أرشيف المقالات

اثنتا عشرة علامة من علامات حب الله لعبده (2)

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2اثنتا عشرة علامة من علامات حب الله لعبده (2)
إن من سعادة المؤمن الغامرة أن يهبَه الله عز وجل أعمالًا جليلة يوفِّقه إليها، ويحبه من أجلها؛ إذ محبة الله لعبده، هي: "المنزلة التي تنافَس فيها المتنافسون، وعليها تفانى المحبُّون، وبروح نَسيمِها تروَّح العابدون"؛ كما قال ابن القيم رحمه الله.
ولقد انتهينا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى علامتين بارزتين من علامات حب الله لعبده، وهما: "حمايته من الدنيا"، و"ابتلاؤه بالشدائد والمحن، وتمحيصه بالمصائب والإحن".
ونعطف اليوم إن شاء الله تعالى على موضوعنا بعشر علامات أخرى، تكون لنا بمثابة الاختبار الذي به نعرِف مقدار مكانتنا عند الله، ونزن به نسبةَ حبِّ ربنا لنا، حتى يرتقيَ المشمرون، ويشمر المتأخرون. مَا زالَ يَلْهَجُ بالرَّحِيلِ وَذِكْرِهِ حَتَّى أَنَاخَ بِبَابِهِ الجَمَّالُ فأَصَابَهُ مُتَيَقِّظًا مُتَشَمِّرًا ذَا أُهْبَةٍ لَمْ تُلْهِهِ الآمَالُ   وهذه هي العلامات دون كبير تعليق: 1- تمكين القلب من حب لقاء الله تعالى: فالمؤمن لا يهاب الموت، ولا يخاف الفوت، ولا يرهب القبر، ولا يجزع من البعث والنشر.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ)، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَ: (لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ الله، وَرِضْوَانِهِ، وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ الله، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ الله، وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ الله، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ)؛ متفق عليه.
2- التوفيق إلى عمل صالح قبل الموت: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا عَسَلَهُ)، قَالوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا عَسَلَهُ؟ قَالَ: (يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِهِ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ)، أَوْ قَالَ: (مَنْ حَوْلَهُ)؛ صحيح الترغيب، وفي لفظ عند أحمد: قَالَ: (يَفْتَحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ).
3- الهداية إلى السعي في مصالح العباد وحاجاتهم: قال صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الناسِ إِلَى الله، أَنْفَعُهم لِلناسِ)، ثم قال: (وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا له، أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ)؛ صحيح الترغيب.
وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)؛ مسلم.
ومن بديع بشارات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ، إِلاَّ كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً)؛ صحيح سنن ابن ماجه.
فإن أحببت أن ترفع من مقامك عند ربك، وأن تتقرب إليه بما به يحبك، فأعِن المسكين والملهوف وذا الحاجة، وسِرْ في قضاء حوائج الناس، بإدخال السرور على أخيك، أو قضاء دينه، أو طرد جوعته، أو اكشف كُربته، أو امسح دمعته.
اقضِ الحوائجَ ما استطعـ تَ وكُنْ لهَمِّ أخيكَ فارِجْ فَلَخيرُ أيَّامِ الفَتى يَومٌ قَضى فِيهِ الحَوائِجْ
4- شرح الصدر باللهَج بذكره، وتعطير اللسان بحمده: فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى الله أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لِله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ)؛ مسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى الله؟)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى الله، فَقَالَ: (إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى الله: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ)؛ مسلم.
ويكفي الذاكرَ حبًّا من الله تعالى أنه يظفر بمعيته، فيحفظه من كل سوء، ويسدده لأقوم السبل؛ قال تعالى في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ)؛ متفق عليه، والملأ الخير، هم جماعة من الملائكة المقربين، مباهاةً به، وتعظيمًا لقدره.
ولذلك شُرِعت لنا أذكارُ الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الخروج من البيت ودخوله، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وغيرها، حتى يبقى العبد على صلة بربِّه، يذكره على كل أحواله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ)؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها، ولَمَّا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ لَهُ: (لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله)؛ صحيح سنن الترمذي.
5- التوفيق إلى حسن الخلق: فمن رُزِق حسنًا فقد حاز شرف الدنيا والآخرة، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ)؛ صحيح سنن الترمذي، ولذلك كان مقام صاحب الخلق الحسن في أعلى الجنة.
وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أشج عبدالقيس بخلقين رفيعين؛ فقال له: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ)؛ مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن اللهَ إذا أحبَّ أهلَ بيتٍ، أدخلَ عليهِمُ الرِّفقَ)؛ صحيح الجامع.
6- التوفيق إلى الإكثار من النوافل بعد الفرائض: قال تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ..
الحديث)
؛ البخاري.
7- الهداية إلى دوام الأعمال الحسنة وإن كانت قليلة: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى الله أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، رواه البخاري والترمذي واللفظ له.
8- شرح الصدر بحب عباد الله المؤمنين: فمن رُزِق حبَّ الناس، لا يدفَعه إلى ذلك رياء ولا سمعة، ولا مصلحة دنيوية أو منفعة ذاتية، إلا أن يكون حبًّا في الله ولله، فقد أحرز محبة الله له؛ يقول الله تبارك وتعالى: (وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)؛ موطأ مالك.
ولقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أناسٌ، فقالوا: مَنْ أَحَبُّ عِبَاد اللهِ إِلَى اللهِ؟ فقال: (أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)؛ صحيح الترغيب.
هؤلاء أعد الله لهم يوم القيامة مكانةً ما بعدها مكانة؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي)؛ مسلم.
ولاحظ أنه قال: (الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي)؛ أي: بعظمتي وطاعتي، لا المتحابين لدنيا فانية، أو مصلحة زائلة، ومن الأمور الثلاثة التي مَن وجدها وجَد حلاوة الإيمان: (أنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ)؛ متفق عليه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إنَّك إذا أحببتَ الشخص لله، كان الله هو المحبوبَ لذاته، فكلَّما تصوَّرته في قلبك، تصوَّرت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبُّك لله".
9- البعد عن الفتن، والانشغال بالعبادة وإصلاح القلب وغنى النفس: ويجمع كل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ)؛ مسلم.
10- التوفيق إلى صلاة الجماعة والصف الأول: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ: (أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ؟)، قَالُوا: لَا، قَالَ: (أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ؟)، قَالُوا: لَا، قَالَ: (إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ (الصبح والعشاء) أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ، وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلاَئِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لاَبْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الله تَعَالَى)؛ صحيح سنن أبي داود.
فلك المحامد والثناء جميعُه والشكرُ من قلبي ومن وِجداني فلأنت أهلُ الفضل والمنِّ الذي لا يستطيع لشُكره الثَّقلان فلك المحامدُ والمدائح كلُّها بخواطري وجوانحي ولسان



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن