبحوا له فقالوا: سبحان الله! فقال: سبحان الله! فمضى، ومعناه أنه سمع تسبيحهم ولكنه واصل الصلاة ولم يرجع إلى ما نبهوه عليه، ولما أنهى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو بعد السلام، ولما انصرف قال: إني صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو الذي جاء في حديث ابن بحينة ، إلا أن في حديث المغيرة بن شعبة أنه سجد بعد السلام، وكان سجوده للسهو عن نقص، وفي حديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام، وكان سجوده عن نقص أيضاً؛ لأن كليهما يتعلق بترك التشهد الأول والجلوس له.

وعلى هذا فإن الإنسان إذا قام من التشهد الأول واستقر قائماً فإنه يواصل ويسجد للسهو قبل السلام أو بعده، فقد جاء في حديث ابن بحينة المتفق على صحته بين البخاري ومسلم وغيرهما أنه سجد قبل السلام، وجاء في حديث المغيرة بن شعبة هذا أنه سجد بعد السلام، وجاء ذلك عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس وعمران بن حصين ومعاوية بن أبي سفيان وأفتى به ابن عباس وعمر بن عبد العزيز .

فهؤلاء سجدوا بعد السلام، فهذا يدل على أن ترك التشهد الأول والجلوس له جاء ما يدل على السجود له قبل السلام وعلى السجود له بعد السلام، وأن عدداً من الصحابة فعلوا مثل هذا الذي فعله المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، فدلت هذه الأحاديث على أنه يصح قبل السلام وبعده، ولكن الأولى أن يكون قبل السلام، لأن حديث ابن بحينة متفق على صحته.

وهذا يدل على ما قاله بعض أهل العلم: إن سجود السهود يجوز كله قبل السلام ويجوز كله بعد السلام، وإن الاختلاف إنما هو في الأفضل هل يكون قبل السلام أو بعده؟ والأفضل هو التفصيل الذي سبق أن عرفناه.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من غير طريق جابر الجعفي

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ].

عبيد الله بن عمر الجشمي هو القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن يزيد بن هارون ].

يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المسعودي ].

هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو صدوق اختلط، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن زياد بن علاقة ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المغيرة بن شعبة ].

وقد مر ذكره.

[ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه ].

هذا طريق آخر غير الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة هي عن زياد بن علاقة عن المغيرة وهنا عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، أي: أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المعروف بالفقه، فإذا جاء في الفقه ذكر ابن أبي ليلى فالمقصود به محمد هذا، وأما أبوه عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمشهور في الفقه -وهو الابن محمد- قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن.

و الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ، تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

خبث الرافضة وحقدهم على الصحابة

نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة منهاج السنة عن الشعبي كلمة تبين جرم علماء الرافضة وبعدهم عن الحق والصواب حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة: إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد!

ومعناه أن اليهود والنصارى أحسن منهم في أصحاب أنبيائهم، لأن أولئك يجعلون أصحاب موسى خير أمة موسى، والنصارى يجعلون أصحاب عيسى خير أمة عيسى، وأما الرافضة فإنهم يجعلون أصحاب محمد شر هذه الأمة.

وقد كتب أحد الرافضة قصيدة ومن جملة ما ذكر فيها: أن سورة التوبة لم تذكر فيها البسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه! هذا مع أن ذكره في سورة التوبة هو في غاية المدح والثناء عليه، وأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، والرسول قال له كما ذكره الله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وفي الصحيحين أنه لما قال له: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)، وسماه الله صاحب رسول الله في هذه السورة حيث قال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40]، فالاثنان هما: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40] أي: الرسول يقول لصاحبه، فسماه الله صاحب رسول الله، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أي: الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر .

ثم يأتي هذا الرافضي ويقول: إن سورة التوبة لم تذكر البسملة في أولها لأنه ذكر فيها أبو بكر ؛ فهل هناك خبث أكثر من هذا الخبث والحقد والغيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ذكر الصحابة الذين فعلوا كما فعل المغيرة في سجود السهو لترك التشهدالأول

قال المصنف رحمه الله تعالى [ ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة ].

أبو عميس هو أخو المسعودي ، واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و ثابت بن عبيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ].

المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وهذا عتبة بن عبد الله بن عتبة .

[ وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة ].

يعني أنه حصل منه صلاة وأنه سها، وأنه سجد للسهو بعد السلام.

[ وعمران بن حصين ].

و الضحاك بن قيس ، وسعد بن أبي وقاص.

سعد هو أحد العشرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعمران بن حصين أبو نجيد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والضحاك بن قيس أخرج حديثه النسائي .

[ ومعاوية ].

معاوية بن أبي سفيان أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ وابن عباس أفتى بذلك ].

يعني أنه سئل وأجاب، وكذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو تابعي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ].

يعني هذا الذي مر ذكره عن هؤلاء، هو في الذين نسوا التشهد الأول وسجدوا بعد أن سلموا.

شرح حديث: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان والربيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد بمعنى الإسناد: أن ابن عياش حدثهم عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير - يعني ابن سالم العنسي - عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير -قال: عمرو وحده: عن أبيه- عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ، ولم يذكر عن أبيه غير عمرو ].

أورد المصنف حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ]، وهذا الحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إنه بإسناد ضعيف، وصححه الألباني وقال: إنه حديث حسن.

وعلى ثبوته يدل على أن سجود السهو يجوز أن يكون كله بعد السلام، لأنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ].

وفسره بعض أهل العلم بأنه يتكرر سجود السهو بتكرر السهو، وأن قوله: (لكل سهو سجدتان) بمعنى أنه لو سها عدة مرات فإنه يسجد لكل سهو سجدتان.

وقال آخرون: إن المقصود به: أنه إذا حصل أي سهو في الصلاة فله سجدتان بعد السلام، وليس معنى ذلك أنه إذا تكرر السهو يتكرر معه السجود، وإنما المقصود بيان أن جميع أنواع السهو -سواء كانت بنقص أو زيادة أو شك - فإنه يسجد لها سجدتين ولا يجوز التكرار، وهذا هو الأقرب من حيث المعنى؛ لأنه لم يأت شيء واضح يدل على تكرار السجود لتعدد السهو، وقد جاء ما يدل على أن تعدد السهو تكفيه سجدتان، وهو حديث ابن بحينة الذي مر.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب في ترجمة أبي زكريا الفراء -وكان نحوياً- أنه قيل له: إذا سها المصلي في صلاته فماذا عليه؟ قال: عليه سجدتان، فقيل له: فلو سها في سجود السهو؟ قال: لا يسجد للسهو؛ لأن المصغر لا يصغر، فاستدل بما يعرفه من علم النحو على ما هنا؛ وذلك لأن السهو جابر لما حصل فيه من النقص، وقد زاد الترمذي من حديث عبد الله ابن بحينة : (وسجدهما، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) فهذا يدل على أن سجود السهو لجبر النقص.

ويدل على ذلك أيضاً ما ورد أن السجود إرغام للشيطان إن كانت الصلاة تامة، وإن كانت ناقصة فهو جبر للنقص؛ لكن السجود لا يكون إلا للشك أو الزيادة أو النقص، ولا يجبر ما كان من النقص في الأركان، فمن نسي ركوعاً أو سجوداً فلا بد من الإتيان به ولا يجبره السجود للسهو، وإنما يجبر الواجبات كالتشهد الأوسط ونحوه، وكذلك لا يؤتى به جبراً للسنن كالإسرار والجهر بالقراءة ودعاء الاستفتاح.

تراجم رجال إسناد حديث (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].

مر ذكره.

[ والربيع بن نافع ].

هو أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ وعثمان بن أبي شيبة ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي أيضاً.

[ وشجاع بن مخلد ].

صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف؛ فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء، أخرج حديثه مسلم وأبو داود وابن ماجة .

والعقيلي رحمه الله يذكر في كتابه الضعفاء أناساً ثقات لأنه تُكُلِّم فيهم، وإن لم يكن الكلام معتبراً ومعتمداً، والذهبي رحمه الله في كتابه الميزان لما ترجم لـعلي بن المديني شيخ البخاري الذي كان البخاري يقول فيه: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني ؛ ذكر أن العقيلي ذكره في الضعفاء، فحمل عليه الذهبي حملاً شديداً وقال: أما لك عقل يا عقيلي ؟! وبعضهم ذكر ابن أبي حاتم في الضعفاء فقال الذهبي : أورده فلان في كتابه في الضعفاء فبئس ما صنع!

ثم قال: إن ابن أبي حاتم ليس فيه إلا أنه كان يفضل علياً على عثمان، وهذه مسألة قال بها بعض السلف، ومنهم الأعمش وابن جرير وعبد الرزاق وقال: إن مثل هذا لا يؤثر.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: أن هذه المسألة من المسائل التي لا يبدع بها، وإنما يبدع من قال: إنه أولى منه بالخلافة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على تقديم عثمان على علي، فمن قال: إنه أولى منه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار.

قوله: [ بمعنى الإسناد ].

أي أن الإسناد الذي يسوقه ليس هذا لفظه فأحدهم يذكر عن الراوي لفظ السماع وبعضهم التحديث.

[ أن ابن عياش حدثهم ].

هو إسماعيل بن عياش، صدوق في حديثه عن الشاميين، مخلط في غيرهم، وهذا من حديثه عن الشاميين فيكون معتبراً ومقبولاً، وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي ].

وهو صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن زهير -يعني ابن سالم العنسي - ].

صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة .

[ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ قال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نسي أن يتشهد وهو جالس.

حدثنا الحسن بن عمرو عن عبد الله بن الوليد عن سفيان عن جابر - يعني الجعفي - قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو).

قال أبو داود : وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: من نسي التشهد وهو جالس، والأحاديث التي أوردها فيه هي مثل الحديث الذي مر عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، من أن ترك الجلوس والتشهد يكفي فيه سجود، والترجمة قريبة من الترجمة.

فيحتمل أن يكون قوله: من نسي التشهد وهو جالس بمعنى أنه لم يحصل منه جلوس ولا التشهد فيه، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه جلس ولكنه نسي التشهد وهو في حال جلوسه، بمعنى أنه وجد منه واحد وفاته الثاني الذي هو الإتيان بالتشهد، لأن الجلوس يمكن أن يترك ويترك معه التشهد، ويمكن أن يوجد الجلوس ولا يوجد التشهد، بحيث يسهو ولا يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلى آخره، ثم يقوم، ومعنى ذلك: أنه وجد منه جلوس لا تشهد فيه.

وعلى الاحتمال الأول فالترجمتان لا فرق بينهما، وعلى الاحتمال الثاني فإنه يكون بينهما فرق؛ لكن الأحاديث التي أوردها المصنف في الباب فيها أنه قام من الثنتين وترك الجلوس والتشهد معه.

قوله: [ (إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فإنه يجلس) ] أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره ما دام أنه لم يستقر قائماً.

وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام مالم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائماً لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو جبراً لتركه التشهد والجلوس له.

فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام، فإن لم يستقر قائماً عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائماً فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائماً ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وجد السهو منه في هذه الحركة.

ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائماً فعليه أن يرجع، وإن استقر قائماً لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته.

هذا هو حديث المغيرة بن شعبة الذي يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، والكلام فيه كثير، والألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك بسبب طرق وأوجه أخرى تدل على هذا، وإلا فإنه بهذا الإسناد فيه من لا يحتج به، وقد قال أبو داود : ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث.

قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ].

الحسن بن عمرو ، صدوق أخرج له أبو داود وحده.

[ عن عبد الله بن الوليد ].

صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر -يعني: الجعفي - ].

هو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

قال في عون المعبود: وليس لـجابر بن الجعفي في النسائي وأبي داود سوى حديث واحد في سجود السهو.

وقال المنذري في الحديث: وأخرجه ابن ماجة ، وفي إسناده جابر الجعفي .

[ حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي ].

المغيرة بن شبيل الأحمسي ويقال: شبل، ثقة أخرج له أصحاب السنن.

[ عن قيس بن أبي حازم ].

قيس بن أبي حازم الأحمسي وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عن العشرة المبشرين بالجنة.

[ عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.