الروض المربع - كتاب الصلاة [90]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وأن يكثر الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة وأن يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة )، رواه أبو داود وغيره، وكذا ليلتها، ولا يتخطى رقاب الناس؛ لما روى أحمد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس، فقال له: اجلس فقد آذيت )، إلا أن يكون المتخطي الإمام فلا يكره للحاجة، وألحق به في الغنية المؤذن، أو يكون التخطي إلى فرجة لا يصل إليها إلا به فيتخطى؛ لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم ].

الإكثار من الدعاء رجاء موافقة ساعة الإجابة

ذكر المؤلف أنه يُستحب أن يُكثر المرء من الدعاء في يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، وقد اختلف أهل العلم في تحديدها إلى أكثر من أربعين قولاً ذكرها الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل خيراً إلا أعطاه الله إياه )، ومع كثرة الأقوال فيها إلا أن أحسنها قولان:

القول الأول: إنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وقولنا: (هي آخر ساعة) يعني: هي آخر الوقت، وعلى هذا فالإنسان يدعو يوم الجمعة في آخر ساعة من العصر، فإذا فُرض أن العصر مثلاً: من الساعة الثالثة تقريباً إلى الساعة السادسة مثلاً فإنه يشرع في الدعاء من خمس إلا ربع تقريباً، وأما تحديد ذلك بخمس دقائق قبل الأذان، أو سبع أو عشر دقائق قبل الأذان فهذا بلا شك تقصير في الدعاء، وإلا فإنه ينبغي أن يلهج الإنسان بذكر الله ودعائه وحسن ثنائه وأن يُكثر من الإلحاح، ولا شك أن الإطالة في الدعاء توشك أن تفتح لصاحبها، وأما الاقتصار على خمس دقائق كما يفعله العامة فلا ينبغي، فإن الأفضل أن يُطيل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( قائماً يصلي )، ولا شك أن معنى (قائماً يصلي) يدعو، وليس المقصود به الصلاة، ولا بد أن تعلم أن كلمة (قائماً) تفيد الإطالة، ولهذا قال تعالى: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، يعني: ملازماً، مواصلاً، مثابراً، وهذا لا يتأتى إلا مع إطالته في دعائه في عصر يوم الجمعة.

القول الثاني: إنها ما بين أن يدخل الإمام لخطبة الجمعة، وشروع المؤذن في الأذان إلى أن تقضى الصلاة، يعني: إلى أن يُسلم الإمام من الصلاة، وفي هذا دلالة على أنه إذا شرع المؤذن في الأذان ينبغي أن يُكثر المرء إماماً كان أو مأموماً من الدعاء، وحُسن الإنصات للمؤذن؛ لأن الإنصات للمؤذن نوع إجابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث عمر : ( ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، إلا دخل الجنة )، فهذه ساعة إجابة فينبغي أن يُتابع المؤذن، كذلك يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، لما جاء في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص : ( ما من مسلم يقول حينما يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، إلا غُفر له ذنبه )، فهذا وقت إجابة.

كذلك إذا انتهى من الأذان فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل له الوسيلة، كذلك يُكثر من الدعاء قبل أن يبدأ الإمام الخطبة، وهذه مواطن يغفل فيها الناس عن الدعاء، وذلك بسبب انشغالهم بما يستحدث عنه الإمام، وما هي الخطبة، أو بغير ذلك، وكذلك إذا شرع الإمام بالدعاء يوم الجمعة، أو جلس بين الخطبتين فإنه ينبغي للإنسان أن يُكثر من الدعاء.

وفي فضل هذه الساعة جاءت أحاديث مرفوعة، وموقوفة، فالمرفوع رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر : ( أنه سأل أبا بردة : كيف سمعت أباك، يعني: عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري ، يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة؟ قال: يقول: ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة )، رواه مسلم موصولاً، وقد أشار الدارقطني إلى علة فيه، والصواب وقفه على أبي موسى ، ولا يصح مرفوعاً، والله أعلم، ولعل هذا القول قوي أنه لا يصح مرفوعاً، ولكن من المعلوم أن أبا موسى الأشعري لا يأخذ عن بني إسرائيل ولا يُعرف عنه أنه كان يأخذ عنهم، فمن المعلوم أن هذا له حكم الرفع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، والأمور الغيبية حاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤتمنون على دين الله، أن ينسبوا إلى الله أو إلى رسوله وإلى دينه ما ليس منه.

فدل ذلك والله أعلم على أن من الساعات: آخر ساعة في يوم الجمعة، ومن دخول الإمام إلى أن تقضى الصلاة، ومما يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الجمعة لساعة )، يعني: زمناً ووقتاً، وهذا لا يلزم منه أن يكون وقتاً واحداً، فالعبرة هي بوجود الإجابة وقبول الله سبحانه وتعالى للدعاء، ولهذا فإنه لا مانع أن الوقتين يشملهما ساعة واحدة، والله أعلم، وهذا الذي قواه ابن القيم رحمه الله.

الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها

قال المؤلف رحمه الله: [ وأن يُكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ] لقد جاءت أحاديث في أهمية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها ولعل أحسن حديث في هذا ما رواه ابن حبان و البيهقي من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلتها )، وقد ورد غير هذا من الأحاديث لكن بعض الحفاظ تكلم عنها، ولعل حديث أنس أسلم وأحسن، ومن الأحاديث التي تكلم عنها الحفاظ حديث أوس بن أوس الثقفي : ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ )، فهذا الحديث أشار الإمام البخاري إلى تضعيفه، وهو الذي ذكره المؤلف في المتن: ( أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة )، وقد رواه أبو داود، وحديث أنس لعله أحسن شيء في الباب، وعلى هذا فيُستحب للإنسان أن يُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، وإذا كان العبد مأموراً أن يُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير يوم الجمعة ففي يوم الجمعة وليلتها من باب أولى، وقد روى أهل السنن من حديث أبي بن كعب أنه قال: ( يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي؟ )، قال ابن تيمية : يعني كم أجعل لك من دعائي إذا أردت أن أدعو ربي؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك ثلث صلاتي )، يعني: ثلث دعائي، وليس المقصود صلاتي التي أصليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما شئت يا أبي وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك نصفها، قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها )، أي: كل ما أدعو به، سأدعو به لك، ولن أدعو لنفسي ولا لأهلي ولا لأحد، فقال له صلى الله عليه وسلم: ( إذاً يُكفى همك، ويغفر ذنبك )، والإنسان في هذه الحياة لا يريد إلا أمرين: مغفرة الذنوب ودخول الجنة، وتحقيق أمنياته، وإذا كان يريد أن يتزوج فإنه يسأل ربه الزواج، وإذا كان يريد أن يشفى من مرضه فإنه يسأل ربه أن يشفيه من مرضه، وإذا كان يريد مالاً فإنه يسأل ربه أن يعطيه مالاً، وكل هذه الأمور تهم الإنسان وتشغله فكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بإذن الله يكفى بها المرء همه وفيه دلالة على استجابة دعائه بإذن الله.

وعلى هذا ما يفعله العامة خاصة الشباب والشابات: من قراءة سورة البقرة لأجل الزواج، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء إلا أمران: هما الدعاء، والصدقة، ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يغفل عنه كثير من الناس؛ فإنه إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كُفي همه، بمعنى: زال ما يشغله، ولعل الحديث الذي جاء عند أهل السنن عن ابن عمر وعن ابن عباس حينما خدرت رجله قال: اذكر أحب الناس إليك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود ليس مناداة الرسول صلى الله عليه وسلم -مع أن الحديث ضعيف- لكن يُحمل على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كُفي همه من وجع رجله، والعلم عند الله، وعلى هذا فينبغي على الإنسان أن يُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكر أن بعض الفضلاء يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها ستة آلاف وأربعمائة مرة، ولا شك أننا مقصرون جداً جداً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي للإنسان أن يُعاهد نفسه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

ذكر المؤلف أنه يُستحب أن يُكثر المرء من الدعاء في يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، وقد اختلف أهل العلم في تحديدها إلى أكثر من أربعين قولاً ذكرها الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل خيراً إلا أعطاه الله إياه )، ومع كثرة الأقوال فيها إلا أن أحسنها قولان:

القول الأول: إنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وقولنا: (هي آخر ساعة) يعني: هي آخر الوقت، وعلى هذا فالإنسان يدعو يوم الجمعة في آخر ساعة من العصر، فإذا فُرض أن العصر مثلاً: من الساعة الثالثة تقريباً إلى الساعة السادسة مثلاً فإنه يشرع في الدعاء من خمس إلا ربع تقريباً، وأما تحديد ذلك بخمس دقائق قبل الأذان، أو سبع أو عشر دقائق قبل الأذان فهذا بلا شك تقصير في الدعاء، وإلا فإنه ينبغي أن يلهج الإنسان بذكر الله ودعائه وحسن ثنائه وأن يُكثر من الإلحاح، ولا شك أن الإطالة في الدعاء توشك أن تفتح لصاحبها، وأما الاقتصار على خمس دقائق كما يفعله العامة فلا ينبغي، فإن الأفضل أن يُطيل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( قائماً يصلي )، ولا شك أن معنى (قائماً يصلي) يدعو، وليس المقصود به الصلاة، ولا بد أن تعلم أن كلمة (قائماً) تفيد الإطالة، ولهذا قال تعالى: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، يعني: ملازماً، مواصلاً، مثابراً، وهذا لا يتأتى إلا مع إطالته في دعائه في عصر يوم الجمعة.

القول الثاني: إنها ما بين أن يدخل الإمام لخطبة الجمعة، وشروع المؤذن في الأذان إلى أن تقضى الصلاة، يعني: إلى أن يُسلم الإمام من الصلاة، وفي هذا دلالة على أنه إذا شرع المؤذن في الأذان ينبغي أن يُكثر المرء إماماً كان أو مأموماً من الدعاء، وحُسن الإنصات للمؤذن؛ لأن الإنصات للمؤذن نوع إجابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث عمر : ( ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، إلا دخل الجنة )، فهذه ساعة إجابة فينبغي أن يُتابع المؤذن، كذلك يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، لما جاء في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص : ( ما من مسلم يقول حينما يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، إلا غُفر له ذنبه )، فهذا وقت إجابة.

كذلك إذا انتهى من الأذان فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل له الوسيلة، كذلك يُكثر من الدعاء قبل أن يبدأ الإمام الخطبة، وهذه مواطن يغفل فيها الناس عن الدعاء، وذلك بسبب انشغالهم بما يستحدث عنه الإمام، وما هي الخطبة، أو بغير ذلك، وكذلك إذا شرع الإمام بالدعاء يوم الجمعة، أو جلس بين الخطبتين فإنه ينبغي للإنسان أن يُكثر من الدعاء.

وفي فضل هذه الساعة جاءت أحاديث مرفوعة، وموقوفة، فالمرفوع رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر : ( أنه سأل أبا بردة : كيف سمعت أباك، يعني: عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري ، يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة؟ قال: يقول: ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة )، رواه مسلم موصولاً، وقد أشار الدارقطني إلى علة فيه، والصواب وقفه على أبي موسى ، ولا يصح مرفوعاً، والله أعلم، ولعل هذا القول قوي أنه لا يصح مرفوعاً، ولكن من المعلوم أن أبا موسى الأشعري لا يأخذ عن بني إسرائيل ولا يُعرف عنه أنه كان يأخذ عنهم، فمن المعلوم أن هذا له حكم الرفع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، والأمور الغيبية حاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤتمنون على دين الله، أن ينسبوا إلى الله أو إلى رسوله وإلى دينه ما ليس منه.

فدل ذلك والله أعلم على أن من الساعات: آخر ساعة في يوم الجمعة، ومن دخول الإمام إلى أن تقضى الصلاة، ومما يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الجمعة لساعة )، يعني: زمناً ووقتاً، وهذا لا يلزم منه أن يكون وقتاً واحداً، فالعبرة هي بوجود الإجابة وقبول الله سبحانه وتعالى للدعاء، ولهذا فإنه لا مانع أن الوقتين يشملهما ساعة واحدة، والله أعلم، وهذا الذي قواه ابن القيم رحمه الله.