أرشيف المقالات

مرقد..

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
مرقد
 
آواه المبيتُ يومًا إلى مكان لم يَعتَدْ عليه، وفراشٍ غير فراشه.
ظلَّ طوال الليل يتقلَّب حتى كاد ينقشعُ الظلام.
رَمقه صاحبه، وقال له: ما بك؟
قال: الذي بي هو أني لا أستطيعُ النوم في مكان ما لم أعْتَدْ عليه!
تنهَّد صاحبه ثم أجابه: لقد ذكَّرتني بأبيات تقول:






إني أبثُّك عن حدي
ثٍ والحديثُ له شجون


غيَّرت موضع مرقدي
ليلًا ففارقني السكون


قل لي فأول ليلة
في القبر: كيف تُرى أكون؟






 
ردَّ عليه وهو يبتسم:
مصيبة! أريد النوم وتذكُرُ الموتَ؟!
فقال: الموت أُخيَّ أعظمُ المصائب، سماه الله تعالى بذلك: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106]، وأعظم منه الغفلةُ عنه، والإعراض عن ذِكرِه، وقلة التفكُّر فيه، وتركُ العمل له!
 
فإن في الموت - وحدَه - لعِبرةً لمن اعتبر، وفكرة لمن تفكَّر، يُروى في الخبر: (لو علمَتِ البهائم من الموت ما تعلمون، ما أكلتم منها سمينًا أبدًا).
 
حبيبي وحبيبك عليه الصلاة والسلام قال: ((أكثروا ذكرَ هادم اللذات)).
وهو كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرةَ، وأبلغ في الموعظة، لكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعَّاظ، وتزويق الألفاظ؛ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام: ((أكثروا ذكرَ هادم اللذات))، مع قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185] - ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه.
 
واعلم أُخيَّ أن الموت ليس له سنٌّ معلومة، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم؛ وذلك ليكون المرءُ على أهبةٍ من ذلك، مستعدًّا لذلك[1].
لكننا نغفل..
نسينا أننا نرحل..
وتُلهينا أمانينا
وحبَّات لها نكتل..
ظننا أننا نبقى سنين
عمرنا أطول..
غدًا نرحل، ألا تنظر؟
فهذا الموت قد أقبَل..
غدًا نرحل
فإما الموت أو مقتل!
فيا قلبي، ألا تحيا؟!
من الحتفِ ألا توجل؟!
تذكَّرْ ضِيقَ مرقدنا
تذكَّرْ يوم مبعثنا
فكل (مراضع) تَذهَل!
غرقنا في معاصينا
ألا نخشى؟ ألا نخجل؟!
فيا رب الهدى نرجو
رشادًا، ضلَّ من يجهل
تجاوَزْ عن معاصينا
تقبَّل صالحًا نعمل
 
وقفة:
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه: خرج إلى المقبرة، فلما أشرف عليها قال: (يا أهل القبور، أخبِرونا عنكم أو نُخبركم! أما خبرُ مَن قبلنا: فالمال قد اقتسم، والنساء قد تزوَّجْن، والمساكن قد سكنها قومٌ غيركم، ثم قال: أَمَا والله لو استطاعوا لقالوا: لم نرَ زادًا خيرًا من التقوى).



[1] انظر: التذكرة؛ للقرطبي.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢