خطب ومحاضرات
أثر القرآن على الفتاة المسلمة
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعــد:
فعنوان محاضرتنا كما تفضل المقدم جزاه الله خير الجزاء " القرآن وأثره على الفتاة المسلمة " ولا شك أن كتاب الله جل وعلا من تمسك به لن يضل أبداً، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بكتاب الله وسنتي) وهذا القرآن الكريم هو حبل الله المتين من اعتصم به نجا، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
وهذا القرآن هو ربيع قلوب المؤمنين، وهذا القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة إلى يوم القيامة، وهذا القرآن هو جوابٌ وغذاءٌ ودواءٌ وكنزٌ ثمين، وفيه تلبية لحاجات الأمة الإسلامية إلى أن تقوم الساعة: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] وهذا القرآن قد حفظه الله جل وعلا، فلا خطر أن يحرف أو يزاد فيه أو ينقص: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:
وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غناءٍ واهباً متفضِّلا |
وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا |
ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطَّلا |
ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا |
القرآن الكريم ما نزل إلا ليعمل به، ما أنزل الله هذا القرآن لتزين به المجالس، أو لتزخرف به الدور والغرف، أو ليعلق على الرفوف، أو ليكنز في المساجد، وإنما أنزل هذا القرآن لكي يعمل بصغيره قبل كبيره، ولكي يعمل بدقيقه مع جليله، هذا القرآن هو حجة في كل حرفٍ من حروفه، وفي كل سورة من سوره، وفي كل آية من آياته، فهو معجزٌ، ولهذا كان إعجازه شاملاً لكل شيء، إعجاز البيان، إعجاز اللغة، إعجاز الطب، إعجاز الفلك، إعجازٌ في كل أمرٍ من الأمور، ولذا كان معجزةً خالدة إلى يوم القيامة.
كانت معجزة عيسى من جنس ما اشتهر به قومه، وكانت معجزته في الطب، يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وانتهت معجزته بانتهاء نبوته ورسالته.
كانت معجزة موسى عليه السلام من جنس ما اشتهر به قومه وهو السحر، فجاءت معجزته في يده تخرج بيضاء من غير سوء، جاءته معجزته في عصاه ألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين يلقف ما يأفكون، وانتهت معجزة موسى عليه السلام بانتهاء رسالته.
أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلما كانت رسالته إلى الثقلين الجن والإنس إلى يوم القيامة، وهو المقفي، والحاشر، والخاتم وليس بعده نبي، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فكانت معجزته متجددة لكل زمانٍ ومكان، إلى أن يقبض الله هذه البشرية، وإلى أن تقوم الساعة.
أيتها الأخوات! القرآن العظيم شأنه عظيم، والذي لا يعرف الشيء لا يمكن أن يتصور حقيقته، وأضرب لكم الآن مثلاً، نتكلم الآن عن القرآن الكريم وبالمثال يتضح المقال، لو أننا نسبح في عرقٍ من شدة الحر والقيظ، قد تضايقنا من انطفاء التيار الكهربائي مثلاً في حر الشمس في النهار، وأصبح الواحد منا يسيح عرقاً على وجهه وجسمه، هل يغني عنه أن نصف له أنه توجد مكيفات من نوع (اسبليت) أو من نوع (كلبنيتر) أو من أي نوعٍ من الأنواع التي من شأنها الهدوء والراحة، والتبريد الجميل، لو أن إنساناً يسبح في العرق من الحر وأخذنا نَصِفُ له ألوان وأنواع المكيفات، وبرودة الغرف التي امتلأت بالمكيفات، لا أظن أن وصفنا هذا وكلامنا سوف يجفف من عرقه قدر قطرة واحدة، لماذا؟
لأن وصف الشيء لا يغني عن الدخول في حقيقته، فكذلك التي نقول لها: إن القرآن كذا .. وكذا .. وكذا .. لن تجد حقيقة ما نصف لها إلا إذا دخلت في سلك الحافظات والمتعلمات والدارسات والطالبات، فهذا الذي ذكرناه مثلاً الذي نقول: إنه يسبح من العرق من شدة الحر، لو أخذنا نصف له ساعة في ألوان المكيفات ما جف عرقه، ولم يجد نوعاً من الراحة، لكن حينما نأخذه وندخله في حجرة فيها مكيف ولو واحداً، سيجد خلال دقائق أنه امتلأ راحة، وبرد جسمه، ووجد الطمأنينة والارتياح الكامل، فكذلك هذا المثل نطبقه على ما نحن فيه الآن، حينما نصف أثر القرآن على أناسٍ لا يعلمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يلتزمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يجعلون القرآن زادهم اليومي يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، فإننا كالذي يصف الحسناء للعميان، ولا حاجة إلى مزيد من التفصيل.
أثر القرآن على الفتاة المسلمة:
أولاً: في إيمانها بالله جل وعلا، فهذه الفتاة المسلمة صغيرةً كانت أم كبيرة، المهم أنها تعرف أن القرآن من عند الله جل وعلا.
إيمان الفتاة بالقرآن وأنه كلام الله
فالواحدة منكن حينما تقرأ كتاب الله جل وعلا فإنها تقرأ كلام رب السماوات والأرض، تقرأ كلام الذي البشرية كلها في قبضته جل وعلا، تقرأ كلام الذي السماوات مطوياتٌ بيمينه، تقرأ كلام الخالق الذي هذه الأنفس على وجه الأرض كلها بيده سبحانه، تقرأ كلام الذي يقدر أرزاق الخلائق في الليل والنهار، تقرأ كلام الذي لا تخفى عليه خافية، تقرأ كلام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاعرفي كلام من تقرئين، ربما نجد من بعض الناس من يلقي انتباهاً واهتماماً حينما يقرأ كلام مسئول من المسئولين، أو رئيس من الرؤساء، أو عظيم من العظماء، ولكن حينما يتلو كلام الله جل وعلا لا ينتبه له ولا يتدبره، وهذا لا شك أنه من الجهل، فإن من يعرف عظمة ربه ولو أدنى حقوق المعرفة، فإن هذا سيدعوه إلى أن يتأمل هذا الكلام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وصدق الله العظيم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
فهذا القرآن أثره على الفتاة أن تعلم أن هذا كلام الله جل وعلا، تقول عائشة رضي الله عنها، جاءت المجادلة التي ذكر الله شأنها في سورة المجادلة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] تقول عائشة رضي الله عنها وخولة بنت ثعلبة تشكو زوجها، قالت: يا رسول الله! إن زوجي كبيرٌ وقد ظاهر مني، ولي منه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن جعلتهم لديه ضاعوا، تقول عائشة : والله إن المجادلة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة وما بيني وبينهما إلا الستر -ستارة قماش لطيف- تقول عائشة : الرسول مع المجادلة على يمين الستر في ظاهر الحجرة، وأنا على يسار الستر في باطن الحجرة، والله ما سمعت كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات! فأنزل الله جل وعلا: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1].
فأنت أيتها المسلمة! تقرئين كلام الذي يسمع خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، وتقرئين كلام الذي يعلم السر وأخفى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
إيمان الفتاة بالله سبحانه وأسمائه وصفاته
لأن الإيمان بالله إيمان غيبٍ، والغيب لا يمكن أن نعلمه إلا بوحيٍ، والوحي جاء من عند الله في هذا القرآن، فلا يمكن أن نجعل في القلب والذاكرة والذهن معلومة عن الله إلا بوحي من عند الله جل وعلا، ولا يحيطون به علماً: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103].
فأنتِ مثلاً حينما أقول لك مثلاً: إن الله هو العليم، أو إن الله هو السميع، من أين جئنا بهذا؟ بحثنا فوجدنا في القرآن آية فيها أن الله سميع، فسمينا الله سميعاً، ووصفنا الله بأنه سميع، عرفنا في القرآن آية بأن الله عليم، فسمينا الله عليماً ووصفناه بوصفٍ أنه عليم، لكن مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل أن نصف الله جل وعلا بوصفٍ لم يصف نفسه به، ولم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم.
مثلاً: أقول لك أيتها الأخت المسلمة: هل تشكين من ضيق الصدر؟ هل تشكين من الهم؟ هل تشكين من القلق؟ هل تشكين من الغم؟ هل بينك وبين زوجك مشاكل؟ هل بينك وبين أهلك مشاكل؟
تهجدي آخر الليل (فإن الله ينـزل في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) فأنتِ بدلاً من أن تقولي: تعال يا شيخ! من أين جئت لنا بهذه المعلومة؟ تقول: إن الله يتنـزل في الثلث الآخر من الليل، أنت تأتي بكلام من عندك؟
أقول لكِ: يا أختي! جزاكِ الله خيراً؛ لأنني لا يمكن أن أنقل شيئاً من أسماء الله أو أصف صفة من أفعال الله إلا بوحي من الله أو كلامٍ من نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في السنة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله ينـزل في الثلث الآخر فيبسط يده ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) إذاً: أنا لما تكلمت عن الله ما تكلمت من نفسي، ما نقلت خبراً عن مجلة سيدتي وما نقلت خبراً عن مجلة آخر ساعة وما نقلت خبراً عن مجلة النهضة وما نقلت خبراً عن مجلة من المجلات، أو شريطٍ من الأشرطة.
إذاً: فكل ما يتعلق بالله لا نقبل فيه إلا ما كان النقل فيه عن الله وعن رسوله، قال الله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] فالله جل وعلا في مقام وحدانيته لم يرض لنا إلا بالعلم، ما قال: فاعرف أنه لا إله إلا الله؛ لأن المعرفة تزيد وتنقص، المعرفة معرضة للنقض ومعرضة للمحاورة وللإبطال، أما العلم فإنه حقائق لا يمكن أن نرضى في مقام وحدانية الله جل وعلا إلا بذلك.
فالقرآن الكريم أثره عليك -أيتها المسلمة- أن تؤمني بالله جل وعلا، وما هو هذا الإيمان؟
الحقيقة تقول، وليست حقيقة المعلومات والثقافة، بل الحقائق القرآنية؛ لأننا اتفقنا وإياكن قبل قليل أننا لا نتكلم عن الله إلا بدليل من القرآن أو بدليل من السنة، في أي علمٍ من العلوم، أو أي نظرية من النظريات قد نأتي باجتهادات العقول، بتحاليل المعامل، بالتجارب، بالمختبرات، بالبراهين، بالاستقراء، بالأدلة المختلفة، لكن عن الله جل وعلا وعن أسمائه وصفاته لا يمكن أن نتكلم إلا بموجب الدليل الذي هو عن الله وعن أسمائه وصفاته.
إيمان الفتاة بربوبية الله وألوهيته
إذاً: فهذا التوحيد الذي اسمه: توحيد الربوبية وهو أن المسلمة والمسلم يعتقد كل واحدٍ منهم أن الله الخالق المدبر المالك المتصرف، فكل شيء في هذا الكون بتدبير الله وأمره وخلقه وإرادته سبحانه وتعالى، هذا هو توحيد الربوبية، ويفسره العلماء أهل العقائد ويقولون: توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، أو توحيد الإقرار يعني: أن نقر ونعترف أن كل تدبير هو من عند الله جل وعلا، فإذا عرفنا هذا أصبحنا ننسب الأمور إلى فعل الله وتقديره، لا نقول: والله حصلت زلازل وبراكين لضعف القشرة الأرضية، بل نقول: بإرادة الله، بأمر الله جل وعلا، حتى الذين يقولون: إن الزلازل والبراكين حدثت بسبب ضعف القشرة الأرضية نقول: من الذي جعل القشرة الأرضية ضعيفة.. أليس الله جل وعلا؟ إذاً فلا يمكن أن ننسب الأمور إلا إلى الله جل وعلا، نقول: هبت عواصف نتيجة منخفض جوي، بل نقول: بأمر الله، وإرادة الله، ومشيئة الله، فلابد من أن ننسب الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذا الإيمان أيتها الأخوات الذي اسمه: الإيمان بتوحيد الربوبية، هل تظنن أن أبا لهب وأبا جهل وعبد المطلب ، وكفار قريش كانوا ينكرونه؟ لا. كانوا يؤمنون به، قال الله جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] فكفار قريش يؤمنون بتوحيد الربوبية. إذاً: فهل هذا هو التوحيد المطلوب منا؟
لا. مطلوبٌ منا مع توحيد الربوبية توحيدٌ أسمائه وصفاته وتوحيد الألوهية، وهذا التوحيد يعني: أن نصرف جميع العبادة لله، لا نحلف إلا بالله، فلا نحلف: بالنبي والأمانة والكعبة والشرف، ولا نذبح إلا لله، لا يمكن أن نذبح للساحر أو الكاهن أو الشجرة أو الأثلة الفلانية، لا نتوكل إلا على الله، لا نستعين إلا بالله، لا نصلي إلا لله، لا ننحر إلا لله، فكل عبادةٍ صغيرة كانت أو كبيرة لا يجوز صرفها إلا لوجه الله جل وعلا.
أيتها الأخت: خذي مثالاً من واحدة من البنات والفتيات اللائي تربين في حضن الدعوة وفي مجتمع الدعوة، دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه، وجمعنا به في الجنة.
فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت في طريقها إلى الحج، وكانت في الهودج، وكان الذي يقود جملها أو بعيرها خادماً عندهم، فمروا على قومٍ كانوا يعظمون قبراً من القبور، فأنكروا عليهم إلا أن صاحب القبر قال: قربوا قربوا لهذا الولي، قربوا لصاحب القبر شيئاً، فقال خادمها: ما نقرب إلا ترباً في وجهك، بهذه العبارة، فأخرجت -الحصان الرزان المتدينة العالمة الموحدة التي ظهر أثر القرآن عليها- أخرجت رأسها من ستر الهودج وقالت: حتى التراب لا يقرب لغير الله جل وعلا، فدل هذا على أن الفتاة المسلمة قبل أن تكون داعية، وقبل أن تكون مثقفة، وقبل أن تكون أديبة، وقبل أن تكون ذواقة للشعر، وقبل أن تكون قادرة على جمع المعلومات، ونشيطة في التحركات، قبل ذلك كله هي صاحبة إيمان، صاحبة عقيدة، صاحبة توحيد.
ثم كذلك هذا القرآن يجعل الفتاة المسلمة تؤمن بأن الله لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له جل عن كل ذلك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فمن أراد أن يشبه الله في جملة أو في وصفٍ أو هيئة أو حالٍ من الأحوال فإن هذا يدخل ويتكلف فيما ليس له به علم، بل ربما يصل إلى حد الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
إذاً: فالقرآن كلام الله منـزلٌ غير مخلوق، تكلم الله به جل وعلا، فنفهم من هذا أن من صفات الله أنه يتكلم كلاماً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا يلزم من كلامه سبحانه أن يكون له لسان، ولا أن يكون له حنجرة، ولا أن يكون في الحلق لسان مزمار، لا يلزم من كلامه سبحانه أن تكون أدوات الكلام التي يخرج بها الصوت من البشر موجودة في الله؛ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أننا نؤمن أن الله يتكلم، والكلام من صفات الله الذاتية، ومن صفات الفعل فإن الله في الأصل متكلمٌ ويتكلم إذا شاء متى شاء، فنؤمن بأن الله له صفة الكلام، وهذا جلي واضح، قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] وقال تعالى: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] فالله جل وعلا أثبت لنفسه صفة الكلام، فهذا القرآن الذي نحن نقرؤه ونتلوه آناء الليل وأطراف النهار هو كلام الله جل وعلا.
فالواحدة منكن حينما تقرأ كتاب الله جل وعلا فإنها تقرأ كلام رب السماوات والأرض، تقرأ كلام الذي البشرية كلها في قبضته جل وعلا، تقرأ كلام الذي السماوات مطوياتٌ بيمينه، تقرأ كلام الخالق الذي هذه الأنفس على وجه الأرض كلها بيده سبحانه، تقرأ كلام الذي يقدر أرزاق الخلائق في الليل والنهار، تقرأ كلام الذي لا تخفى عليه خافية، تقرأ كلام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاعرفي كلام من تقرئين، ربما نجد من بعض الناس من يلقي انتباهاً واهتماماً حينما يقرأ كلام مسئول من المسئولين، أو رئيس من الرؤساء، أو عظيم من العظماء، ولكن حينما يتلو كلام الله جل وعلا لا ينتبه له ولا يتدبره، وهذا لا شك أنه من الجهل، فإن من يعرف عظمة ربه ولو أدنى حقوق المعرفة، فإن هذا سيدعوه إلى أن يتأمل هذا الكلام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وصدق الله العظيم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
فهذا القرآن أثره على الفتاة أن تعلم أن هذا كلام الله جل وعلا، تقول عائشة رضي الله عنها، جاءت المجادلة التي ذكر الله شأنها في سورة المجادلة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] تقول عائشة رضي الله عنها وخولة بنت ثعلبة تشكو زوجها، قالت: يا رسول الله! إن زوجي كبيرٌ وقد ظاهر مني، ولي منه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن جعلتهم لديه ضاعوا، تقول عائشة : والله إن المجادلة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة وما بيني وبينهما إلا الستر -ستارة قماش لطيف- تقول عائشة : الرسول مع المجادلة على يمين الستر في ظاهر الحجرة، وأنا على يسار الستر في باطن الحجرة، والله ما سمعت كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات! فأنزل الله جل وعلا: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1].
فأنت أيتها المسلمة! تقرئين كلام الذي يسمع خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، وتقرئين كلام الذي يعلم السر وأخفى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
أثر هذا القرآن على الفتاة المسلمة أن تعرف الله جل وعلا، فإيماننا بالله إيمان وحي، إيمان غيب، لم ننتظر مجلس الأمن أو هيئة الأمم لكي تعطي بياناً عن صفات الله وأسمائه وذاته، ولا نقبل أن يجتمع هيئة كبار العلماء في أي دولة من الدول أو المجمع الفقهي ليقولوا: لقد اجتمعت الهيئة وقررت أن الله اسمه كذا .. ومن أسمائه كذا .. وكذا .. وأن صفات الله كذا .. وكذا .. لماذا لا نقبل من صغير ولا كبير ولا من هيئة ولا من علماء كل ما يتعلق بالله؟
لأن الإيمان بالله إيمان غيبٍ، والغيب لا يمكن أن نعلمه إلا بوحيٍ، والوحي جاء من عند الله في هذا القرآن، فلا يمكن أن نجعل في القلب والذاكرة والذهن معلومة عن الله إلا بوحي من عند الله جل وعلا، ولا يحيطون به علماً: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103].
فأنتِ مثلاً حينما أقول لك مثلاً: إن الله هو العليم، أو إن الله هو السميع، من أين جئنا بهذا؟ بحثنا فوجدنا في القرآن آية فيها أن الله سميع، فسمينا الله سميعاً، ووصفنا الله بأنه سميع، عرفنا في القرآن آية بأن الله عليم، فسمينا الله عليماً ووصفناه بوصفٍ أنه عليم، لكن مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل أن نصف الله جل وعلا بوصفٍ لم يصف نفسه به، ولم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم.
مثلاً: أقول لك أيتها الأخت المسلمة: هل تشكين من ضيق الصدر؟ هل تشكين من الهم؟ هل تشكين من القلق؟ هل تشكين من الغم؟ هل بينك وبين زوجك مشاكل؟ هل بينك وبين أهلك مشاكل؟
تهجدي آخر الليل (فإن الله ينـزل في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) فأنتِ بدلاً من أن تقولي: تعال يا شيخ! من أين جئت لنا بهذه المعلومة؟ تقول: إن الله يتنـزل في الثلث الآخر من الليل، أنت تأتي بكلام من عندك؟
أقول لكِ: يا أختي! جزاكِ الله خيراً؛ لأنني لا يمكن أن أنقل شيئاً من أسماء الله أو أصف صفة من أفعال الله إلا بوحي من الله أو كلامٍ من نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في السنة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله ينـزل في الثلث الآخر فيبسط يده ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) إذاً: أنا لما تكلمت عن الله ما تكلمت من نفسي، ما نقلت خبراً عن مجلة سيدتي وما نقلت خبراً عن مجلة آخر ساعة وما نقلت خبراً عن مجلة النهضة وما نقلت خبراً عن مجلة من المجلات، أو شريطٍ من الأشرطة.
إذاً: فكل ما يتعلق بالله لا نقبل فيه إلا ما كان النقل فيه عن الله وعن رسوله، قال الله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] فالله جل وعلا في مقام وحدانيته لم يرض لنا إلا بالعلم، ما قال: فاعرف أنه لا إله إلا الله؛ لأن المعرفة تزيد وتنقص، المعرفة معرضة للنقض ومعرضة للمحاورة وللإبطال، أما العلم فإنه حقائق لا يمكن أن نرضى في مقام وحدانية الله جل وعلا إلا بذلك.
فالقرآن الكريم أثره عليك -أيتها المسلمة- أن تؤمني بالله جل وعلا، وما هو هذا الإيمان؟
الحقيقة تقول، وليست حقيقة المعلومات والثقافة، بل الحقائق القرآنية؛ لأننا اتفقنا وإياكن قبل قليل أننا لا نتكلم عن الله إلا بدليل من القرآن أو بدليل من السنة، في أي علمٍ من العلوم، أو أي نظرية من النظريات قد نأتي باجتهادات العقول، بتحاليل المعامل، بالتجارب، بالمختبرات، بالبراهين، بالاستقراء، بالأدلة المختلفة، لكن عن الله جل وعلا وعن أسمائه وصفاته لا يمكن أن نتكلم إلا بموجب الدليل الذي هو عن الله وعن أسمائه وصفاته.
فإيمانك بالله أنه الخالق المدبر المتصرف، المحيي المميت، أرواحكن بيد الله جل وعلا، آجالكن في علم الله جل وعلا، أرزاقكن في علم الله جل وعلا، كل ما يدور الآن في أذهانكن وخواطركن وما سيدور وما دار من قبل كله في علم الله جل وعلا، لا تخفى على الله خافية.
إذاً: فهذا التوحيد الذي اسمه: توحيد الربوبية وهو أن المسلمة والمسلم يعتقد كل واحدٍ منهم أن الله الخالق المدبر المالك المتصرف، فكل شيء في هذا الكون بتدبير الله وأمره وخلقه وإرادته سبحانه وتعالى، هذا هو توحيد الربوبية، ويفسره العلماء أهل العقائد ويقولون: توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، أو توحيد الإقرار يعني: أن نقر ونعترف أن كل تدبير هو من عند الله جل وعلا، فإذا عرفنا هذا أصبحنا ننسب الأمور إلى فعل الله وتقديره، لا نقول: والله حصلت زلازل وبراكين لضعف القشرة الأرضية، بل نقول: بإرادة الله، بأمر الله جل وعلا، حتى الذين يقولون: إن الزلازل والبراكين حدثت بسبب ضعف القشرة الأرضية نقول: من الذي جعل القشرة الأرضية ضعيفة.. أليس الله جل وعلا؟ إذاً فلا يمكن أن ننسب الأمور إلا إلى الله جل وعلا، نقول: هبت عواصف نتيجة منخفض جوي، بل نقول: بأمر الله، وإرادة الله، ومشيئة الله، فلابد من أن ننسب الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذا الإيمان أيتها الأخوات الذي اسمه: الإيمان بتوحيد الربوبية، هل تظنن أن أبا لهب وأبا جهل وعبد المطلب ، وكفار قريش كانوا ينكرونه؟ لا. كانوا يؤمنون به، قال الله جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] فكفار قريش يؤمنون بتوحيد الربوبية. إذاً: فهل هذا هو التوحيد المطلوب منا؟
لا. مطلوبٌ منا مع توحيد الربوبية توحيدٌ أسمائه وصفاته وتوحيد الألوهية، وهذا التوحيد يعني: أن نصرف جميع العبادة لله، لا نحلف إلا بالله، فلا نحلف: بالنبي والأمانة والكعبة والشرف، ولا نذبح إلا لله، لا يمكن أن نذبح للساحر أو الكاهن أو الشجرة أو الأثلة الفلانية، لا نتوكل إلا على الله، لا نستعين إلا بالله، لا نصلي إلا لله، لا ننحر إلا لله، فكل عبادةٍ صغيرة كانت أو كبيرة لا يجوز صرفها إلا لوجه الله جل وعلا.
أيتها الأخت: خذي مثالاً من واحدة من البنات والفتيات اللائي تربين في حضن الدعوة وفي مجتمع الدعوة، دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه، وجمعنا به في الجنة.
فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت في طريقها إلى الحج، وكانت في الهودج، وكان الذي يقود جملها أو بعيرها خادماً عندهم، فمروا على قومٍ كانوا يعظمون قبراً من القبور، فأنكروا عليهم إلا أن صاحب القبر قال: قربوا قربوا لهذا الولي، قربوا لصاحب القبر شيئاً، فقال خادمها: ما نقرب إلا ترباً في وجهك، بهذه العبارة، فأخرجت -الحصان الرزان المتدينة العالمة الموحدة التي ظهر أثر القرآن عليها- أخرجت رأسها من ستر الهودج وقالت: حتى التراب لا يقرب لغير الله جل وعلا، فدل هذا على أن الفتاة المسلمة قبل أن تكون داعية، وقبل أن تكون مثقفة، وقبل أن تكون أديبة، وقبل أن تكون ذواقة للشعر، وقبل أن تكون قادرة على جمع المعلومات، ونشيطة في التحركات، قبل ذلك كله هي صاحبة إيمان، صاحبة عقيدة، صاحبة توحيد.
ثم كذلك هذا القرآن يجعل الفتاة المسلمة تؤمن بأن الله لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له جل عن كل ذلك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فمن أراد أن يشبه الله في جملة أو في وصفٍ أو هيئة أو حالٍ من الأحوال فإن هذا يدخل ويتكلف فيما ليس له به علم، بل ربما يصل إلى حد الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
بعد ذلك: أثر الإيمان على الفتاة المسلمة أن تعلم أنها أمرت بالاستجابة لله جل وعلا، أعطيكن مثالاً: أثر الإيمان على الفتاة المسلمة أن تستجيب لله جل وعلا، لأن الله هو الإله الخالق المدبر، وهو كفؤ لأن يستجاب له، بغض النظر هل عرفنا الحكمة أم لم نعرف الحكمة، يعني: ما تأتينا فتاة وتقول: لماذا حرم الله الاختلاط؟ لماذا أمر الله بالحجاب؟
نقول:
أولاً: بوسعنا أن نجد العلل والحكم التي من أجلها منع الاختلاط وشرع الحجاب، لكن قبل ذلك كله من أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن تستجيب لله عرفت الحكمة أم لم تعرف، عرفت الهدف أم لم تعرف، والله جل وعلا يقول: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51].
الفتاة المسلمة أثر القرآن عليها أن تستجيب للأوامر الشرعية لأن الله أمرها بها، فمادام أن الله أمر فإننا ننفذ عرفنا الحكمة أو لم نعرفها، عرفنا العلة أو ما عرفناها، هذه مسألة مهمة يقول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36]، ليس هناك خيارٌ في أي حالٍ من الأحوال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
خذوا الآن مثالاً على الاستجابة، تجد فتاة مثلاً متساهلة بالحجاب، تنظر إلى الأفلام والمسلسلات، قد جمعت في بيتها صور النجوم والمشهورين والشهيرات، وفعلت كثيراً من المعاصي، فعندما تنصحها إحدى أخواتها فتقول: أما هذه .. وهذه .. وهذه .. فنعم، أنا معك أفعلها وأطبقها، وأما هذه .. وهذه .. والأغاني لا أستطيع أن أتركها، لماذا؟ لا يوجد شيء أمر الله به ننفذه وشيء نتهاون به، جميع الأمور أمر الله بها، فمن واجبنا أن نستجيب.
أثر القرآن أن يعلمنا الاستجابة، والله جل وعلا حينما يأمرنا في القرآن الكريم فليس الأمر للرجال فقط، وكثيرٌ من النساء يجهلن هذه القاعدة ويظنن أن القرآن مقصودٌ به الرجال، بل كل خطابٍ في القرآن فيه: (يا أيها الذين آمنوا) فالمؤمنات يدخلن فيه بالتبع، كل خطاب فيه أمر للمسلمين فإن المسلمات يدخلن فيه بالتبع، وهذه مسألة مهمة جداً ينبغي أن تفهمها الفتاة المسلمة، وإذا جاء خطابٌ أريد به النساء على وجه الخصوص، فهذا فيه دلالة على زيادة الخصوصية لهن أي: للتأكيد على شأن المسلمات والمؤمنات بالرعاية والعناية بهن.
المسألة المهمة التي تلي ذلك، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] فواجبنا الاستجابة وليس واجبنا أن نبحث في التعليل: لماذا، وعلل! وبيّن! واشرح! واذكر! هذا ليس من شأن الخلق مع الخالق، ليس من شأن الضعفاء مع القوي، ليس من شأن الفقراء مع الغني، ليس من شأن الأذلاء مع العزيز المكين الجبار المتكبر، إنما شأن الفقراء مع الغني إذا أمر أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، شأن الأذلاء نحن معاشر البشر مع العزيز الكبير إذا قال الله شيئاً أن نقول: سمعنا وأطعنا، شأن الضعفاء مع القوي سبحانه وتعالى أن نذعن وأن نستجيب له، فمسألة الاستجابة مسألة مهمة جداً جداً، ينبغي أن تفقهها الفتاة المسلمة.
أذكر لما حصلت مشكلة قيادة المرأة للسيارات -تلك الفتنة الخطيرة التي قام بها من أراد بالمسلمين والمسلمات شراً، والحمد لله الذي رد كيدهم في نحورهم- قام بعض الجهلة والسفهاء وبعض المساكين يقول: لماذا؟ وعلل! وبين! واشرح! ولماذا المرأة لا تقود؟ وهلم جراً، نحن أولاً وقبل كل شيء أمام قرارات عامة، أمام توجيهات إدارية، نحن قبل كل شيء أمام أوامر ربانية، ولا يسعنا أمام الأوامر الربانية إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا، ثم بعد ذلك إذا وجدنا عللنا بحثنا فيها.
كذلك من أثر الإيمان على الفتاة المسلمة: أن تكون مستجيبة لله جل وعلا، فإن هذا الإيمان يدعوها إلى التصديق والانسجام، أعني بذلك أن الفتاة حينما تؤمن بهذا القرآن أنه كلام الله، وواجب كلام الله أن نطبقه وأن نسمع له، ألا يوجد انفصام عند الفتاة المسلمة في عقيدتها وسلوكها؟! لا يمكن هذا ولا يقبل بأي حالٍ من الأحوال، وبالمثال يتضح المقال.
قبل مدة أحد الإخوة كان مسافراً إلى القاهرة يقول: لما هبطت الطائرة إذ بفتاة تتعلق بأمها، ما شأن هذه الأم لما أصبحت الطائرة وشيكة على الهبوط؟ قامت الأم المتمدنة المتطورة التي تشعر بعقدة التخلف -يا للأسف! تلك المسكينة- نزعت حجابها وعباءتها، ثم بدت سافرة كأنما هي أرجوزة من أراجيز السيرك العالمي بمساحيق وجهها وألوانها، وإذ بالفتاة الصغيرة تقول: يا أمي! عيب، يا أمي! تغطي يوجد رجال، يا أمي! استحي، يا أمي! عيب، فتقول الأم لبنتها: اسكتي اسكتي يا بنيه.. هذا عيب! هذه امرأة مسلمة تؤمن بالله وتؤمن برسوله وتؤمن بالقرآن الكريم؟! لكن المشكلة أنه يوجد انفصام بين النظرية والفكر والاعتقاد، وبين الواقع والتطبيق والسلوك، هذه مشكلة من أعظم المشاكل، فأثر القرآن على الفتاة المؤمنة ألا يوجد عندها انفصام، فكما أنها تصوم رمضان بالكامل من الفجر إلى أذان المغرب فهي تلتزم بالحجاب بالكامل، وكما أنها تؤدي الصلاة فهي تمتنع عن الملاهي، وكما أنها تقوم ببر والديها فهي أيضاً تمتنع عن الوقوع في المكالمات الهاتفية، أو الولوغ في مهاوي هذه الرذيلة وهذا الانحلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إذاً: فأثر القرآن على الفتاة المسلمة ألا يوجد عندها انفصام، وهذا الانفصام يعني: أن تقول: أنتمي لشيء والواقع يختلف عنه، أنا مسلم وتصرفاتي تصرفات غير مسلم، أنت فتاة مسلمة والسلوك وبعض المعاملات مخالفة، هذا لا يجوز أبداً.
ومصيبة الأمة الإسلامية هي مصيبة الانفصام النكد بين العقيدة والتطبيق وبين النظرية، وتجد الإنسان يعتقد أموراً ويؤمن بها والواقع يخالفها، ومن أجل هذا لما وجد هذا الانفصام ما عادت لنا الهيبة التي كانت موجودة لآبائنا وأجدادنا، لماذا؟
لأننا في هذا الزمان أصبحنا نحمل صورة الإسلام وقد ضيع بعضنا حقيقته، الآن أنتن في هذه المدرسة عدد كبير -ما شاء الله- لو أننا فتحنا البوابة الكبيرة التي خلفكن وأدخلنا عليكن أسداً كبيراً جداً محنطاً، وهذا الأسد قد فتح فمه وبدت أنيابه، كل واحدة منكن -ما شاء الله- ما هذا الأسد! والتي تلمس رأسه، والتي تلمس أنيابه، والتي تنظر من أي شيءٍ حشي هذا الأسد، وستجد الأطفال يركبون على رقبة الأسد ويلعبون بجوار الأسد.
عجيب! أسد والنساء والأطفال حوله لا يخافون؟! تقولون: لأن هذه صورة أسد محنط، ليس أسداً حقيقياً، نقول: لا حرج، وفي هذا الوقت لو تَفلَّت عليكن قط ثم أخذ يمشي مسرعاً، وهذا القط متوحش، لسمعت الصراخ، ولرأيت بعض النساء تهرب والأخرى تنحاز، وأخرى تمسك ولدها وهلم جراً.
لماذا تدرن حول الأسد، وتلمسن أنيابه، ولا تخفن منه، ولما مرت هذه القطة المتوحشة الصغيرة كل واحدة خافت وصرخت، نقول: لأن الأسد صورة والقطة حقيقة، فالناس تخاف من الحقائق مهما كانت تافهة، الناس تخشى من الحقائق مهما كانت صغيرة، ولا تبالي بالصور مهما كانت عظيمة.
فكذلك الإيمان حينما يكون في الفتاة المسلمة إيمان صوري، أو بالأحرى إسلام صوري، وليس إسلاماً حقيقياً ينعكس على واقع الحياة سواءً في معاشرة الأهل والوالدين والزوج وتربية الأولاد وحسن العلاقة والجوار وهلم جراً، فهذا الإيمان لا يكون له أثر، وربما تجد المسلمة مثلاً في الخارج تجلس بجوار الكافرة وتنظر إليها وتحدثها، وتبتسم لها وتتبادل معها السجائر وأشياء كثيرة، ولا تبالي هذه الكافرة أن تنظر إلى هذه المسلمة اسماً نظرة السخرية أو نظرة ازدراء؛ لأنها فتاة مسلمة تعتقد وتدين شيئاً والواقع يعاكس ذلك.
الحقيقة -أيتها الأخوات- أن مسألة الصورة والحقيقة من أصدق وأقرب الأمثلة التي ينبغي أن ننتبه لها حتى تعرف الواحدة أثرها، كم عندنا في المدرسة الآن من فتاة مسلمة؟
كم يوجد من زوجة مسلمة؟
كم يوجد من بنت وأم مسلمة؟ المدرسة مليئة، لكن أين الآثار المرجوة وأين الآثار المطلوبة؟
كم رأينا من الأمهات المسلمات (وأفلام الكرتون) تربي أطفالهن! كم رأينا من الأخوات الملتزمات والبيوت مليئة بآخر مجلات البردة والأزياء! كم رأينا من الطيبات الصالحات وللأسف تجد هناك مخالفات كثيرة! لماذا هذا؟ لأن المسألة غلب عليها جانب الصورة أكثر من الحقيقة.
إذاً: فنحن نريد الفتاة التي أثر القرآن عليها أثراً حقيقياً، لا نريد الفتاة الضعيفة التي تذوب وتنحل أمام حرارة الإغراء، فتجد سمعة الإسلام الشمعية عندها، لكن لو تواجهها حرارة الدعاية والإعلان والإغراء والإرجاف والمديح والثناء، والفتاة السعودية وصلت! والفتاة السعودية نافست! والفتاة السعودية فعلت! لوجدت الشيطان يعبث بها، وأصبح هذا الإطراء أو هذا المديح أو هذا الإغراء يرجف بقلبها؛ حتى تفكر أن تعطي مزيداً من التنازل عن دينها؛ من أجل أن تصل إلى صدارة الصحف وأبواب المجلات وزوايا الإعلام وغير ذلك.
فالواجب أن ننبه الفتاة، ودائماً أعداء الإسلام لا يواجهون الفتاة المسلمة مواجهة مباشرة، ثقوا واطمئنوا أنه لن يأتي يومٌ ما فلم من الخارج أو من الداخل ليقول: أيتها الفتاة! انبذي الحجاب، اتركي الحجاب، مزقيه، أو أيتها الفتاة! اشتغلي راقصة، أو ممثلة، أو اعملي في هذا المجال المهين، لا. لن يقال لك هذا، لكن الواقع يشهد أنه يمكن أن نقنع واحدة من بنات المسلمين من خلال الدعاية بأن تكون عارضة أزياء، لا يمكن أن تأتي رسالة أو مجلة أو فيلم ليقول: يا بنت! كوني عارضة أزياء، أو ممثلة أو راقصة، أو نريد أن تكوني كذلك، لا يمكن هذا، لكن من خلال الدعاية والإعلان يمكن أن نغريها لتكون عارضة أزياء.
من خلال الدعاية والإعلان ممكن أن تجد الفتاة التي ترغب أن تكون راقصة، من خلال الإغراء والمديح المزيف يمكن أن نجد من فتيات المسلمات من تتمنى أن تكون مضيفة، ومن تتمنى أن تجتمع بالرجال، ومن تتمنى أن تفعل هذا وهذا، لماذا؟
لأن الفتاة التي لا أثر للقرآن عليها ولا إيمان موجودٌ عندها هذه الفتاة فارغة ما عندها شيء.
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء |
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعدٌ فلقاء |
فاتقوا الله في قلوب العـذارى فالعذارى قلوبهن هواء |
المرأة التي لا أثر للقرآن في قلبها ضائعة، تستجيب عند أدنى دعاية، وأدنى موضة، وأدنى شيء، ولذلك فمن واجب الفتاة المسلمة أن تنتبه لهذه الناحية، وأن تنظر إلى أي درجة بلغ أثر القرآن عليها، نريد أن تعتني بالقرآن، أن تعود إلى كتاب الله جل وعلا، وحينئذٍ سترى الخير يتفجر من ينابيع يديها، وسترى تأثيرها على زميلاتها وأخواتها في كل مجالٍ؛ في مدرستها، في جاراتها، في قريباتها، في كل مكان سترى لها أثراً بإذن الله جل وعلا.
ومن أثر القرآن على الفتاة المسلمة في إيمانها أنها تتلذذ بذلك، أي: لن يكون أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن توجد الفتاة الملتزمة التي تتمنى أن تمزق الحجاب، أو توجد الفتاة الملتزمة التي تتمنى أن تعاكس بالهاتف، أو توجد الفتاة المسلمة التي تتمنى أن تخرج يوماً ما إلى الشارع، أو توجد الفتاة الملتزمة التي هي ضائقة من الالتزام، وتتمنى أن يأتي اليوم الذي يفتح لها البوابة لكي تنحل مما التزمت به، لا. القرآن سيجعلها تتلذذ بالتزامها، تقول: أنا التزمت .. وأنا استقمت .. وعلى هدي القرآن مضيت، وسأمضي على هذا الطريق إلى أن ألقى الله جل وعلا، هذا أثر القرآن لأننا ربما وجدنا وسمعنا عدداً من البنات تلتزم الواحدة فترة من الفترات ثم تنحرف بعد شهر، تكون طيبة وتلبس القفاز، ولا تسمع الأغاني، ولا تحضر الرقصات، وتقاطع مجلات الأزياء والبرد التي فيها الصور الخليعة ونحو ذلك، ثم بعد فترة تنتهي لماذا؟
هذا يسمونه: التزام العاطفة، تلتزم بعاطفةٍ بعيدة عن العلم، ثم بعد ذلك تنحرف، لكن التي تلتزم على بركة القرآن وأثره، وتتعامل بالقرآن، وتعرف معاني القرآن من خلال التفسير، وأسباب النزول، ومعاني الآيات، وجمال القرآن ومعانيه الرفيعة الطيبة، فإنما هي فتاةٌ كلما ازدادت بها الأيام مضياً ازدادت في القرآن شغفاً، وبكتاب الله حباً، وفي الدين تمسكاً، وفي الدعوة اجتهاداً.
فأثر القرآن على الفتاة أن يجعلها تلتزم التزام متلذذٍ، التزام المنسجم، التزام المنبسط الذي يعيش غاية الفرح والسرور، ليس التزاماً للفتاة التي تتمنى أن يكون للدين تاريخ صلاحية لكي تلتزم خمس سنوات، ثم تنتهي من هذه المدة لكي تنحل من جديد.
وأيضاً أثر القرآن على الفتاة المسلمة: أن تعرف أن الله أكرمها، والله إن هذا الدين أكرم المرأة كرامة ما حظيت بها من قبل في سابق الشرائع ومختلف الديانات أبداً، لم تحظ المرأة منذ أن وجدت الخليقة إلى يومنا هذا بكرامة أجل وأعظم وأكرم مما نالته في هذا الدين العظيم، وهذا الدين القويم الذي أكرم الله به المؤمنين، وإن الذين يتحللون من هذا الدين أو الذين يتبرمون منه، أو الذين يشعرون أنهم في تعقيدٍ وتشددٍ، وفي حجابٍ أسودٍ من كل جانبٍ يودون التخلص منه، فما تلك إلا واحدة تريد أن تقع فيما وقعت فيه المرأة الغربية التي تجرأت على حيائها، وتجرأت على عفتها، وتجرأت على سمتها، وطبيعة خلقها وتكوينها، ونعومة أنوثتها، فأصبحت مهينة تكلف بأعمالٍ لا يكلف بها الرجال، وماذا بعد ذلك؟
انتهت ولا حول ولا قوة إلا بالله إلى مصيرٍ مظلم، إلى مصيرٍ مزعجٍ جداً جداً!
المرأة الغربية، والمرأة الشرقية أيضاً التي أعرضت عن كتاب الله وقلدتها هي امرأة تعيش في ضنك، وتعيش في ضيق، وكما قال سيد قطب رحمه الله: إن المرأة في المجتمعات الغربية كالحمامات الموجودة على ممرات الطرق، كل من لقيها تعرف عليها وبات معها، وكل من عرفها جعلها تحفة في محل أزيائه، وجعلها مادةً للدعاية والإعلان لكي يروج بها بضاعته وما عنده من السلع، وماذا بعد ذلك؟
إذا انتهى منها رماها شر رمية.
أما الفتاة التي تربت في المجتمع القرآني، فإن كانت طفلة فبنية يحوطها العطف والحنان من كل جانب، وإن كانت في عنفوان الشباب فنرتقب لها عريساً يسعدها، ويكون سبباً لحصول الذرية الصالحة لها، وإن كانت أماً فأبشري بكرامة الأمهات والجنة تحت أقدامها، والبر من أقرب أبواب التعبد لله جل وعلا، وإن كانت أماً وجدة فلا تسأل عن الحنان، ولا تسأل عن التواضع، ولا تسأل عن الإكرام والتبجيل والتقدير لها.
وعلى ذلك فإن الفتاة في المجتمع المسلم، التي تأثرت بهذا القرآن، أثر القرآن عليها طيب بإذن الله وبفضل الله جل وعلا.
والله ذات مرة كنت في ألمانيا الغربية في فرانك فورت فرأيت شاباً قد جعل فتاةً في يده يذهب وإياها ويمضي، وفي لحظة من اللحظات إذ به يدفعها على الثلج في الشارع، ويركلها برجله، ويبصق عليها، ويطردها ويبعدها فقلت: سبحان الله! على أقل الأحوال لو كانت هذه فتاة مسلمة في المجتمع القرآني، لو حصل بين رجلٍ وامرأة هذا، لو كانت زوجة مثلاً وحصل شجار لن يفعل بها هذا، فما بالك بهذه المرأة التي عاشت في ذلك المجتمع! فكل من أعرضت عن ذكر الله، فهي تريد أن تعيش في مجتمع الغرب، أو تريد أن تعيش عيشة مماثلة لمجتمع الغرب في مجتمعٍ لا يرحمها أبداً، أي كرامة أعظم للمرأة من مجتمعنا هذا الذي يحوطها ويقوم بواجبها ويكرمها؟!
ثم أيضاً أثر القرآن على الفتاة المسلمة في العمل، لا يكفي أن الفتاة المسلمة تؤمن، والفتاة المسلمة تعلم، والفتاة المسلمة عندها تصور، والفتاة المسلمة عندها معلومات، لا. الله جل وعلا في كثيرٍ من الآيات التي ذكر فيها الإيمان كقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:277] تجد أن العمل الصالح معطوفٌ على الإيمان في كثيرٍ من الآيات القرآنية، وذلك للدلالة على أن العمل هو برهان الإيمان، أما إنسان يؤمن بأن النار محرقة ولا يبتعد عنها، أو إنسان يؤمن بأن السم قاتل وهو يأكله، أو إنسان يؤمن بشيء ثم هو بعد ذلك لا يطبقه أو لا يفعل ما يقتضيه الإيمان به، أظن هذا تمثيلٌ وتضليل وليس إيماناً حقيقياً.
ما أكثر الفتيات اللائي يدعين الإيمان! ولكن لو أردنا أن نبحث عن الإيمان في حجابها، لو أردنا أن نبحث عن الإيمان في سترها، في بصرها وما تنظر إليه، في سمعها وما تنصت له، في خلوتها بنفسها، بماذا تفكر وماذا تفعل؟
لوجدت عند بعضهن -ولا أ قول كلهن- لوجدت بوناً شاسعاً بين دعوى الإيمان وبين الواقع.
إذاً: فالإيمان دعوى والعمل هو الحقيقة والنتيجة، قال الشاعر:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء |
إذاً: فالعمل هو الأثر الذي يتبع الإيمان، أثر القرآن على الفتاة بالإيمان والعمل هو الأثر الآخر الذي يتبع هذا الإيمان.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت قول الله: (يا أيها الذين آمنوا) فارع لها سمعك، فإما خيراً تؤمر به أو شراً تنهى عنه] لأن الإنسان ثمرة إيمانه أن يعمل وأن يطبق بذلك.
وينبغي أن نترجم هذا الإيمان إلى واقعٍ عملي ليس في سلوكنا فقط فحسب، بل لا بد أن نترجمه إلى واقع تربيتنا لإخواننا وأخواتنا وأبنائنا، طفل من الأطفال يكذب تقولين له: لا تكذب، وافتحي المصحف أمامه وقولي: هذا كلام الله يقول الله جل وعلا: كذا .. وكذا .. وكذا .. طفل يفعل خطأً تقولين: لا تفعل ذلك؛ لأن الله يقول كذا .. فلتعظم الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة بتأثيرٍ من القرآن وبهدى من القرآن، ففي هذا خيرٌ عظيم، ولو أننا عودنا أطفالنا أن نقول: لا تفعلوا كذا .. لأن الله نهى عنه، وافعلوا كذا .. لأن الله أمر به، إذا كبروا وأردنا أن نقول: هذا لا يجوز، لا يمكن أن تجد الفتاة أو الشاب في أي مرحلة من مراحل العمر يتجاوز هذه المسائل.
إذاً: فالعمل ثمرة أو أثر من آثار القرآن، ولا نريد العمل فقط على السلوك، بل أيضاً العمل بالتربية، لا تكذب؛ لأن الله يقول: كذا .. لا تسرق لأن الله يقول: كذا .. لا تفعل كذا .. لأن الله يقول: كذا .. افعلي هذا؛ لأن الله يأمر بكذا .. افعلي هذا؛ لأن الله يجزي بالجنة على هذا، تصدقي؛ لأن الله يجزي المتصدقين، والله يقول: وترينها الآية في القرآن؛ ففي هذا أثر طيبٌ بإذن الله جل وعلا.
وبالمناسبة فإن أعداء الإسلام قد استغلوا هذا الجانب ألا وهو غزو عقول الأطفال منذ الصغر، يعني: بعض الأطفال لما تدخل معه في مناقشة ستجد أن معلوماته مبنية على ما ورد في (أفلام كرتون) تجد أن بعض الأطفال معلوماته مبنية على ما ورد في المسلسل المدبلج، والسبب أننا لم نربهم بالقرآن، فتولت هذه الأفلام تربيتهم، وكل من ترك خانة فغيره سينالها ويكون أولى بها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والواقع يشهد على براءة الطفولة والفطرة، لكن الذين لم يجعلوا للقرآن أثراً في بيوتهم وعلى أطفالهم وذرياتهم:
ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيها الأسد |
من تركوا أبناءهم ولم يربوهم بالقرآن تربيهم هذه الأفلام والمسلسلات، وعفواً لو تدخلت في شيءٍ من التفصيلات من خلال نوع من الاستقراء الذي أقوم به في بعض الأحيان.
اسألي طفلك عن حبة الفول التي نبتت -هذا الكلام من (أفلام كرتون)- في الأرض، واستمرت حتى شقت السحب، ثم وصلت إلى السحابة السادسة أو السابعة إشارة إلى وجود الله، وانتهت هذه البذرة إلى قصر فيه رجلٌ سمين عنده دجاجٌ يبيض ذهباً، فتسلل الطفل -الآن في هذا المكان نحن في المكتب الذي تلقى عليكن فيه المحاضرة معنا طفل ويهز رأسه متابع الصورة جيداً، معنى ذلك: أن براءة الطفولة حينما لم ترب بالقرآن يتسلل إليها خطرٌ عظيم- فيتسلل هذا الصغير، ويدخل فيسرق الدجاجة، ويعرف صاحب القصر الذي في السحابة السابعة، ثم يلحقه، ويفلت منه، ويقفل الأبواب، وينجو من ذلك، ثم يعصر أشياء كثيرة، فينـزل المطر، ثم يضرب بعض الأواني فيظهر الرعد، أين تربية القرآن؟
منذ أيام كنت في مركز صيفي مع أطفال في المرحلة الابتدائية، فجلست أسألهم عن هذا، وسألت أحد الأطفال لعله في السنة الثانية، قلت له: هل رأيت هذا (الفيلم الكرتون)؟ قال: نعم، قلت له: ماذا تفهم منه؟ من هو الذي في السماء السابعة؟
قال: يقولون إن هذا هو الله، وليس بصحيح، الله ليس هنا، يعني: جيد لأنه عاش في بيئة أو في أسرة أو في وسط لا بأس به، فقد تلقى العقيدة تلقياً جيداً لكن هذه المشوشات والمفسدات على صفاء فطرته جعلته يعجب، وربما خلطت عليه في يوم من الأيام، وربما بعض الأطفال الذين تتولى تربيتهم الخادمات، وربما لا توجد أمٌ ولا أبٌ ينبهه، فحينئذٍ يعتقد أن الله في السماء السابعة، وعنده دجاجٌ يبيض ذهباً، وهذا من أخبث وأخطر مفسدات البراءة والفطرة عند الأطفال، إذا كان كفار قريش يعتقدون أن الله هو الخالق المدبر وما كانوا يعتقدون هذا، فنحن في هذا الزمن يصور للأطفال بطريقة خفية، وفي الفيلم ما قيل: هذا هو الله، لم يقال لهم هذا، لكن من خلال ذلك تصور الطفل أن هذا حاصل، وطبقي شيئاً من هذه الأمثلة، وأضرب أمثلة:
خذوا البرنامج المدبلج (برنامج سنان) من كم سنة رصدت فيه بعض الحلقات؟ ما هو أثر هذه البرامج على بيتٍ لم يترب بالقرآن؟ في أحد المشاهد حيوان من الحيوانات الذي يقوم بدور، يعني: الذئب يقوم بدور نسيت اسمه الآن، ولما انكسرت رجله أخذوا يدورون عليه ويصيحون بتعويذة: (زعبور يشفي جرجور، جرجور يشفي زعبور) ويدورون عليه؛ حتى قام نشيطاً، فلما اتصلوا بالطبيب، وكان الطبيب هو التيس ويلبس المناظر فقال: كيف شفي الذئب جرجور أو زعبور؟ قالوا: صرنا ندور عليه بالتعويذة حتى شفي.
إذاً: الطفل في البيت الذي لم يتأثر بالقرآن يتعلم أن الشافي هذه التعاويذ، وهذه التمائم والأمور التي تردد، وهذا مفتاح الشرك والوثنية، ومفتاح إفساد العقيدة على الأطفال الذين يتربون على غير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مثالٌ ثالث: الحصان الأبيض، قد تقلن: الشيخ جالس يتفرج (أفلام الكرتون) لكن لا حرج، قولوا ما شئتم، المهم أن تعرفوا ماذا يفعل ويدبر بأبنائكم، الحصان الأبيض تدور فكرة هذا البرنامج على إله النور وإله الظلمة، يوجد أطفال معهم الحصان الأبيض يمر على قوز قزح، وعنده شعاعٌ ذري ينثره فينير الكون بالنور الأبيض، ثم الناس يدخلهم البهجة والسرور وينبسطون ويفرحون، ثم يأتي اللص أو الحرامي أو المعاند، ودائماً يجعلون اللص هو الملتحي يقوم بدور المجرم أو بدور القراصنة، ويأتي هذا ويصنع دخاناً أسود ثم ينشره في الكون؛ فيبدأ الحصان يضعف، والأطفال تصيبهم الكآبة، والابتسامة تزول عن الشفاه، إذاً ما هي النتيجة؟
يستنتج الطفل؛ وهذا يسمونه المخيخ المبدع المخيخ المبدع داخل ذهن الطفل، وهذا المخيخ موجود لدى الرجل والمرأة والصغير والكبير، يستنتج المشاهد أن النور هو سبب الراحة والطمأنينة والسعادة، وأن الظلام هو سبب الشقاء والمصائب، إذاً ليس الذي يسعد الناس الله، وليس الذي يقدر على الناس الخير والشر هو الله، وصرفت الأمور إلى غير الله سبحانه وتعالى.
وأخيراً: وليس آخراً (عدنان ولينا) يعلم طفلك كيف يحضن بنت الجيران الصغيرة ويقبلها، وربما كشف عن شيءٍ منها، فمن أين جاءت هذه الأمور؟ حينما تركنا الهدى حلت بنا محن، لما أعرضنا عن هذا القرآن، هذا القرآن نزل لكي يستفيد منه الصغير والكبير، هذا القرآن جاء حتى للنطفة قبل أن توضع في الرحم، وحتى للجنين قبل أن يولد، ويوم سابعه، ويوم يسمى، ويوم يؤمر بالصلاة، ويوم يضرب عليها، ويوم يفرق بينه وإخوانه وأخواته في المضاجع، هذا القرآن جاء لهذا الإنسان منذ أن يكون نطفة إلى أن يوضع في القبر، فحينما تركنا التعامل بأثر وتربية القرآن أصبحنا نجد هذه النتائج المزعجة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |