مفاهيم غائبة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنها لمناسبةٌ سعيدةٌ، وموقفٌ مشرفٌ أن يقف الأخ بين يدي إخوانه، وفيهم من هم خيرٌ منه وأعلم وأتقى لله منه؛ لأجل التواصي وسماع الموعظة والذكرى، وإن الإنسان ليملُّ الانتظار والإطالة إلا في عبادة، أو في انتظار عبادة، وإن الإنسان ليكره الزحام إلا في طاعة ولسماع ذكرى، وإن الواحد ليحمد الله عز وجل أن تمضي هذه الساعة من عمره ودهره وحياته وهي شاهدةً له بأنه ما قضاها أمام ملهاة أو معصية، ولا في سماع باطلٍ أو ساخطٍ من القول، وإنما قضاها بعد عبادةٍ في ذكرٍ ينتظر بعدها عبادة، وإن ذلك -كما في الحديث- مما يرفع الدرجات، ويمحو الله به الخطايا، ذلكم هو الرباط كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء على المكاره، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).

أيها الأحبة! إنها نعمة عظيمة أن نجتمع وإياكم في طاعة، ولسماع طاعة، ولنحقق طاعة، ولنعمل في طاعة، ونحن نعلم أن الكثير من عباد الله في معصية، وإلى معصية، وعلى معصية، أو في تحقيق معصية، أن تكون من المصطفين الذين أكرمهم الله بهذه الهداية، ومنَّ عليهم بهذه الاستقامة، إنها لنعمةٌ وأي نعمةٍ، بل وأعظم بها من نعمة.

أحبتنا في الله! حديثنا اليوم محصلة موجزة، وتجربة قصيرة متواضعة من خلال زيارات ولقاءات وكلمات، أو محاورات بين بعض الإخوة ومع كثير من الأحبة، تبين لي أن ما تسمعون الليلة وإن كان معلوماً لدى الكثيرين بحمد الله، إلا أن الكثير أيضاً يغيب عن أذهانهم الكثير مما نسمعه اليوم، وبعضهم لا يتصورونه بوضوح كامل، أو بأفق واسع، ولأجل هذا سميناه بـ(المفاهيم الغائبة) وليس هذا من باب الاستغراق، ولكن لعل في الإشارة ما يغني عن التفصيل في كل العبارة، وكفى من القلادة ما أحاط بالعنق.

أيها الأحبة! التعبير بالمفاهيم لأجل التواصي والتذكير بدلاً من النقد والانتقاد مع اعتقادنا جميعاً أن النقد الذاتي مطلوبٌ، ولَأن ننتقد أنفسنا خيرٌ من أن يقع أعداؤنا على مواقع الضعف فينا، ولَأن نبادر إلى التواصي بيننا خيرٌ من أن يجدها الأعداء مسبة، أو مثلبة يتشمتون بنا فيها، وهذا الذكر لهذه المفاهيم مع احترام العمل القائم والجهد المبذول، والحديث سهل والعمل عسير،وليس بيسير إلا على من يسره الله عليه.

أقِّلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ     من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

أيها الأحبة! طرح هذه المفاهيم أراها تصحيحاً لتصور خاطئ، أو توسيعاً في مجال ضيق، أو تذكيراً بأمر غائب، وبالجملة فالموضوع لا يخرج عن إطار التواصي الذي هو من صفات المؤمنين كما أخبر سبحانه عز وجل بقوله:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.

وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

وطرح هذه المفاهيم من باب التذكير بها لا يخرج عن إطار الذكرى لقول الله عز وجل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55].

وأبدأ في سرد هذه المفاهيم، وربما لا تأتي مرتبةً، ولكن لعل ذلك من التشويق والتنويع، فمن ذلك: أنني رأيت كثيراً من الأحبة والفضلاء والغيورين والمتحمسين يتصورون حصر الجهد في الدعوة في مجالات محدودة معدودة، وإذا لم يتحقق النشاط، أو النماء، أو الامتداد، أو الحركة، أو العمل في هذه المجالات المحدودة، يرى أنه لا مقام، ولا مكان، ولا سبيل إلى الدعوة إلى الله عز وجل.

وأرى أن ذلك تحجير لواسع، بعضهم يرى أن الدعوة فقط في المحاضرة والندوة وتوزيع الشريط والكتاب، وفي الحقيقة أن هذا حصرٌ، ومن يرى أن الدعوة فقط في هذه المجالات فهو كمن يجعل البحار في قِرَب، أو يجعل المحيطات في أنهار، الدعوة محيطٌ متدفقٌ واسعٌ، وبحرٌ أمواج خيره وبره ونفعه متلاطمةٌ تجيء بالخير بإذن الله عز وجل، وليس محصورةً في هذه المجالات فحسب.

أهمية خطبة الجمعة ودورها في الدعوة

فعلى سبيل المثال لا الحصر: هناك خطبة الجمعة، وما أدراك ما خطبة الجمعة؟ إنها من أجل وأرقى وأعلى وأسمى وأهم مجالات الدعوة إلى الله عز وجل، ولو أننا تواصينا مع خطبائنا، ومع الذين يعتلون المنابر في مجتمعاتنا بالعناية بها، بتقديم الفائدة، واقتراح الموضوع، وتحديد العناصر، وتقريب الكلمة، والمعنى والقضية، واقترحنا عليهم ما يهم، لكان في ذلك خيرٌ عظيمٌ.

إن خطبة الجمعة حضورها واجبٌ، والإنصات لها واجب، ويحضرها من لا يحضر الدروس والمحاضرات، ويحضرها من لا يقرأ الكتاب، ولا يسمع الشريط، بل يحضرها من قد لا يصلي الصلوات الخمس مع الجماعة، فأهم جمهور، وأهم المستمعين لمادة الدعوة وقضايا الدعوة هم المصلون يوم الجمعة، فالعناية بهذا الأمر مهمٌ جداً.

وإني لأعجب أن أجد كثيراً من الإخوة ربما يهتم أحدهم بالمحاضرة اهتماماً لا يهتمه لخطبة الجمعة، وأرى أن ذلك من عدم فهم الأولويات وترتيبها، بل لو قال قائل: إنني مشغول بالجمعة، ولا أرى شغلاً بغيرها، قلنا: ليس هذا ببدع، ولا غريب، ولا عجيب، فهي مجال مهم، إنها رسالة إلى جميع الناس في ساعة واحدة في زمن معين، لا تجد ذلك في دين من الأديان، ولا في عقيدة من العقائد، هبوني وأروني واذكروا لي ملة، أو ديانة، أوحزباً، أو مذهباً، أو طائفة تستطيع أن تجمع أتباعها وأنصارها ومؤيديها ومعتنقيها في ساعة على وجه الأرض أو المعمورة، لا تجد ذلك، لكن في هذا الدين تجد ذلك.

خذ على سبيل المثال: ترى في هذه البلاد في المملكة العربية السعودية من الشمال في أقصى طريف والقريات إلى الجنوب في آخر شرورة ونجران وما وراءها، ستجد أنه من الساعة الثانية عشر إلا ربع مثلاً إلى الساعة الواحدة إلا ربع الناس كلهم في المسجد، هذا مؤتمر خطير، واجتماع خطير، وهذه مسألة مهمة، وهذا حشد لا يمكن أن يحققه الإنسان بالإعلانات على المحاضرات، ولا بالدعوة إليه عبر الإذاعة، أو عبر وسائل الإعلام، لكنه يتحقق بحي على الصلاة حي على الفلاح، فيتحقق هذا الاجتماع العظيم الكبير، ثم لا نجد كثيراً من إخواننا يهتم بهذا الاجتماع ويعطيه حقه، أو يوفيه قدره، أو ينـزله مكانته التي ينبغي أن يُنزل إياها.

قد يقول أحدكم الآن: لو كان الحضور من خطباء الجمع لكان هذا سائغاً.

أقول: نعم يا أخي الحبيب. في الحضور من هم من الخطباء، وأنتم ممن يصلون مع الخطباء، فإذا كنا جميعاً نعتني بهذه الخطبة، ونعين الخطيب على تحضيرها وإعدادها وأدائها، وتقديم الأفكار والعناصر، واقتراح الموضوعات المناسبة، وتقريب ما يعينك في الخطبة، القضية الواحدة التي تطرح في الخطبة تحتاج إلى الأدلة من القرآن والسنة، وإلى الكلام من سير السلف والصالحين، وإلى القصص الواقعة الحادثة في هذا الصدد، وإلى شيء من العناية بسبك العبارة والأسلوب، فلو أننا اعتنينا واعتنت كل مجموعة منا بخطيب حيهم وإمام حارتهم مثلاً، وأعانوه على إعداد هذه الخطبة؛ لكُنا نحن وهذا الخطيب شركاء في الأجر العظيم حينما يقول خطبة تربوية نافعة تدعو العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتدعو العباد إلى نبذ الغفلة والضلالة والهوى، والعودة إلى الاستقامة والجد والاجتهاد في الطاعة، نشترك معه في الأجر والثواب، ولا أظن أن عاقلاً يأنف أو يستنكف أن يقبل نصيحةً تأتيه من أحد إخوانه، بل علينا أن نعلن وأن نفتح هذا الباب لمن كان عنده نصيحة في أمر ينفع المسلمين.

والخطيب مسئول عن هذه الكلمة، ومحاسبٌ عليها في الدنيا والأخرى، لكن هذا لا يمنع من أن نعينه وأن نقدم له الأفكار المهمة سواءً بالعناصر المحررة، أو بالأرقام والحسابات والإحصائيات، كل ذلك أيها الأحبة نافع ومهم، ويحول هذا الاجتماع الأسبوعي في ساعة واحدة على مستوى هذه المملكة بكاملها إلى اجتماع يطرح قضايا مهمة وعالية وجيدة جداً، أنا لا أقول: جميع الذين يخطبون لا يعتنون بذلك حاشا وكلا، بل الكثير والكثير من إخواننا ومشايخنا وخطبائنا يعتنون، لكن هذا أيضاً لا يعني أنه لا يوجد من لا يبالي، أو لا يعتني، أو لا يهتم، فواجبنا أن نهتم بهذا الموضوع، وأن نعتني به غاية العناية، فهو من أكبر وأضخم وأهم، بل وأخطر مجالات الدعوة هي خطبة الجمعة، فألا من مشمرٍ ومهتمٍ ومعتنٍ بهذه القضية.

وجود مجالات دعوية تناسب الجميع

كذلك أيها الأخ الحبيب حينما أتحدث إليك، أو أحاورك في أمورٍ ومجالاتٍ دعوية ربما تسمع من بعض الإخوة القول بأنه لا يحسن هذا المجال، ولا يحسن هذا المجال، وهل كانت الدعوة محصورة فقط في مجال تحسنه؟!

لا أظنك عيياً عاجزاً أخرقاً لا تستطيع أن تحسن مجالاً من مجالات الدعوة، وأقلها مجال المراسلة سواء كانت مراسلة في الداخل أو في الخارج.

إن كثيراً من الذين ضلوا ومنهم من أضلوا عن سواء السبيل عادوا إلى المحجة، وإلى الطريق البين، وإلى البرهان الواضح، وآبوا من الزيغ إلى الهداية، ومن الانحراف إلى الاستقامة برسائل متتابعة طرقت أسماعهم عبر شريط، وطرقت قلوبهم عبر أحرف مكتوبة، ملؤها المحبة، عبقة بالأخوة والرأفة والرحمة والحنان، فيا أيها الأحبة، ليس من الضروري أن نكون خطباء حتى نقوم بالدعوة، على الخطباء مسئولية، ومن لا يحسن الخطابة أظنه يحسن الرسالة، ومن لا يحسن الرسالة أظنه يحسن القراءة، فيختار رسالة معدة في هذا الأمر، أو يستشير، أو يسأل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] كيف ينصح ضالاً واقعاً في هذا الإثم، أو من زل ووقع في هذا الذنب العظيم؟ فيأتيه التوجيه: عليك بالرسالة الفلانية، الكتيب الفلاني، انقل من الشريط الفلاني، قدم من هذا الشيء الفلاني، وابعث به مع هدية متواضعة، أو بدون هدية، ستجد أن ذلك بإذن الله من أسباب الفلاح والنجاح في الدعوة، ولا تظن أن كل رسالة سوف تأتيك برجل ملتزم ومهتد، اجعل في بالك أنك ربما ترسل مائة رسالة، فلا يستجيب إلا واحد، وألف رسالة، فلا يستجيب إلا اثنين، أو ثلاثة، ولن تكون أفضل من رسل وأنبياء هم صفوة الله من خلقه وخيرة خلق الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (ورأيت النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط والرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد).

إذاً: اليوم قضايانا الدعوية مرتبطة بالهمة والاهتمام، ولا أظنها ترتبط ارتباطاً كلياً تاماً ببعضها البعض، نعم الإجادة والقدرة أمر مهم، لكن ليس ذلك هو كل شيء، لأنك إن عجزت عن هذا المجال ستقدر في مجال آخر، لكن إذا وجد الاهتمام فإنك بإذن الله عز وجل ستجد المجال المناسب بحجم قدراتك وظروفك.

على سبيل المثال: الكثير بلا حصر من الشباب يرغبون في الزواج، لكن ليس كل هؤلاء الشباب يستطيعون أن يتزوجوا الفتاة الحسيبة النسيبة، المتعلمة الجميلة، الفاخرة الراقية.. إلى آخره، لكن مع ذلك يتزوج الإنسان بقدر ظروفه، وبقدر إمكاناته، ويحقق الهدف الذي يصبو إليه، لما كانت رغبة شخصية وفطرة غريزية، ونداء قائماً في البدن والروح والجسم استطاع الإنسان أن يصل إليه، وإن لم يصل إليه بكل المواصفات والمقاييس التي يريدها، لكنه حقق ذلك، لأن الرغبة مستمرة وملحة وقائمة، فكذلك إذا كانت الرغبة في الدعوة إلى الله عز وجل ملحة وقائمة تصبحك وتمسيك وهي همك، وتراها في المنام، وتتمناها، ومرتبطة بشعرك وقصيدتك وقراءتك، وتتألم لما يؤلم المسلمين؛ حينئذٍ ستجد مجالات كثيرة في الدعوة إلى الله عز وجل، والمقام يضيق بذكر مجالات عديدة للدعوة، وأحيل إلى شريط سبق أن ألقي منذ زمن لا بأس به بعنوان"مجالات جديدة للدعوة" انظر هذه المجالات فستجد أنك لن تعجز عن واحد أو آحاد من هذه المجالات.

تعدي القيام بالدعوة إلى غير البشر

أيها الأحبة! إني أقول لإخواني الشباب الذين فيهم الخير والصلاح والاستقامة والغيرة على الإسلام والمسلمين، أقول لهم: لماذا وقف الالتزام إلى حد الأمور الشخصية فقط؟ لماذا لا يكون الواحد إيجابياً وداعياً ومتحركاً؟ إن الجن وهم الجن لما سمعوا الوحي تحركوا ودعوا أقوامهم، والله عز وجل يقول: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] فهم حضروا، وأنصتوا ليتدبروا ويفهموا مقاصد الخطاب، وما فيه من الأمر والنهي والحكم، ثم ماذا بعد ذلك؟ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ [الأحقاف:29-31] فأفادوا أنهم سمعوا وحياً وخيراً وهدى، ثم دعوا قومهم إلى الاستجابة: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:31].

ثم ماذا بعد ذلك؟ قالوا لقومهم: وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ [الأحقاف:32] هؤلاء وهم جن لما سمعوا الوحي أنصتوا وتدبروا وولوا إلى قومهم منذرين.

لا يكن الهدهد خيراً منك، فقد نصح وتكلم ودعا وسعى، وكانت نصيحة هذا الطائر سبباً في إسلام مملكة كاملة كانوا يسجدون للشمس من دون الله، سليمان عليه السلام لما تفقد الهدهد، وتفقد الطير، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ فلما بحث عن هذا الهدد أين كان؟ أين ذهب؟ فجاء إلى سليمان عليه السلام الملك النبي، وقال: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:22-24] هذا هدهد يدعو وينكر منكراً، وأكبر المنكرات هو الشرك بالله عز وجل: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ [النمل:24] إلى أن قال: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النمل:25] ويستدل بأفعال الرب على استحقاق الخالق للعبادة عز وجل.

مقترح في الدعم المادي للدعوة

أيها الأحبة! هذه من القضايا المهمة، لأننا نجد فتوراً وكسلاً في أمر الدعوة إلى الله عز وجل، ولكن ينبغي أن نتواصى، وأن نهتم سيما والدعوة هي أمر الله لنبيه للمؤمنين من بعده: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً [فصلت:33] (من دعا إلى هدىً، فله أجره وأجور من تبعه إلى يوم القيامة) (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم).

فيا أحبابنا! الدعوة مسئولية مهمة، لكن أنا أقول لك: متى تصبح الدعوة قضية مهمة؟

حينما تجعل للدعوة اهتماماً شهرياً في ميزانيتك، وذلك فرع عن الاهتمام القلبي في شخصيتك وروحك ستجد أن الدعوة مهمة، الواحد يخصص من دخله للكهرباء وللماء، ويخصص من دخله لراتب الخادمة لصيانة سيارته، فهل تخصص من دخلك للدعوة إلى الله عز وجل؟ هل فعلاً شهرياً إذا قبضت راتبك، أو الدخل الذي يأتيك تقول: هذا للدعوة إلى الله عز وجل، أكفل به داعية في أي مكان خارج البلاد، أو أشتري به شريطاً نافعاً أوزعه على الشباب، أو كتيباً، أو رسالةً، أو أفكر كيف أشغل هذا الجزء اليسير من الدخل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وما يدريك لعل الله أن يهدي بهذا أقواماً أنت لا تعرفهم، ويهدي بذلك آخرين من ورائهم لا تعرفهم تلقاهم يوم القيامة هم وأعمالهم ومن هدى الله على أيديهم في موازين أعمالك الصالحة، والدعوة- كما تعلمون- هي خيرٌ ينفع العبد بإذن الله عز وجل، لأنها أعظم أجراً في أقصر زمنٍ وأقل مدة، فأسأل الله ألا يحرمنا وإياكم هذا الأجر العظيم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: هناك خطبة الجمعة، وما أدراك ما خطبة الجمعة؟ إنها من أجل وأرقى وأعلى وأسمى وأهم مجالات الدعوة إلى الله عز وجل، ولو أننا تواصينا مع خطبائنا، ومع الذين يعتلون المنابر في مجتمعاتنا بالعناية بها، بتقديم الفائدة، واقتراح الموضوع، وتحديد العناصر، وتقريب الكلمة، والمعنى والقضية، واقترحنا عليهم ما يهم، لكان في ذلك خيرٌ عظيمٌ.

إن خطبة الجمعة حضورها واجبٌ، والإنصات لها واجب، ويحضرها من لا يحضر الدروس والمحاضرات، ويحضرها من لا يقرأ الكتاب، ولا يسمع الشريط، بل يحضرها من قد لا يصلي الصلوات الخمس مع الجماعة، فأهم جمهور، وأهم المستمعين لمادة الدعوة وقضايا الدعوة هم المصلون يوم الجمعة، فالعناية بهذا الأمر مهمٌ جداً.

وإني لأعجب أن أجد كثيراً من الإخوة ربما يهتم أحدهم بالمحاضرة اهتماماً لا يهتمه لخطبة الجمعة، وأرى أن ذلك من عدم فهم الأولويات وترتيبها، بل لو قال قائل: إنني مشغول بالجمعة، ولا أرى شغلاً بغيرها، قلنا: ليس هذا ببدع، ولا غريب، ولا عجيب، فهي مجال مهم، إنها رسالة إلى جميع الناس في ساعة واحدة في زمن معين، لا تجد ذلك في دين من الأديان، ولا في عقيدة من العقائد، هبوني وأروني واذكروا لي ملة، أو ديانة، أوحزباً، أو مذهباً، أو طائفة تستطيع أن تجمع أتباعها وأنصارها ومؤيديها ومعتنقيها في ساعة على وجه الأرض أو المعمورة، لا تجد ذلك، لكن في هذا الدين تجد ذلك.

خذ على سبيل المثال: ترى في هذه البلاد في المملكة العربية السعودية من الشمال في أقصى طريف والقريات إلى الجنوب في آخر شرورة ونجران وما وراءها، ستجد أنه من الساعة الثانية عشر إلا ربع مثلاً إلى الساعة الواحدة إلا ربع الناس كلهم في المسجد، هذا مؤتمر خطير، واجتماع خطير، وهذه مسألة مهمة، وهذا حشد لا يمكن أن يحققه الإنسان بالإعلانات على المحاضرات، ولا بالدعوة إليه عبر الإذاعة، أو عبر وسائل الإعلام، لكنه يتحقق بحي على الصلاة حي على الفلاح، فيتحقق هذا الاجتماع العظيم الكبير، ثم لا نجد كثيراً من إخواننا يهتم بهذا الاجتماع ويعطيه حقه، أو يوفيه قدره، أو ينـزله مكانته التي ينبغي أن يُنزل إياها.

قد يقول أحدكم الآن: لو كان الحضور من خطباء الجمع لكان هذا سائغاً.

أقول: نعم يا أخي الحبيب. في الحضور من هم من الخطباء، وأنتم ممن يصلون مع الخطباء، فإذا كنا جميعاً نعتني بهذه الخطبة، ونعين الخطيب على تحضيرها وإعدادها وأدائها، وتقديم الأفكار والعناصر، واقتراح الموضوعات المناسبة، وتقريب ما يعينك في الخطبة، القضية الواحدة التي تطرح في الخطبة تحتاج إلى الأدلة من القرآن والسنة، وإلى الكلام من سير السلف والصالحين، وإلى القصص الواقعة الحادثة في هذا الصدد، وإلى شيء من العناية بسبك العبارة والأسلوب، فلو أننا اعتنينا واعتنت كل مجموعة منا بخطيب حيهم وإمام حارتهم مثلاً، وأعانوه على إعداد هذه الخطبة؛ لكُنا نحن وهذا الخطيب شركاء في الأجر العظيم حينما يقول خطبة تربوية نافعة تدعو العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتدعو العباد إلى نبذ الغفلة والضلالة والهوى، والعودة إلى الاستقامة والجد والاجتهاد في الطاعة، نشترك معه في الأجر والثواب، ولا أظن أن عاقلاً يأنف أو يستنكف أن يقبل نصيحةً تأتيه من أحد إخوانه، بل علينا أن نعلن وأن نفتح هذا الباب لمن كان عنده نصيحة في أمر ينفع المسلمين.

والخطيب مسئول عن هذه الكلمة، ومحاسبٌ عليها في الدنيا والأخرى، لكن هذا لا يمنع من أن نعينه وأن نقدم له الأفكار المهمة سواءً بالعناصر المحررة، أو بالأرقام والحسابات والإحصائيات، كل ذلك أيها الأحبة نافع ومهم، ويحول هذا الاجتماع الأسبوعي في ساعة واحدة على مستوى هذه المملكة بكاملها إلى اجتماع يطرح قضايا مهمة وعالية وجيدة جداً، أنا لا أقول: جميع الذين يخطبون لا يعتنون بذلك حاشا وكلا، بل الكثير والكثير من إخواننا ومشايخنا وخطبائنا يعتنون، لكن هذا أيضاً لا يعني أنه لا يوجد من لا يبالي، أو لا يعتني، أو لا يهتم، فواجبنا أن نهتم بهذا الموضوع، وأن نعتني به غاية العناية، فهو من أكبر وأضخم وأهم، بل وأخطر مجالات الدعوة هي خطبة الجمعة، فألا من مشمرٍ ومهتمٍ ومعتنٍ بهذه القضية.

كذلك أيها الأخ الحبيب حينما أتحدث إليك، أو أحاورك في أمورٍ ومجالاتٍ دعوية ربما تسمع من بعض الإخوة القول بأنه لا يحسن هذا المجال، ولا يحسن هذا المجال، وهل كانت الدعوة محصورة فقط في مجال تحسنه؟!

لا أظنك عيياً عاجزاً أخرقاً لا تستطيع أن تحسن مجالاً من مجالات الدعوة، وأقلها مجال المراسلة سواء كانت مراسلة في الداخل أو في الخارج.

إن كثيراً من الذين ضلوا ومنهم من أضلوا عن سواء السبيل عادوا إلى المحجة، وإلى الطريق البين، وإلى البرهان الواضح، وآبوا من الزيغ إلى الهداية، ومن الانحراف إلى الاستقامة برسائل متتابعة طرقت أسماعهم عبر شريط، وطرقت قلوبهم عبر أحرف مكتوبة، ملؤها المحبة، عبقة بالأخوة والرأفة والرحمة والحنان، فيا أيها الأحبة، ليس من الضروري أن نكون خطباء حتى نقوم بالدعوة، على الخطباء مسئولية، ومن لا يحسن الخطابة أظنه يحسن الرسالة، ومن لا يحسن الرسالة أظنه يحسن القراءة، فيختار رسالة معدة في هذا الأمر، أو يستشير، أو يسأل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] كيف ينصح ضالاً واقعاً في هذا الإثم، أو من زل ووقع في هذا الذنب العظيم؟ فيأتيه التوجيه: عليك بالرسالة الفلانية، الكتيب الفلاني، انقل من الشريط الفلاني، قدم من هذا الشيء الفلاني، وابعث به مع هدية متواضعة، أو بدون هدية، ستجد أن ذلك بإذن الله من أسباب الفلاح والنجاح في الدعوة، ولا تظن أن كل رسالة سوف تأتيك برجل ملتزم ومهتد، اجعل في بالك أنك ربما ترسل مائة رسالة، فلا يستجيب إلا واحد، وألف رسالة، فلا يستجيب إلا اثنين، أو ثلاثة، ولن تكون أفضل من رسل وأنبياء هم صفوة الله من خلقه وخيرة خلق الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (ورأيت النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط والرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد).

إذاً: اليوم قضايانا الدعوية مرتبطة بالهمة والاهتمام، ولا أظنها ترتبط ارتباطاً كلياً تاماً ببعضها البعض، نعم الإجادة والقدرة أمر مهم، لكن ليس ذلك هو كل شيء، لأنك إن عجزت عن هذا المجال ستقدر في مجال آخر، لكن إذا وجد الاهتمام فإنك بإذن الله عز وجل ستجد المجال المناسب بحجم قدراتك وظروفك.

على سبيل المثال: الكثير بلا حصر من الشباب يرغبون في الزواج، لكن ليس كل هؤلاء الشباب يستطيعون أن يتزوجوا الفتاة الحسيبة النسيبة، المتعلمة الجميلة، الفاخرة الراقية.. إلى آخره، لكن مع ذلك يتزوج الإنسان بقدر ظروفه، وبقدر إمكاناته، ويحقق الهدف الذي يصبو إليه، لما كانت رغبة شخصية وفطرة غريزية، ونداء قائماً في البدن والروح والجسم استطاع الإنسان أن يصل إليه، وإن لم يصل إليه بكل المواصفات والمقاييس التي يريدها، لكنه حقق ذلك، لأن الرغبة مستمرة وملحة وقائمة، فكذلك إذا كانت الرغبة في الدعوة إلى الله عز وجل ملحة وقائمة تصبحك وتمسيك وهي همك، وتراها في المنام، وتتمناها، ومرتبطة بشعرك وقصيدتك وقراءتك، وتتألم لما يؤلم المسلمين؛ حينئذٍ ستجد مجالات كثيرة في الدعوة إلى الله عز وجل، والمقام يضيق بذكر مجالات عديدة للدعوة، وأحيل إلى شريط سبق أن ألقي منذ زمن لا بأس به بعنوان"مجالات جديدة للدعوة" انظر هذه المجالات فستجد أنك لن تعجز عن واحد أو آحاد من هذه المجالات.

أيها الأحبة! إني أقول لإخواني الشباب الذين فيهم الخير والصلاح والاستقامة والغيرة على الإسلام والمسلمين، أقول لهم: لماذا وقف الالتزام إلى حد الأمور الشخصية فقط؟ لماذا لا يكون الواحد إيجابياً وداعياً ومتحركاً؟ إن الجن وهم الجن لما سمعوا الوحي تحركوا ودعوا أقوامهم، والله عز وجل يقول: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] فهم حضروا، وأنصتوا ليتدبروا ويفهموا مقاصد الخطاب، وما فيه من الأمر والنهي والحكم، ثم ماذا بعد ذلك؟ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ [الأحقاف:29-31] فأفادوا أنهم سمعوا وحياً وخيراً وهدى، ثم دعوا قومهم إلى الاستجابة: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:31].

ثم ماذا بعد ذلك؟ قالوا لقومهم: وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ [الأحقاف:32] هؤلاء وهم جن لما سمعوا الوحي أنصتوا وتدبروا وولوا إلى قومهم منذرين.

لا يكن الهدهد خيراً منك، فقد نصح وتكلم ودعا وسعى، وكانت نصيحة هذا الطائر سبباً في إسلام مملكة كاملة كانوا يسجدون للشمس من دون الله، سليمان عليه السلام لما تفقد الهدهد، وتفقد الطير، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ فلما بحث عن هذا الهدد أين كان؟ أين ذهب؟ فجاء إلى سليمان عليه السلام الملك النبي، وقال: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:22-24] هذا هدهد يدعو وينكر منكراً، وأكبر المنكرات هو الشرك بالله عز وجل: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ [النمل:24] إلى أن قال: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النمل:25] ويستدل بأفعال الرب على استحقاق الخالق للعبادة عز وجل.

أيها الأحبة! هذه من القضايا المهمة، لأننا نجد فتوراً وكسلاً في أمر الدعوة إلى الله عز وجل، ولكن ينبغي أن نتواصى، وأن نهتم سيما والدعوة هي أمر الله لنبيه للمؤمنين من بعده: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً [فصلت:33] (من دعا إلى هدىً، فله أجره وأجور من تبعه إلى يوم القيامة) (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم).

فيا أحبابنا! الدعوة مسئولية مهمة، لكن أنا أقول لك: متى تصبح الدعوة قضية مهمة؟

حينما تجعل للدعوة اهتماماً شهرياً في ميزانيتك، وذلك فرع عن الاهتمام القلبي في شخصيتك وروحك ستجد أن الدعوة مهمة، الواحد يخصص من دخله للكهرباء وللماء، ويخصص من دخله لراتب الخادمة لصيانة سيارته، فهل تخصص من دخلك للدعوة إلى الله عز وجل؟ هل فعلاً شهرياً إذا قبضت راتبك، أو الدخل الذي يأتيك تقول: هذا للدعوة إلى الله عز وجل، أكفل به داعية في أي مكان خارج البلاد، أو أشتري به شريطاً نافعاً أوزعه على الشباب، أو كتيباً، أو رسالةً، أو أفكر كيف أشغل هذا الجزء اليسير من الدخل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وما يدريك لعل الله أن يهدي بهذا أقواماً أنت لا تعرفهم، ويهدي بذلك آخرين من ورائهم لا تعرفهم تلقاهم يوم القيامة هم وأعمالهم ومن هدى الله على أيديهم في موازين أعمالك الصالحة، والدعوة- كما تعلمون- هي خيرٌ ينفع العبد بإذن الله عز وجل، لأنها أعظم أجراً في أقصر زمنٍ وأقل مدة، فأسأل الله ألا يحرمنا وإياكم هذا الأجر العظيم.

أيها الأحبة! من المفاهيم الغائبة عند كثير من شبابنا اليوم: أنه حينما تقع في هذا الواقع نوازل، أو تحدث أمور ليس فيها حكم قطعي بنص قطعي الدلالة والثبوت .. حينما تقع مثل هذه الأحداث أو الوقائع لا شك أن الناس تتباين آراؤهم وأقوالهم، بل وربما تباينت آراء وأقوال أهل العلم فيها، فيقع شيء من الاختلاف في وجهات النظر، فتعجب من وجود بعض الشباب يتحمس إلى أقصى اليمين لبعض الآراء، وتجد آخرين يتحمسون إلى أقصى اليسار لبعض الآراء، ولا يمكن أن تكون بينهم مسافات للتقارب، أو قناعات أنني على صواب ورأيي يحتمل الخطأ، وأنك على خطأ ورأيك يحتمل الصواب، لا أبداً. لا يرى الحق والقول والصدق إلا عنده، وما سوى ذلك وكل ما عند غيره فهو باطل، وعلى مبدأ ضال، وإن لم تكن معي فأنت ضدي.

وهذا لا ينطبق خاصة إلا في المسائل التي تجِد في الواقع، ولا تكون فيها أحكام قطعية ثابتة.

أما المسائل التي أحكامها قطعية بدلالة قطعية بثبوت قطعي فلا يختلف فيها أحدٌ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، لكن هناك نوازلاً ومواقفاً وأحداثاً وأموراً عجيبة غريبة تقع في واقع المسلمين اليوم بالتأكيد سيختلف فيها المسلمون، وتتعدد فيها الآراء، لكن إذا تنوعت هذه الآراء هل من حقنا أن نلزم الناس جميعاً أن يكونوا معنا على رأي واحد؟

الجواب: لا. وهذا ليس بصحيح ما لم يكن الخلاف في هذا الأمر يفضي إلى فتنة، فحينئذٍ الذي يجمع الناس على أمرٍ عامٍ، به يتعاملون، وإليه يختصمون، أو يحتكمون هو الحاكم أو المفتي الذي يعينه هذا الحاكم، وكما في القواعد الفقهية والشرعية: حكم الحاكم يرفع الخلاف، فله أن يلزم الناس في المسائل الاجتهادية برأي يجتمع الناس عليه دفعاً للفتنة، ولا حاجة إلى الإنكار الشديد.

أعود إلى قضية الخلاف في المسائل: لا حاجة إلى الإنكار الشديد في مسائل الخلاف، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: ومسائل الخلاف لا ينكر فيها باليد، ومعنى كلامه: لا يلزمك أن تجمع الناس فيها على رأيك، وإنما كلٌ يورد ما عنده بالأدلة، ونحن على يقين بين القطبين، وبين الطرفين، وبين النقطتين مسافة طويلة يمكن تصور وجود الخطأ الكبير والصواب القليل فيها، ووجود الصواب الكبير والخطأ القليل فيها، فواجبنا حينئذٍ أن نقرب هوة الخلاف ولا نوسعه.

تجاوز الاختلاف المشروع إلى التدابر والقطيعة

العجيب الذي يقع: أن ترى من بعض الشباب حينما يقع الخلاف أنهم يتدابرون ويتقاطعون، ويغتاب بعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم في عرض بعض، وربما أصبح هذا البر الطيب المبارك الخير يتكلم في عرض آخر مثله، وله مثل هذه الصفات، ولا يتكلم في عرض فاسق أو فاجر، وليست هذه دعوة إلى الكلام بأعراض الفساق والفجار أبداً، إنما هي دعوة إلى العمل، الكلام يا أحباب لا ينتج ولا يقدم شيئاً، نريد عملاً جاداً يفضي إلى تحقيق نتائج ترد عباد الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له، إن الله عز وجل قال: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119] لكن الله سبحانه وتعالى نهى عن التفرق، فالخلاف ممكن، والتفرق ممنوع وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].. وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].. إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159] فالخلاف وارد، ولا يمكن في مسألة اجتهادية أني ألزمك برأيي، ولا يمكنك أنت أنك تلزمني برأيك، إذا كان الخلاف سائغاً، وفي مسائل لا ترتبط بمصير أمة، أو بمصلحة مجتمع بالكامل، أما إذا كانت هذه المسألة التي اختلف فيها المختلفون مرتبطة بمصير أمة، أو بقضية استراتيجية كقضية أمن، فحينئذٍ نرجع إلى عالم قد تعلقت الأمة برقبته، وأصبح قوله وفتواه بمنزلة حكم الحاكم الذي يرفع الخلاف، وإذا أمر ولي الأمر بلزوم قول هذا المفتي، لزمنا جميعاً أن نعمل به، وكلٌ يحمل في قلبه ما يعتقد.

أهمية الحفاظ على الأخوة مع المخالفين

أيها الأحبة! يقول يونس بن عبد الأعلى المصري الشافعي رحمه الله: ما رأيت أعقل من محمد بن إدريس الشافعي -الإمام الشافعي رحمه الله- اختلفت معه في مسائل كثيرة فتفرقنا، يعني: ما اتفقنا عليها، فلقيني ذات يوم وأخذ بيدي وقال: يا أبا عبد الله ألا يستقيم أن نكون إخوة وإن لم نتفق في مسألة.

اليوم الواقع في الحقيقة يندى له الجبين، أن تجد هذا ملتحياً، وهذا ملتحياً، وهذا يتبع السنة، وهذا يتبع السنة، وهذا على خير، وهذا على خير، وربما بينهم من الفرقة والخلاف ما يجعل بعضهم لا يلقي السلام على صاحبه، ولا يشمِّته، ولا يعوده في مرضه، وربما لا يتبع جنازته، وربما أسقط حقوقه وأهدر واجبات له، وربما احتقره (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) ولم هذا كله؟

لأنه اختلف معه، وهل الخلاف مبرر لأن نقع في هذا الأمر؟ هل هذا مبرر لَأن أغمطك حقك، ولا أنزلك قدرك؟ أستغفر الله وأتوب إليه.

سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إمام أهل السنة عن إسحاق بن راهويه وهو إمام من أئمة الحديث، فلما سئل عنه قال الإمام أحمد -مع أنه بين الإمام أحمد وبين إسحاق بن راهويه خلاف في مسائل- قال: لن يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.

فيا أحبابنا! هل نجد في أنفسنا هذه الروح؟ هل نجد في أنفسنا هذه السعة لتحمل شخصية ورأي المخالف؟

هذا للأسف يكاد أن يكون نادراً، ويصبح الاعتدال بين كثير من القضايا المتلاطمة ذات الأطراف المتباينة أمراً عسيراً حينما نحمل مثل هذه النفسية.

أيها الأحبة! إن هذه القضية: وهي عدم تصور الوفاق والاجتماع حتى مع الخلاف في بعض الآراء الاجتهادية والمسائل؛ جعل بعض شبابنا لا يبالي بإخوانه، ولا بقدرهم، ولا بمنزلتهم، ولا بمكانتهم، ولا يغار على أعراضهم، وهذا أمرٌ خطير، فالذي يتقي الله عز وجل، ربما تراه يخالف هذا الشخص، أو هؤلاء الأشخاص في آرائهم، في أفكارهم، لكنه يتقي الله في أعراضهم، ويتقي الله فيهم إذا غابوا، فيذب عنهم إذا حضر مجلساً، ولا يسمح أن يتهموا، أو أن يقال فيهم ما يقال، بسبب ماذا؟ لأن الخلاف ليس بينه وبينهم في عداوة شخصية، بل إنما الأمر يعود إلى دليل واجتماع وفكر ورأي يراه مدعماً، ويرى الآخرين يختلفون فيه، ولكنه لا يوافقهم على ذلك، فخلافه لا يبيح أعراضهم ولا يسقط حقوقهم.

ثم أيها الأحبة قد كثر الخلاف في آخر الزمان، وفي الآونة الأخيرة كثرت المسائل التي اختلف فيها فلان مع فلان، وفلان قال كذا، وفلان قال كذا، ثم أي شرخ من تصدعات الخلاف يفتح علينا شروخاً عديدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والعجيب أننا نرى دولاً تحاربت وتصارعت، ثم اصطلحت واتفقت وتصالحت!

فيا أيها الأحبة! إذا كان هذا على مستوى الدول والأنظمة .. تقاتلت وتحاربت، ثم تصالحت وانتهت، لأجل ماذا؟

لأجل المصالح، أو لأجل القناعة بعدم جدوى العداوة، أفلا يليق بنا أن نصلح ذات بيننا، وأن نضيق هوة الخلاف؟

نعم والله أيها الأحبة، فتجد بعض الشباب يختلفون على قضية ما، ومنشأ خلافهم هو بسبب اختلاف أناس أكبر منهم فيها، اختلاف أنظمة، أو دول، أو فقهاء، وسمها ما شئت، فبعد ذلك يصطلح هؤلاء المختلفون ولا يزال هؤلاء المساكين على شجار وشقاق بينهم.

سبحان الله! أصحاب القضية اتفقوا وانتهوا، وأنت لا تزال ترفع راية الخلاف والنزاع والشجار، هذا يذكر بالطرفة التي تسمعون بها، أو تعرفونها: الرجل الذي كان في محطة القطار، ومعه ثلاثة أو أربعة يأكلون وجبة، ولما سمعوا صوت منبه القطار أخذوا يتراكضون، فركبوا جميعاً إلا واحداً رجع وهو يضحك، قالوا: لماذا تضحك؟ قال: أنا المسافر وهؤلاء أتوا ليودعوني، فالذي جاء يودع ركب القطار وذهب به، وصاحب القضية لا يزال قائماً، يعني: اقلب هذه الطرفة على هذا الواقع وستجد أصحاب القضايا الكبار الذين اختلفوا قد اتفقوا، وانتهى الخلاف فيما بينهم، لكن الذين ورثوا الخلاف لا زالوا يجترونه، ولا يدرون هل اتفق من فوقهم أم لم يتفقوا.

والسبب أن الواحد لا يفكر بعقله وإنما يفكر بعقل غيره، وقد نسي أنه يوم القيامة لن يسأل غيره عنه إلا بما أغواه فيه، أو أضله به، لكن أيضاً المسئولية والمحاسبة فردية، فنسأل الله لنا ولكم البصيرة.

ومن الأمور التي تعين أيها الأحبة: أن يلتفت الواحد إلى الدعاء والإلحاح على الله أن يهديه إلى الحق فيما يختلف فيه الناس، إن النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح دعاء القيام: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السماوات والأرض، رب كل شيءٍ ومليكه، اهدني لما اختلف فيه من الحق، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون).

عدم إلزام الناس بما تراه

إن هذه المسائل التي يختلف فيها الناس لن يسألك الله عز وجل عنها، لماذا لم تتبن هذا الرأي؟ بل بوسعك أن تعرض عن هذا الاختلاف كله، ولن يسألك الله يوم القيامة: لماذا لم تأخذ بهذا الرأي، لا سيما إذا كان لا يتطرق إليك الأمر مباشرةً؟

فالآن تجد بعض الناس يقول: ما رأيك في فلان وعلان؟ تقول: يا أخي! لن يسألني الله عنه يوم القيامة، إن كان صالحاً فالله وليه، وإن كان غير ذلك فحسابه على الله عز وجل، أنا لست ملزماً أن أحمل راية عداوة، أو راية موالاة أو معاداة، يعني: لست مسئولاً أن تعرض عليك قائمة، فيقال: ما رأيك في كل من: 1، 2، 3، 4، 5، 6، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله فيما يذكره الدكتور/ عبد الله الأمين عن سيرة والده في شريط أكرر النصيحة بسماعه اسمه/ العقد الثمين في سيرة الشيخ الأمين، يقول: كان رحمه الله يقول: يا ولدي إن الله لن يسألك يوم القيامة لماذا لم تشتم فرعون؟ فكذلك بعض الشباب ما رأيك في طالبان ؟ ما رأيك في رباني ؟ ما رأيك في حكمتيار ؟ ما رأيك في فلان؟ يا أخي افرض أني ما أعطيت رأياً في هؤلاء جميعاً، لن أمدح هذا، ولن أشتم هذا، ما شققت عن قلوبهم ولا عندي شيء، قد يكونوا قالوا شيئاً يوجب مدحهم أو قدحهم، لكن ما بلغني، أنا غير مسئول عن ذلك.

فيا أخي الحبيب! عليك بما ينفعك، والحذر من المبادرة والمعاجلة بالقول، تجد البعض- سامحه الله وهاده- إذا حصلت نازلة، أو وقعت واقعة تتعلق بآراء وأشخاص وقضايا معينة، لا بد أن يجمع الناس ويلزمهم برأيه، والمسألة فيها سعة عريضة، أنا جذيلها المحكك، وأنا عذيقها المرجب، وأنا ابن بجدتها، وأنا فارس ميدانها، وأنا حذام

وإذا قالت حذام فصدقوها     فإن القول ما قالت حذام

ويريد أن يجمع الناس على رأيه، هذا ليس من حقك يا أخي، الناس لديهم عقول، وتتباين عقولهم في الفهم، والاستنباط، والدلالة، ولولا ذلك ما اختلف أئمة الإسلام، ولما تباينت أحكامهم في ثبوت النصوص والأدلة، ولما تباينت أحكامهم في فهم الدلالات من النصوص والأدلة، فكذلك الاستنتاجات من البشر في قضايا ربما لا تصل إلى أمور العقيدة من حق الناس أن يختلفوا فيها، وإن وقع الخلاف فالحذر أن يكون سبباً في الفراق، الخلاف وارد، لكن أن يكون الخلاف سبباً في السب، أو الشتم، أو الغيبة، أو النميمة، أو إسقاط الحقوق، والتجرؤ على الأعراض، فإن ذلك أمرٌ خطيرٌ أيها الأحبة.

أهمية سؤال أهل العلم عند الالتباس

حينما تجد نفسك ملزماً بأن تقول قولاً وليست لديك الآلة والقدرة والتجربة والمعلومات الكافية، حينئذٍ مثل ما قال الشيخ/ ابن عثيمين : هذا صنفٌ يلزمه السؤال فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] وبعد ذلك إذا رأيت أهل الذكر مختلفين وأنت تقول: أنا لا أدري أميل مع من، أو أقول بقول من، أقول: اعرض هذا الرأي على أقوال أهل الذكر وأحكامهم فهذه مسألة اجتهادية.

أعطيك مثالاً: عرضت مسألة من مسائل سمها ما شئت مثلاً مسألة التأمين، أو مسألة معينة، فأقول لك: رأي هيئة كبار العلماء الشيخ/ ابن باز ، الشيخ/ ابن عثيمين ، الشيخ/ ابن فوزان ، والشيخ/ ابن غديان ، والشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، والشيخ فلان، والشيخ فلان، ورأي المجمع الفقهي، ورأي كثير من علماء الإسلام أن ذلك ممنوع لما فيه من غرر ورهان، أو مقامرة، أو جهالة، ويأتي اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة من العلماء المشهود لهم بالعلم، فيقولون: لا، هذا أمر جائز، تقول: والله أنا عامي أصدق من؟ أقول بقول من؟ أقول: انظر إلى هذا الفريق والجمهور الكبير من العلماء والأئمة والمجتهدين، أظن أن النفس تطمئن إلى الميل إلى قولهم وفتواهم.

وقس على ذلك أي قضية وأي نازلة، إذا كنت مضطراً للكلام فيها، فانظر إلى الجمع الغفير والكم الهائل من العلماء وأئمة الإسلام، فإذا نظرت قولهم في هذه المسألة معيناً، فاتبع ذلك القول المعين، وستجد أنك بإذن الله عز وجل أمام الله بمعذرة، لأنك نظرت إلى هذه المسألة فلم تستطع أن تقول فيها بقول أو باجتهاد من عندك، لأنك قاصر عن الاجتهاد، ثم نظرت إلى من حولك، فوجدت مائة يقولون بهذا القول، وخمسة أو عشرة يقولون بالقول الآخر، فقل بقول هؤلاء المائة، ولا يضيرك عند الله أن تقول: قلت بقول هؤلاء، بل هذا في أمور الدنيا، الآن الواحد لو أراد أن يستشير في علاج أو دواء معين، وقال: ما رأيكم؟ يسأل هيئة استشارية طبية، ويقول: ما رأيكم في استعمال هذا الدواء؟ فتقول له هذه الهيئة: مائة طبيب ينصحونك بعدم تناوله، وخمسة أطباء ينصحونك بتناوله، فهل من العقل أنك سترمي بقول مائة طبيب عرض الحائط، ثم تأخذ بقول هؤلاء الخمسة؟ هذا في بدنك وصحتك، ستأخذ بقول من توافرت عقولهم وأقوالهم بهذا، فكذلك من باب أولى في دينك ودنياك ومعادك.

مسألةٌ تتفرع عن هذه القضية -وهي من المفاهيم الخاطئة-: يظن بعض من يسمع بمثل هذه القضايا أن من واجبه أن يتحيز لأحد الفريقين، وأن يتعصب، لا أبداً هذه مسألة لن يسألك الله عز وجل عنها يوم القيامة، أنت ما تتفرج على حلبة مصارعة، يلزمك أن تشجع فلاناً ضد فلان، وفلاناً ضد فلان، ولا يمكن أن تضرب هذه القضايا الخلافية بحلبات المصارعة، بل إذا أردت أن تتدخل في هذه القضية فليكن تدخلك من منطلق قول الله عز وجل: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] إذا وجدت هذا الخلاف قد أفسد ذات البين، وأردت أن تتكلم، فلا تزد النار وقوداً، وإنما اجعل كلامك باباً للتوفيق والتقريب في إصلاح ذات البين بإذن الله عز وجل.

فلا يلزمك حينما تسمع بفرقة، أو فتنة، أو اختلاف أن تتحيز لأحد أطرافه إلا إذا رأيت أن الحق الواضح البين مع فريق قد ذهب جمهور العلماء والثقات والأثبات والكبار إليه، فحينئذٍ لك أن تميل، وأن تطمئن إلى هذا القول، وأن تعمل به، وليس ذلك بغريب بإذن الله عز وجل.

كيفية اختيار مجالات العلم والدعوة

مسألة أخرى: ستجد حينما تقع مثل هذه القضايا ردوداً ومرادات ونحو ذلك، تجد بعض الشباب لا شغل له إلا دراسة الردود والقيل والقال، حسناً اسأله أولاً عن تأسيس علمه، كيف أسس علمه في الفقه؟ كيف أسس علمه في المصطلح؟ كيف أسس علمه في العقيدة؟ كيف أسس علمه في اللغة؟ كيف أسس علمه في القواعد الشرعية الفقهية وأصول الفقه؟ لا تجد عنده تأسيساً، لكنه يريد أن يشتغل برد فلان على فلان، وقال فلان على فلان، وأشغل حياته بذلك، مع أن نقل الردود ما يسعف عن الله عز وجل، ولئن تلقى الله يوم القيامة وأنت لا تعرف رداً على هؤلاء المختلفين، أو لم تسق رداً بينهم، لن يحاسبك الله على ذلك، لكن ينفعك عند الله عز وجل أن تكون قد أسست علماً رصيناً متيناً مكيناً في العقيدة، والتوحيد، والعبادة، والفقه، واللغة، والمصطلح.

فأسأل الله عز وجل أن يؤلف قلوبنا، وأن يهدينا إلى الصواب.

كذلك من المفاهيم التي أدركتها ولاحظتها وربما يقع بعض الشباب فيها: التهوين من شأن بعض المجالات، وعدم الالتفات إليها، والقول بالتركيز على مجالات معينة.

هذا ليس بصحيح، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، فلماذا تهون من شأنه، تريد أن تثبطني حتى أتركه، فلا أعمل، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، قد تكون أنت قادراً على مجالات عديدة في الدعوة مثلاً، لكنني أنا لا أستطيع أن أحسن من الدعوة إلا مجالاً واحداً، فلماذا تهون من شأنه؟ بل إذا وجدتني على ثغرة قد عضضت بالنواجذ عليها، فأعني وثبتني واشكرني وأيدني، فإن لم يكن ذلك عندك.

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ     فليسعف النطق إن لم تسعد الحالُ

إذا لم تستطع أن تدعمني وتؤيدني على هذا المجال الذي أنا فيه بكلمة طيبة، فإن بخلت وعجزت بكلمة طيبة (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

أنا أضرب مثالاً من الواقع: شاب يقول لآخر: لماذا تعمل في مكاتب هذه الجالية؟ ليسوا غير هنود رائحين وهنود قادمين وطالعين ونازلين!

وهل دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أمر هين؟

مثلاً بعض الشباب يرى في باله أنه لو استطاع أن يكبس أو يكتشف أو يداهم شبكة دعارة أن ذلك هو أخطر وأهم وأكبر مجال يستطيع أن ينصر فيه الدعوة إلى الله جل وعلا، لكن أن يسلم على يده هندي، أو هندوسي، أو بوذي، أو وثني، أو نصراني، أو يهودي، هذا مسألة لا تقوم ولا تقعد عنده، لا يا أخي هؤلاء على ضلالهم ودعارتهم على سبيل المثال لا يزالون مسلمين، وهم فساق وعصاة ومرتكبو كبيرة، لكن هذا ترك الكفر إلى الإسلام،كان يسجد للصليب، فأصبح يسجد لله، كان يخضع للأوثان، فأصبح يخضع لله عز وجل، فلماذا تهون من هذا المجال؟

يعني: لا بد أن نؤمن بقدرات وإمكانيات وتخصصات كل في مجاله، بل هذا يدعو إلى النظر في فقه الأولويات والاهتمام به، هل يستطع أحد أن يقول: إن الاهتمام بإنكار منكر أعظم وأجلّ وأعلى قدراً من دخول كافرٍ في الإسلام؟ طبعاً لا، لكن هذا لا يعني أن الذي يعمل في الجاليات يثرب على أهل الهيئات والحسبة الذين يطاردون أهل الكبائر والمنكرات، بل أولئك على ثغر، وأنت على ثغر، وهذا الذي يتربى عند العلماء في حلق العلم على ثغر، وهذا الذي يعمل في الأعمال الخيرية على ثغر، وهذا الذي يعمل في كفالة الأيتام على ثغر، وهذا الذي يدعو في السجون على ثغر، وهذا الذي يخالط الشباب ويدعوهم ويكلمهم ويدعوهم بلغتهم والمستوى الذي يفهمونه على ثغر، وكلٌ على ثغر، فإياك أن تهون من شأن مجال يعمل فيه واحد من إخوانك.

ليس هذا- كما قلت- بدعوة إلى أن يجتمع الناس في مجلس واحد، وهو أيضاً تحذيرٌ من أن يهون بعضنا من مجال يشتغل فيه البعض الآخر، إنما من واجبا أن نحترم القدرات والمهارات، وأن نوظف الطاقات كلٌ في المجال الذي يصلح له بإذن الله سبحانه وتعالى.

انصراف الناس عن العمل والدعوة

أيها الأحبة! أعود لأقول مذكراً بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر : (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).

أذكر كما علمت أن أحد الإخوة خطب خطبة جمعة، وبعد الجمعة قال: أيها الأحبة -في مسجد لا يقل عدد المصلين فيه عن ثلاثة آلاف مصلٍّ أغلبهم من الشباب- إننا نفتح مجال المشاركة والمساهمة معنا في مكتب الدعوة وتوعية الجاليات في شعبة متابعة المسلم الجديد، فنريد من يعمل أو يتابع معنا، فلم يتقدم إلا ثلاثة من ثلاثة آلاف، نحلل هذه الظاهرة: إما أن يكون الجميع مشغولين بالدعوة كل واحد منهم في مجال آخر، هذا يعمل في تحفيظ القرآن، وهذا تجويد، وإما أن يكون هؤلاء الثلاثة الآلاف بعد أن نخرج منهم ألفاً هم كبار في السن، ويبقى ألفان إما أن يكونوا مشغولين فعلاً بمجالات الدعوة، ليس لديهم وقت فراغ يعملون، أو أن يكون هؤلاء لم يهتموا بالعمل في الدعوة إلى الله عز وجل، وهذه مسألة خطيرة!

لو كان الثلاثة الآلاف هؤلاء كلهم يعملون في الدعوة، لرأيت أمراً آخر.

إذاً الواقع أيها الأحبة: لم تعد عندنا تلك الحرقة، وذاك الحماس، وتلك الإيجابية، وذلك التعاون والتخطيط والترتيب، وتلك المتابعة من أجل تحقيق عمل دعوي، أعرف في حي من الأحياء أحد الإخوة على ثغر دعوي، جندي مجهول، ماذا عنده؟ يعلم أطفالاً كتاب الله عز وجل و(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ويأخذهم في كل أسبوع في رحلة يقرأ عليهم من الأحاديث،ويشرح لهم، ويلعب معهم الكرة، ويعطيهم الجوائز، وهو على هذا العمل سنين مستمر عليه، يا ليت كل واحد يأخذ له مجالاً دعوياً، ويعمل فيه! لكن للأسف إلى الآن ما تحركت هذه القضية في قلوبنا الحركة المناسبة، أو بالقدر المطلوب.

العجيب الذي يقع: أن ترى من بعض الشباب حينما يقع الخلاف أنهم يتدابرون ويتقاطعون، ويغتاب بعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم في عرض بعض، وربما أصبح هذا البر الطيب المبارك الخير يتكلم في عرض آخر مثله، وله مثل هذه الصفات، ولا يتكلم في عرض فاسق أو فاجر، وليست هذه دعوة إلى الكلام بأعراض الفساق والفجار أبداً، إنما هي دعوة إلى العمل، الكلام يا أحباب لا ينتج ولا يقدم شيئاً، نريد عملاً جاداً يفضي إلى تحقيق نتائج ترد عباد الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له، إن الله عز وجل قال: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119] لكن الله سبحانه وتعالى نهى عن التفرق، فالخلاف ممكن، والتفرق ممنوع وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].. وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].. إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159] فالخلاف وارد، ولا يمكن في مسألة اجتهادية أني ألزمك برأيي، ولا يمكنك أنت أنك تلزمني برأيك، إذا كان الخلاف سائغاً، وفي مسائل لا ترتبط بمصير أمة، أو بمصلحة مجتمع بالكامل، أما إذا كانت هذه المسألة التي اختلف فيها المختلفون مرتبطة بمصير أمة، أو بقضية استراتيجية كقضية أمن، فحينئذٍ نرجع إلى عالم قد تعلقت الأمة برقبته، وأصبح قوله وفتواه بمنزلة حكم الحاكم الذي يرفع الخلاف، وإذا أمر ولي الأمر بلزوم قول هذا المفتي، لزمنا جميعاً أن نعمل به، وكلٌ يحمل في قلبه ما يعتقد.

أيها الأحبة! يقول يونس بن عبد الأعلى المصري الشافعي رحمه الله: ما رأيت أعقل من محمد بن إدريس الشافعي -الإمام الشافعي رحمه الله- اختلفت معه في مسائل كثيرة فتفرقنا، يعني: ما اتفقنا عليها، فلقيني ذات يوم وأخذ بيدي وقال: يا أبا عبد الله ألا يستقيم أن نكون إخوة وإن لم نتفق في مسألة.

اليوم الواقع في الحقيقة يندى له الجبين، أن تجد هذا ملتحياً، وهذا ملتحياً، وهذا يتبع السنة، وهذا يتبع السنة، وهذا على خير، وهذا على خير، وربما بينهم من الفرقة والخلاف ما يجعل بعضهم لا يلقي السلام على صاحبه، ولا يشمِّته، ولا يعوده في مرضه، وربما لا يتبع جنازته، وربما أسقط حقوقه وأهدر واجبات له، وربما احتقره (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) ولم هذا كله؟

لأنه اختلف معه، وهل الخلاف مبرر لأن نقع في هذا الأمر؟ هل هذا مبرر لَأن أغمطك حقك، ولا أنزلك قدرك؟ أستغفر الله وأتوب إليه.

سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إمام أهل السنة عن إسحاق بن راهويه وهو إمام من أئمة الحديث، فلما سئل عنه قال الإمام أحمد -مع أنه بين الإمام أحمد وبين إسحاق بن راهويه خلاف في مسائل- قال: لن يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.

فيا أحبابنا! هل نجد في أنفسنا هذه الروح؟ هل نجد في أنفسنا هذه السعة لتحمل شخصية ورأي المخالف؟

هذا للأسف يكاد أن يكون نادراً، ويصبح الاعتدال بين كثير من القضايا المتلاطمة ذات الأطراف المتباينة أمراً عسيراً حينما نحمل مثل هذه النفسية.

أيها الأحبة! إن هذه القضية: وهي عدم تصور الوفاق والاجتماع حتى مع الخلاف في بعض الآراء الاجتهادية والمسائل؛ جعل بعض شبابنا لا يبالي بإخوانه، ولا بقدرهم، ولا بمنزلتهم، ولا بمكانتهم، ولا يغار على أعراضهم، وهذا أمرٌ خطير، فالذي يتقي الله عز وجل، ربما تراه يخالف هذا الشخص، أو هؤلاء الأشخاص في آرائهم، في أفكارهم، لكنه يتقي الله في أعراضهم، ويتقي الله فيهم إذا غابوا، فيذب عنهم إذا حضر مجلساً، ولا يسمح أن يتهموا، أو أن يقال فيهم ما يقال، بسبب ماذا؟ لأن الخلاف ليس بينه وبينهم في عداوة شخصية، بل إنما الأمر يعود إلى دليل واجتماع وفكر ورأي يراه مدعماً، ويرى الآخرين يختلفون فيه، ولكنه لا يوافقهم على ذلك، فخلافه لا يبيح أعراضهم ولا يسقط حقوقهم.

ثم أيها الأحبة قد كثر الخلاف في آخر الزمان، وفي الآونة الأخيرة كثرت المسائل التي اختلف فيها فلان مع فلان، وفلان قال كذا، وفلان قال كذا، ثم أي شرخ من تصدعات الخلاف يفتح علينا شروخاً عديدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والعجيب أننا نرى دولاً تحاربت وتصارعت، ثم اصطلحت واتفقت وتصالحت!

فيا أيها الأحبة! إذا كان هذا على مستوى الدول والأنظمة .. تقاتلت وتحاربت، ثم تصالحت وانتهت، لأجل ماذا؟

لأجل المصالح، أو لأجل القناعة بعدم جدوى العداوة، أفلا يليق بنا أن نصلح ذات بيننا، وأن نضيق هوة الخلاف؟

نعم والله أيها الأحبة، فتجد بعض الشباب يختلفون على قضية ما، ومنشأ خلافهم هو بسبب اختلاف أناس أكبر منهم فيها، اختلاف أنظمة، أو دول، أو فقهاء، وسمها ما شئت، فبعد ذلك يصطلح هؤلاء المختلفون ولا يزال هؤلاء المساكين على شجار وشقاق بينهم.

سبحان الله! أصحاب القضية اتفقوا وانتهوا، وأنت لا تزال ترفع راية الخلاف والنزاع والشجار، هذا يذكر بالطرفة التي تسمعون بها، أو تعرفونها: الرجل الذي كان في محطة القطار، ومعه ثلاثة أو أربعة يأكلون وجبة، ولما سمعوا صوت منبه القطار أخذوا يتراكضون، فركبوا جميعاً إلا واحداً رجع وهو يضحك، قالوا: لماذا تضحك؟ قال: أنا المسافر وهؤلاء أتوا ليودعوني، فالذي جاء يودع ركب القطار وذهب به، وصاحب القضية لا يزال قائماً، يعني: اقلب هذه الطرفة على هذا الواقع وستجد أصحاب القضايا الكبار الذين اختلفوا قد اتفقوا، وانتهى الخلاف فيما بينهم، لكن الذين ورثوا الخلاف لا زالوا يجترونه، ولا يدرون هل اتفق من فوقهم أم لم يتفقوا.

والسبب أن الواحد لا يفكر بعقله وإنما يفكر بعقل غيره، وقد نسي أنه يوم القيامة لن يسأل غيره عنه إلا بما أغواه فيه، أو أضله به، لكن أيضاً المسئولية والمحاسبة فردية، فنسأل الله لنا ولكم البصيرة.

ومن الأمور التي تعين أيها الأحبة: أن يلتفت الواحد إلى الدعاء والإلحاح على الله أن يهديه إلى الحق فيما يختلف فيه الناس، إن النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح دعاء القيام: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السماوات والأرض، رب كل شيءٍ ومليكه، اهدني لما اختلف فيه من الحق، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2799 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2648 استماع
توديع العام المنصرم 2643 استماع
حقوق ولاة الأمر 2626 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2548 استماع
من هنا نبدأ 2492 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2457 استماع
أنواع الجلساء 2456 استماع
إلى الله المشتكى 2432 استماع
الغفلة في حياة الناس 2432 استماع