خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الصلاة [80]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقناً اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله في كتابه الروض المربع في باب صلاة الجماعة: [وحر بالرفع على الابتداء، وحاضر أي حضري وهو الناشئ في المدن والقرى، ومقيم، وبصير، ومختون أي: مقطوع القلفة، ومن له ثياب أي ثوبان وما يستر به رأسه أولى من ضدهم، خبر عن حر وما عطف عليه، فالحر أولى من العبد والمبعض، والحضري أولى من البدوي الناشئ في البادية، والمقيم أولى من المسافر؛ لأنه ربما يقصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة، وبصير أولى من أعمى، ومختون أولى من أقلف، ومن له من الثياب ما ذكر أولى من مستور العورة مع أحد العاتقين فقط، وكذا المبعض أولى من العبد، والمتوضأ أولى من المتيمم، والمستأجر في البيت المؤجر أولى من المؤجر، والمعير أولى من المستعير].
قال المؤلف رحمه الله: (وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه).
عندما ذكر المؤلف ما سبق أنهم أولى من غيرهم فلا يخلو حينئذ من أحوال:
الحال الأولى: أن يتقدم المفضول على الفاضل بإذنه، الآن المقيم أولى من المسافر، فيكون تقديم المسافر مفضولاً على الفاضل وغيره مما سبق، فيكون تقديم المفضول على الفاضل بإذنه قالوا: تصح الصلاة من غير كراهة إذا كان بإذنه، قالوا: ويحمل كل ما سبق خلافه على أن ثمة إذناً قائماً فإمامة سالم مولى أبي حذيفة كان بإذن، وإمامة المسافر كان بإذن، هذا هو المذهب.
والراجح: أنه إذا كان بإذن فهو على المذهب فلا حرج أصلاً، إلا أنه إمامة صاحب المسجد وإمامة صاحب البيت نقول: إذا كان بإذن جاز، وإذا لم يكن بإذن فهو محرم؛ لأن هذا نوع من الافتيات عليه، وهذا هو القسم الثاني، إذا كان بغير إذن، فإن المذهب يرون أن إمامة المفضول على الفاضل بلا إذن تكره على الصحيح من المذهب، فإمامة المسافر بالمقيم بلا إذنه، وإمامة المتيمم بالمتوضئ بلا إذنه على المذهب كل ذلك مكروه، وعلى هذا فقس في الحاضر، والمقيم، والمختون، والبصير.
والذي يظهر والله أعلم: أن ذلك من غير كراهة؛ لأن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي، وأما إمامة غير صاحب البيت على البيت من غير إذنه، أو إمامة الشخص على إمام المسجد بلا إذنه فإن ذلك محرم؛ لأن هذا افتيات على حق المخلوق بلا إذنه، والرواية الأخرى: أن ذلك مكروه.
واستثنى الحنابلة السلطان؛ لأن له ولاية على الجميع، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت عتبان بن مالك فصلى به، ودخل بيت أنس وصلى به، العلماء يقولون: بأن تقدمة السلطان الأعظم إنما هو من باب الإذن الضمني، وهذا الذي يظهر؛ لأن صاحب البيت يفرح أن يأتي السلطان في العادة بيته ويصلي به، فهذا من باب الإذن الضمني.
ثم ذكر المؤلف حديث: ( إذا أمّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال )، والحديث لا يصح، وقاعدتنا أن الحديث إذا أخرجه العقيلي في الضعفاء أو ابن عدي في الكامل أو الديلمي في مسند الفردوس أو الطبراني في الكبير فإن هذه التخريجات مواطن ضعف فتنبه، وهذا الحديث مداره على رجل يقال له: الهيثم بن عقاب الكوفي ولا يحتج به، والإمام أحمد رحمه الله في رسالة الصلاة لم يقل: وفي الحديث، إنما قال: فإن الناس إذا صلى من ليس أهلاً لذلك لم يزالوا في سفال، وهذا من قوله رحمه الله، ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يظن أن أحمد أسنده في هذه الرسالة، وهو لم يسنده ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: (إلا إمام المسجد وصاحب البيت فتحرم)، هذا المذهب.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا تصح الصلاة خلف فاسق مطلقاً سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد، إلّا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تؤمن امرأة رجلاً ولا أعرابي مهاجراً ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه )، رواه ابن ماجه عن جابر ، ككافر أي: كما لا تصح خلف كافر، سواء علم بكفره في الصلاة أو بعد الفراغ منها، وتصح خلف المخالف في الفروع].
ضابط الفاسق وحكم الصلاة خلفه
إذاً الفاسق هو من أتى كبيرة أو أكثر من الصغائر، قالوا: فإن الصلاة خلف الفاسق عند الحنابلة لا تصح، وهذا هو مذهب مالك ، سواءً أكان فسقه من جهة الأفعال، أم كان فسقه من جهة الاعتقاد، وقولنا: من جهة الأفعال أي العمل، أما الاعتقاد فهو أن يأتي بشبهة هوى، ليست بمكفرة، كمن وصف الله سبحانه وتعالى بأنه سميع بلا سمع كالمعتزلة أو الأشاعرة أو غير ذلك كما هو معروف.
والراجح والله تبارك وتعالى أعلم: القول الثاني في المسألة، وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ورواية عن مالك ، وهو ظاهر صنيع وتقريرات أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، وهو أن الصلاة خلف الفاسق تصح؛ لأن كل من صحت صلاته صحت إمامته.
وأما حديث: ( صلوا خلف كل من قال: لا إله إلا الله )، فهذا حديث رواه الدارقطني وهو ضعيف جداً، وأصح شيء في الباب: ما ثبت من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار : ( أنه دخل على
ولحديث أبي هريرة عند البخاري : ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، وقد صلى عبد الله بن عمر خلف الحجاج بن يوسف ، وأما القول بأنهم صلوا خلف مروان بن الحكم فإن مروان بن الحكم ثقة ثبت، وإنما أخطأ في بعض اجتهاده، والتأويل ليس مثل من يقع في المحذور، هذا هو الراجح.
الصلاة خلف الفاسق في الجمعة والعيد
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صحح صلاتهم في غير الجمعة فصلاة الجمعة من باب أولى، وهل تجدون في كتاب الله أو سنة رسوله أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح الصلاة خلفهم؟ نقول: نعم، فأصح شيء في الباب من الموقوف حديث عثمان ، وأما المرفوع فكما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها؟ قال: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة )، ومن المعلوم أن الذي يؤخر الصلاة إلى خروج وقتها واقع في الفسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان؛ قام فنقر أربعاً لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً )، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة)، وهذا يفيد أمرين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم صحح الصلاة معهم نافلة، والثاني: أنهم لو صلوا الصلاة في أول الوقت لجاز أن يصلي خلفهم، فدل ذلك على صحة الصلاة خلف الفاسق والله أعلم.
وأما ما استدل به المؤلف رحمه الله وهو ( لا تؤمن امرأة رجلاً ولا أعرابي مهاجراً ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه أو سيفه )، فهذا الحديث رواه ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله ، وفي سنده عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد بن جدعان ، وهما ضعيفان ولا يحتج بهما.
حكم إعادة الصلاة لمن صلى خلف الفاسق
قال المؤلف رحمه الله: (ككافر)، بمعنى: أنه لا تصح الصلاة خلف الفاسق، سواء أعلم فسقه بعد الصلاة أو قبل الصلاة، كما أنها لا تصح الصلاة خلف كافر سواء علمنا كفره قبل الصلاة أو علمنا كفره بعد الصلاة، فإن علمنا كفره قبل الصلاة لم تصح الصلاة وأثم فاعله، وأما بعد الصلاة فلا يأثم ولكنه يعيد الصلاة.
والرواية الثانية عند الحنابلة: أن الصلاة خلف الفاسق بعد انتهاء الصلاة لا يلزمه الإعادة؛ لأنه صلى حسب قدرته، وهذا أظهر، بمعنى: أننا لو صلينا خلف من لا تصح صلاته ولم نعلم إلا بعد انتهاء الصلاة فالصلاة صحيحة، كما قلنا في إمامة غير المتوضئ، يعني: الذي ليس بطاهر فالحنابلة يرون الإعادة، وقلنا: الصحيح أنه لا يلزم الإعادة، وقلنا: أصح شيء في الباب قصة عمر رضي الله عنه حينما صلى بأصحابه، فلما وصل الجرف وجد على ثيابه بللاً، يعني: أنه احتلم، فاغتسل وأعاد الصلاة ولم يأمر أصحابه بذلك، كما روى ذلك ابن المنذر في الأوسط و ابن أبي شيبة وغيرهما.
وعلى هذا فالذي يظهر: أن الإنسان لا يلزمه الإعادة بعد انتهاء العبادة. لكن إذا كنت في خارج المملكة وكان هناك قادياني أو شخص عالم يرى عبادة القبور وبناء الأضرحة ودعاء الموتى ويقرر ذلك، واستتيب فلم يتب، فهذا والعياذ بالله كافر، ولا تصح الصلاة خلفه، لكن لو لم نعلم إلا بعد الانتهاء، فالحنابلة لهم روايتان: أشهرهما وأصحها عندهم: أنه يلزم الإعادة، والرواية الثانية: أنه لا يلزم الإعادة، والأحوط الإعادة، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا تصح الصلاة خلف فاسق)، الفاسق عند الحنابلة: هو من أتى كبيرة أو داوم على صغيرة، فإسبال الثياب على المذهب مكروه، إلا أن يكون على سبيل الخيلاء فيحرم، هذا على المذهب، وقلنا: إن الراجح أن ذلك محرم، وحالق اللحية أتى صغيرة لكن إذا أكثر من حلق اللحية ومن الغناء ومن غير ذلك فقد أكثر من الصغائر، وليس صغيرة واحدة داوم عليها بل أكثر من الصغائر فهذا فاسق، ولا شك أن الصلاة خلف من لم يقع في صغيرة أولى من الصلاة خلف من وقع في صغيرة.
إذاً الفاسق هو من أتى كبيرة أو أكثر من الصغائر، قالوا: فإن الصلاة خلف الفاسق عند الحنابلة لا تصح، وهذا هو مذهب مالك ، سواءً أكان فسقه من جهة الأفعال، أم كان فسقه من جهة الاعتقاد، وقولنا: من جهة الأفعال أي العمل، أما الاعتقاد فهو أن يأتي بشبهة هوى، ليست بمكفرة، كمن وصف الله سبحانه وتعالى بأنه سميع بلا سمع كالمعتزلة أو الأشاعرة أو غير ذلك كما هو معروف.
والراجح والله تبارك وتعالى أعلم: القول الثاني في المسألة، وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ورواية عن مالك ، وهو ظاهر صنيع وتقريرات أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، وهو أن الصلاة خلف الفاسق تصح؛ لأن كل من صحت صلاته صحت إمامته.
وأما حديث: ( صلوا خلف كل من قال: لا إله إلا الله )، فهذا حديث رواه الدارقطني وهو ضعيف جداً، وأصح شيء في الباب: ما ثبت من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار : ( أنه دخل على
ولحديث أبي هريرة عند البخاري : ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، وقد صلى عبد الله بن عمر خلف الحجاج بن يوسف ، وأما القول بأنهم صلوا خلف مروان بن الحكم فإن مروان بن الحكم ثقة ثبت، وإنما أخطأ في بعض اجتهاده، والتأويل ليس مثل من يقع في المحذور، هذا هو الراجح.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2588 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2547 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2544 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2356 استماع |