تلبيس إبليس


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي ستر القبيح، وأظهر الجميل، الحمد الله الذي جَمَّلنا بستره، وشرَّفنا بذكره.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: لقد أثنى فضيلة الشيخ -أحسن الله له المثوبة والجزاء فيما قدَّم- وإنه قد ذكر كثيراً مما لستُ بكفءٍ له؛ ولكن كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: [اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني فوق ما يظنون] بمنِّه وكرمه.

إلهي لا تعذبني فإنـي     مقر بالذي قد كان مني

يظن الناس بي خيراً وإني     لشر الناس إن لم تعفُ عني

أيها الأحبة في الله: يا أهل ساجر ! ويا أهل المدن المحيطة بها! ويا أهل منطقة السر عامة! أحمد الله إليكم أن جمعنا بكم في روضة من رياض الجنة، ووالله لقد أحببناكم في الله قبل أن نراكم، وازددنا لكم حباً بعد لقياكم.

وقبل أن أدخل في موضوع هذه المحاضرة: لقد صلينا -كما ذكر فضيلة الشيخ آنفاً- على جنازة رجل أثني عليه خيراً، ولما سمعتم بشيءٍ من ذكره رفعتم الصوت بالدعاء له، فأسأل الله جلَّ وعَلا أن يجعلنا وإياكم ممن يُثنى عليه بعد موته خيراً.

المرء يفرح بالحياة     وطول عيش قد يضرُّه

تفنى بشاشتُه ويبقـى     بعد حلو العيش مرُّه

وتسوؤه الأيام حتـى     ما يرى شيئاً يسرُّه

كم شامتٍ بي إذْ هلكتُ     وقائل لله درُّه

أيها الأحبة في الله: والله لقد غبطتُ صاحب الجنازة لما سألتُ أخي/ (مطلق) عنه، فقال: إنه من أهل هذه المنطقة، ومن كبار السن، فهنيئاً له، وأسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجمعنا به في بحبوحة جنته.

أيها الإخوة: من منكم يجد ضماناً أن يُمتَّع بقية عمره على الإسلام ما غيَّر ولا بدَّل؛ لكنكم صليتم على جنازة واحد من إخوانكم أو من آبائكم، هنيئاً له مات على التوحيد، ونحن وإياكم على خطر مواجهة هذه المغريات، وهذه المفسدات، وهذه الملهيات، التي لا يزال كثير من شبابنا وأبنائنا وبناتنا على خطر من الوقوع في مغبة آثامها وشرورها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

أيها الأحبة: ما من مشهد إلا والقبر أفظع منه، وما من مصيبة إلا والموت أعلى المصائب فيها:

يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرُقْنَ أسحارا

***

تزوَّد من الدنيا فإنك لا تدري     إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ!

فكم من عروس زيَّنوها لزوجها     وقد نُسجت أكفانها وهي لا تدري!

وكم من صغار يُرتجى طول عمرهـمُ     وقد أدخلت أجسادُهم ظلمة القبرِ!

وقول الله أبلغ حيث قال جل وعلا: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً [الزمر:42].

وقول الله أبلغ حيث قال: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78].

وقول الله أبلغ! إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

واللهِ -أيها الأحبة- ليأتينَّ عليَّ وعليكم يومٌ يُصلى علينا كما صلينا على هذه الجنازة، وليأتينَّ عليَّ وعليكم يومٌ نغسَّل كما غُسلت هذه الجنازة، وليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم تُخلع منا ثيابنا وقد لبسناها بأيدينا.

واللهِ ليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم نُحمل على أكتاف الرجال، وقد كنا نحمل الجنائز على أكتافنا.

واللهِ ليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم نوضَع فيه في القبر، ويُحكم علينا اللحد، ويُسد باللبِن، ويُهال علينا التراب...

فأين الملجأ وأين المنجى؟! وأين المعين وأين النصير؟! إلا الله جلَّ وعَلا.

فيا عباد الله: الرجوع.. الرجوع إلى الله، والتوبة.. التوبة.. قبل أن نوضع في ظلمة اللحود، وتُحكم السدود، ويُهال التراب، ونفارق الأحباب، ولا نجد أحداً من الأصحاب أبداً.

يا شاباً ما زال يستمع الغناء في لهوه!

يا رجلاً ما زال منشغلاً بالربا والحرام!

يا رجلاً ما زال مغرقاً في قطيعة رحمه، وعقوق والدَيه!

يا رجلاً منتهكاً لحرمات الله، متعدياً على أسرار البيوت، ومنتهكاً لحرماتها وأستارها!

اتق الله قبل أن يأتي هذا اليوم الذي لا منجى فيه ولا ملجأ من الله إلا إليه.

يا غافلاً عن العمـلْ     وغرَّه طول الأملْ

الموت يأتي بغتةً     والقبر صندوق العملْ

وكم من أناس قد رأينا نعيمهم .. كم من أناس رأينا عبثهم ولهوهم وتبجحهم وعنادهم، وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليسمعوا قوله، وليهتدوا بهديه، وليستنوا بسنته رأيت بعضهم يصد عنك صدوداً، فإذا انصرفت عن بعضهم قال بعضهم لبعضٍ: مَاذَا قَالَ آنِفاً [محمد:16]؟!

أيها الأحبة في الله: واللهِ إن هذا المصير الذي سنواجهه لن ينفعنا فيه أب حبيب، ولا صديق ولا قريب، ولا محب ولا لبيب، ولن يغني في دفع الموت صيدلي أو طبيب، ولا يدفع عنك الألم إلا رحمة رب السماوات والأرض، ولا يدفع عنك النقم إلا من سجدتَ له، وخضعت له، وتبت لوجهه، وتركت المعصية خوفاً من عذابه وطمعاً في ثوابه.

والآن أنت بالخيار، المهلة بين يديك، أنت لا تزال في زمن المهلة، فإن شئت فانبذ ما عندك من أشرطة اللهو، ومجلات الفساد، وصُحبة السوء، وما زُيِّن لك وزُخرف من المعاصي والملاهي، وإن شئت فامضِ على ما أنت عليه، وقريباً قريباً: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6-7] قريباً قريباً يمر بالإنسان ما كان يخشاه.

اسألوا أهل السبعين سنة: كيف ينظر إلى ما مضى من عمره؟ كأنها ليلة ماضية.

اسألوا أهل الخمسين عاماً: كيف ينظرون ما مضى من عمرهم؟ كأنها ساعة من نهار.

مرت سنون بالوصال وبالهـنا     فكأنها من قصرها أيامُ

ثم انثنت أيام هجر بعدها     فكأنها من طولها أعوامُ

ثم انقضت تلك السنون     وأهلها فكأنها وكأنهم أحلامُ

***

أين نمرود وكنعان ومن     عَمَرَ الدنيا وولَّى وعزلْ

أتى على الكل أمر لا مردَّ لـه     حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

لكل شيء إذا ما تَمَّ نقصـانُ     فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسانُ

لا تغرنكم المزارع .. ولا تغرنكم الصوامع .. ولا تغرنكم البِيَع .. ولا تغرنكم الضِّياع .. ولا تغرنكم الأنهار .. ولا يغرنكم هذا كله، قريباً يُنقل الناس من القصور إلى القبور، ومن النور إلى الظلمة، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الجليس إلى دار ليس بها أنيس. فاعتبروا!

الآن الجنازة تُدفن! الآن الجنازة يُحكم عليها اللبِن! الآن الجنازة توضع في اللحد! وسيأتي عليك يوم يتهلهل التراب على وجهك، وأنت في وسط اللحد وظلمته، وفي وسط القبر وكربته, وفي هول المطلع وشدته.

هاه.. من الذي يبيت معك في القبر ليلة؟!

أين أعز صديق؟!

واللهِ لو كان الناس في الدنيا بعضُهم يغني لبعض شيئاً لبات مع الملوك في قبورهم خادماً، ولبات مع الأثرياء في قبورهم مالاً، ولبات مع الذين أمروا ونهوا معهم في قبورهم من يؤانسهم؛ لكن -والله- لو أُتي بأحب الخلق وقيل له: بِتْ مع هذا الحبيب أو الثري أو الأمير أو الوزير أو الحقير أو الملك أو الصغير أو الكبير، بِتْ معه في قبره ليلة، واللهِ لا يبيت معه، لا أبٌ ينفع ولا أم، وأشد من هذا أهوال يوم القيامة: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:25-37] .

يا إخوان! يا أحباب! تفكروا في مصير الدنيا التي أنتم ونحن معكم ربما غفلنا، واغتررنا بها، وركنا إليها.

وافتكر في منتهى حسن الذي     أنت تهواه تجد أمراً جَلل

انظر إلى أعظم شيء تتمناه، تفكر في خاتمته وآخرته.

وافتكر في منتهى حسن الذي     أنت تهواه تجد أمراً جَلل

في منتهى: في آخر.

تفكر في الماء العذب الزلال الذي تتمنى شرابه، يتحول إلى بول لا يسرك سماعه.

انظر إلى اللقمة الهنية الشهية اللذيذة التي تأكلها، وتقبل عليها نَهِماً، تقلبها بلسانك، تمضغها بأسنانك!

انظر منتهاها كيف يخرج من جوفك برازاً وغائطاً وعَذِرة تنصرف بوجهك وأنفك عنها.

انظر إلى الجمال الذي تشتاق إليه! كيف تعبث به السنون، ثم يبقى بعد ذلك شيئاً ذابلاً خاملاً لا نضرة فيه أبداً.

وبعد ذلك هذا البدن الذي تعلق به من تعلق يُدفن في التراب، فيدخل الدود مع العين ويخرج من الأذن، ويعبث باللسان الذي طالما تكلَّم وجادل بالباطل، ويدخل الدود في العين التي طالما سهرت أياماً وليالي على الأفلام والمسلسلات، ويخرج مع الأذن التي طالما سمعت آلات اللهو وأنواع الغناء، ويدخل في كل جوف وجزء وقطعة من شعرك وبدنك.

تأملوا هذه النهاية، وتدبروا هذا المصير!

وإذا عرفنا ذلك أدركنا أن الدنيا حقيرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه : (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر).

إذا تأملنا حقيقة الدنيا، فهي سجن المؤمنين؛ لأن ما ينتظرك -أيها المسلم- فيما عند الله من النعيم بالنسبة لما تراه الآن في الدنيا تعتبر دنياك حبساً، والجنة هي التي تنتقل إليها، والنعيم هو الذي تنتقل إليه، والحرية هي الدار التي تنتقل إليها.

وهذه الدنيا جنة الكافر، حتى وإن أطلق بصره، وأطلق فرجه، وأطلق لسانه، وأطلق سمعه في الحرام؛ لأن دنياه هذه بالنسبة لما ينتظره من العذاب في القبور، ومن العذاب في الآخرة، تعتبر بالنسبة لهم هذه جنةٌ؛ لأن ما ينتظره من بلاء ومصائب أعظم مما يخطر على البال.

في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ما لا عين رأت من النعيم، ولا أذن سمعت عن النعيم، ولا خطر على قلب بشر من النعيم.

وفي الآخرة ما لا عين رأت من العذاب، ولا أذن سمعت من العذاب، ولا خطر على قلب بشر من العذاب.

فهل نستعد؟! هل نستجيب؟! هل نعود إلى الله؟!

هذه الدنيا التي تعلقنا بها:

اجتماعنا فيها نهايته الفراق.

وصحتنا فيها يكدرها الآلام والأمراض والأسقام.

والغنى فيها مَخُوف بألوان الفقر.

والعزة فيها كلما سمع الناس صولة دولة على دولة، وجولة باغٍ على آخرين خافت الناس خشية من تحوُّل الأوضاع من عز إلى ذل، ومن أمن إلى فزع، ومن طمأنينة إلى خوف.

إذاً: هذه الدنيا ليست للأبرار مقراً، حتى وليست للفجار مقراً؛ لكن الأبرار يمرون فيها إلى دار النعيم، والفجار يمرون بها إلى مقر الجحيم.

فيا أحبابنا .. إذا تأملنا ذلك عرفنا أن دنيانا ما هي إلا مزرعة، نزرع فيها الأعمال الصالحة، ونبذر غراس الأعمال النافعة، حتى نجني يوم القيامة.

ومن زرع البذور وما سقاهـا     تأوَّه نادماً يوم الحصاد

أيها الأحبة في الله: ما دام هذا شأن الدنيا، وهذا مصيرها، وهذه أحوالها، وبعدها أهوالها، فإن من خير ما ينفعنا ويسرنا وينجينا أن نجعل الدنيا مزرعةً للدعوة إلى الله جلَّ وعَلا، نريد العمل الذي يعطينا الحسنات الكثيرة في الأيام القصيرة.

لو أن عندك مائة ألف ريال، وأردت أن تستثمرها، فقال لك أحد أصدقائك: أعطني هذا المال وأعطيك أرباحه بعد سنتين، تقول: لا. السنتان طويلة، وما هي الأرباح؟! (10%) أو (20%)، تقول: لا. هذا مشروع فاشل، (20%) والأرباح بعد سنتين؟! هذا مشروع فاشل، فإذا قال لك آخر: أرباحه بعد ستة أشهر، والمكسب (100%) تقول: نعم. أنت المستثمر الناجح، وأنت التاجر الماهر الذي حريٌّ أن نعطيه المال، فيستثمره لنا، وينفعنا باستثماره وتحريكه.

أقول لكم يا تجار الآخرة! أقول لكم يا معاشر الموحدين! أقول لكم يا أحبابنا أجمعين: تعالوا معي لنتعرف على تجارة أرباحها كثيرة، ومدة دورة رأس المال فيها قصيرة، ما هي؟! الدعوة إلى الله جلَّ وعَلا.

قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وقال جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

وقال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

من دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة.

لو قام أحدكم الآن وتكلم بيننا، وقال: أيها الناس: تصدقوا، واتقوا، وتقربوا إلى الله، فإن في يوغسلافيا إخواناً لكم محتاجين لمساعدةً؛ لأنهم يُقَتَّلون ويُشَرَّدون على أيدي الصربيين الكفار النصارى الأرثوذكس، فقمتم أنتم وتبرعتم وجمعتم على الأبواب مائة ألف ريال مثلاً، كتب الله في ميزان هذا الذي تكلم أجراً يعادل صدقة مائة ألف ريال، مع أنه ربما لم يتبرع إلا بريال واحد؛ لكنه دعا إلى الخير، فكان له مثل أجره.

ما دامت الدنيا حقيرة، والأيام قصيرة، وبحاجة إلى متاجرة لحسنات كثيرة فإن الدعوة إلى الله من خير ما ينفعنا.

ولكن -أيها الأحباب- وجدتُ من خلال اطلاعٍ وتجربةٍ واستقراءٍ؛ وجدتُ كثيراً من الناس يحبون الدعوة إلى الله، ويحبون الخير، ويحبون الدعاة إلى الله؛ ولكن الشيطان يلبِّس عليهم، الشيطان يخوفهم، وذلك هو: (تلبيس إبليس) الذي هو موضوع محاضرتنا اليوم.

تلبيس إبليس لنا ولكم في أمر الدعوة إلى الله جلَّ وعَلا.

بماذا يلبِّس الشيطان علينا؟

أولاً: ما هو التلبيس؟

التلبيس هو: التخليط، وخلط قليل من الحق -الذي يُراد به الباطل- مع كثير من الباطل الذي يُراد به الضلالة، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [آل عمران:71] لماذا تخلطون الحق مع الباطل؟!

إذاً: إذا عرفنا هذا التلبيس، الذي يأتي الشيطان فيه، فيعرض عليك قليلاً من الحق الذي يريد به الباطل، وقد لبَّسه ثوباً من الباطل.

أرأيت أصحاب المخدرات الذي يأتي أحدهم بمجموعة من الحبوب، أو مجموعة من النباتات الضارة السامة، ثم يلبِّسها بقليل من أوراق الشجر، أو يلبسها بقليل من السكر، فيظن من رآها أنها حلوة، وهي في باطنها سامة قاتلة.

فكذلك تلبيس إبليس، يلبِّس عليك كثيراً من الباطل بطبقة شفافة رقيقة من الحق الذي أراد به الباطل، ومن ثَمَّ تنصرف عن الدعوة، وتخاف من الدعوة، ويُصيبك الجبن، ويقتلك الذعر، ويصيبك الهلع، ويقيدك الجزع، فترى الخير ولا تدعو إليه، وترى المعروف ولا تشارك فيه، وترى المنكر ولا تنكره؛ لأن الشيطان لبَّس عليك، قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] تلبيس من؟

إنه تلبيس إبليس.

من هو إبليس؟

إبليس هو: الشيطان الذي قال الله فيه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

الشيطان الذي نهانا الله عن وسوسته وخطواته، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168].

الشيطان يلبِّس عليكم، يعِدُكم بالفقر، ويأمركم بالفحشاء، ويخوفكم بالذين من دونه، وإذا همَّ أحدكم بفعل خير، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، جاء الشيطان يخوِّفه, وهذا من تلبيس إبليس، الشيطان يقعد بك عن كل خير، ويفتح لك باب كل شر.

هل رأيتم يوماً من الأيام رجلاً يُجَرُّ في الشارع بحبل، فنقول: هذا الشيطان يجر فلانََ بن فلان؟!

لا. الشيطان ليس معه حبال يجر بها الناس، والشيطان ليس معه عِصِي يضرب بها الناس، وليس عنده مشانق يشنق بها الناس، والشيطان ليس عنده مسدسات يقتل بها الناس.

لكن شأن الشيطان كما قال الله جلَّ وعَلا: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22] الشيطان زعيم المجرمين يقف يوم القيامة في جهنم خطيباً يحاضر أولياءه، حزبَ الشيطان، أصحابَ السعير، الذين يدعوهم: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

يقف خطيباً ويقول: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [إبراهيم:22] يعترف بأن الله وعد عداً حقاً، كما قال تعالى في سورة الأعراف: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44].

نعم. الشيطان يعترف بأن وعد الله حق: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22] الشيطان يعترف ويقول لجماعته وأتباعه: إني وعدتكم فأخلفتكم.

وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22] أنا دعوتكم فأتيتم، عرضتُ شريط أغنية فسمعتموه، عرضتُ فيلماً فنظرتم إليه، عرضتُ مجلة فقلَّبتموها واقتنيتموها، عرضتُ أسهماً ربوية فبادرتم إليها وساهمتم فيها وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] ما عندي عصا أضربكم بها، ما عندي حبال أشنقكم بها .. إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22].

إن أهل الباطل في النار يلعن بعضُهم بعضاً: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [فصلت:29] يقول أهل النار: يا رب! أين الذين أضَلُّونا؟!

أين دعاة العلمانية؟!

أين دعاة الباطل؟!

أين دعاة التغريب؟!

أين الذين يدعون إلى تبرج المرأة؟!

أين الذين دَعَونا إلى اختلاط المرأة في الوظائف والتعليم؟!

أين الذين قالوا: إن الربا حلال؟!

أين الذين قالوا: إن الملاهي لا حرج فيها؟!

أين؟! أين؟! أين؟!

أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [فصلت:29] حوار، ومخاصمات وشجار، ولِجاج وكلام، ومناظرات طويلة في النار بين أهل النار إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:166-167] وبعد ذلك؟ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167].

هذا شأن أهل الباطل الذين زيَّن لهم الشيطان، ولبَّس عليهم فأطاعوه، وكانوا أعواناً لجنده، وأعوانِ الشيطان من شياطين الجن والإنس.

ويا إخواني .. يا أحبابي! أخاطب في هذا المسجد المبارك كلَّ واحد فيكم أيَّاً كان عليه ذنبٌ من الذنوب، أو مقصِّراً، أو عابداً، أو تقياً، أو يعلم أن عليه ملاحظات في نفسه، أخاطب كل حبيب من أحبابي، حتى ولو كان عليه علامات التقصير.

أقول: يا أخي الحبيب: إياك أن تجعل الشيطان يحول بين عقلك وقلبك وبين ما أقول لك الآن، صارح نفسك، واسمع الفائدة، واسمع النصيحة، قبل أن يأتي وقت العَتَب، كما يقول الشيطان: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22] أي: أنا لا أنقذكم وأنتم لا تنقذونني.

أحبابنا! إخواننا! كيف يلبِّس الشيطان علينا حتى يجعلنا نتقاعس عن الدعوة إلى الله، ونتكاسل عن المشاركة في الأمر بما يرضي الله؟!

كيف يلبِّس الشيطان علينا ليدعونا إلى عدم إنكار المنكر، وإلى عدم الأمر بالمعروف؟!

بل وأعظم من ذلك: كيف يلبِّس الشيطان علينا ليقول بعضُنا لبعض: انظر إلى هؤلاء المَطاوِعة! انظر إلى هؤلاء الدعاة! انظر إلى هؤلاء الذين؟!

هؤلاء الذين ماذا؟!

هل نافستهم في روضة المسجد؟!

هل نافستهم في حفظ القرآن؟!

هل نافستهم في قيام الليل؟!

هل نافستهم في صيام الإثنين والخميس؟!

هل نافستهم في الخروج، والدعوة إلى الله؟!

هل نافستهم؟!

لا. لا يقول لك الشيطان: انظر إلى هؤلاء الذين سبقوك في العبادة والصيام والقيام، والدعوة والإنكار، والأمر المعروف، لا.

وإنما يقول: انظر إلى هؤلاء. ثم يبدأ تلبيس الشيطان.

يقول لك الشيطان: إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم أهداف.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم مقاصد.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) يخططون على أشياء بعيدة.

إن هؤلاء (المَطاوِعة) عندهم وعندهم كذا.

أقول: حياك الله! تعال وانظر ما عند (المَطاوِعة) هل يمتلكون طائرةَ (f 16) في البيت! واضعون طائرة (تُرْنِيدو) دفاعية أو مقاتلة! أو طائرة هجومية! أو في بيت الواحد مدفعية ميدان! أو صاروخ مضاد للطائرات! أو قانص دبابات من طراز أباتشي! أو كاسحة ألغام فرنسية؟! ماذا يوجد عند (المطاوعة) في بيوتهم؟!

تعال وادخل بيتهم، ستجد قرآناً كريماً .. تفسير ابن كثير .. تفسير الطبري .. فتح الباري .. صحيح مسلم .. كشف الشبهات .. آداب المشي إلى الصلاة .. سنن أبي داود .. تحذير الساجد من اتخاذ البدع والقبور في المساجد ، ستجد كتب العلم.

إذاً: إذا جاءك الشيطان ليلبِّس عليك أمراً يدعوك من خلاله لأن تكون من القاعدين، أو المتكاسلين، بل يأتيك الشيطان، يا ليته يقول لك: اسكت، مثلما يقول العوام: (انْثَبِر)! لا. يأتيك الشيطان ويقول: هؤلاء ينبغي أن تحذِّر منهم، هؤلاء ينبغي أن تتابعهم، هؤلاء ينبغي أن تنتبه لهم، أما متابعتهم فحياك الله! أما متابعة أهل الخير فحياك الله، مثلما يقول العوام: (ما يخاف إلا الذي في بطنه نِيْ، والذي في بطنه مِعِيِّن يُوْجِعَه)! أهلاً وسهلاً، تابع من شئتَ، ولاحق من شئتَ، وفتش من شئتَ، ستجد ما يعينك بإذن الله.

مثلما يقولون: إن لصاً من اللصوص تسوَّر على بيت رجل من العلماء فسرق صندوقاً لا يدري ما الذي فيه، فلما ذهب إلى البيت وفتح الصندوق وجد كتباً، فقرأها فتاب واهتدى، فنقول: حيا الله من تابع هؤلاء الدعاة، وحيا الله من تابع الإخوان، وحيا الله من تابع أهل الخير، وحيا الله من تابع أهل الإيمان، حياك الله وبياك وبارك فيك، تابعهم، وإني أجزم أن متابعتك لهم ولو كان قصدك شيئاً غير الهداية ستكون نهايتك الهداية، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سيَّارين طوَّافين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة من حلق الذكر نادى الملائكةُ بعضُهم بعضاً أن هلموا، فيجتمعون، ثم يسألهم ربهم وهو أعلم بهم، ويقول ربنا: يا ملائكتي ....) الآن أنتم في هذه الروضة من رياض الجنة، الملائكة تحفكم، والسكينة تغشاكم، والرحمة تتنزل عليكم، والرب جلَّ وعَلا يذكركم في الملأ الأعلى.

واللهِ -يا إخوان- لو قلت لأحدكم: إني البارحة مع الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني وذكرنا فلاناً، أو شيخ الفخذ الفلاني، لقال: أسألك بالله، الأمير، الوزير سماني باسمي؟! أعِد لو سمحت! أعِد لو سمحت! ماذا قال عني؟!

فيا أخي الحبيب! أقول لك ما قاله الله عنه: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير من ملئه) فأنتم الآن تذكرون الله في هذا المكان، والله يذكركم في الملأ الأعلى.

أحبابنا! أكمِّل الحديث لكم في شأن الذين يوسوس لهم الشيطان، ويقول: هؤلاء عندهم أهداف، هؤلاء المَطاوِعة وراءهم مقاصد .. وراءهم مَطالب، نقول: سيكون شأن من لاحقهم وتابعهم -وحياه الله، ومكانه العين والرأس- فيكون موقعه كما جاء في الحديث: (... يسأل ربنا ملائكته وهو أعلم بهم ويقول: يا ملائكتي! علامَ اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يذكرونك، ويشكرونك، ويسألونك، ويستعيذونك، فيقول الله: يا ملائكتي! وماذا يسألونني؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! إنهم يسألونك الجنة ...) الجنة!

يا سلعة الرحمن لستِ رخيصة     بل أنت غالية على الكسلانِ

يا سلعة الرحمن ليس ينالها     في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ

يا سلعة الرحمن كيف تصبَّر الـ     ـخُطَّاب عنكِ وهم ذوو إيمانِ

(... تقول الملائكة: يا ربنا! يسألونك الجنة، فيقول الله: يا ملائكتي! وهل رأى عبادي هؤلاء جنتي؟ فتقول الملائكة: لا، فيقول الله: وكيف لو رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! ومم يستعيذون؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! يستعيذون من نارك، فيقول الله: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله: وكيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم ...) وأبشركم وأبشر الحاضرين، من جاء إلى هذه المحاضرة يريد وجه الله، وأخلص النية لله، وسأل الله التوبة والمغفرة، ليخرجنَّ -برحمة الله، ثقةً بالله، تصديقاً بكلام رسول الله- ليخرجنَّ مع هذا الباب من المسجد شباب ورجال بدون ذنوب، بإذن الله، تصديقاً بوعد الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. (... فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم جميعاً، فتقول الملائكة: يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان إنما جاء لأمر آخر، فيقول الله: وله غفرتُ معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

أقول لكل واحد منكم: إذا جاءك الشيطان وقال: هؤلاء المطاوعة .. هؤلاء الدعاة .. هؤلاء العلماء .. هؤلاء الذين فيهم ما ليس فيهم، يريدون .. يخططون .. يفعلون .. يدبرون، أقول: يا حبيبي! يا صديقي! يا صاحبي! اتبعهم وتابعهم، وانظر ماذا عندهم، ستجد -بإذن الله- ما يكون سبباً في هدايتك، ويكون سبباً في استقامتك.

إذاً: فلا تكن من الناس الذين إذا قالوا له: يا فلان! انتبه لهؤلاء المَطاوِعة، لا تمش معهم، قال: الله يجزيكم خيراً، هذه نصيحة جيدة! ثم أخذ القطن، ووضع هاهنا قطنة، ووضع هاهنا قطنة، وإذا أعطاه (مُطوِّعٌ) شريطاً، قال: ابتعد هناك، هذه متفجرات، يعطيه أحد الإخوان كتاباً: ابتعد هناك! هذه منشورات، يعطيه أحد الإخوان نصيحة: ابتعد هناك، أنا لا أدري ما هو قصدك في هذه النصيحة؟! أَف منك يا ولد فلان؛ أهكذا يقع منك الأمر؟! شريطٌ يُباع في تسجيلات البشائر الإسلامية، الدوادمي ، طريق ماثل، تليفون: [6423745] شريطٌ يُباع في تسجيلات التقوى، شريطٌ يُباع في تسجيلات الكلم الطيب، هذه التسجيلات مصرحة من إسرائيل؟! مصرحة من أمريكا؟!

تسجيلات إسلامية مصرحة من وزارة الإعلام داخل بلادك ودولتك، فإذا أعطاك واحدٌ شريطاً، وقال: يا أخي الحبيب! تفضَّل هذا الشريط هدية، مكتوب على الشريط: من التسجيلات الفلانية، ولا يمكن أن يباع الشريط إلا بعد أن يُفتح، يعني: يُسمح بتوزيعه ونسخه من وزارة الإعلام بالفتح، رقمٌ، وتاريخ، إذاً.. يا أخي الحبيب! ما الذي يخيفك؟! إذا كانت وزارة الإعلام وأجهزة مراقبة المطبوعات -على ما فيها، نسأل الله لأصحابها والقائمين عليها الصلاح والاستقامة- إذا كانت أذنت وسمحت وفتحت هذا الشريط وأذنت بتداوله؛ لأنه ليس فيه شيء ممنوع يخالف السياسة، بل مسموح بتداوله، ما الذي يمنعك أن تأخذ الشريط وتسمعه؟! وما الذي يمنعك أن تستفيد من الشريط وتتعظ به؟! وما الذي يمنعك أن تعطي الشريط لزوجتك وبناتك يستفدنَ منه؟! وما الذي يمنعك أن تنسخ من الشريط نسخةً ونُسَخاً فتهديها إلى أقاربك وجيرانك وبني عمك؟!

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

ذَكَر أهلُ السير أن الطفيل بن عامر الدوسي لما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته قال لقومه: [لأذهبن إلى مكة ، وأنظر خبر هذا الرجل الذي يذكرونه في قريش، فجاءه قومه قالوا: إن هذا الرجل عنده كلام كالسحر، وإن عنده شيئاً أشد من النثر، وإن عنده شيئاً إذا سمعته استجبتَ له؛ لكن عليك -يا أبا عامر - أن تضع الكُرْفُس في أذنك، فمر الطفيل وقد وضع القطن في أذنيه، ولما دنا من مكة قال: عجباً لي! أما وإني لَمِن أشعر العرب -أنا شاعر- وأعرف رديء الكلام من صحيحه وسقيمه، فلماذا لا أقدم على الرجل، وأسمع من كلامه، فإن كان حقاً قبلتُه، وإن كان باطلاً رددتُه].

فنحن نقول لك -أيها الشاب، أيها الأخ، أيتها الأخت، أيها الصغير، أيها الكبير- اسمع إلى هذا الكلام، فإن كان خيراً فاقبله، وإن كان غير ذلك فرده علينا، البضاعة المباعة مردودة، ما نقول: لا تُسترد، لا. نقول: حياك الله، إذا وجدتَ خطأ رد علينا، إن تسمع منا خيراً فمن الله ومن كلام الله ورسول الله، وإن تسمع غير ذلك فمن أنفسنا الأمارة بالسوء؛ لكن اسمع حتى لا يلبِّس عليك الشيطان ويقول لك: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء.

أذكر مرة جلستُ مجلساً فأخذ رجل من الحضور -أسأل الله له الهداية والتوفيق والسداد والصلاح- يتكلم في مجموعة من الدعاة وأهل الخير، قال: فيهم، وفيهم، وفيهم، وعندهم، وعندهم، فبعد أن أكمل الرَّجُلُ كلامه، قلت له: يا أخي! هل جالستَهم؟! هل سافرتَ معهم؟! هل سَمِعتَ لأحدهم شريطاً؟! هل قرأتَ لأحدهم كتاباً؟! قال: لا. لكن يقولون!

من هم الذين يقولون؟!

هذا ولدٌ أنْجَبَتْه زوجة إبليس اسمه: (يقولون) فإذا قال لك: يقولون، يعني: يقول ولدُ إبليس، هذه حقيقة الأمر.

أما الرجل فما عنده بينة، وما عنده دليل، وأخبث مِن هذا مَن يقول: إني قرأتُ تحليلاً في مجلة نيوزويك أو مجلة اللوفيقارو الفرنسية ، أو مجلة التايمز الأمريكية ، أو مجلة التايمز اللندنية ، أو مجلة كذا الغربية!

يا أخي الحبيب: تسمع أخبار لندن في إخوانك؟! وتسمع أخبار مونت كارلو في إخوانك، وتسمع أخبار اليونايتد برس، والآسيوشيتد برس، تسمعها في إخوانك؟! أما تتقي الله؟! وإخوانك بجوارك، ادخل عليهم، اسمع منهم، اقرأ ما عندهم، انظر ما بين أيديهم، فهل ترى شراً أم ترى خيراً؟! ولكن: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر:56].

بعض الناس يرد الحق قبل أن يسمعه أو يتعرف عليه، ولم يقبله لما عُرض عليه؛ ولكن في صدره الكبر، واعلم أن الكبر هو داءٌ أخرج إبليس من الجنة قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص:75].

الكبر هو الذي أخرج إبليس من الجنة، وأغرق فرعون في البحر، قال تعالى في شأنه وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً [النمل:14] وتكبراً وعناداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إذاً: أيها الحبيب: إن من تلبيس الشيطان عليك أن يردك عن سماع الخير، أن يقولوا لك: إن في الخير خطراً عليك، وإن في الخير ضرراً عليك، وإن في الخير ...، ما هو الخطر الذي يأتيك يا أخي الحبيب؟!

هل يستطيع أحدٌ من البشر أن يقلل من رزقك الذي كُتب لك وأنت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وقد أُمر الملك بكتب رزقك، وأجَلك، وشقائك وسعادتك، هل يستطيع أحدٌ أن يغير من مقادير الله فيك شيئاً؟!

واللهِ من قال: إني أخشى أن أتبع الهدى، أو أستقيم مع أهل التقى، أو ألتزم على طريق الهداية، فينقص رزقي نقول له: إن اعتقدتَ هذا كفرتَ؛ لأن من اعتقد أن اتباع الهداية يجر له القلة في الرزق، هذا كفر يخرج من الملة.

أخي الحبيب: إن من تلبيس الشيطان أن يقول لك إن رجال الأمن يراقبون الملتزمين ولكن نقول لك: إن من حق الدولة أن تراقب، ومن حق المسئولين أن يراقبوا؛ لكن يراقبون مَن؟!

إنهم لا يراقبونك؛ لكن يراقبون العلمانيين الذين لا يعلنون عن اجتماعاتهم.

هل يوماً ما رأيتم اجتماعاً علنياً بين العلمانيين يُسمح لسائر الناس أن يحضروه؟! لا.

لا يجتمع العلمانيون إلا سراً؛ لكن الآن اجتماعنا في أهل الخير، اجتماعنا هنا هل هو سر؟! أم على الباب أحدٌ لا يسمح إلا لصاحب البطاقة؟! الباب مفتوح، والدعوة عامة، يحضرها الصغير والكبير، والعامي والمثقف، والمدرس والتلميذ؛ لأننا ما أتينا بشيء بِدْعٍ من ذوات أنفسنا، وإنما نقول:

العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفانِ

ذَكَر أهلُ السير أن الطفيل بن عامر الدوسي لما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته قال لقومه: [لأذهبن إلى مكة ، وأنظر خبر هذا الرجل الذي يذكرونه في قريش، فجاءه قومه قالوا: إن هذا الرجل عنده كلام كالسحر، وإن عنده شيئاً أشد من النثر، وإن عنده شيئاً إذا سمعته استجبتَ له؛ لكن عليك -يا أبا عامر - أن تضع الكُرْفُس في أذنك، فمر الطفيل وقد وضع القطن في أذنيه، ولما دنا من مكة قال: عجباً لي! أما وإني لَمِن أشعر العرب -أنا شاعر- وأعرف رديء الكلام من صحيحه وسقيمه، فلماذا لا أقدم على الرجل، وأسمع من كلامه، فإن كان حقاً قبلتُه، وإن كان باطلاً رددتُه].

فنحن نقول لك -أيها الشاب، أيها الأخ، أيتها الأخت، أيها الصغير، أيها الكبير- اسمع إلى هذا الكلام، فإن كان خيراً فاقبله، وإن كان غير ذلك فرده علينا، البضاعة المباعة مردودة، ما نقول: لا تُسترد، لا. نقول: حياك الله، إذا وجدتَ خطأ رد علينا، إن تسمع منا خيراً فمن الله ومن كلام الله ورسول الله، وإن تسمع غير ذلك فمن أنفسنا الأمارة بالسوء؛ لكن اسمع حتى لا يلبِّس عليك الشيطان ويقول لك: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء.

أذكر مرة جلستُ مجلساً فأخذ رجل من الحضور -أسأل الله له الهداية والتوفيق والسداد والصلاح- يتكلم في مجموعة من الدعاة وأهل الخير، قال: فيهم، وفيهم، وفيهم، وعندهم، وعندهم، فبعد أن أكمل الرَّجُلُ كلامه، قلت له: يا أخي! هل جالستَهم؟! هل سافرتَ معهم؟! هل سَمِعتَ لأحدهم شريطاً؟! هل قرأتَ لأحدهم كتاباً؟! قال: لا. لكن يقولون!

من هم الذين يقولون؟!

هذا ولدٌ أنْجَبَتْه زوجة إبليس اسمه: (يقولون) فإذا قال لك: يقولون، يعني: يقول ولدُ إبليس، هذه حقيقة الأمر.

أما الرجل فما عنده بينة، وما عنده دليل، وأخبث مِن هذا مَن يقول: إني قرأتُ تحليلاً في مجلة نيوزويك أو مجلة اللوفيقارو الفرنسية ، أو مجلة التايمز الأمريكية ، أو مجلة التايمز اللندنية ، أو مجلة كذا الغربية!

يا أخي الحبيب: تسمع أخبار لندن في إخوانك؟! وتسمع أخبار مونت كارلو في إخوانك، وتسمع أخبار اليونايتد برس، والآسيوشيتد برس، تسمعها في إخوانك؟! أما تتقي الله؟! وإخوانك بجوارك، ادخل عليهم، اسمع منهم، اقرأ ما عندهم، انظر ما بين أيديهم، فهل ترى شراً أم ترى خيراً؟! ولكن: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر:56].

بعض الناس يرد الحق قبل أن يسمعه أو يتعرف عليه، ولم يقبله لما عُرض عليه؛ ولكن في صدره الكبر، واعلم أن الكبر هو داءٌ أخرج إبليس من الجنة قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص:75].

الكبر هو الذي أخرج إبليس من الجنة، وأغرق فرعون في البحر، قال تعالى في شأنه وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً [النمل:14] وتكبراً وعناداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إذاً: أيها الحبيب: إن من تلبيس الشيطان عليك أن يردك عن سماع الخير، أن يقولوا لك: إن في الخير خطراً عليك، وإن في الخير ضرراً عليك، وإن في الخير ...، ما هو الخطر الذي يأتيك يا أخي الحبيب؟!

هل يستطيع أحدٌ من البشر أن يقلل من رزقك الذي كُتب لك وأنت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وقد أُمر الملك بكتب رزقك، وأجَلك، وشقائك وسعادتك، هل يستطيع أحدٌ أن يغير من مقادير الله فيك شيئاً؟!

واللهِ من قال: إني أخشى أن أتبع الهدى، أو أستقيم مع أهل التقى، أو ألتزم على طريق الهداية، فينقص رزقي نقول له: إن اعتقدتَ هذا كفرتَ؛ لأن من اعتقد أن اتباع الهداية يجر له القلة في الرزق، هذا كفر يخرج من الملة.

أخي الحبيب: إن من تلبيس الشيطان أن يقول لك إن رجال الأمن يراقبون الملتزمين ولكن نقول لك: إن من حق الدولة أن تراقب، ومن حق المسئولين أن يراقبوا؛ لكن يراقبون مَن؟!

إنهم لا يراقبونك؛ لكن يراقبون العلمانيين الذين لا يعلنون عن اجتماعاتهم.

هل يوماً ما رأيتم اجتماعاً علنياً بين العلمانيين يُسمح لسائر الناس أن يحضروه؟! لا.

لا يجتمع العلمانيون إلا سراً؛ لكن الآن اجتماعنا في أهل الخير، اجتماعنا هنا هل هو سر؟! أم على الباب أحدٌ لا يسمح إلا لصاحب البطاقة؟! الباب مفتوح، والدعوة عامة، يحضرها الصغير والكبير، والعامي والمثقف، والمدرس والتلميذ؛ لأننا ما أتينا بشيء بِدْعٍ من ذوات أنفسنا، وإنما نقول:

العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفانِ

يا أخي الحبيب: لا يلبِّس عليك الشيطان ويقول لك كما قال لشاب -وذكرتُ هذا الكلام في محاضرة سبقت- شاب والله يا إخوان إني أعجب منه!

قال: يا أخي! أنا أحس أنني مراقَب.

قلت: باسم الله على قلبك! من الذي يراقبك؟!

قال: أنا يراقبني أربعة.

ما شاء الله! أحسب أنه مجرم شنيع! أربعة يراقبونك؟! إذاً ما بقي للألوية الحمراء والمافيا؟!

قلت له: تعال، ماذا عندك حتى يراقبونك؟!

قال: أبداً، فقط أنا أشعر إني مراقَب.

وسوسة، وتلبيس من إبليس، وتخويف من الشيطان: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268].

والآن أريدكم أن تتخيلوا معي هذا المثال:

اجلس في بيتك، كل واحد منكم يجلس في بيته، ويتكئ على الأريكة ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا فتح الله عليَّ واستفدتُ من هذه المحاضرة التي سمعتُها، وسوف أقوم بعمل إسلامي، سوف أقوم بعمل دعوي:

سوف أتعاون مع مندوب الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

سوف أتعاون مع مركز الدعوة في الفيظة، والسر.

سوف أتعاون مع العلماء وطلبة العلم في نشر الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي.

سوف أوزع الشريط الإسلامي ما استطعتُ على أخواتنا الدارسات والمدرسات.

سوف أوزع الشريط الإسلامي على الشباب في المدارس.

سوف أوزع الشريط الإسلامي على جيراننا.

سوف أوزع الكتيبات النافعة.

إذا قلت هذا الكلام وأنت جالس تشعر أنك كلما فكَّرتَ في الموضوع كلما نَزَلَ على رأسك جبل من الأوهام، جبل الخوف، جبل التشويش، جبل التلبيس الذي يقربه الشيطان لك، وكلما فكرت أخذ الشيطان يجعلك تلتفت يميناً، ثم تلتفت يساراً، وإذا سمعتَ عند الباب أحدٌ ذهبت تُطِلُّ من عين الباب: من الذي جاء؟! يشغلك الشيطان ويوهمك أنك الآن تمارس عملاً ممنوعاً.

فإذا قررتَ في نفس الجلسة، وقلتَ: يا بن الحلال، (خَلِّ الداب وشجرته) وما لي وهذا الكلام، وما لي والذي فيه (سين جيم) أنا والله ما عندي استعداد أن أدخل نفسي، عليَّ هذا المسجد، إذا قال: الله أكبر! أرُوْح لأصلي، وإذا سلم الإمام خرجت إلى البيت، وما عليَّ من أحد، تقول: الحمد لله ارتحنا.

فأنت لما فكرت في الدعوة نزل عليك جبل التلبيس والأوهام، ولما ألغيت قرار الدعوة والنشاط في الدعوة شعرتَ بالراحة، مع أنك ما تحركتَ خطوة واحدة.

بتفكيرك نزل جبل، وبتفكيرك ولَّى الجبل، وأنت لا تزال في مكانك.

إخواني .. وإن من تلبيس إبليس لنا: أن يقول لك الشيطان: انظر الآن، الدول الأفريقية، والدول الآسيوية، والدول الأخرى، تجد الحكومات في صراع مع الدعاة، والحكومات في صراع مع العلماء، والحكومات في صراع مع الجمعية الفلانية، والجبهة الفلانية.

أقول لك: نعم. لأن الحكومات أعلنت الكفر، ولأن الكثير من الحكومات قالت: المصدر الرئيسي للتشريع هو: قانون الرومان، أو القانون الفرنسي، المفسَّر برقم وتاريخ، والمعدل برقم وتاريخ.

لكن أنت الآن هل يوماً سمعتم في بلادكم أن مصدر التشريع أو مصدر التحاكم هو الكتاب الأخضر ؟! أو أن مصدر التحاكم هو: نظرية البعث العربي الاشتراكي؟! أو أن مصدر التحاكم هو كتب النصيرية ؟! أو أن مصدر التحاكم هي كتب الضلالة؟! أم أننا نسمع صباح مساء أن القرآن والسنة والعقيدة هي مصدر وأصل اجتماع وسر عزة وتمكين وهي نعمة؟! اللهم لك الحمد.

إذاً: إذا كانت تلك الدول تصرفاتها صريحة في الكفر، القاتل يُسجن خمس سنوات، والسارق يُسجن سبع سنوات مع الأعمال الشاقة، ولا تُسمع الدعوى في الزنا حالة الرضا إلا إذا كانت على فراش الزوج وبغير إذنه، هذا نص القانون، والزنا مقنَّن بالترخيص رقم وتاريخ، والخمر يُباع بإذن وزارة التجارة في تلك الدولة برقم وتاريخ.

لا نستغرب أن يوجد انقسام في المجتمع، فتكون الحكومة الظالمة الفاسقة الفاجرة أو الكافرة في طرف، ويكون المؤمنون الموحدون المسلمون طرفاً آخر.

يأتي الشيطان إلى أحدنا هنا، ويقول: (المَطاوِعة) في طرف والحكومة في طرف، لا. لا. من ذا الذي جاء ليفرق بيننا وبين حكامنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين علمائنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين دعاتنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين إخواننا؟! نحن لا نقبل التفريق.

ولذلك فإن من أساليب تلبيسه ووسوسته وتزيين الباطل لكي يجعلك جامداً عاجزاً لا فائدة منك في الدعوة والخير، يقول لك: انتبه! إن صرت مع المََطاوِعة فستكون مع حزب المعارضة للحكومة، إن كنت مع المَطاوِعة ستكون مع الحزب الذي هو ضد الحكومة.

لا يا حبيبي، نحن ما عندنا أحزاب، نحن أمة واحدة .. إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92] والآية في أمة الإسلام أجمعين، فلا نقبل من أحد أن يفرق بيننا أبداً.

اعرفوا هذه القضية جيداً، أدركوها جيداً، ولا تجعل الشيطان يصور لك القادة والولاة شيئاً، ويجعلك من أحزاب المعارضة، أو من أحزاب الضد والعناد.

أخي الحبيب: إذا عرفت أنك في بلاد مسلمة، الناس فيهم خير، حتى الفاسق من أبنائنا فيه خير، ولكنه يحتاج ورقة قطنية ناعمة، وموعظة لذيذة حلوة، ثم يُمسح المنكر الذي على قلبه، ويُزال الأذى الذي على فؤاده، ثم يعود زجاج قلبه برَّاقاً لامعاً، نعم. كثير من الفساق عندنا قلوبهم زجاج جميل؛ لكن عليه شيء من التلوث والوسخ، لوث المعاصي، ووسخ الذنوب والمنكرات، فالذي يأتي (بصُنْفُرةِ) خشنة يريد أن ينظف القلب الزجاجي الذي تلوث بهذا؛ فإنه إما يكسر القلب أو يخدشه؛ ولكن من جاء بالقطنة الناعمة، والمحلول الذي يحلل هذه الأوساخ، ثم يمسح هذا القلب قليلاً قليلاً تجد بعد ذلك قلباً لامعاً رقيقاً جميلاً.

لا يزال الخير فينا.

فإياك أن يأتي الشيطان ليقول لك: حكومتك طرف، والدعاة طرف، والعلماء طرف، والفساق طرف، لا. نحن أمة واحدة، كلنا في كف واحدة، فاسقنا، وعالمنا، وصالحنا، وطالحنا، وحاكمنا، وداعيتنا، كلنا في كف واحدة.

تتمة لما ذكرناه -أيها الأحبة- نقول: إن وساوس الشيطان وتلبيسه كثير: وحديثنا عن تلبيس الشيطان على كثير من الناس ومن أحبابنا وإخواننا الذين ربما كانوا سبباً في عون أهل الباطل على أهل الحق، وربما كانوا سبباً في الإرجاف والتثبيط للمؤمنين، وكانوا عوناً للمنافقين وأعداء المؤمنين، بسبب هذه التلبيسات وهذه الظنون السيئة.

أيها الأحبة: ينبغي أن ندرك أننا مجتمع واحد، حتى الفاسق فينا فهو داخل دائرتنا، وحينما أقول: دائرتنا لا أقصد: دائرة المتدينين، دائرتنا جميعاً، حكامنا، وعلماؤنا، ودعاتنا، وإخواننا، وأبرارنا، وفجارنا أيضاً، حتى من كان مخطئاً مذنباً من أهل الذنوب من غير بدعة ينتحلها، ويدعو إليها، ويقصد إضلال الناس؛ إذْ أن الضلالة نوعان:

هناك من يَضِلُّ ضلالة لهوى، من يَضِلُّ ضلالة لشهوة، ضلالة فساد ومعصية، هذا شأن.

لكن هناك من يَضِلُّ ويُضِلُّ .. وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام:26] هناك من يقع في المعصية، ويشتهي أن الناس كلهم يفسدون.

يوجد كثير من الناس يذنب؛ لكنه لا يتمنى أن الناس يذنبون، كثير من الناس يدخِّن؛ لكن لا يتمنى أن أولاده والناس أجمعين يدخنون، بعض الناس وقع في معصية؛ لكن لا يتمنى أن الناس كلها تقع في هذه المعصية، ربما بعض الناس شرب الخمر؛ لكن لا يتمنى أن الخمر يصبح يُباع في البقالات كما تباع العصيرات، من الناس من وقع في فاحشة؛ لكن لا يتمنى أن يوجد قانون يحمي الفواحش وأهل الفواحش والفساد.

لكن الطرف الآخر الذين هم أعداء مجتمعنا، العلمانيون الذين يتربصون بنا الدوائر، الذين يريدون أن يقولوا للناس: كونوا فريقين: من أراد أن يصلي فليصلِّ، ومن أراد أن يفسد فليفسد، ولا أحدٌ يتدخل في أحد، هذا ليس أمراً مقبولاً في دين الإسلام، الله جلَّ وعَلا قال: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117].

العلمانيون وموقفهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا يمكن أن يُترك الوضع لكي يقول قائل: من أراد أن يفسد فليفسد، ومن أراد أن يتديَّن فليتديَّن، من أراد أن يفجر فليفجر، ومن أراد أن يطلب العلم فليطلب العلم، لا. الله جلَّ وعَلا قال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] إن مكناهم، حكاماً ومحكومين، أنتم الآن متمكنون في الأرض: يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] من يرد عنا العذاب إن جاءنا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله!

لا يُقْبَل قول مَن قال: من أراد أن يفسد فليفسد، وكلٌّ ذنبه على جنبه، ومن أراد أن يصْلُح فليصْلُح، لا. إنما الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ [الحج:41] ماذا؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ [الحج:41] بكل معروف تُرِكَ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] نهوا عن كل منكر فُعِلَ.

هكذا شأن أمة الإسلام، هكذا شأن أمة الإيمان، وواللهِ ما دفع الله عنكم البلاء إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول طاغوت العراق الخنـزير النجس/ صدام حسين: إن ندمتُ على شيء فإنما أندم على أمرين:

الأمر الأول قال فيه: أنني خالفتُ طارق عزيز .

ومن هو طارق عزيز؟

هذا كهامان بالنسبة لفرعون.

لماذا خالفه؟

قال: لأنه نصحني وقال: إن تقدمت إلى الكويت فلا تقف إلا في آخر الجبيل.

يا إخوان: ما الذي صدَّ عنكم هذا الطاغية وهو يملك أربعمائة وخمسين ألف جندي، منهم: قرابة ثلاثمائة ألف جندي من الحرس الخاص أو البعثيين المدرَّبين المنظَّمين؟! ما الذي دفعَه عنكم؟!

الله، الله، الله، نبرأ إلى الله من كل دبابة، ومن كل صاروخ، ومن كل قنبلة، ومن كل جندي، نبدأ بالله، فله الفضل، ثم له الفضل أن نفع بهذه الدبابة، وذلك الصاروخ، وذلك الجندي، وسخر أقواماً لا تعلمونهم، ودفع عنا وعنكم البلاء، بماذا؟ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولذلك يا إخوان، لا تترددوا، لا تترددوا في إنكار المنكرات، إن كنت الآن في مزارع، وفي نعم، ورشاشات (ري محوري (8) أبراج ماركة (فالي) (faly)، أو من هذه النعم التي تتدفق عليك من كل نوع، أقول لك: إذا أردت هذا الخير يصل إلى أولادك وأولاد أولادك وبناتك وأولاد بناتك، فأؤمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر؛ لأن العز والنعم والتقوى بالأمر بالمعروف.

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96].

الله جلَّ وعَلا خزائنه لا تنفذ، الذي يملك مليوناً رب العالمين قادرٌ أن يعطيه مائة مليون، والذي يملك عشر رشاشات رب العالمين قادرٌ أن يعطيه ألف رشاش، والذي عنده كذا رب العالمين قادرٌ على أن يعطيه أكثر. خزائن الله لا تنفذ؛ لكن بماذا تُفتح الخزائن؟

أتُفتح الخزائن بالمعاصي؟!

أتُفتح الخزائن بالملاهي؟!

أتُفتح الخزائن بالمنكرات؟!

أتُفتح الخزائن بعداوة أولياء الله والدعاة إلى الله؟!

تُفتح الخزائن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتُفتح الخزائن بالدعوة إلى الله، ونشر الخير في كل مكان، فإذا انتشر الخير ضاق الناس بالرزق.

في عهد عمر بن عبد العزيز: أرسل الولاة إلى الخليفة الخامس الراشد/ عمر بن عبد العزيز ، قالوا: يا أمير المؤمنين! جبينا المال من أهل الذمة -من النصارى- وأعطينا المحتاجين، وصرفناه في جميع مصارف الزكاة -الفقراء، والمساكين، والمؤلفة قلوبهم، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، كل هؤلاء أعطيناهم- وبقي عندنا مال كثير ماذا نفعل بهذا المال؟

فقال عمر بن عبد العزيز: انظروا في بلاد المسلمين أيَّ شاب لم يتزوج زوجوه من بيت المال، المال كَثُرَ، الخيرات تدفقت، حتى أرسل الولاة إلى الخليفة يقولون: ماذا نفعل بالمال الباقي؟

فخزائن الله لا تنفذ، وخزائن الله ملأى، والله جلَّ وعَلا لو عصاه العباد ما ضره، ولو أطاعوه ما نفعه، ولو اجتمعوا في صعيد واحد كما جاء في الحديث: (يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

إذاً: يا أحبابنا! لا يلبِّس علينا الشيطان، فنكون أذناباً للعلمانيين، ونكون أذناباً للذين يفرقون بيننا وبين مجتمعنا وولاة أمرنا ودعاتنا وعلمائنا.

يا أحبابنا .. إياكم أن تتقاعسوا عن الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً على أنفسكم، بل الخوف، الخوف الحقيقي: أن نقعد ونجمُد عن الأمر بالمعروف، ولذلك قال الله جلَّ وعَلا: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].

قال أحد الأنصار: فينا نزلت هذه الآية، لما فتح الله على نبيه قلنا: إن أهل المدينة أهل ضِياع -يعني: أهل مزارع؛ لكن ما عندهم رشاشات رضي الله عنهم- إن أهل المدينة أهل ضِياع، فلو أنَّا عدنا إلى ضِياعنا وبساتيننا، وكأن بعضهم قال: إن الله أعز الإسلام، وما هناك حاجة للنفقة في سبيل الله، فأنزل الله: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] إنفاق المال ليس هو سبب التهلكة، بل عدم الإنفاق هو سبب التهلكة.

إذاً: فنحن على خطر إن تركنا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ونحن على خير، ورزق، وأمن، وعزة، وطمأنينة إن اشتركنا وتعاونا واجتهدنا في الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

الإسلام عند العلمانيين سبب للمشاكل

ختاماً أيها الأحبة: إن المنطق الذي يقول: إن التمسك بالإسلام يسبب مشاكل، كما يقول أحد العلمانيين، يقول: نحن ما الذي ورَّطَنا بـمكة والمدينة؟! يا ليتها ليست عندنا! يقول هذا الكلام، قبحه الله. لماذا؟

أقول: لأننا ورطنا في العالم الإسلامي، المملكة هي قائدة العالم الإسلامي، المملكة هي رأس العالم الإسلامي، هذا عز، وهذا فخر، وهذا تمكين، وهذه قوة وقدرة؛ ولكن أعداء الإسلام والمتأثرين بهم من العلمانيين، والمتأثرين بالعلمانيين سواءً كان تأثراً مقصوداً أو تأثر جهل أو قلة علم، ما الذي يحصل منهم؟

المنطق الأول: وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:57].

أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً [القصص:57] هذا منطق الخوافين الجبناء الذين يخوفون الناس من الدعوة والدعاة، ويخوفون الناس من توزيع الشريط الإسلامي، والكتاب الإسلامي، وجمعية تحفيظ القرآن، وانتشار الخير، الواحد يقول: والله يا أخي، كأن هذا الوقت يخوِّف، اللحى تتكاثر هذه الأيام، سبحان الله! وأنت تريد اللحى تَنْبُت على الحريم؟! اللحى على الرجال زينة.

ومن لم يكن ذا لحية أو كان حليقه، فيا حبيبـي! ويا صديقي! ويا أخي! أسأل الله أن يهديك، وأن يكرمك، وإني أعلم أن حلقك للحيتك ما قطع الخير عنك، فيك خير كثير، حتى لو حلقت لحيتك؛ لكن أسأل الله أن يتمم لك الخير باتباع سنة المصطفى ومتابعته، كما قال: (خالفوا المجوس، وفِّروا اللحى، أعفوا اللحى، وأحفوا الشوارب).

نحن ما قطعنا الأمل في أحد أبداً، ونحن ما قلنا: الذي ما له لحية ما فيه خير، وما يدريك؟ ربما تجد إنساناً لا لحية له؛ لكنه يتبرع سنوياً بمائة ألف للمجاهدين، نقول له: كَثَّر الله خيرَك، ما دام أنك تتبرع سنوياً بمائة ألف للمجاهدين نحن نهديك طقم موس حلاقة (جيب)؟! لا. نقول: أسأل الله الذي فتح عليك وحبَّب إليك الإنفاق في سبيله، أن يحبب إليك اتباع السنة في توفير لحيتك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع