أسباب هلاك الأمم


الحلقة مفرغة

إحياء الموات هو عمارة الأرض التي ليست ملكاً لأحد، فيحييها إما بغرس شجر أو زرع أو غيره، وحكمه الجواز والإباحة، ويشترط فيمن أحيا أرضاً أن يعمرها حقيقة، وألا تكون مختصة بأحد من الناس، أما المعدن فلا يملك بالإحياء؛ لأنه يتعلق بمصالح المسلمين العامة.

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، اللهم لك الحمد حتى ترضى، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك اللهم ربنا ما عبدناك حق عبادتك، وما شكرناك حق شكرك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: أعود مثنياً بالسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع شاهداً لنا، به تقوم الحجة لنا لا علينا بإذن الله جل وعلا.

معاشر الأحبة: والأمر كما ذكر فضيلة الشيخ المقدم: عنوان هذه الكلمة "أسباب هلاك الأمم" وتعلمون، ويعلم كل من نظر في مسرح التاريخ أن هناك أمماً سادت وملكت وشيدت، ثم أهلكت وبادت، وكأنها لم تكن.

ثم انقضت تلك السنون وأهلها     فكأنها وكأنهم أحلام

أين الملوك ذووا التيجان من إرم     وأين ما ساسه في الفرس ساسان

أتى على الكل أمرٌ لا مرد لـه     حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

والهلاك -يا عباد الله!- من سنن الله الكونية لكل أمة أعرضت عن الأخذ بكتابه، وأعرضت عن التمسك بوحيه الذي أنزله صراطاً هادياً للبشر أجمعين: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] إن من أعرض عن ذكر الله جل وعلا، فإن سنة الله فيه أن يهلكه، وأن يعذبه حياً وميتاً، وإن من تمسك بكتاب الله، فإن سنة الله فيه أن يحفظه، وأن ينصره حياً وميتاً، والأمر معروضٌ للبشر، فما سلكوا من أمور الخير، وجدوا ثمرته، وما سلكوا من طريق الشر، جنوا عقوبته الوخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والهلاك -أيها الأحبة!- تغيرٌ يصيب أمة من الأمم بسبب ما غيرته وأحدثته، لقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] لا يأتي الهلاك ابتداءً، ولا يعذب الله أمةً حتى يقيم الحجة عليها: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، فتقوم الحجة على الأمم بالرسل، أو بالوحي، أو بالشرائع، أو بالهدي المبين، ثم بعد ذلك إن هي أخذت وتمسكت بكتاب الله نجت وأفلحت وفازت، وإن هي أعرضت حقت عليها سنة الله في الأولين والآخرين وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الفتح:23] .. وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] سنة لا تحابي أمةً من الأمم، سواء كانت أمةً كردية، أو أمةً عربية، أو أمةً فارسية، أو أمةً أعجمية، فإن سنن الله في هذا الكون لا تتغير ولا تتبدل أبداً.

واعلموا أيها الأحبة! أن أي هلاك يحل بأي أمة من الأمم إنما هو بسبب إحداث وتغيير كما قلنا، فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فإذا كنت في نعمة من دين الله، ونعم الله وفضل الله، فارع هذه النعمة بالمحافظة والتمسك.

إذا كنت في نعمةٍ فارعها     فإن المعاصي تزيل النعم

وحافظ عليها بشكر الإله     فإن الإله سريع النقم

أيها الأحبة: وندخل في موضوعنا مباشرة ألا وهو: ذكر شيء من أسباب الهلاك التي بها تهلك الأمم.

الظلم

من أوائل الأمور التي يحق عليها أمر الله على أمة من الأمم بالهلاك: الظلم؛ والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأظلم الظلم الشرك بالله جل وعلا، وهو: وضع العبادة وصرفها عمن يستحقها إلى من لا يستحقها، ولذلك قال الرجل الصالح لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الظلم درجات، فأعظم الظلم وأشده وأخبثه، وبه يكون هلاك الأعمال، وبه يكون إحباط العمل ألا وهو الشرك بالله، والكفر به جل وعلا: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] .. مَثلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ [إبراهيم:18].. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]، فإن من وقع في أعظم الظلم وهو الكفر، أو الشرك، فإن الله لا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً، كما في الحديث: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)؛ لأن الله جل وعلا لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:13-14]، ويقول تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [الحج:45] وقال سبحانه وتعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35].

الظلم -يا عباد الله!- بمراتبه المختلفة التي قال عنها شيخ الإسلام : إن أعظمها صرف العبادة لغير الله، ويليها درجة ظلم العباد بالتسلط على حقوقهم، وعلى دمائهم، وأعراضهم.

ثم يلي ذلك الظلم درجةً ظلم العبد نفسه بالذنوب والمعاصي.

فأما الظلم الأول: فكما قلنا: لا يقبل الله معه صرفاً ولا عدلاً، ولا يقبل من صاحبه قليلاً ولا كثيراً.

وأما الظلم الثاني: فلا بد لمن وقع فيه أن يتوب إلى الله، فمن وقع في الظلم الثاني ألا وهو أخذ حقوق العباد، والتسلط على حرياتهم وأعراضهم، ودمائهم وأموالهم، فلا يمكن أن يسلم من عاقبة وخيمة لهذا النوع من الظلم إلا من تاب إلى الله توبةً صادقةً نصوحاً، ورد إلى العباد ما ظلمهم وغصبهم، ونال من حقوقهم ومقدراتهم.

والظلم الثالث: وهو ظلم النفوس بالمعاصي والذنوب، فإن كانت ذنوباً تقع من غير إصرار فتلك مكفرة بآيتي النجم والنساء -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ألا وهي قول الله جل وعلا: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] والآية الأخرى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] فمن وقع في صغائر الذنوب من غير إصرار ومن غير استمرار؛ فذلك بإذن الله يكفره ما ورد في هاتين الآيتين، وتكفره أعماله الصالحة؛ من الخطى إلى المساجد، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والصلاة مع الجماعة، والاستغفار، والحسنات الماحية للسيئات، ومن أصرَّ على الذنوب إصراراً فلا بد أن يقلع؛ لأن من أصرَّ على صغيرة كانت في حقه كبيرة، ومن فعل كبيرةً ثم تاب عنها محيت عنه بفضل الله ومنه وكرمه.

فعلى أية حال: لنعلم أيها الأحبة! أن تسلط العباد على أنفسهم سببٌ لهلاكهم في الجملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولنعلم أن من أخبث الظلم: ظلم العباد، وأخذ أموالهم وأراضيهم، ومقدراتهم وحقوقهم، هذا الظلم الذي شاع في عصرنا وفي زماننا هذا، وأصبح الناس لا يهمهم إلا ترتيب حيلة تنطلي على الحكام الذين يقضون بين الناس حتى ينالوا بها أموال غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذا من أخبث أنواع الظلم بعد الشرك:

تنام عينك والمظلوم منتبهٌ     يدعو عليك وعين الله لم تنم

النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، فالظلم شأنه خطير حتى ولو ظلمت كافراً من الكفار، والله! لو ظلمت كافراً من الكفار فلينتقمن الله له إن هو دعا: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، لا يعزب عن علمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.

إذاً: فالتسلط على حقوق العباد لضعف، أو لمسكنةٍ هم فيها، أو لأنهم لا جاه لهم، لا سلطان ولا منـزلة، هذا أمرٌ واقعٌ في هذا الزمان، واقعٌ في كثير من أمم الأرض، التسلط على الضعفاء، التسلط على المساكين، الوشاية بالأبرياء، من أخبث أنواع الظلم أن تشي، وأن تقول: في فلان بن فلان كذا وكذا، وهو خليٌ مما رميته وبهته به، فهذا من أعظم الظلم لعرضه، والله جل وعلا منتقم، والله جل وعلا بالمرصاد، والظلم مكيال؛ بقدر ما تظلم فإن الله يستوفي لك استيفاءً وافياً كاملاً، ويزاد على ذلك عقوبة من الله بسبب جرأة عبده على ظلم غيره.

الظلم يا عباد الله! أمرٌ خطيرٌ جداً، وبه يحصل هلاك الأمم، ضرب البرامكة ونكبوا نكبةً عظيمةً خطيرةً حتى أصبحوا من سوقة الناس وعامتهم، وبالأمس كانوا في قصور الملوك والخلفاء، فجاءت واحدة من بنياتهم تحدث أمها، تقول: يا أماه! ما الذي حول بنا الأحوال، وغير بنا الأمور حتى صرنا إلى ما نحن فيه؟ فقالت: يا بنية! دعوة مظلوم سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ثم أنشدت:

رب قومٍ أمنوا في نعمةٍ     زمناً والدهر ريان غدق

سكت الدهر زماناً عنهمُ     ثم أبكاهم دماً حين نطق

ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإني أحذر كل مسلم من أن يظلم واحداً من إخوانه في عرضٍ أو مالٍ، أو في قليلٍ أو كثير، ومن أخبث هذا أن يشي، أو ينقل المسلم عن أخيه شيئاً ليس فيه، أو أن يزور ويعظم في شأنه أمراً ليس فيه، فإن هذا من أخبث أنواع الظلم، ولقد رأينا مصارع الظالمين في هذا الزمان، والله لقد عرفنا ممن تسلطوا على أهل الخير، ممن تسلطوا على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فكان همهم وجل اهتمامهم أن يتتبعوا زلاتهم، وأن يتربصوا بهم الدوائر، فما كانت العاقبة إلا أن يحيق المكر السيء بأهله، وعلى الباغي تدور الدوائر، ولا نقول هذا شامتين، نعوذ بالله من الشماتة، لا يشمتن مسلمٌ بأخيه فيبتلى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إذا ما الدهر جرَّ على أنـاسٍ     حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا     سيلقى الشامتون كما لقينا

والله لا نشمت، لكنا رأينا مصارع الظالمين، وأقولها وعن تجربة: والله! إن من ظُلم في باب الوشاية والنقل السيء عنه، فعليه بآخر الليل، وعليه بالوتر، وعليه بالدعاء في السجود، والقنوت، والله لينتقمن الله لك ممن ظلمك حتى يفضحه بين رءوس الخلائق؛ لأن الظلم معصية متعدية، رب نوع من الذنوب والمعاصي تكون قاصرة، فالذي يفعل معصية من المعاصي القاصرة على نفسه، لاشك أن وزرها وإثمها عليه، وعاقبتها وخيمة، لكن من اقترف مظلمة تتعدى إلى واحد من المسلمين، سواء في عرضه، أو في ماله، أو بالوشاية عنه، أو في دمه، أو في التسلط عليه، فوالله لينتقمن الله منه، وأخبث الظلم ظلم الضعفاء، هذا أسلوب يمارسه الجبناء، أهل الخسة والدناءة الذين يظلمون الضعفاء، الذين يجدون أقواماً.

أو بعض أقوامٍ ليس لهم سلطان، ولا نصير إلا الله جل وعلا، ونعم المولى ونعم النصير، فأولئك يوم أن يظلموا هؤلاء الضعفاء، والله! إن لهم من الله عقوبة عاجلة في الدنيا، وبلاء وعذاباً مستطيراً في الآخرة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء لما بين شأن أولئك الذين يُوَلَّون أمور الأيتام والوصاية عليهم، قال: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ [النساء:9] اتق الله في الآخرين يحفظ الله ذريتك من بعدك، إذا أردت أن تسلم ذريتك، أن يسلم أطفالك، أن يسلم أهلك وأولادك من بعدك، فاتق الله في الآخرين تحفظ ذريتك من بعدك: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] صلاح أبيهما، وهذا الصلاح يعني: السلامة من الظلم، سَخَّر الله له نبياً من الأنبياء يبني جداراً ليحفظ مال هذين اليتيمين: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:9-10] والله ما من إنسان يَقْدُمُ على الظلم إلا وهي بداية الهلاك، والفلس، والنهاية، والخراب، له ولماله ولبيته.

فيا عباد الله! لننتبه إلى هذه المسألة، ولنحذر منها، وإذا رأينا ظالماً متسلطاً على مسلم فقير لا حول له ولا قوة، فلنجتهد في أن نذهب له، وأن نخوفه بالله.

أعرف قصةً حصلت: رجل في قرية من القرى اشترى بئراً، ولها حريمها بحق التملك، فلما اشتراها أخذ يبسط نفوذه يمنةً ويسرةً على أراضٍ للفقراء والمساكين من حولها، فما كان لهم نصيرٌ إلا الله، فما تركوه ليلة من الدعاء، عجائزهم وشيوخهم من الركع السجود دعوا عليه، فما هي إلا ليلة وجدوه خشبة على فراشه، ما حال بذلك عليه حول، ومصارع الظالمين قريبة عاجلة، ولكن ليبتلي الله عباده، وليظهر آياته وقدرته سبحانه وتعالى حتى ينتبه البشر ويعتبروا بذلك.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السبب الآخر -أيها الأحبة!- من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زمن المتمدنين، وزمن الحضارة تدخلاً في شئون الآخرين.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في هذا الزمن تسلطاً وفضولية.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زماننا هذا مثلبة لا منقبة عند كثير ممن لا حظ لهم من الفهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن اعلموا -يا عباد الله!- أن سنن الله -كما قلنا- لا تتغير ولا تتبدل، إذا خلت الأمة أي أمة من الأمم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مؤشر هلاكها وزوالها، كم تبقى بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من السنين؟ عشرين سنة، مائة سنة -الله أعلم- المهم أن أية أمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحاربه وتقف في طريقه، فاعلموا أنها منتهية زائلة هالكة لا محالة، وإن هي تمسكت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها أمة محفوظة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل وسبب من أسباب التمكين: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] حينما يحصل التمكين، فمقومات بقاء التمكين: إقامة الصلاة والعناية بها، وإيتاء الزكاة وعدم التهاون في جبايتها وصرفها لمستحقيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، يوجد في بعض الأمم أمرٌ بالمعروف، ولا يوجد نهيٌ عن المنكر، فلابد أن يوجد الأمران كلاهما، لا بد أن نوجد الأمر بالمعروف، وأن نوجد النهي عن المنكر، ليس كما يقول بعضهم: دعها ديمقراطية، الذي يريد أن يعمل خيراً يعمل خيراً، والذي يريد أن يعمل شراً يعمل شراً، تباً وسحقاً وبعداً لهذه الديمقراطية!! بل لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن يوطأ أنف صاحب المنكر إذا لم ينقد إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلا فإن سنة الله ماضية فيه وفي غيره.

انتبهوا إلى هذه المسألة، بعضهم يقول: يا أخي! لماذا التدخل في حريات الآخرين؟ عندك مشاريع خيرية تفضل، عندك أعمال خيرية تفضل، عندك أمور نافعة تفضل، لكن اترك الناس في ما هم فيه، ونقول: لا يمكن أن تتنازل، أو أن تتساهل أمة من الأمم تريد البقاء والتمكين، تريد العز والرخاء والنعيم بشيء من هذا، لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر، ولذلك لا يذكر الإيمان بالله إلا ويقرن غالباً بالكفر بالطواغيت: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ [الزمر:17]، ما يذكر شيء إلا بنفي وإزالة ضده بتاتاً، وإلا فما هي فائدة الأمر بالمعروف وترك المنكر يمضي على ما كان عليه؟ فلابد من تتبع المنكر والقضاء عليه حتى تسلم الأمة من شؤم ذنوب الآخرين والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117] لا تهلك أمة وأهلها أهل صلاح يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أبداً.

ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] بعض الناس يقول: لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، نحن الآن مهتدون إن شاء الله بمنَّ الله وتوفيقه، ما هي الحاجة إلى أننا نتسلط على الآخرين؟ لا. إن هذه الآية كما في الحديث: (يأخذها الناس مأخذاً غير ما نزلت فيه) كما قال ذلك الصحابي: (إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده) حتى لا يقول أحد: ذنبه على جنبه لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] هذه الآية حجة، والدليل لنا وليس لهم؛ لأن تمام الهداية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التساهل في هذه المسألة بأي حال من الأحوال.

في الآية الأولى التي ذكرناها: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ [هود:116] فما بالك إذا أصبح في الأمة من يخطط للفساد ويحميه؛ ومن يذب ويذود عن الفساد، حينئذٍ يكون الهلاك مضاعفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الجميع

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف) لام الأمر المؤكدة بنون التوكيد الثقيلة: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن-يعني: أطاع، أو لم يطع، أعجبه أو لم يعجبه ما علينا- ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه عل الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً، ثم ليلعننكم كما لعنهم) تضرب القلوب بعضها ببعض، وتحدث الأحقاد والفتن والكراهية، ثم تعم اللعنة حينما يسكت الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن عقولاً استقر فيها أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الدوريات والجيوب التابعة للهيئة: صلوا صلوا، أغلق الدكان جزاك الله خيراً، توجه إلى المسجد جزاك الله خيراً، هذا لا يعفي الأمة من مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحد من أهل الهيئة رأى منكراً؟ لا. بل قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) لماذا لا ننكر المنكرات ونحن نراها صباح مساء؟

قد يقول بعضكم: والله إذا كنت يا فلان! تريد أن تلزمنا بهذا الشيء، وكل منكر ضروري أن نغيره، الظاهر أن الواحد لم يعد يقدر، وأقول: لا. من واجبك أن تغير كل منكر قدرت على تغييره، ولكن لكل شيء ظروفه وأحواله المناسبة في إطار لا يخرج عن الحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] والحكمة هي: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، المهم ألا يظن أحد أنه معفي من مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى من عنده منكر في نفسه مطالب أن يغير المنكر الذي يراه في غيره، بعض الناس يقول: إذا كان الإنسان صاحب معاصٍ فلا يستطيع أن يغير منكراً؟ لا. أتجمع بين سوءتين .. حشفٌ وسوء كيلة، أن تكون صاحب منكر في نفسك، أو في سلوكك، وترى منكراً وتسكت عليه؟ بل من واجبك أن تغير المنكر لعلك أن ترفع بذلك الحجة على نفسك، هذا أولاً، وأن تقر بالذنب على نفسك، هذا ثانياً، وألا تقع في الإثم برؤية المنكر والسكوت عليه، هذا ثالثاً.

ومن باب أولى حينما ترى في أحد منكراً أعظم، مثلاً: رجل حليق -منَّ الله علينا وعليه بالهداية- يعرف جاراً له لا يصلي، أيهما أعظم: كونه حليقاً أم كونه لا يصلي؟ إن ترك الصلاة مع الجماعة مصيبة، إذاً نقول لهذا الحليق: من واجبك، ويتعين عليك أن تطرق الباب على جارك، أو تمسك به في أي فرصة مناسبة، وتقول: فقدناك في المسجد، نصيحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً في حدود النصيحة، وإطار النصيحة والمقدرة والأسلوب الذي تستطيعه، لا أن تطرق الباب وتمسكه من تلابيبه: اخرج وصلِّ، لا. ليس هذا من الحكمة في الدعوة، ولا في الأمر بالمعروف، ولا في النهي عن المنكر، لكن من الحكمة في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر إما أن تطرق عليه الباب ومعك طعام، وهدية.. اطمئنان: فقدناك، ما رأيناك، ما الذي أصابك؟ فتتناقش معه، لربما أكرمك الله بثواب أمرك بالمعروف ونهيك عن هذا المنكر، فَمَنَّ عليك بالهداية والاستقامة في اتباع سنة نبيك فيما كنت فيه مقصراً، لا يظن أحد أن مسئوليةً في هذا الدين تخص طائفة دون طائفة، وبعض الناس يقول: والله أنا من (الزكرت) لا أستطيع أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، لا. وإن كنت من هذه الطائفة، أو تسمي نفسك، وليس عندنا هذه الطائفة، لكن باللهجة العامية كما يقال، فأنت مسئول مكلف أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، وإن كان فيك ما فيك من الذنوب والمعاصي، لعلها أن تكون سبباً في إقامة الحجة على نفسك، يقول الله جلا وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79] لعنوا لعناً بسبب أنهم كان الواحد منهم يلقى صاحبه -كما ورد في بعض الروايات- فيقول: يا فلان! اتق الله، أو لا تفعل هذا، فإذا جاء من الغد لا يمنعه أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، ويرضى بما هو فيه من المنكرات.

عدم المداهنة والحياء في الأمر بالمعروف

والله يا إخوان! كم فينا من المداهنة!! كم فينا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! ندخل مجلساً وفيه ممن يهاب من القوم، فنسمع الموسيقى، وتجد طالب العلم، أو الشاب الصالح، أو غيره يكسر في يديه، ويكسر أصابعه يريد أن ينكر المنكر، ويهاب هؤلاء أن يقول: إن هذا منكر، لا يجوز، فغيروه، أو أغلقوه، أو اشتغلوا بحديث غيره، بل إن بعضهم من ضعف شخصيته لربما وافق القوم في حديثهم، بل وربما شاركهم فيه، ولربما سكت مطرقاً، أقل الأحوال: فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] أقل الأحوال إذا ما استطعت أن تغير، أو عجزت نفسك عن التغيير فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، واخرج، لماذا؟ لأن الفساق يحتقرون من يوافقهم في الفسق، ويزدرون من يراهم على المعاصي ويسكت عنهم حتى وإن قالوا: ما شاء الله هذا شيخ متطور.. هذا شيخ عصري.. هذا شيخ الشباب الممتاز، فهؤلاء يلعبون بالبلوت، وهؤلاء يتفرجون على الفيديو، وهؤلاء قاعدون على كذا، وهؤلاء قاعدون على كذا، والسجائر طفاية ذاهبة وطفاية آيبة، وانظر هذا الشيخ ممتاز يا أخي، والله شيخ ما مثله، آخر موديل من المشايخ، إنهم وإن مدحوه بألسنتهم لكنهم احتقروه بقلوبهم، يقول ابن حزم في معنى كلامه: إن الفساق أول ما يحقرون من وافقهم، أو شاركهم في فسقهم، لكن إذا خالفت القوم فلأنهم خالفوا الله جل وعلا، وقام في قلبك حب وغيرة، وتعظيم لله، كيف هؤلاء يخالفون ربك الذي خلقك وخلقهم، وقلت: اتقوا الله، أو بالأسلوب الذي رأيته مناسباً: هذا لا يجوز، هذا لا ينبغي، اذكروا نعمة الله عليكم، تعصون الله بأعين خلقها، بآذان خلقها، بأيد خلقها، وتقوم وتؤدي ما عليك، ولا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتيقن أنهم سينتهون، يعني: أناس مثلاً يلعبون الكرة أثناء الصلاة، وأنت تمر تريد أن تأمرهم، يأتيك الشيطان، يقول: انظر سواء تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء لن يغيروا ما هم فيه، تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء سيكلمون من هذه المباراة، لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يغلب على ظنك أنهم يستجيبون لك فيما طلبت: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7].. فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] .. إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، بعض الناس يستدل بهذه الآية على ترك الأمر، لا. أنت عليك الأمر، والهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فلننتبه لهذه المسألة، فما مررنا بمنكرٍ وما رأينا قوماً في منكر إلا ووجب علينا أن ننكر عليهم بقدر وبدرجات المنكر الواردة في الحديث، سواء تيقنا أنهم سيستجيبون أم لا، وعلى أية حال: وطنوا أنفسكم، فإنكم ستجدون من يستهزئ، ستجدون من يسخر: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، لكن هل يسكت المسلم؟ لا: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38] ولكن عادت الدائرة عليهم، وكانت الجولة لنبي الله نوح عليه السلام، فينبغي ألا نتردد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا أعرف أن كثيراً من الناس يود أن يأمر بالمعروف، يود أن ينهى عن المنكر، لكن يقول: يا أخي! والله إحراج، والله أستحي، يقولون: ما شأن هذا الفضولي؟ سيضعون عني تصوراً أني أتدخل في شئونهم، وهؤلاء إذا تصوروا عنك تصوراً خاطئاً فلا يدخلونك النار، وإذا تصوروا عنك تصوراً -مثل ما قلت- تصوراً عصرياً، فلن يدخلوك الجنة لماذا؟ لأن أكثر الناس ليسوا على الحق، يقول الله جل وعلا: (يا آدم! قم فأخرج بعث النار، فيقول آدم: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة).

يا سلعة الرحمة ليس ينالها     في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

أكثر الناس ليسوا بعبرة: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].. وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ [الأعراف:102] فمسألة الكثرة ليست عبرة، والجماعة كما يقول ابن مسعود: [الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك] ينبغي أن نأخذ ديننا بقوة: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].. يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12].

إن مصيبة الأمة في هذا الزمن من أناس أخذوا الدين ضعفاً، أخذوا الدين على استحياء، أخذوا الدين وهم إذا قام أحدهم يصلي انسل حتى لا يشعر أنه قام يصلي، أخذوا الدين وهم يدافعون عن الإسلام، لا يحاربون، أو يقاتلون أو يهاجمون به، والدين قوة، أنت تملك سلاحاً أقوى من أولئك جميعاً، ما الذي يمنعك أن تكون قوي الشخصية، لا أن تكون مسلماً منهزماً، الهزيمة النفسية التي حصلت في كثيرٍ من المسلمين، فتجده يسكت ويستحي، ويجامل في كثير من أمور الدين والشريعة، وهو يضيف وهناً على الأمة بهذا السكوت وهذه المداهنة، تصوروا أن الذين عرفوا الإسلام على حقيقته، ولعلنا وإياكم ممن يوفقون إلى هذا بإذن الله جل وعلا:

شابٌ أمريكي أسلم بعد أن تأمل وقرأ واطلع، وماذا كان من شأنه؟ غير اسمه فوراً، وما قال: إن الشعب الأمريكي سيحتقرني، لا. لأنه يعرف أن اسماً فيه فضل، وفيه أجر وثواب، أحوج إليه من اسم لا ثواب ولا أجر ولا فضل فيه، الأمر الثاني: صار يلبس مثل ثيابكم ما قال: إن الأمريكان يقولون لابد من بنطلون، هو لم يحرم البنطلون، لكن رأى أنه يرتاح لهذا الشيء، بعض الناس تجده يفعل أموراً لا يحبها، لكن حتى يوافق القوم فيما يشتهون، أين الحرية؟ أنت حر في نفسك، أَوَ أصابتك الذلة في نفسك إلى درجة أنك وافقت القوم فيما يريدون وأنت تكره، هذه ذلة أصابت كثيراً من المسلمين.

فهذا الشاب الأمريكي كان يبحث عن وظيفة بمؤهلات كانت عنده، فنـزل في الجريدة إعلان عن وظيفة في ولاية من الولايات، ما الذي حصل؟ سافر إلى تلك الولاية، وقدم طلب الوظيفة، وكتب في الطلب: ليكن لدى اللجنة التي تحدد من يشغل هذه الوظيفة علماً أنني مسلم واسمي فلان، وإذا وافقتم عليَّ بهذه الوظيفة، فإني أشترط أن أقطع من وقت وظيفتكم جزءاً للصلاة. انظروا عزة المسلم!! الآن الذي يبحث لابنه عن وظيفة، لو قال له: إن العمل ثمان ساعات؛ من الساعة التاسعة وحتى الساعة الخامسة، قال: ليس مهم العصر والمغرب نجمعها فيما بعد، بعض المسلمين ضعيف، وَوُجِدَتْ في مختلف الأماكن، تسأل: الأخ مسلم؟ يقول لك: نعم، صليت العصر؟ يقول: والله نجمعها مع المغرب، كيف تجمع؟ قال: يا أخي! معي وظيفة ولا أستطيع.

أهو لأجل العمل؟ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58] وليس أصحاب الوظائف، أو أصحاب الشركات، أو أصحاب الأعمال.

فيا أحبتنا في الله! يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كان يشعر بعزة وهو يحمل الدين، من كان يشعر بعظمة، ما يشعر بأنه يستحي لأنه متدين، أنا أذكر زمناً -والله- مرَّ بنا، كان المتدين في المجلس ترمقه الأبصار، وتسلقه الألسنة، وينظر إليه شزراً، ولكن بحمد الله جل وعلا، فقد منَّ الله علينا بهذه الصحوة المباركة، فأصبح الذي لا يوافق الدين، ولا يلتزم بالسنة هو الذي يستحي ويخجل إلا من كان مجاهراً معانداً مخالفاً، فذلك حقه وحظه من العناد ما يصيبه، لكن المشكلة في هذه المسألة التي هي من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نقول: إن الأمة اجتمعت على ترك الأمر ونبذه. لا، وإنما بعضهم يستحي، وليس هذا بحياء؛ لأن الحياء خلق حميد يبعث على طلب مرضاة الله، وترك ما نهى عنه، ليس الحياء مجاملة الناس والسكوت عن المنكرات-والعياذ بالله- ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ما يجب توفيره لدعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أيها الإخوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان تعرفون ما ينبغي أن يكون له من الدور والمكانة، خاصة في وقت كثرت فيه المنكرات في البيوت وفي الأسواق، وفي مختلف مجمعات البشر، ومن هنا يلزم الأمة على المستوى الإداري أن تجند الوظائف الطيبة المناسبة لرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يلزم الأمة أن تبوئ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أطيب الوظائف، وأن تكفل لهم ما يكفيهم، لا أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ضعيفاً، أو مسكيناً، أو فقيراً، أو قليل ذات اليد.

كذلك يلزم الأمة إعداد فريق من المتطوعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ما يقال: حدي العمود، أو حدي السكة، لا. حتى يكون حب الأمر بالمعروف والغيرة على دين الله، وحب إنكار المنكر في كل مسلم.

الآن يا إخوان: نعمة في جانب، ولكنها مصيبة في جانب: كثرة الأسواق، انتشار السلع، تيسر حاجات الناس في كل مكان، ولعله جانب من جوانب النعم، نسأل الله ألا تكون استدراجاً، وإن كانت كثرة الأسواق من علامات قرب نهاية الزمان، ولكن ما يحصل ويدور في هذه الأسواق من المعاصي والمنكرات؛ خاصةً التبرج والمعاكسات يحتاج من كل واحد منكم أن يشارك ولو مرة واحدة في الأسبوع أو الشهر، لكي يشارك بجولة ميدانية عملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا علمنا أن شيخنا شيخ الجميع الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد خرج جزاه الله خيراً لكي يضرب القدوة للعلماء وطلبة العلم محتسباً وهو عضو الإفتاء في الرئاسة العلمية، في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، خرج ذلك الشيخ الكبير، وليس ذلك من سعةٍ في وقته، مشاغله كثيرة، الناس يحتاجونه، يتشفعون إليه في بعض الحوائج حتى يشفع لهم؛ فتاوى، أسئلة، ومع ذلك يخرج مع بعض طلبة العلم ليدور في الأسواق، وما رأى من متبرجة إلا ويتجه إليها: يا بنية! استري نفسك ستر الله عليك، ويدعوها بالحكمة والموعظة.

شيخ جليل يخرج بنفسه، ليقول لنا: أنتم يا طلبة العلم! أنتم يا جيل الصحوة! أنتم يا معاشر الشباب! مسئولون أن تدخلوا الأسواق ولو لغير حاجة، خمسة أو ستة أو سبعة من الشباب يلبسون شيئاً يلقي عليهم هيبة، أو هيبتهم في قوة إيمانهم، المهم أن يرى أهل السوق أن أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الساحة، وحينما يريد شاب أن يدخل للمعاكسة ويرمي أرقاماً وكلاماً فارغاً، يعرف أنه إن وقع فلا تسأل عن أمره، حينما يقوم بهذا العمل جملة من الشباب أسواق ريمان، أسواق الدولية، أسواق العويس، أسواق طيبة، أسواق الديرة، جميع الأسواق، ماذا يضر سبعة أو ثمانية من الشباب إن فعلوا ذلك؟ هؤلاء يدخلون العصر، وهؤلاء يدخلون المغرب، وهؤلاء يدخلون العشاء، ليس معهم رشاشات: استسلم، لا. يدخلون أولاً: والله يقذف الهيبة في قلوب الناس منهم.

ثانياً: ما رآهم صاحب منكر إلا وخرج؛ لأن صاحب المنكر يسوقه الشيطان، والشيطان إذا رأى الحق ولى مدبراً ولم يعقب.

المسألة الثالثة: تكون فيه النصيحة، ربما امرأة جاهلة مسكينة، ربما شاب جاهل مسكين، تجد رجلاً يمشي هو وزوجته في منتهى البساطة، ويسير بزوجة متبرجة، ما الذي يمنع الشباب أن تقولوا: السلام عليكم يا فلان! لو سمحت كلمتين جزاك الله خيراً، هذه الزوجة، أو البنت، أو الأخت نسأل الله أن يستر عليك وعليها، حجبها يا أخي! استرها حتى لا تكون سبباً في نوالي ونوالك إثماً ووزراً بفعل أحد الناس الفاحشة، أو حتى لا تكون سبباً ومدرجاً إلى المنكر، أو حتى لا تكون أنت مقراً لمنكر من المنكرات، أفي هذا شيء أيها الإخوة؟ أفي هذا خطورة؟

المصيبة الآن أن الناس أصبحوا حينما يرون رجلاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا أقول الناس كلهم؛ لكن جزء منهم يتجهمون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، يا أخي! ما دخلك؟ هل أنت من الهيئة؟ أعندك تصريح؟

نعم عندي تصريح.

ممن؟

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] التصريح من عند الله عز وجل، أحتى أقول لصاحب المنكر: هذا لا يجوز أحتاج لتصريح مختوم؟! لا يمكن هذا الكلام، نعم، إذا وردت صفة معينة ينظم بها النشاط، أو جهود المتعاونين مع الهيئات والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فأهلاً وسهلاً بالصدر والأحضان، نكون أول من يتعاون مع هذه الجهات المنظمة لجهود المتعاونين مع الهيئات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، لكن هل عدم وجود هذا الشيء يمنعني، أو يمنع أن أنهى عن المنكر، وأن آمر بالمعروف؟ والله، ما أظن أن هذا موجود في زماننا، ولا يقول بهذا أحد، ولله الحمد والمنة.

إذاً: الناس قذف الشيطان في قلوبهم وهماً ووسواساً وخوفاً، فظنوا أن هذا من الأمور الممنوعة، وليس من الأمور الممنوعة أبداً، هل يوماً من الأيام واحد منكم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقيل له: تعال، لماذا تأمر؟؟ بفضل الله ما حصل هذا، ونحن في دولة يختلف شأنها عن سائر الدول، نحن في بلد تتعلق آمال المسلمين فيها بعد الله جل وعلا، شأننا يختلف عن شأن أي دولة، وأي بلد آخر.

إذاً: فالمصيبة وسواسٌ قذفه الشيطان في قلوب الكثيرين منا، فظننا أن الأمر بالمعروف لا يمكن إلا لمن عنده جيب، أو تصريح، وبالمناسبة -أيها الإخوة!- وعلى أية حال: سأتطرق إلى هذا في لقاء قادم إن شاء الله في الملز بعنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" الشباب الطيب الآن كثر، أصبحوا عشرات الآلاف، لكن الكثير منهم ليس له عمل في الدعوة، وليس له عمل إسلامي، وليس له عمل ينفع الأمة، سنذكر من هذه المجالات:

أن يتعاون عدد من الشباب، فيتكفلون، ويقولون: نحن فريق مسئول عن الحسبة في الأسواق، نتعاون مع الهيئات، الأسواق التي لا تستطيع الهيئة أن تصلها، أو كانت الهيئات أقل من أن تحيط بها، فنحن مجموعة نمر بكل حكمة، معنا كتيبات مسموح بتوزيعها من قبل الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والإرشاد، مصرحة من وزارة الإعلام، امرأة متبرجة: تفضلي يا أختي! هذه رسالة: (من أمرك بالحجاب) (وجوب الحجاب) شريط من الأشرطة المسموحة، المهم نستطيع أن نصلح المجتمع، فعندنا مئات المجالات لإصلاح المجتمع، ودفع أسباب الهلاك، لكن المشكلة: من ينظم جهودنا؟ من يرتب هذه الطاقات؟ من يوظف هذه الطاقات؟ هذه المشكلة التي يواجهها الكثير من شباب الصحوة، لذلك سوف أتطرق بإذن الله جل وعلا للقاء قادم بهذا العنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" وإن شاء الله أخبركم بمكانها.

كذلك أيها الأحبة: عندما نقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب نجاة الأمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا ومثَّله بمثال واضح، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان لبعضهم أعلاها، ولبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفل السفينة إذا أرادوا الماء، مروا بالذين من فوقهم) الذين في الدور السفلي لابد أن يمروا على الذي في الدور العلوي من أجل أن يطلِّوا على البحر ويأخذوا الماء، قال الذين في أسفلها: هذا عمل طويل (فلو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعاً، وإن هم تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً) فنحن الآن في سفينة المجتمع فريقان: فريق من العصاة المستهترين الواقعين في المعاصي المجاهرين بها، الذين لا يخافون من الله، ولا يستحون من الخلق، وفريق من الدعاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الغيورين على نعم الله، الغيورين على أمن بلادهم، الغيورين على نعم هم فيها مع علمائهم وولاة أمرهم.

الفريق العاصي لو ترك لخرق سفينة المجتمع من أجل تحصيل الماء بسهولة كما ظن وتصور، فهلك الصالحون والطالحون،

من أوائل الأمور التي يحق عليها أمر الله على أمة من الأمم بالهلاك: الظلم؛ والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأظلم الظلم الشرك بالله جل وعلا، وهو: وضع العبادة وصرفها عمن يستحقها إلى من لا يستحقها، ولذلك قال الرجل الصالح لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الظلم درجات، فأعظم الظلم وأشده وأخبثه، وبه يكون هلاك الأعمال، وبه يكون إحباط العمل ألا وهو الشرك بالله، والكفر به جل وعلا: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] .. مَثلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ [إبراهيم:18].. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]، فإن من وقع في أعظم الظلم وهو الكفر، أو الشرك، فإن الله لا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً، كما في الحديث: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)؛ لأن الله جل وعلا لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:13-14]، ويقول تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [الحج:45] وقال سبحانه وتعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35].

الظلم -يا عباد الله!- بمراتبه المختلفة التي قال عنها شيخ الإسلام : إن أعظمها صرف العبادة لغير الله، ويليها درجة ظلم العباد بالتسلط على حقوقهم، وعلى دمائهم، وأعراضهم.

ثم يلي ذلك الظلم درجةً ظلم العبد نفسه بالذنوب والمعاصي.

فأما الظلم الأول: فكما قلنا: لا يقبل الله معه صرفاً ولا عدلاً، ولا يقبل من صاحبه قليلاً ولا كثيراً.

وأما الظلم الثاني: فلا بد لمن وقع فيه أن يتوب إلى الله، فمن وقع في الظلم الثاني ألا وهو أخذ حقوق العباد، والتسلط على حرياتهم وأعراضهم، ودمائهم وأموالهم، فلا يمكن أن يسلم من عاقبة وخيمة لهذا النوع من الظلم إلا من تاب إلى الله توبةً صادقةً نصوحاً، ورد إلى العباد ما ظلمهم وغصبهم، ونال من حقوقهم ومقدراتهم.

والظلم الثالث: وهو ظلم النفوس بالمعاصي والذنوب، فإن كانت ذنوباً تقع من غير إصرار فتلك مكفرة بآيتي النجم والنساء -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ألا وهي قول الله جل وعلا: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] والآية الأخرى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] فمن وقع في صغائر الذنوب من غير إصرار ومن غير استمرار؛ فذلك بإذن الله يكفره ما ورد في هاتين الآيتين، وتكفره أعماله الصالحة؛ من الخطى إلى المساجد، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والصلاة مع الجماعة، والاستغفار، والحسنات الماحية للسيئات، ومن أصرَّ على الذنوب إصراراً فلا بد أن يقلع؛ لأن من أصرَّ على صغيرة كانت في حقه كبيرة، ومن فعل كبيرةً ثم تاب عنها محيت عنه بفضل الله ومنه وكرمه.

فعلى أية حال: لنعلم أيها الأحبة! أن تسلط العباد على أنفسهم سببٌ لهلاكهم في الجملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولنعلم أن من أخبث الظلم: ظلم العباد، وأخذ أموالهم وأراضيهم، ومقدراتهم وحقوقهم، هذا الظلم الذي شاع في عصرنا وفي زماننا هذا، وأصبح الناس لا يهمهم إلا ترتيب حيلة تنطلي على الحكام الذين يقضون بين الناس حتى ينالوا بها أموال غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذا من أخبث أنواع الظلم بعد الشرك:

تنام عينك والمظلوم منتبهٌ     يدعو عليك وعين الله لم تنم

النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، فالظلم شأنه خطير حتى ولو ظلمت كافراً من الكفار، والله! لو ظلمت كافراً من الكفار فلينتقمن الله له إن هو دعا: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، لا يعزب عن علمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.

إذاً: فالتسلط على حقوق العباد لضعف، أو لمسكنةٍ هم فيها، أو لأنهم لا جاه لهم، لا سلطان ولا منـزلة، هذا أمرٌ واقعٌ في هذا الزمان، واقعٌ في كثير من أمم الأرض، التسلط على الضعفاء، التسلط على المساكين، الوشاية بالأبرياء، من أخبث أنواع الظلم أن تشي، وأن تقول: في فلان بن فلان كذا وكذا، وهو خليٌ مما رميته وبهته به، فهذا من أعظم الظلم لعرضه، والله جل وعلا منتقم، والله جل وعلا بالمرصاد، والظلم مكيال؛ بقدر ما تظلم فإن الله يستوفي لك استيفاءً وافياً كاملاً، ويزاد على ذلك عقوبة من الله بسبب جرأة عبده على ظلم غيره.

الظلم يا عباد الله! أمرٌ خطيرٌ جداً، وبه يحصل هلاك الأمم، ضرب البرامكة ونكبوا نكبةً عظيمةً خطيرةً حتى أصبحوا من سوقة الناس وعامتهم، وبالأمس كانوا في قصور الملوك والخلفاء، فجاءت واحدة من بنياتهم تحدث أمها، تقول: يا أماه! ما الذي حول بنا الأحوال، وغير بنا الأمور حتى صرنا إلى ما نحن فيه؟ فقالت: يا بنية! دعوة مظلوم سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ثم أنشدت:

رب قومٍ أمنوا في نعمةٍ     زمناً والدهر ريان غدق

سكت الدهر زماناً عنهمُ     ثم أبكاهم دماً حين نطق

ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإني أحذر كل مسلم من أن يظلم واحداً من إخوانه في عرضٍ أو مالٍ، أو في قليلٍ أو كثير، ومن أخبث هذا أن يشي، أو ينقل المسلم عن أخيه شيئاً ليس فيه، أو أن يزور ويعظم في شأنه أمراً ليس فيه، فإن هذا من أخبث أنواع الظلم، ولقد رأينا مصارع الظالمين في هذا الزمان، والله لقد عرفنا ممن تسلطوا على أهل الخير، ممن تسلطوا على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فكان همهم وجل اهتمامهم أن يتتبعوا زلاتهم، وأن يتربصوا بهم الدوائر، فما كانت العاقبة إلا أن يحيق المكر السيء بأهله، وعلى الباغي تدور الدوائر، ولا نقول هذا شامتين، نعوذ بالله من الشماتة، لا يشمتن مسلمٌ بأخيه فيبتلى، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إذا ما الدهر جرَّ على أنـاسٍ     حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا     سيلقى الشامتون كما لقينا

والله لا نشمت، لكنا رأينا مصارع الظالمين، وأقولها وعن تجربة: والله! إن من ظُلم في باب الوشاية والنقل السيء عنه، فعليه بآخر الليل، وعليه بالوتر، وعليه بالدعاء في السجود، والقنوت، والله لينتقمن الله لك ممن ظلمك حتى يفضحه بين رءوس الخلائق؛ لأن الظلم معصية متعدية، رب نوع من الذنوب والمعاصي تكون قاصرة، فالذي يفعل معصية من المعاصي القاصرة على نفسه، لاشك أن وزرها وإثمها عليه، وعاقبتها وخيمة، لكن من اقترف مظلمة تتعدى إلى واحد من المسلمين، سواء في عرضه، أو في ماله، أو بالوشاية عنه، أو في دمه، أو في التسلط عليه، فوالله لينتقمن الله منه، وأخبث الظلم ظلم الضعفاء، هذا أسلوب يمارسه الجبناء، أهل الخسة والدناءة الذين يظلمون الضعفاء، الذين يجدون أقواماً.

أو بعض أقوامٍ ليس لهم سلطان، ولا نصير إلا الله جل وعلا، ونعم المولى ونعم النصير، فأولئك يوم أن يظلموا هؤلاء الضعفاء، والله! إن لهم من الله عقوبة عاجلة في الدنيا، وبلاء وعذاباً مستطيراً في الآخرة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء لما بين شأن أولئك الذين يُوَلَّون أمور الأيتام والوصاية عليهم، قال: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ [النساء:9] اتق الله في الآخرين يحفظ الله ذريتك من بعدك، إذا أردت أن تسلم ذريتك، أن يسلم أطفالك، أن يسلم أهلك وأولادك من بعدك، فاتق الله في الآخرين تحفظ ذريتك من بعدك: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] صلاح أبيهما، وهذا الصلاح يعني: السلامة من الظلم، سَخَّر الله له نبياً من الأنبياء يبني جداراً ليحفظ مال هذين اليتيمين: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:9-10] والله ما من إنسان يَقْدُمُ على الظلم إلا وهي بداية الهلاك، والفلس، والنهاية، والخراب، له ولماله ولبيته.

فيا عباد الله! لننتبه إلى هذه المسألة، ولنحذر منها، وإذا رأينا ظالماً متسلطاً على مسلم فقير لا حول له ولا قوة، فلنجتهد في أن نذهب له، وأن نخوفه بالله.

أعرف قصةً حصلت: رجل في قرية من القرى اشترى بئراً، ولها حريمها بحق التملك، فلما اشتراها أخذ يبسط نفوذه يمنةً ويسرةً على أراضٍ للفقراء والمساكين من حولها، فما كان لهم نصيرٌ إلا الله، فما تركوه ليلة من الدعاء، عجائزهم وشيوخهم من الركع السجود دعوا عليه، فما هي إلا ليلة وجدوه خشبة على فراشه، ما حال بذلك عليه حول، ومصارع الظالمين قريبة عاجلة، ولكن ليبتلي الله عباده، وليظهر آياته وقدرته سبحانه وتعالى حتى ينتبه البشر ويعتبروا بذلك.

السبب الآخر -أيها الأحبة!- من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زمن المتمدنين، وزمن الحضارة تدخلاً في شئون الآخرين.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في هذا الزمن تسلطاً وفضولية.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زماننا هذا مثلبة لا منقبة عند كثير ممن لا حظ لهم من الفهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن اعلموا -يا عباد الله!- أن سنن الله -كما قلنا- لا تتغير ولا تتبدل، إذا خلت الأمة أي أمة من الأمم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مؤشر هلاكها وزوالها، كم تبقى بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من السنين؟ عشرين سنة، مائة سنة -الله أعلم- المهم أن أية أمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحاربه وتقف في طريقه، فاعلموا أنها منتهية زائلة هالكة لا محالة، وإن هي تمسكت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها أمة محفوظة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل وسبب من أسباب التمكين: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] حينما يحصل التمكين، فمقومات بقاء التمكين: إقامة الصلاة والعناية بها، وإيتاء الزكاة وعدم التهاون في جبايتها وصرفها لمستحقيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، يوجد في بعض الأمم أمرٌ بالمعروف، ولا يوجد نهيٌ عن المنكر، فلابد أن يوجد الأمران كلاهما، لا بد أن نوجد الأمر بالمعروف، وأن نوجد النهي عن المنكر، ليس كما يقول بعضهم: دعها ديمقراطية، الذي يريد أن يعمل خيراً يعمل خيراً، والذي يريد أن يعمل شراً يعمل شراً، تباً وسحقاً وبعداً لهذه الديمقراطية!! بل لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن يوطأ أنف صاحب المنكر إذا لم ينقد إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلا فإن سنة الله ماضية فيه وفي غيره.

انتبهوا إلى هذه المسألة، بعضهم يقول: يا أخي! لماذا التدخل في حريات الآخرين؟ عندك مشاريع خيرية تفضل، عندك أعمال خيرية تفضل، عندك أمور نافعة تفضل، لكن اترك الناس في ما هم فيه، ونقول: لا يمكن أن تتنازل، أو أن تتساهل أمة من الأمم تريد البقاء والتمكين، تريد العز والرخاء والنعيم بشيء من هذا، لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر، ولذلك لا يذكر الإيمان بالله إلا ويقرن غالباً بالكفر بالطواغيت: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ [الزمر:17]، ما يذكر شيء إلا بنفي وإزالة ضده بتاتاً، وإلا فما هي فائدة الأمر بالمعروف وترك المنكر يمضي على ما كان عليه؟ فلابد من تتبع المنكر والقضاء عليه حتى تسلم الأمة من شؤم ذنوب الآخرين والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117] لا تهلك أمة وأهلها أهل صلاح يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أبداً.

ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] بعض الناس يقول: لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، نحن الآن مهتدون إن شاء الله بمنَّ الله وتوفيقه، ما هي الحاجة إلى أننا نتسلط على الآخرين؟ لا. إن هذه الآية كما في الحديث: (يأخذها الناس مأخذاً غير ما نزلت فيه) كما قال ذلك الصحابي: (إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده) حتى لا يقول أحد: ذنبه على جنبه لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] هذه الآية حجة، والدليل لنا وليس لهم؛ لأن تمام الهداية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التساهل في هذه المسألة بأي حال من الأحوال.

في الآية الأولى التي ذكرناها: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ [هود:116] فما بالك إذا أصبح في الأمة من يخطط للفساد ويحميه؛ ومن يذب ويذود عن الفساد، حينئذٍ يكون الهلاك مضاعفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع
الغفلة في حياة الناس 2436 استماع