خطب ومحاضرات
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
معاشر المؤمنين! جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) فهذا سؤالٌ سيواجه كل مسلمٍ منا، فينبغي أن نعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً.
أيها الأحبة في الله! مر بنا الحديث في جمعةٍ ماضية عن وصول الإجازة وتباين آراء الناس وأفكارهم في قضائها، ومعلوم أن المسلم لا يعرف الفراغ في كل وقته، سواءً كان في عملٍ أو في إجازة، ومعلوم أن المسلم لا يعرف اللهو ولا البطالة؛ لأن المسلم لا يخلو في كل حالٍ من عبادةٍ يرضي بها الله جل وعلا، سواءً كان في ليلٍ أو في نهار في ذهاب أو في إياب، في حلٍ أو في ترحال.
أيها الأحبة! يواجه أبناؤنا إجازة طويلة، وهذه الإجازات قد تكون بالنسبة لبعضهم فتحاً إلهياً، ومنةً ربانيةً باستقامتهم وثباتهم وحسن إسلامهم، وتكون على البعض باباً إلى الهوى والشهوة، باباً إلى الفساد والغفلة، باباً إلى كل ما يجر البلاء والمصيبة عليه وعلى أفراد مجتمعه.
فأما الذين تكون لهم هذه الإجازات أبواباً إلى الاستقامة وحسن الفقه في دين الله، فأولئكم الذين أعدوا لسؤال المواجهة جواباً، الذين تذكروا يوم يقفون بين يدي الله جل وعلا، ليسألوا عن أعمارهم فيما أفنوها وعن شبابهم فيما أبلوه، أولئك الذين تكون لهم الإجازة منةً ربانيةً للهداية والاستقامة، أولئكم الذين عرفوا قيمة الوقت، أولئك الذين علموا أن الوقت هو الحياة وأن كل يومٍ يمضي إنما يقربهم للأجل، وكل شهرٍ ينطوي إنما يقودهم إلى المنية، وكل سنةٍ تمضي إنما تقفز بهم إلى دارٍ برزخية، فمن أيقن ذلك وعلمه وعلم أن قيمة الوقت مرتبطةٌ بالنهاية، مرتبطةٌ بالمصير والمواجهة، اجتهد أن يستعمل في طاعة الله ومرضاته، واجتهد أن يسخر وقته فيما ينفعه
يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا |
كثيرٌ من الناس يفرح بمضي الليالي والأيام، أو الشهور والأعوام فرحاً بما ينتظره من حظوظ الدنيا وبما سيناله في مراتب هذه الدنيا الفانية، ولكن البصير الذي يفقه حقيقة الدنيا يعلم أن مضي الأيام فيها إنما يقربه إلى أجله، ومن أدرك أن منيته قد دنت واقترب أجله ومضى أعظم عمره، أو لا يدري ما الذي مضى وما الذي بقي فحريٌ به أن يعد ويستعد، حريٌ به أن يتزود لدار الرحلة ونهاية المصير، نسأل الله لنا ولكم حسن الختام.
دعوات لإفساد الشباب في الإجازة
فلنعلم -أيها الأحبة- أن هذا خطرٌ وأي خطر، وبلاءٌ وأي بلاء، أن يظن بعض من لا حظ لهم من الوعي والفهم أنه يجازي ولده على نجاحه ويكافئه على تفوقه أن يرسله مع بعثةٍ سياحية لتتجول به في دول الغرب أو في أي بلادٍ كافرة، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] والبعض يلقي بفلذة كبده إلى التهلكة، والبعض يقذف ويزج بولده إلى الردى والهاوية.
اعلموا يا معاشر المؤمنين: أنما تعلمونه أو تقرءونه أو تسمعونه من دعواتٍ تستجلب أبناءكم وشبابكم لتعلم اللغة الإنجليزية مثلاً عبر بعثةٍ سياحية، أو لتعلم دورةٍ على الحاسبات الآلية خارج أرض المسلمين، إنما هي دعوةٌ سامة قد لبست بالحلاوة وعليها طلاوة الفجور، فانتبهوا لأبنائكم! من ذا الذي يستقبلهم؟ ومن ذا الذي يتولاهم؟ أتهبط بهم الطائرات في مكة والمدينة ؟ أتنـزل بهم تلك البعثات إلى المراكز الإسلامية، أم تهبط بهم إلى الفنادق وإلى الشواطئ والأندية وإلى صالات اللهو وساحات الرقص؟
أيها الأحبة! الحذر الحذر من أن تزجوا بأبنائكم في مثل هذه الدعوات الباطلة، فإن كثيراً من المسلمين قد يغتر بها ويظن أنها تنمي قدرة ولده، فيحدوه أو يوافقه على التسجيل فيها، ويغيب ولده عن ناظريه شهراً أو أقل أو أكثر ويعود وقد كره مجتمعه وتكبر على ما في مجتمعه من القيم والآداب الشرعية والإسلامية، ويعود وقد تبرم من هذه المحافظة ومن هذا الستر، وقد جعل في قلبه نية العودة بعد الفرار من سيطرة والده عليه.
إن كثيراً من الناس يشكو كيف تمرد ولده عليه وقد نسي أنه هو الذي فتح له باب التمرد، إن كثيراً من الناس يتألم لما أفلت زمام ولده من يده ونسي أنه هو الذي قدم له الزمام وأفلت له الخطام فجعله يعيش ويلهو أينما شاء وحيثما شاء وكيفما شاء.
الإجازة مزيد من الفهم والوعي
أما الذين يظنونها وقتاً يحتاج إلى القتل، ومصيبةً تحتاج إلى الإزهاق، فأولئك في الغالب لا يستفيدون من إجازتهم إلا مزيداً من البلاء والمصيبة، الوقت من أعظم النعم والمواهب لمن رزق فيه بعدم الانشغال بالضروريات وقد كفي مئونتها فله حظٌ في أن يسمو على أبناء جنسه، وأفراد مجتمعه بما يستغله من وقته وكان عون الدين بن هبيرة الوزير رحمه الله رحمةً واسعة، كثيراً ما يردد قوله:
والوقت أعظم ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع |
وكان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله إذا مر بأهل اللهو والفراغ والبطالة قال: والله لو تشترى الأوقات لاشتريت أوقاتكم! لما علموه من أن هذه الأوقات ضروف ومجالاتٍ تملأ بالعبادة والأعمال الصالحة.
كيف كان أبناء السلف وكيف كان السلف وكيف كان الصحابة يملئون أوقاتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (كل لهو امرئٍ باطل إلا تأديبه ولده، أو تعليمه فرسه، أو ملاعبته زوجه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فاعلموا أن أي برنامجٍ ينشغل فيه الواحد عما يعود عليه بالنفع العام فيما يقربه إلى الله، أو فيما هو مختص بما ورد في هذا الحديث فليعلم أنه لهوٌ باطل ألا فليغير برنامجه وليغير منهجه وليستفد من وقته ما دام الفراغ ممكنا والاشتغال بعيداً.
أسأل الله جل وعلا أن يحسن لكم الخاتمة، وأن يستعملنا في مرضاته، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
معاشر المؤمنين! أولئك الذين تكون إجازتهم فتحاً ربانياً عليهم من الله، أولئكم الذين اعتنوا بمزيد العبادة، واجتهدوا في الصلاة مع الجماعة، وأشغلوا أوقاتهم بمرضاة الله جل وعلا، وعجبٌ أيما عجب أن ترى الأسئلة الكثيرة عن مشكلة الفراغ وفيما يقضي الناس أوقاتهم، ويفتح دعاة السوء ومزامير الباطل أبواباً من الفتن وصفحاتٍ من البلاء يدعون كثيراً من الشباب لقضاء أوقاتهم وإجازاتهم فيها عبر الرحلات السياحية، وعبر الدورات التعليمية التي يعدونها لأبنائنا خارج بلاد المسلمين.
فلنعلم -أيها الأحبة- أن هذا خطرٌ وأي خطر، وبلاءٌ وأي بلاء، أن يظن بعض من لا حظ لهم من الوعي والفهم أنه يجازي ولده على نجاحه ويكافئه على تفوقه أن يرسله مع بعثةٍ سياحية لتتجول به في دول الغرب أو في أي بلادٍ كافرة، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] والبعض يلقي بفلذة كبده إلى التهلكة، والبعض يقذف ويزج بولده إلى الردى والهاوية.
اعلموا يا معاشر المؤمنين: أنما تعلمونه أو تقرءونه أو تسمعونه من دعواتٍ تستجلب أبناءكم وشبابكم لتعلم اللغة الإنجليزية مثلاً عبر بعثةٍ سياحية، أو لتعلم دورةٍ على الحاسبات الآلية خارج أرض المسلمين، إنما هي دعوةٌ سامة قد لبست بالحلاوة وعليها طلاوة الفجور، فانتبهوا لأبنائكم! من ذا الذي يستقبلهم؟ ومن ذا الذي يتولاهم؟ أتهبط بهم الطائرات في مكة والمدينة ؟ أتنـزل بهم تلك البعثات إلى المراكز الإسلامية، أم تهبط بهم إلى الفنادق وإلى الشواطئ والأندية وإلى صالات اللهو وساحات الرقص؟
أيها الأحبة! الحذر الحذر من أن تزجوا بأبنائكم في مثل هذه الدعوات الباطلة، فإن كثيراً من المسلمين قد يغتر بها ويظن أنها تنمي قدرة ولده، فيحدوه أو يوافقه على التسجيل فيها، ويغيب ولده عن ناظريه شهراً أو أقل أو أكثر ويعود وقد كره مجتمعه وتكبر على ما في مجتمعه من القيم والآداب الشرعية والإسلامية، ويعود وقد تبرم من هذه المحافظة ومن هذا الستر، وقد جعل في قلبه نية العودة بعد الفرار من سيطرة والده عليه.
إن كثيراً من الناس يشكو كيف تمرد ولده عليه وقد نسي أنه هو الذي فتح له باب التمرد، إن كثيراً من الناس يتألم لما أفلت زمام ولده من يده ونسي أنه هو الذي قدم له الزمام وأفلت له الخطام فجعله يعيش ويلهو أينما شاء وحيثما شاء وكيفما شاء.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |