وصايا للأمة في ظل الأزمة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء وتنشق الأرض، وتسجر البحار وتتفجر نيراناً، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أيها الأحبة في الله! أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) اللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك والناس أجمعين، أنه ما جاء بنا إلى هذا المسجد وهذا المجلس إلا ابتغاء رحمتك، وابتغاء الذكر في الملأ الأعلى عندك.

اللهم حرم وجوهنا على النار، اللهم آتِ هذه الوجوه الطيبة، اللهم آتها من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، اللهم صل على محمد أولاً وآخراً.

أحبتنا في الله: حديثنا اليوم عن هذه الأزمة التي قرأتم وسمعتم وتابعتم الكثير من أحداثها، ولكن من واجبنا ألا ننقطع عن مجالس الذكر والعبادة والدعوة، أياً كان حجم الأزمات، وأياً كان مستوى المصائب، والله إن من الأمور التي قد ينزعج الواحد منا أن يرى شيئاً من الفتور في مجالس الوعظ، والذكر، والندوات، والمحاضرات، بحلول هذه الأزمة، وكان من واجب الأمة ألا تزيدها هذه الأزمات إلا مزيداً من البذل والعطاء.

كان مقرراً أن يكون عنوان المحاضرة "العلمانية وأثرها السيئ على الأمة" ولما جاءني أحد الإخوة بالإعلان المطبوع عن المحاضرة، قلت: هذا الموضوع لا يناسب الآن، ولا يصلح أبداً؛ لأننا في مواجهة عدوٍ من الخارج، قد أحاط بحدودنا، وجيَّش جيوشه على سواحلنا، فمن واجبنا ألا ننشغل بالقضايا الجزئية أو القضايا الفرعية، ونحن نواجه أخطر الأعداء وأكبر الفتن بالنسبة لتاريخٍ نشأنا وترعرعنا فيه، ألا وهي هذه الأزمة الشديدة، نسأل الله جل وعلا أن يفرجها بمنه ورحمته عن الأمة أجمع.

أيها الإخوة! واختار الإخوة أن يكون موضوعنا: "وصايا للأمة في ظل هذه الأزمة".

وحقيقة نحن بأمس الحاجة إلى الوصية والنصيحة؛ لأنها بإذن الله جل وعلا من باب التواصي على الحق، والتواصي على الصبر، ومعرفة ما ينبغي فعله، لا نشك أن جميع المسلمين وجميع هذه الوجوه الطيبة، كل واحد يقول: لو علمت أن لي دوراً في هذه الأزمة ما ترددت عن القيام به، والبعض يظن أنه ليس له دور على الإطلاق، أو أن فعله أو قوله لا يقدم ولا يؤخر في ظل هذه الأزمة.

والله يا عباد الله! إن للبهيمة لدوراً في هذه الأزمة، فضلاً عنكم أنتم يا من أسجد الملائكة لأبيكم آدم، ويا من كرمكم وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وآتاكم الأسماع والأبصار والأفئدة، أتدرون ما دور البهائم في هذه الأمة؟ إن الله قد يرحم الأمة بها، إنما تنصرون وترحمون بضعفائكم، قد يرحم الله الأمة بالأطفال الرضع، والشيوخ والعجائز الركع، الذين لا يعرفون من السياسة قليلاً ولا كثيراً، وبهذه البهائم الرتع التي تجأر إلى الله جل وعلا.

وإنا لما أخبرنا أحد الإخوة في أول ليلة سقط فيها عدد من الصواريخ، قال: سمعت مكاناً فيه عدد من القطط تموء مواءً لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فقلت: والله لعلها تجأر إلى الله مما يحصل، وكما يقول أبو الدرداء: [إن الحبارى لتموت هزالاً في أوكارها من شؤم معصية بني آدم] ولعلها تدعو على بني آدم.

الإيمان بالقدر والرضا به

أيها الأحبة! أود أن أسألكم سؤالاً، هذه المصيبة التي ما تركت بهيمة ولا طفلاً ولا صغيراً ولا رضيعاً ولا كبيراً ولا فقيراً، ولا تاجراً ولا غنياً ولا ملكاً ولا وزيراً، ولا ذكراً ولا أنثى ولا مسافراً أو حالَّاً أو مرتحلاً، إلا أشغلته ونالت من همه وذهنه نصيباً، هذه المصيبة التي أشغلت الأمة، بل أشغلت العالم بأكمله، أتظنونها جاءت فلتة؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأننا نعلم أن الأمور بقضاء وقدر.. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].. مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].

ونعلم أن القضا واقع     وأن الأمور بأسبابها

والبلايا بقضاء وقدر     والدنا عبر أي عبر

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر     ضل قوم ليس يدرون الخبر

أود أن أقول أيها الأحبة: إن هذه المصيبة إنما هي بقضاء وقدر، وهذا من تمام الإيمان، ومن شك في أن هذه المصيبة بقضاء وقدر، ففي إيمانه شك بقدر شكه في هذه القضية.

الأمر الآخر: مادامت هذه بقضاء وقدر، فأسألكم سؤالاً: هل يقدر الله عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إذاً: فهذه المحنة والأزمة والرزية والمصيبة، ما قدرها الله عبثاً، وإنما قدرها لحكمة بالغة يراها الله جل وعلا، حتى نطمئن ونهدأ.. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137] الأمور بيد الله جل وعلا، ونحن عبيده، بنو عبيده، بنو إمائه، نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه وقدره.

ما الذي يزعجنا؟

ما الذي يجعل كثيراً من الناس لا يعرفون بالليل نوماً، ولا بالنهار هدوءاً وطمأنينة؟ أيحدث أمر قدره غير ربكم؟

كلا والله.

فعلام الفزع الذي جاوز حده! والأولى أن يفزع الناس، وأن يشتغل الناس فيما يستعدون به لأمر الآخرة، لأمر الرحلة، لأمر النقلة إلى دار فيها أعظم من هذه الأهوال.

إذاً: فهذه الأزمة بقضاء وقدر، وهذا القدر كما يقول ابن تيمية رحمه الله في معنى كلامه: إنه ما من قدرٍ لله جل وعلا إلا وهو مشتمل على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، ومشتمل على تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40] وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

إذاً: فهذا القدر، قدر هذه الأزمة تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وأيضاً تمام الرحمة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، ولأن رحمة الله وسعت كل شيء.

الصبر والاحتساب على المصائب

أيها الأحبة: شأن المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فينبغي أن نكثر من هذا الذكر وهذا الدعاء.

شأن المؤمنين حينما يخوفون بأعدائهم؛ أن يتذكروا قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران:173] هربوا من مدنهم، ماذا فعلوا؟ قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:173-175].

من أين يأتي هذا الخوف؟ من أين يأتي الفزع؟ من أين يأتي هذا الارتباك وعدم الانضباط والتوازن في تصرفات عجيبة من كثير من الناس، تجده يخرج من بيته المطمئن الآمن المضاء المكيف المعد بكافة المرافق، لكي يضرب خيمة يأكله فيها الناموس، ويتأذى بالظلام، ويتأذى من البرد، ولا يجد ماءً ولا يجد كافة ما يحتاج إليه، هروباً من هذه الفتن.

أهرب من قدر الله إلى قدر الله، نهرب من الموت: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أنا لا أقول: إن كل من سافر ففي إيمانه دخن، أو ليس عنده توكل على الله، حتى لا يقول أحد: هؤلاء المطاوعة من رأوا جمسه متوجهة على ديراب، قالوا: هذا ليس عنده توكل، لا. إنما أريد أن أقول: إن من خرج فراراً وظناً أن فراره هذا يدفع عنه قدر الله، فهذا مسكين جاهل.

نعم قد يوجد إنسان بيته قرب المواقع الاستراتيجية، التي لاحظ مراراً أنها مواقع مستهدفة، نقول: هذا الشيء معقول، لكن الذي هو بعيد يهرب إلى أين؟ أحدهم يستأجر بيت طين كلما كنس أرضه تهلهل سقفه، لا يقف عن هذا التنظيف أبداً، وكلما ارتج فيه بابٌ جاوبه الباب الآخر في آخر الدار، ما الذي أحوجك إلى هذا؟ سبحان الله العلي العظيم!

فنقول أيها الأحبة: إنما ذلكم الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي ويدخل الرعب والخوف والفزع في قلب ابن آدم، فيصيبه ما تراه من هذه التصرفات المرتبكة أو الغير منضبطة، وتذكروا قول الله جل وعلا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] فحسن التوكل على الله، وحسن اللجوء إلى الله جل وعلا فيه خير عظيم.. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

إذاً أيها الأحبة: هذا شأن المؤمنين أن يكثروا من ذكر الله، وأن يكثروا من اللجوء والتضرع والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد: (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة، والصبر والسكينة عند الفزع) الذي يحصل من بعض الناس يخرج من الجماعة إلى الوحدة والخلاء والخوف، إلى البرية لوحده، أو إلى مكان بعيد، يظن أنه بمأمن.

والسنة في الفزع، إذا كان الذي أخرجه فزعه، أن يحرص على الجماعة، (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة والصبر) احتساب ما يصيب الإنسان؛ لأنه ما من هم حتى الليلة التي تسمع فيها صوت صفارة الإنذار، فتضع يدك على خدك أو على رأسك وأنت مهموم أو مغموم، أو تنظر إلى هؤلاء الأطفال، ولا ألوم من كان له صبيه: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

قد تتألم ويتقطع قلبك وأنت ترى هؤلاء الأطفال، أحدهم يجر رداءه، والآخر يجر ثوبه خوفاً وفزعاً، يلحق أمه وأباه، لا يدري ما يفعل عند سماع هذه الصفارة مثلاً، ويتألم قلبك أن ترى هذا مهموماً أقول: أبشر بخير، فإن هذا الهم فيه خير لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! يقول ربنا جل وعلا: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] هذا أبو بكر المبشر بالجنة يتلو هذه الآية، يقول: نخاف مادام كل سوء نعمله نجزى به ما بقي لنا عمل، وهو أبو بكر، المبشر بالجنة رضي الله عنه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تهتم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فذلك مما تجزون به).

أي: هذا الهم الذي يجعل أحدنا يبيت ساهراً أو متألماً، هذا يا إخوان كفارة للذنوب والمعاصي: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه) فلماذا نفقد ونبعد عامل وعنصر الاحتساب في هذه المسألة؟ إذا أصبحت أو أمسيت مهموماً أو مغموماً يدك على رأسك، فأكثر من ذكر الله، والاستغفار، واحتساب الصبر فيما ينالك، فذلك خير لك بإذن الله جل وعلا.

أيها الأحبة! أود أن أسألكم سؤالاً، هذه المصيبة التي ما تركت بهيمة ولا طفلاً ولا صغيراً ولا رضيعاً ولا كبيراً ولا فقيراً، ولا تاجراً ولا غنياً ولا ملكاً ولا وزيراً، ولا ذكراً ولا أنثى ولا مسافراً أو حالَّاً أو مرتحلاً، إلا أشغلته ونالت من همه وذهنه نصيباً، هذه المصيبة التي أشغلت الأمة، بل أشغلت العالم بأكمله، أتظنونها جاءت فلتة؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأننا نعلم أن الأمور بقضاء وقدر.. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].. مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].

ونعلم أن القضا واقع     وأن الأمور بأسبابها

والبلايا بقضاء وقدر     والدنا عبر أي عبر

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر     ضل قوم ليس يدرون الخبر

أود أن أقول أيها الأحبة: إن هذه المصيبة إنما هي بقضاء وقدر، وهذا من تمام الإيمان، ومن شك في أن هذه المصيبة بقضاء وقدر، ففي إيمانه شك بقدر شكه في هذه القضية.

الأمر الآخر: مادامت هذه بقضاء وقدر، فأسألكم سؤالاً: هل يقدر الله عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إذاً: فهذه المحنة والأزمة والرزية والمصيبة، ما قدرها الله عبثاً، وإنما قدرها لحكمة بالغة يراها الله جل وعلا، حتى نطمئن ونهدأ.. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137] الأمور بيد الله جل وعلا، ونحن عبيده، بنو عبيده، بنو إمائه، نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه وقدره.

ما الذي يزعجنا؟

ما الذي يجعل كثيراً من الناس لا يعرفون بالليل نوماً، ولا بالنهار هدوءاً وطمأنينة؟ أيحدث أمر قدره غير ربكم؟

كلا والله.

فعلام الفزع الذي جاوز حده! والأولى أن يفزع الناس، وأن يشتغل الناس فيما يستعدون به لأمر الآخرة، لأمر الرحلة، لأمر النقلة إلى دار فيها أعظم من هذه الأهوال.

إذاً: فهذه الأزمة بقضاء وقدر، وهذا القدر كما يقول ابن تيمية رحمه الله في معنى كلامه: إنه ما من قدرٍ لله جل وعلا إلا وهو مشتمل على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، ومشتمل على تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40] وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

إذاً: فهذا القدر، قدر هذه الأزمة تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وأيضاً تمام الرحمة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، ولأن رحمة الله وسعت كل شيء.

أيها الأحبة: شأن المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فينبغي أن نكثر من هذا الذكر وهذا الدعاء.

شأن المؤمنين حينما يخوفون بأعدائهم؛ أن يتذكروا قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران:173] هربوا من مدنهم، ماذا فعلوا؟ قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:173-175].

من أين يأتي هذا الخوف؟ من أين يأتي الفزع؟ من أين يأتي هذا الارتباك وعدم الانضباط والتوازن في تصرفات عجيبة من كثير من الناس، تجده يخرج من بيته المطمئن الآمن المضاء المكيف المعد بكافة المرافق، لكي يضرب خيمة يأكله فيها الناموس، ويتأذى بالظلام، ويتأذى من البرد، ولا يجد ماءً ولا يجد كافة ما يحتاج إليه، هروباً من هذه الفتن.

أهرب من قدر الله إلى قدر الله، نهرب من الموت: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أنا لا أقول: إن كل من سافر ففي إيمانه دخن، أو ليس عنده توكل على الله، حتى لا يقول أحد: هؤلاء المطاوعة من رأوا جمسه متوجهة على ديراب، قالوا: هذا ليس عنده توكل، لا. إنما أريد أن أقول: إن من خرج فراراً وظناً أن فراره هذا يدفع عنه قدر الله، فهذا مسكين جاهل.

نعم قد يوجد إنسان بيته قرب المواقع الاستراتيجية، التي لاحظ مراراً أنها مواقع مستهدفة، نقول: هذا الشيء معقول، لكن الذي هو بعيد يهرب إلى أين؟ أحدهم يستأجر بيت طين كلما كنس أرضه تهلهل سقفه، لا يقف عن هذا التنظيف أبداً، وكلما ارتج فيه بابٌ جاوبه الباب الآخر في آخر الدار، ما الذي أحوجك إلى هذا؟ سبحان الله العلي العظيم!

فنقول أيها الأحبة: إنما ذلكم الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي ويدخل الرعب والخوف والفزع في قلب ابن آدم، فيصيبه ما تراه من هذه التصرفات المرتبكة أو الغير منضبطة، وتذكروا قول الله جل وعلا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] فحسن التوكل على الله، وحسن اللجوء إلى الله جل وعلا فيه خير عظيم.. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

إذاً أيها الأحبة: هذا شأن المؤمنين أن يكثروا من ذكر الله، وأن يكثروا من اللجوء والتضرع والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد: (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة، والصبر والسكينة عند الفزع) الذي يحصل من بعض الناس يخرج من الجماعة إلى الوحدة والخلاء والخوف، إلى البرية لوحده، أو إلى مكان بعيد، يظن أنه بمأمن.

والسنة في الفزع، إذا كان الذي أخرجه فزعه، أن يحرص على الجماعة، (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة والصبر) احتساب ما يصيب الإنسان؛ لأنه ما من هم حتى الليلة التي تسمع فيها صوت صفارة الإنذار، فتضع يدك على خدك أو على رأسك وأنت مهموم أو مغموم، أو تنظر إلى هؤلاء الأطفال، ولا ألوم من كان له صبيه: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

قد تتألم ويتقطع قلبك وأنت ترى هؤلاء الأطفال، أحدهم يجر رداءه، والآخر يجر ثوبه خوفاً وفزعاً، يلحق أمه وأباه، لا يدري ما يفعل عند سماع هذه الصفارة مثلاً، ويتألم قلبك أن ترى هذا مهموماً أقول: أبشر بخير، فإن هذا الهم فيه خير لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! يقول ربنا جل وعلا: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] هذا أبو بكر المبشر بالجنة يتلو هذه الآية، يقول: نخاف مادام كل سوء نعمله نجزى به ما بقي لنا عمل، وهو أبو بكر، المبشر بالجنة رضي الله عنه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تهتم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فذلك مما تجزون به).

أي: هذا الهم الذي يجعل أحدنا يبيت ساهراً أو متألماً، هذا يا إخوان كفارة للذنوب والمعاصي: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه) فلماذا نفقد ونبعد عامل وعنصر الاحتساب في هذه المسألة؟ إذا أصبحت أو أمسيت مهموماً أو مغموماً يدك على رأسك، فأكثر من ذكر الله، والاستغفار، واحتساب الصبر فيما ينالك، فذلك خير لك بإذن الله جل وعلا.

أيها الأحبة: والله إن في هذا الأمر الذي يدور خيرٌ عظيم للإسلام والمسلمين، ولله الحكمة البالغة، ما ماتت نفس قبل يومها، وما أصيب أحد مصيبة إلا بقدر، من كسر هناك قدر له أن يكسر في حادث سيارة أو في الجبهة، من قتل هناك قدر له أن يقتل في طلقة رصاص وإلا على فراشه، لا أحد يتجاوز أجله بأي حال من الأحوال، إذاً فلنطمئن ولنهدأ، فلنعد البشر والابتسامة، ولين الجانب، وطلاقة المحيَّا فيما بيننا، بدلاً من أن يعين بعضنا بعضاً على الهم والغم، أنت تخرج من بيتك فتلقى مهموماً فتهتم معه، فتدخلون على العمل فيهتم بقية الزملاء، يأتي المراجع فيهتم معكم، ويعود إلى بيته مهموماً فيهتم البيت، ثم تجتمع الأمة على غم وهمّ.

لكن حينما أخرج وأنا مبتسم، ذاكر شاكر صابر محتسب، بإذن الله جل وعلا هذا مما يعين النفوس على الطلاقة والبشر والحماس والعمل، كثير من الناس تركوا شيئاً من أعمالهم أو حرفهم أو مهنهم، لماذا هذا الخوف، ولماذا هذا الجزع؟ بالعكس الواجب على الأمة في حال الأزمة والفتن أن تبذل مزيداً من العمل والإنتاج، لكي تغطي ما تستهلكه الحرب من النفقات، هذا هو واجب الأمة، ليس واجب الأمة أن يخزن بعضهم ما استطاع من طعام، أو يهرب البعض إلى آخر مكان ينأى به أو يصل إليه.

وتذكروا قول الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] ويقول تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم

النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر الصحابة عن عير قريش قبل موقعة بدر، تمنى الصحابة أن يظفروا بالعير وألا يقاتلوا قريشاً، قال تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7].

ولكن الله جل وعلا قدر برحمته وحكمته وعدله، أن تكون الشوكة والقتل والقتال وسل السيوف وصهيل الخيول، وكان في هذا خير عظيم بإذن الله جل وعلا، ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، كان فيها خير عظيم بإذن الله جل وعلا، فلا تكرهوا الحرب، الحرب التي نواجهها الآن هي قدرنا، وعلى كل أمة أن تواجه قدرها، هل فر النبي عن قدر الحرب في أحد التي قال قبلها: (رأيت بقراً تنحر) أي: رأى في المنام أنه سيكون ذبح وقتل في صحابته، ومع ذلك خرج لملاقاة عدوه، وما جزع، وتقبل قدره، وواجه هذا القدر بقدر الله المشروع وهو الجهاد.

دخلت حلقتين من حلق المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم، كسرت ثنيته، شج وجهه الكريم، كسرت رباعيته، ومع ذلك واجه النبي قدره، واجهوا قدرهم في الخندق والأحزاب، وبني قريظة، وبني المصطلق، وبني النضير، وتبوك، ومن بعدهم المسلمين في بلاط الشهداء والقادسية واليرموك والزلَّاقة، إلى آخر عصور المسلمين، والأمة تواجه أقدارها وهي سعيدة.

لما كان عصر الفتوحات في الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر، ماذا كان شأن الناس في المدينة؟ أكانوا يجتمعون في المساجد ويصيحون وينيحون ويبكون؟

كان الناس يتبايعون ويشترون، ويتزوجون ويتناسلون، ويأتي البشير من قائد أمير المؤمنين، فتحت مدينة كذا فيكبر المؤمنون، استشهد زوج فلانة، فتحتسبه شهيداً عند الله، وترجو اللحاق به في الجنة، قتل فلان بن فلان فيحمدون الله جل وعلا.

وضوح زيف السلام العالمي

كانت الأمة تعيش قدرها الطبيعي للغاية، وليس كما أصاب كثيراً من المسلمين في هذا الزمان، وقد لا يلام بعضهم؛ لأنهم تعودوا حياة السلام، وأنغام السلام، وموسيقى السلام، وأخبار السلام، وعدم الانحياز، والعدالة في القضايا الدولية، وظنوا أن المجتمع لا يقتل فيه طير، ولا تغتال فيه بهيمة، ولا يراق فيه دم، ولا يقطع فيه شلو، لا. أغنية السلام التي نمنا على أنغامها زمناً طويلاً هي التي جعلتنا نفزع ونخاف.

اسألوا إخوانكم الشباب الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان، كيف كانت أنفسهم أمام الوضع؟ قالوا: الأمر طبيعي، هل هناك من رغبة في الجهاد؟ مستعدون في أي لحظة؛ لأن من تعود قدر الأمة الطبيعي، وسنة الله في أمة الإسلام في الجهاد في سبيل الله، ركنها السادس وذروة سنامها، لا يعجب من هذا أبداً، لكن مر بنا زمن طويل وفيه استقرار السلام، استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط، والسلام.. والسلام، وأي سلام هذا؟! سلام ومليون وستمائة ألف قتيل في أفغانستان نحسبهم من الشهداء، ما هو السلام الذي نمنا على أنغامه؟ سلام والمسلمون في سنقار في كشمير دماء تسيل، يأتون الأسرة المسلمة وهي متحلقة على طعام الإفطار في رمضان، فيهجمون عليها، ويجعلون دماءهم على إفطارهم، في بورما، في الفلبين، في مندناو، في أثيوبيا وإرتيريا، أي أغنية سلام نمنا عليها هذه، التي جعلتنا نفزع لما رأينا الحرب، والحرب ممن؟ من عدوٍ ما كانت عداوته غريبة أبداً، الذي يقول لك:

سلام على كفر يوحد بيننا     وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

أي يقول: سأوحدكم، سأجعل دولتي ودولتك والكويت والعراق وقطر والإمارات، سأجعلها دولة واحدة ولو بالكفر، ومرحباً بجهنم بعد ذلك، أتظنون أن أمر الحرب وعداوة المسلمين تعتبر قدراً غريباً، أو شيئاً عجيباً حينما يبدو منه، أبداً والله، كنا في غفلة، وكان الأعداء يعملون، وكان عامَّة الناس فينا يجهلون ماذا يراد بالأمة، وماذا يخطط لها.

الإعداد لمواجهة الأعداء

وهذا الزمان يا إخوان! زمن العقائد التي تتقاتل وليست هذه أول المصائب، الآن العقائد تعيد تجنيد أحزابها، وتعيد تجنيد الخلايا والفروع والأفراد المنتمين إليها، وتعيد تدريبهم تدريباً عسكرياً لا يخطر لكم على بال، فإما أن نكون أمة ونستعد لمواجهة هذا الأمر، ونكون أمة قتال، أمة سلاح، ولا نعجب منذ الآن فصاعداً من أمر القتل والقتال والجهاد، بل نجعله أمراً طبيعياً، وإلا فإننا سنبقى ضعفاء أمام هؤلاء الأقوياء الذين أخذوا بأسباب العدة المادية، ونحن تركنا قول الله جل وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].

ما تدربنا وما أعددنا حتى نرهبهم، ينبغي أن ندرك أن الواجب الآن أن يعرف الناس، أنه يحمل السلاح ولن يوضع، لمعرفة ما يدور وماذا سيدور، وإلا فاعلموا كما قلت آنفاً: أيها الأحبة! جماعة حزب الله في لبنان يعيدون ترتيب شبابهم ترتيباً عسكرياً، والأفلام الوثائقية صورت، والتقارير نقلت، أمل يعيدون ترتيب شبابهم، حركات أخرى تعيد ترتيب شبابها ترتيباً عسكرياً مسلحاً، ابتداءً بحمل الرشاش، وانتهاءً بحرب المدن، مروراً بالراجمات والقنابل والصواريخ، والرشاشات الثقيلة والخفيفة.

فأنتم يا شباب الأمة! يا شباب الجزيرة! ما هو مشروعكم؟ هل تقولون: بدأت الأزمة فتطوعنا، ثم ننام بعد نهايتها؟ لا. أن يبقى هاجس الجهاد والحرص على هذه الأمة والبلاد والحدود، ليست عصبية للمملكة، وإنما لأننا نرى إسلاماً يطبق فيها، وحينما تتجاوز حددوها تجد القوانين والأنظمة الوضعية، هذا على ما فينا من النقص والكمال لله جل وعلا.

نقول: لا نكره هذه المصائب.

ربما كان مكروه النفوس     إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب

والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

والشر إن تلقه بالخير ضقت به     ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى     حتى يراق على جوانبه الدم

لا يمكن أن تسلم الأمة بعزتها وكرامتها، حتى نقدم قرابين العزة، قرابين الجهاد، قرابين الشهادة لله جل وعلا، ما لم ترتو هذه الحدود بالدماء فلا أمن لكم أيها الأحبة، أقول هذا الكلام لا تخويفاً، بل تشجيعاً وحثاً على الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر الصحابة عن عير قريش قبل موقعة بدر، تمنى الصحابة أن يظفروا بالعير وألا يقاتلوا قريشاً، قال تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7].

ولكن الله جل وعلا قدر برحمته وحكمته وعدله، أن تكون الشوكة والقتل والقتال وسل السيوف وصهيل الخيول، وكان في هذا خير عظيم بإذن الله جل وعلا، ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، كان فيها خير عظيم بإذن الله جل وعلا، فلا تكرهوا الحرب، الحرب التي نواجهها الآن هي قدرنا، وعلى كل أمة أن تواجه قدرها، هل فر النبي عن قدر الحرب في أحد التي قال قبلها: (رأيت بقراً تنحر) أي: رأى في المنام أنه سيكون ذبح وقتل في صحابته، ومع ذلك خرج لملاقاة عدوه، وما جزع، وتقبل قدره، وواجه هذا القدر بقدر الله المشروع وهو الجهاد.

دخلت حلقتين من حلق المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم، كسرت ثنيته، شج وجهه الكريم، كسرت رباعيته، ومع ذلك واجه النبي قدره، واجهوا قدرهم في الخندق والأحزاب، وبني قريظة، وبني المصطلق، وبني النضير، وتبوك، ومن بعدهم المسلمين في بلاط الشهداء والقادسية واليرموك والزلَّاقة، إلى آخر عصور المسلمين، والأمة تواجه أقدارها وهي سعيدة.

لما كان عصر الفتوحات في الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر، ماذا كان شأن الناس في المدينة؟ أكانوا يجتمعون في المساجد ويصيحون وينيحون ويبكون؟

كان الناس يتبايعون ويشترون، ويتزوجون ويتناسلون، ويأتي البشير من قائد أمير المؤمنين، فتحت مدينة كذا فيكبر المؤمنون، استشهد زوج فلانة، فتحتسبه شهيداً عند الله، وترجو اللحاق به في الجنة، قتل فلان بن فلان فيحمدون الله جل وعلا.

كانت الأمة تعيش قدرها الطبيعي للغاية، وليس كما أصاب كثيراً من المسلمين في هذا الزمان، وقد لا يلام بعضهم؛ لأنهم تعودوا حياة السلام، وأنغام السلام، وموسيقى السلام، وأخبار السلام، وعدم الانحياز، والعدالة في القضايا الدولية، وظنوا أن المجتمع لا يقتل فيه طير، ولا تغتال فيه بهيمة، ولا يراق فيه دم، ولا يقطع فيه شلو، لا. أغنية السلام التي نمنا على أنغامها زمناً طويلاً هي التي جعلتنا نفزع ونخاف.

اسألوا إخوانكم الشباب الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان، كيف كانت أنفسهم أمام الوضع؟ قالوا: الأمر طبيعي، هل هناك من رغبة في الجهاد؟ مستعدون في أي لحظة؛ لأن من تعود قدر الأمة الطبيعي، وسنة الله في أمة الإسلام في الجهاد في سبيل الله، ركنها السادس وذروة سنامها، لا يعجب من هذا أبداً، لكن مر بنا زمن طويل وفيه استقرار السلام، استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط، والسلام.. والسلام، وأي سلام هذا؟! سلام ومليون وستمائة ألف قتيل في أفغانستان نحسبهم من الشهداء، ما هو السلام الذي نمنا على أنغامه؟ سلام والمسلمون في سنقار في كشمير دماء تسيل، يأتون الأسرة المسلمة وهي متحلقة على طعام الإفطار في رمضان، فيهجمون عليها، ويجعلون دماءهم على إفطارهم، في بورما، في الفلبين، في مندناو، في أثيوبيا وإرتيريا، أي أغنية سلام نمنا عليها هذه، التي جعلتنا نفزع لما رأينا الحرب، والحرب ممن؟ من عدوٍ ما كانت عداوته غريبة أبداً، الذي يقول لك:

سلام على كفر يوحد بيننا     وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

أي يقول: سأوحدكم، سأجعل دولتي ودولتك والكويت والعراق وقطر والإمارات، سأجعلها دولة واحدة ولو بالكفر، ومرحباً بجهنم بعد ذلك، أتظنون أن أمر الحرب وعداوة المسلمين تعتبر قدراً غريباً، أو شيئاً عجيباً حينما يبدو منه، أبداً والله، كنا في غفلة، وكان الأعداء يعملون، وكان عامَّة الناس فينا يجهلون ماذا يراد بالأمة، وماذا يخطط لها.

وهذا الزمان يا إخوان! زمن العقائد التي تتقاتل وليست هذه أول المصائب، الآن العقائد تعيد تجنيد أحزابها، وتعيد تجنيد الخلايا والفروع والأفراد المنتمين إليها، وتعيد تدريبهم تدريباً عسكرياً لا يخطر لكم على بال، فإما أن نكون أمة ونستعد لمواجهة هذا الأمر، ونكون أمة قتال، أمة سلاح، ولا نعجب منذ الآن فصاعداً من أمر القتل والقتال والجهاد، بل نجعله أمراً طبيعياً، وإلا فإننا سنبقى ضعفاء أمام هؤلاء الأقوياء الذين أخذوا بأسباب العدة المادية، ونحن تركنا قول الله جل وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].

ما تدربنا وما أعددنا حتى نرهبهم، ينبغي أن ندرك أن الواجب الآن أن يعرف الناس، أنه يحمل السلاح ولن يوضع، لمعرفة ما يدور وماذا سيدور، وإلا فاعلموا كما قلت آنفاً: أيها الأحبة! جماعة حزب الله في لبنان يعيدون ترتيب شبابهم ترتيباً عسكرياً، والأفلام الوثائقية صورت، والتقارير نقلت، أمل يعيدون ترتيب شبابهم، حركات أخرى تعيد ترتيب شبابها ترتيباً عسكرياً مسلحاً، ابتداءً بحمل الرشاش، وانتهاءً بحرب المدن، مروراً بالراجمات والقنابل والصواريخ، والرشاشات الثقيلة والخفيفة.

فأنتم يا شباب الأمة! يا شباب الجزيرة! ما هو مشروعكم؟ هل تقولون: بدأت الأزمة فتطوعنا، ثم ننام بعد نهايتها؟ لا. أن يبقى هاجس الجهاد والحرص على هذه الأمة والبلاد والحدود، ليست عصبية للمملكة، وإنما لأننا نرى إسلاماً يطبق فيها، وحينما تتجاوز حددوها تجد القوانين والأنظمة الوضعية، هذا على ما فينا من النقص والكمال لله جل وعلا.

نقول: لا نكره هذه المصائب.

ربما كان مكروه النفوس     إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب

والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

والشر إن تلقه بالخير ضقت به     ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى     حتى يراق على جوانبه الدم

لا يمكن أن تسلم الأمة بعزتها وكرامتها، حتى نقدم قرابين العزة، قرابين الجهاد، قرابين الشهادة لله جل وعلا، ما لم ترتو هذه الحدود بالدماء فلا أمن لكم أيها الأحبة، أقول هذا الكلام لا تخويفاً، بل تشجيعاً وحثاً على الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

واعلموا أيها الأحبة! مع هذه الأزمة وما فيها من المصائب، أن الله جل وعلا قد أظهر لطفه وهو اللطيف الخبير، دائماً حينما تصلون في تلاوة القرآن الكريم إلى نهاية مقطع الآية، ارعِ سمعك لها، وتأملها تأملاً جيداً، تجد حكمة عظيمة في مناسبة المقطع الأخير لموضوع الآية.

قلة المتضررين

لطف الله جل وعلا أيها الأحبة بكم شأنه عجيب جداً، وليس على الله بعزيز، فكما أن الله عظيم، فكذلك لطفه عظيم سبحانه وتعالى، يسقط صاروخ أسكود على بناية، من أين يدخل؟ من النافذة، وينفجر في وسط البناية، حتى تحتوي البناية الأنقاض في داخله، فلا تسقط البناية يميناً فتهلك العمائر المجاورة، ولا تسقط شمالاً فتهلك العمائر المجاورة، وإنما يدخل الصاروخ مع النافذة.

وهذه الأنقاض يحتوي بعضها بعضاً، وكل يموت بأجله، وكل يجرح بقدره، أناس سمعوا الصفارة وقفوا في أتوبيس النقل الجماعي، عند البناية التي بنيت، وإذا بالصاروخ ينزل مع النافذة ويصيبهم ما يصيبهم من قدر الله عليهم، المسألة يا إخوان بمنتهى القضاء والقدر.

أقول أيها الأحبة: هذه من صور اللطف الإلهي من عند الله جل وعلا بهذه الأمة، وأمة تخوض حرباً كهذه الضحايا فيها بالآلاف، القتلى فيها بعشرات الآلاف، وحتى الآن لا نزال على مستوى لا أقول المئات، بل بالعشرات حتى الآن فيما قدمنا في هذه المعركة، فالحمد لله حمداً كثيراً أولاً وأخرى.

فشل صواريخ الباتريوت

كذلك من صور اللطف الإلهي، صواريخ الباتريوت هذه أيها الأحبة، صنعت منذ مدة طويلة، أو بداية التصنيع لها، ثم جربت فلم تظهر فعالية أبداً، إلا شيئاً قليلاً جداً، حتى فكرت الشركة المصنعة لهذه الصواريخ، وهذه تقارير دقيقة بإلغاء هذا الأمر، قالوا: هذا إنتاج يكلف الكثير، والجدوى الاقتصادية والمردود الفعلي من هذا الإنتاج ليس على مستوى البذل الذي يبذل فيه، ثم قدمت دراسة لهدف تطوير هذه الصواريخ، فطورت، وجرب منها أحد عشر صاروخاً على أهداف مختلفة، فلم يصب منها واحداً أبداً.

ثم تطورت وكان نسبة توقعات الذين أعدوها، ليست دقيقة أو عندهم التفاؤل الكبير فيها، وإذ بها تجرب هنا، فتعطي النتائج العجيبة الرهيبة، أليست هذه كرامة من كرامات الله لهؤلاء الموحدين؟ أليست كرامة مثل كرامات أفغانستان؟ والله إنها كرامة، وحري بالشباب أن يسجلوا كرامات الله لهم في هذه المعركة، هذه مسألة مهمة، وليست غريبة أو عجيبة، وفضل الله ورحمته ومنه وكرمه قد شمل هذه الأمة، لكن أقول: هي أمة ينالها الله برحمته، والله ليس في هذه البلاد أضرحة تعبد، ولا قبور يطاف عليها، ولا مزارات أو مشاهد يضحّى لها، أو يطوف الناس بها، يسألونها دفع الكربات وجلب الحاجات.

إذاً: فلا غرابة، ولا أقول: إن هذا حق على الله، أو المسألة معادلة، نحن لا نطوف بالقبور، إذاً لا بد أن ينصرنا، لا. نقول: هذا برحمة الله، بمن الله، وبفضله وكرمه، وما يدعا لكم وأنتم نيام في هجيع الليل الأخير، من كبار السن من العجائز والشيوخ، الذين لا تعرفهم الكاميرات، ولا أجهزة الإعلام، وليس لهم اسم ذائع، ولا صيت بين، ولا شهرة معلومة، يرحمكم الله بهؤلاء، بعد منه وفضله ورحمته، وبما نقوم به من العناية بشريعة الله جل وعلا.

كل هذه من الأمور التي نتوسل إلى الله بها، أن تكون سبباً في حفظنا، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من أنواع التوسل المشروع.

أقول: طورت هذه الصواريخ حتى قاربت الإصابة فيها (90%)، وكانت فيما قبل فاشلة، وقبل استخدامها في المملكة العربية السعودية كانت أسهم الشركة المصنعة لصواريخ الباتريوت منخفضة في أسواق البورصة الدولية وأسعار الأسهم العالمية، وبعد بداية الحرب، ورؤية البراهين القوية الناجحة في فعالية هذه الصواريخ، ارتفعت أسهم هذه الصواريخ إلى نسبة ومعدلات عظيمة جداً جداً، فهذه من نعم الله جل وعلا.

كذلك من لطف الله ينزل صاروخ في منطقة سكنية، فيسقط الصاروخ على الشارع، لا يسقط يمنياً على بيت، قد يكون فيه الآمنون، ولا يسقط شمالاً على بيت، قد يكون فيه الوادعون والمطمئنون، وإنما يسقط في الشارع، ملائكة تحمل جرم هذا الصاروخ الذي سقط رأسه، فتضعه في هذا الشارع، فلا يسقط يميناً ولا يساراً، أليس هذا من لطف الله بكم؟ العمارة التي سقطت، ما ظنكم لو أن الصاروخ سقط في عمارة، كارتفاع هذه العمارة سبعة أدوار أو ستة أدوار أو غيرها، مليئة بالسكان والنساء والأطفال والشباب والشيوخ، ما مستوى المصيبة؟ مئات القتلى والجرحى سيكون، لكن سقط على عمارة فيها أفراد لا يتجاوزن العشرات، بمختلف الإصابة الموجودة فيهم، وكانت خالية إلا من قليل من البشر، أليست هذه من كرامات الله؟ أليست من المبشرات التي تجعلنا نطمئن لما يدور في هذه الأيام، نسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا بأي حال من الأحوال.

لطف الله جل وعلا أيها الأحبة بكم شأنه عجيب جداً، وليس على الله بعزيز، فكما أن الله عظيم، فكذلك لطفه عظيم سبحانه وتعالى، يسقط صاروخ أسكود على بناية، من أين يدخل؟ من النافذة، وينفجر في وسط البناية، حتى تحتوي البناية الأنقاض في داخله، فلا تسقط البناية يميناً فتهلك العمائر المجاورة، ولا تسقط شمالاً فتهلك العمائر المجاورة، وإنما يدخل الصاروخ مع النافذة.

وهذه الأنقاض يحتوي بعضها بعضاً، وكل يموت بأجله، وكل يجرح بقدره، أناس سمعوا الصفارة وقفوا في أتوبيس النقل الجماعي، عند البناية التي بنيت، وإذا بالصاروخ ينزل مع النافذة ويصيبهم ما يصيبهم من قدر الله عليهم، المسألة يا إخوان بمنتهى القضاء والقدر.

أقول أيها الأحبة: هذه من صور اللطف الإلهي من عند الله جل وعلا بهذه الأمة، وأمة تخوض حرباً كهذه الضحايا فيها بالآلاف، القتلى فيها بعشرات الآلاف، وحتى الآن لا نزال على مستوى لا أقول المئات، بل بالعشرات حتى الآن فيما قدمنا في هذه المعركة، فالحمد لله حمداً كثيراً أولاً وأخرى.

كذلك من صور اللطف الإلهي، صواريخ الباتريوت هذه أيها الأحبة، صنعت منذ مدة طويلة، أو بداية التصنيع لها، ثم جربت فلم تظهر فعالية أبداً، إلا شيئاً قليلاً جداً، حتى فكرت الشركة المصنعة لهذه الصواريخ، وهذه تقارير دقيقة بإلغاء هذا الأمر، قالوا: هذا إنتاج يكلف الكثير، والجدوى الاقتصادية والمردود الفعلي من هذا الإنتاج ليس على مستوى البذل الذي يبذل فيه، ثم قدمت دراسة لهدف تطوير هذه الصواريخ، فطورت، وجرب منها أحد عشر صاروخاً على أهداف مختلفة، فلم يصب منها واحداً أبداً.

ثم تطورت وكان نسبة توقعات الذين أعدوها، ليست دقيقة أو عندهم التفاؤل الكبير فيها، وإذ بها تجرب هنا، فتعطي النتائج العجيبة الرهيبة، أليست هذه كرامة من كرامات الله لهؤلاء الموحدين؟ أليست كرامة مثل كرامات أفغانستان؟ والله إنها كرامة، وحري بالشباب أن يسجلوا كرامات الله لهم في هذه المعركة، هذه مسألة مهمة، وليست غريبة أو عجيبة، وفضل الله ورحمته ومنه وكرمه قد شمل هذه الأمة، لكن أقول: هي أمة ينالها الله برحمته، والله ليس في هذه البلاد أضرحة تعبد، ولا قبور يطاف عليها، ولا مزارات أو مشاهد يضحّى لها، أو يطوف الناس بها، يسألونها دفع الكربات وجلب الحاجات.

إذاً: فلا غرابة، ولا أقول: إن هذا حق على الله، أو المسألة معادلة، نحن لا نطوف بالقبور، إذاً لا بد أن ينصرنا، لا. نقول: هذا برحمة الله، بمن الله، وبفضله وكرمه، وما يدعا لكم وأنتم نيام في هجيع الليل الأخير، من كبار السن من العجائز والشيوخ، الذين لا تعرفهم الكاميرات، ولا أجهزة الإعلام، وليس لهم اسم ذائع، ولا صيت بين، ولا شهرة معلومة، يرحمكم الله بهؤلاء، بعد منه وفضله ورحمته، وبما نقوم به من العناية بشريعة الله جل وعلا.

كل هذه من الأمور التي نتوسل إلى الله بها، أن تكون سبباً في حفظنا، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من أنواع التوسل المشروع.

أقول: طورت هذه الصواريخ حتى قاربت الإصابة فيها (90%)، وكانت فيما قبل فاشلة، وقبل استخدامها في المملكة العربية السعودية كانت أسهم الشركة المصنعة لصواريخ الباتريوت منخفضة في أسواق البورصة الدولية وأسعار الأسهم العالمية، وبعد بداية الحرب، ورؤية البراهين القوية الناجحة في فعالية هذه الصواريخ، ارتفعت أسهم هذه الصواريخ إلى نسبة ومعدلات عظيمة جداً جداً، فهذه من نعم الله جل وعلا.

كذلك من لطف الله ينزل صاروخ في منطقة سكنية، فيسقط الصاروخ على الشارع، لا يسقط يمنياً على بيت، قد يكون فيه الآمنون، ولا يسقط شمالاً على بيت، قد يكون فيه الوادعون والمطمئنون، وإنما يسقط في الشارع، ملائكة تحمل جرم هذا الصاروخ الذي سقط رأسه، فتضعه في هذا الشارع، فلا يسقط يميناً ولا يساراً، أليس هذا من لطف الله بكم؟ العمارة التي سقطت، ما ظنكم لو أن الصاروخ سقط في عمارة، كارتفاع هذه العمارة سبعة أدوار أو ستة أدوار أو غيرها، مليئة بالسكان والنساء والأطفال والشباب والشيوخ، ما مستوى المصيبة؟ مئات القتلى والجرحى سيكون، لكن سقط على عمارة فيها أفراد لا يتجاوزن العشرات، بمختلف الإصابة الموجودة فيهم، وكانت خالية إلا من قليل من البشر، أليست هذه من كرامات الله؟ أليست من المبشرات التي تجعلنا نطمئن لما يدور في هذه الأيام، نسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا بأي حال من الأحوال.