جريمة قتل إحسان إلهي


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156].

معاشر المؤمنين: منذ أيام قليلة فجعنا بحادثة مؤلمة لقلب كل مؤمن مجاهد غيور، ما هي هذه الحادثة؟ أين مكانها؟ ما هي أسبابها؟ وما أبعادها؟ وما الدوافع وراءها؟

أيها الأحبة في الله: أما الحادثة: فهي جريمة تفجير راح ضحيتها أحد علماء العالم الإسلامي وهو الشيخ/ إحسان إلهي ظهير عظَّم الله أجركم في وفاته، وأسكنه فسيح جناته، وراح في إثر تلك الحادثة اثنا عشر عالماً من علماء أهل السنة، رحمة الله على الجميع، وبلغ عدد المصابين من الجرحى ما يربو على المائة جريح.

معاشر المؤمنين: قبل أن أخوض في كيفية هذه الحادثة البشعة الشنيعة، أذكر لكم طرفاً عن الشيخ، فهو: إحسان إلهي ظهير ، من أجلاّء علماء العالم الإسلامي، وهو من باكستان ، معروف بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والتأليف، ذو غيرة على الدين خاصة في مجال العقيدة، له مواقف محمودة في رد شبهات أهل البدع ودحضها، وله تصانيف مشهورة في تبديد ظلمات أهل الملل الضالة والنحل المنحرفة، وكل ذلك بأنوار الحجة من كتاب الله وسنة نبيه، وأثبت تناقض أولئك المبتدعة من واقع ما كتبوه وألفوه، له مؤلفات عديدة، ومنها: الشيعة والسنة، والشيعة والقرآن والشيعة وآل البيت، والبابية، والقاديانية.

كان رحمه الله منذ أيام قليلة واقفاً يخطب في مؤتمر إسلامي في مدينة لاهور بـباكستان ، وبينما هو كذلك إذ انفجرت حوله قنبلة قد رتب لتفجيرها أعداء الدين، الذين أحرقهم وكتم أنفاسهم بمصنفاته ومؤلفاته، في فضح أسرار مذاهبهم الباطلة، ومبادئهم المنحرفة، مستدلاً عليهم في ذلك بما كتبوه بأيديهم ورضوه لأنفسهم، وفي لحظة انفجار القنبلة مات عدد ممن كانوا حوله، وأصيب رحمه الله بجراحات بالغة نقل فوراً من مدينة لاهور إلى مدينة الرياض، دار الوفاء للعلماء، ليتلقى عناية مركزة في أحد أكبر مستشفياتها، وما هي إلا ساعات ثم فاضت روحه إلى بارئها، وانتقل إلى جوار ربه شهيداً إن شاء الله، توفي على إثر تلك الإصابة الفادحة، فصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن في المدينة المنورة رحمه الله رحمة واسعة.

أيها الإخوة في الله: إن وقوع هذه الحادثة بهذه الطريقة الإجرامية القذرة ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الدين؟! إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الإسلام؟! ولو انتسبوا إلى ملل الإسلام وطوائفه، ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بهم في التخطيط والعمل بشتى أساليبهم الخداعة والبرّاقة.

والوحشية والإجرامية بما يخدم مصالحهم، ويضمن التوسع لقاعدة أتباعهم، ويوقف زحف الدعاة الذين يفضحونهم، ويكشفون للناس حقيقة باطلهم، حتى لو وصل الأمر إلى التصفية الجسدية بالقتل أو التفجير.

ثم إن هذه الحادثة كانت دليلاً على قصد أكبر عدد ممكن من العلماء الحضور في ذلك الوقت، إذ لو كان المقصود الشيخ/ إحسان إلهي ظهير وحده لاكتفى أعداؤه بإطلاق الرصاص عليه وحده دون غيره، لكنهم لم يرضوا إلا بتفجير قنبلة في ذلك المكان ليقتلوا أكبر عدد ممكن.

أيها الأحباب في الله: أمام هذه الحادثة التي يدرك كل ذي قلب ولب أن أعداء الدين لا زالوا يعملون ويدبرون، ويخططون، ويغتالون ويقتلون، في سبيل نشر باطلهم، وأمام هذا كله ماذا قدمنا لديننا؟ ماذا قدمنا لإسلامنا؟ أنتم معاشر المسلمين أكثر سكان العالم اليوم، أين عملكم؟ أين بذلكم؟ أين تضحياتكم في سبيل رفعة الدين ونصرة العقيدة؟ لقد تجاوز تعداد المسلمين ألف مليون، فأين هم؟ أرأيتم يا عباد الله!

أرأيت كيف يكاد لـ     لإسلام في وضح الصباح

أرأيت أقصانا وما     هدم العدو وما استباح

أرأيت كيف بغى اليهو     د وكيف أحسنا الصياح

الكفر جمع شمله فـ     ـلم النزاع والانفطاح

يا ألف مليون وأين هـ     ـم إذا دعت الجراح

هاتوا من المليار مليـ     ـوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألف واحداً يـ     ـغزا بهم في كل ساح

أين المسلمون أمام هذه الحادثة؟

أيها الأحباب في الله: وأمام هذه المصيبة التي يدرك كل مسلم أنهم لا زالوا يعملون ويدبرون، وأن المسلمين في غفلة، وفي نوم عميق، وفي غطيط وسبات، وفي ملهاة بهذه الدنيا بين الزوجات والأموال والأولاد، إذا كان النصارى وأبناء النصارى لا يملون التبرع والدعم لمؤسسات التبشير، ينذرون جزءاً من أموالهم وأوقاتهم لذلك، إذا تخرج الطبيب منهم أو الطبيبة نذر نفسه سنة أو سنوات لأي مؤسسة تبشيرية لخدمة النصرانية ، ونشرها في أوساط المجتمعات الفقيرة والمريضة، وإذا كانت التركات وأموال الأثرياء الذين لا يخلفون وراءهم من يرثهم توضع لصالح ميزانية الفاتيكان لدعم التبشير والنصرانية، وجهودهم نشطة ومستمرة وواضحة في جميع دول العالم أجمع، عدا المملكة العربية السعودية، ولو وجدوا متنفساً لما ترددوا في ذلك، فأين تضحياتنا وأين عملنا لديننا؟

إن بعض المسلمين يمن ويستكثر أن يحافظ على الصلوات الخمس مقتصراً عليها وعلى الأركان الخمسة المعلومة من الدين بالضرورة، وأما بعض المسلمين ففي غفلة حتى عن الصلاة وعن أركان الإسلام، ويظن بعضهم أن واجبه أن يقف عند هذا الحد من العمل، جاهلاً أو متجاهلاً أن من تمام العمل والعبادة دعوة الناس ومجاهدتهم في سبيل إقامة الدين.

ألسنا ندرك ونعقل قول الله جل وعلا: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]؟

إن البشرية في خسر.. إن بني الإنسان لفي نقص وخسارة: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] ومن هذه السورة القصيرة التي يقول الشافعي فيها: "لو لم ينـزل على الناس إلا سورة العصر لكفتهم"، من هذه السورة ندرك خسارة البشرية، إلا من آمن وعمل صالحاً ودعا إلى الله وهو معنى التواصي بالحق، والصبر على ما يناله في سبيل الدعوة إلى الله وهو معنى التواصي بالصبر.

معاشر المسلمين: يوماً بعد آخر،و سنة بعد أخرى ونحن نرى مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، ولينزعن الله مهابتكم من صدور أعدائكم) لقد نزعت هذه المهابة حتى تجرأ أعداء الإسلام أن يمدوا أيديهم بالقتل والاغتيال والتفجير على علماء المسلمين.

إن علماء المسلمين في محنة.. إن علماء الدين في محنة، اللهم انصرهم بنصرك يا رب العالمين.

معاشر المسلمين: لا تكادون تجدون دولة ينصر فيها العلماء ويحترمون ويسمع لقولهم سوى هذه البلاد، ودول الخليج والجزيرة، وأما ما سواها فهم يلاقون المضايقة.. يلاقون الطرد من بلادهم.. يلاقون الإبعاد عن أوطانهم، وعن زوجاتهم وأبنائهم، إن الآلاف منهم يعيشون مشردين في دول الغرب، وفي دول الكفار، يقولون: رحمة الكفار بنا أهون علينا من العودة إلى تلك البلاد التي نجد فيها ظلماً غاشماً، وطاغوتية وجبروتية.

اللهم أعز علماء الإسلام وانصرهم بنصرك، واحفظهم بعنايتك، وأدم تمكينك لهذه الأمة، وولاة أمورها، لتبقى مكاناً ومأوى لعلماء الدين والإسلام.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله منـزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، لا إله إلا هو رب الأرباب، عليه توكلنا وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى صحابته الكرام، وعلى زوجاته أمهات المؤمنين، ومن اتبعه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بسر رفعتكم، ومصدر سيادتكم، وسبيل كرامتكم، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: هذه الحادثة مرت وكأنها ما وقعت، لو قتل صحفي كافر شرقي أو غربي؛ لقامت دول الكفر ولم تقعد؛ ولضجت الصحف، ولطنطنت وسائل الإعلام، أما عالم من علماء المسلمين فإن الدماء رخيصة؟!! حادثة يسيرة!! وعلى حد قول بعضهم:

وموت كلـب وادعٍ     جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمنٍ     مسألة فيها نظر

معاشر المؤمنين: إن لم يلتفتوا لعلمائنا فنحن نلتفت لهم، إذا كانت دول الكفر تضج وتصيح لرهينة من الرهائن، ولا تزال تضغط بكل ما أوتيت من السبل والوسائل أمام كافر لا يساوي هو والكفار وما أوتوا من الأموال والمتاع عند الله جناح بعوضة، فإن في قلوبنا لعلمائنا مكانة، وإن في أنفسنا لعلمائنا مكانة، ندرك هذه المكانة، ونعرف أنهم مصابيح الأرض على الدنيا، ونعرف أن الله جل وعلا شرفهم بحمل كتابه وسنة نبيه.

معاشر المؤمنين: نحن نعلم أن القضاء واقع، وأن الأمور بأسبابها، وأن الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله رحمة واسعة، لو لم يمت بهذه القنبلة لمات في تلك اللحظة التي انتقل فيها إلى جوار ربه، لأن كل مسلم يعلم عقيدة يقينية قول الله جل وعلا: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] الموت لا يتأخر لحظة، ولا يتقدم أخرى، ولا شك أنه سيموت في تلك اللحظة، ولكن لما أراد الله إكرامه بالشهادة، ولما أراد الله إجزال الأجر والمثوبة له جعل وفاته شهادة إن شاء الله، جعل وفاته بهذه المصيبة.

حدثني أحد الإخوان الذي رأى والده وهو يصلي عليه في الجامع الكبير، وبعد أن انصرف الناس من صلاة الجنازة رأوا رجلاً كبيراً طاعناً في السن وهو يفقد ولده، يفقد عالماً من علماء الإسلام، يرفع يداً تنتفض رهبة ورجاءً وخوفاً إلى الله ودموعه تتساقط على وجنتيه من عينيه، وهو يدعو دعاءً بالأردية فقهه الذين يفهمون هذه اللغة، يقولون: كان يقول: الحمد لله الذي جعل موته على هذه الحالة. ذكرني بـالخنساء، التي ما تركت ليلة ولا نهاراً إلا وهي تبكي على أخيها صخر يوم أن قتل في الجاهلية.

يذكرني طلوع الشمس صخر     وأذكره لغروب كل شمس

ولولا كثرة الباكين حولي     على إخوانهم لقتلت نفسي

جزعت وهلعت من موت أخيها صخر ، ولما أن دخل الإيمان في قلبها واستشهد أبناؤها الأربعة، جاءوا إليها وقالوا: احتسبي الله في أولادك، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بموتهم في سبيله.

عباد الله: هذا طريق الدعوة.. هذا طريق الجهاد.. هذا طريق الإسلام، لو كانت الدنيا بما فيها من الزخارف والمتاع والأموال غبطة لكان أول من نالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد خيَّره ربه أن يجعل له جبال مكة ذهباً وفضة، فقال: (لا يا رب! أجوع يوماً وأشبع يوماً) واختار عيشة الكفاف حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى.

لقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وليس هذا أول بلاء على المسلمين، فطريق الدعوة محفوف بالمكاره، و(حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات).

رسول الله أكرم من وطأت قدمه الثرى، لقي من العنت والمضايقة والمشقة من قومه؛ وضعوا سلى الجزور على ظهره، وآذوه وطردوه من بلاده، جاء الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله .. متى نأمن؟ بعد أن هاجروا إلى المدينة وما زال الأمن متزعزعاً، متى نأمن يا رسول الله؟ قالوا: يا رسول الله! أحدنا لا ينام إلا وسلاحه تحت فراشه، أحدنا لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، متى نأمن يا رسول الله؟ قال: (إنكم قوم تستعجلون، ألا إن نصر الله قريب) .. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

جاء خباب وكشف ظهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بآثار الحديد المحمي على النار في ظهره، يشكو قسوة ما فعلت سيدته به، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد كان الرجل فيمن قبلكم يؤتى به فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، وينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ما يصده ذلك عن دينه).

وإن كان أعداء الإسلام بهذه الحادثة يخوفون المسلمين في أي مكان، فليعلموا أن الإسلام عزيز بعزة الله، رفيع برفعة الله، قوي بقوة الله وجبروته وقدرته.

يا معاشر المؤمنين: طريق الجهاد والدعوة طريق تضحيات، وقد قدم الدعاة في هذا الطريق شيئاً كثيراً، إلى عهد قريب سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد إمام الدعوة، لقد فعل به العثمانيون فعلة ما فعلها أحد بمثله، جعلوه في فوهة المدفع ثم أوقدوا هذا المدفع وجعلوا أجزاءه تتطاير، وأشلاءه تتناثر، انتقاماً لـمّا أن قام إمام الدعوة وكفرهم بباطلهم، وكفرهم ببدعهم وقبورهم وضلالهم وفسادهم.

إذاً.. فطريق الإسلام طريق تضحيات، ومن يجزع من هذا الطريق فلا مكان للثبات والصمود عنده.

يا معاشر المؤمنين: اسألوا الله جل وعلا أن يعز هذه البلاد وولاة أمرها، إننا لنعيش في أمن ما عاشه أحد، وعلماؤنا في طمأنينة ما اطمأن بها أحد، والخيرات توافد إلينا ما ذاقها أحد، أي نعمة هذه؟! نسأل الله ألا تكون استدراجاً.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ركب المراكب التي ركبناها، وما شرب المشارب التي شربناها، لقد طرنا في الهواء، ومشينا على الماء، وجيء لنا بفاكهة الصيف في الشتاء، وما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل منه؟ لا. وحاشا وكلا، ولا أفضل من عشر معشار واحد من صحابته.

إذاً.. فاعلموا أنما هي استدراج، قيدوها بشكر الله يا عباد الله! وأقلعوا عن الغفلة، واتقوا الله في أنفسكم، إن كثيراً من المسلمين في غفلة ولهو، إن كثيراً من المسلمين لا يشهدون الصلاة، إن كثيراً من المسلمين في قطيعة، إن كثيراً من المسلمين لا يذكرون الله إلا قليلاً: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] الخطباء والوعاظ، الأئمة والعلماء يصيحون ليل نهار، لكن أين القلوب التي تجد مكاناً لهذه المواعظ والذكرى؟ إن في قلوبنا مرضاً، إن في قلوبنا قسوة، إن في قلوبنا بلاء، نسأل الله أن يرفعه عنا برحمته، نسمع آيات الله تتلى ولا تسقط دمعة واحدة من أعيننا، نسمع بإخواننا يُقَتَّلون ولا تتحرك شعرة من مشاعرنا، أي بلاء حل بنا يا معاشر المؤمنين؟ وأي مصيبة نحن فيها يا معاشر المؤمنين؟

اللهم لا تعذبنا بغفلتنا، اللهم لا تسخط علينا بلهونا.

اللهم تب علينا كي نتوب، واغفر لنا يا غفار الذنوب، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم ولنا ظهورهم، اللهم أقم علم الجهاد، اللهم اقمع أهل الكفر والزيغ والعناد، اللهم أهلكهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم كالمجانين في الطرقات، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لا ترحم فيهم كبيراً ولا صغيراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة، أو أراد علماءنا بمكيدة، أو أراد شبابنا بضلال، أو أراد نساءنا بتبرج أو سفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم مكن إمام المسلمين بكتابك وسنة نبيك، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم اجمع شملهم، ووحد كلمتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، اللهم لا تفرّح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم عافهم واعف عنهم، اللهم أكرم نزلهم، اللهم وسع مدخلهم، اللهم افتح لهم أبواباً من الجنان.

اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم تلطف بنا وتجاوز عنا وكن لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومَنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

يا شباب الإسلام: وبعد هذا كله من منكم يقول: أتوب إلى الله وأستغفره عَمَّا بدر مني، وأتوق صراط ربي المستقيم مقلعاً عن الذنوب والمعاصي؟

من منكم يتوب إلى ربه في لحظة استجابة، في لحظة يستجيب الله من عباده! ألا إنا نتوب إليك يا ربنا! فتب علينا.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.