الروض المربع - كتاب الصلاة [68]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو أي: سجود التلاوة، أربع عشرة سجدة: في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج منها اثنتان، والفرقان، والنمل، وألم تنزيل، وحم فصلت، والنجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك. وسجدة ص سجدة شكر ].

اختلاف العلماء في عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم

اختلف العلماء في عدد سجدات التلاوة في القرآن، مع أنهم أجمعوا على عشر منها، كما ذكر ذلك ابن هبيرة قال: واتفقوا على أن سجدات التلاوة الموجودة في القرآن عشر، واختلفوا فيما عدا ذلك، أي: الأئمة الأربعة، والسبب في ذلك أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ آيات فيها سجدة ولم يسجد، كما في حديث: ( قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1] فلم يسجد فيها )، فذهب مالك رحمه الله إلى أن المفصل ليس فيه سجدة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: عن سجدة ص، على الخلاف هل روي مرفوعاً أو هو من قول ابن عباس ؟ والصواب أنه من قول ابن عباس كما روى البخاري : ( (ص) ليست من عزائم السجود، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها )، فذهب الحنابلة والشافعية إلى أنها ليست من عزائم السجود، وأنها سجدة شكر، وهذا يسميه العلماء سبب الخلاف، فسبب خلافهم هو أنه وجد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد فيها، فجعلوا عدم سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها دليلاً على أنها ليس فيها سجدة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن سجوده هنا إنما سجدها شكراً؛ لأن داود عليه السلام كما في سورة ص سجد شكراً لله، فقال صلى الله عليه وسلم: ( فنحن نسجدها ).

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أنه ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها؛ فإنه يشرع للإنسان أن يسجد، وكونه صلى الله عليه وسلم أشار إلى علة السجود -وهو الشكر- لا ينافي أنها موضع سجود، ولهذا قال ابن عباس : ( ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها )، يعني: سجدة (ص).

وأيضاً: من المعلوم أن فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -عبادةً شكراً لله- يستحب لنا الاقتداء بهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علل سجود داود بأنه شكر واقتدى به، لقوله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، ومن المعلوم أن موسى عليه السلام صام يوم عاشوراء شكراً لله، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وكان ذلك في أول الإسلام من عزائم الصيام، فكون النبي الذي قبل النبي صلى الله عليه وسلم يفعل عبادةً شكراً لله ويقتدي النبي صلى الله عليه وسلم به، لا يمنع أن يكون ذلك مشروعاً، فمعرفة العلل وأسباب الخلاف مهم لطالب العلم.

إذاً: الذي يظهر والله أعلم أن سجدات التلاوة خمس عشرة سجدة، ومنع الحنابلة والشافعية من سجود سجدة (ص) وقالوا: لأنها ليست من عزائم السجود، وهذا محل نظر، والذي يظهر هو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عند الإمام أحمد ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها.

وأما قولهم: إنها ليست من عزائم السجود، فيقال: ما المقصود بالعزائم؟ إن قصد بالعزائم أن سجودها عزيمة، وواجب، وهو ما ثبت موافقةً للدليل، قلنا: نعم، فليست سجدة (ص) ولا غيرها من السجدات عزائم.

وإن قيل: إن عزيمة معناه أن سجودها ليس لأجل التلاوة ذاتها، ولكن لأجل شكر داود عليه السلام لربه، فكما أن العبد يشكر ربه بالدعاء، فيشكر ربه بالصلاة.

قيل: تعليل النبي صلى الله عليه وسلم سجود داود بأنه للشكر، لا ينفي مشروعية السجود بدليل أنه سجد، فاقتداؤنا هو بفعله صلى الله عليه وسلم لا بفعل داود كما نقول ذلك في صيام عاشوراء، فاقتداؤنا هو بفعله لا بفعل موسى، كما نقول أيضاً في السعي بين الصفا والمروة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عند ابن خزيمة عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت هاجر ، فاقتداؤنا في السعي بين الصفا والمروة إنما هو بفعله لا بفعل هاجر ، وهذا إن شاء الله بين واضح والله أعلم.

وعلى هذا: فإن الراجح والله تبارك وتعالى أعلم: أن سجدات التلاوة خمس عشرة سجدة، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل، فهذا ليس فيه دلالة على عدم مشروعية السجود، ولكنه دليل على عدم وجوب سجود التلاوة، بدليل: أن ما حفظ عنه عليه الصلاة والسلام في أنه لم يسجد، قد حفظ عنه عليه الصلاة والسلام أنه سجد، هذه هي قاعدة هذه المسألة.

مواضع سجود التلاوة في القرآن

وسجدات التلاوة هي: في (الأعراف) في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206]، وفي (الرعد) في قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد:15]، وفي سورة (النحل) في قوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون [النحل:50]، وفي سورة سبحان، (الإسراء) في قوله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109]، و(في الحج منها اثنتان): الأولى: قوله تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]، والثانية قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، وفي سورة (الفرقان) في قوله تعالى: أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً [الفرقان:60]، وفي سورة (النمل) في قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:26]، وفي سورة (ألم تنزيل السجدة)، في قوله تعالى: إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة:15]، وفي سورة (حم فصلت) في قوله تعالى: يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38].

وبالمناسبة في نسخ بعض الروض خطأ، لأنه قال: (ألم تنزيل)، ثم قال: و(حم السجدة)، حتى في الحاشية، والمعروف أن (ألم تنزيل) هي السجدة، و(حم) هي فصلت.

وسورة (النجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك، وسجدة ص)، إذاً: هي أربع عشرة سجدة على المذهب من غير سجدة ص، والراجح -والله أعلم- هو مذهب أبي حنيفة و مالك ورواية عند الإمام أحمد : أن سجدة ص يسجد فيها، لقول ابن عباس: ( ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ).

أما ما معنى عزائم السجود، فقد قلنا: إن كان المقصود بالعزائم هو الوجوب، فليست سجدة (ص) ولا غيرها من سجدات القرآن عزيمة، وإن قيل: إن العزيمة بمعنى ما قصد بها سجود التلاوة، قلنا: اقتداؤنا في سجدة (ص) هي بفعله صلى الله عليه وسلم لا بفعل داود عليه السلام.

اختلف العلماء في عدد سجدات التلاوة في القرآن، مع أنهم أجمعوا على عشر منها، كما ذكر ذلك ابن هبيرة قال: واتفقوا على أن سجدات التلاوة الموجودة في القرآن عشر، واختلفوا فيما عدا ذلك، أي: الأئمة الأربعة، والسبب في ذلك أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ آيات فيها سجدة ولم يسجد، كما في حديث: ( قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1] فلم يسجد فيها )، فذهب مالك رحمه الله إلى أن المفصل ليس فيه سجدة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: عن سجدة ص، على الخلاف هل روي مرفوعاً أو هو من قول ابن عباس ؟ والصواب أنه من قول ابن عباس كما روى البخاري : ( (ص) ليست من عزائم السجود، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها )، فذهب الحنابلة والشافعية إلى أنها ليست من عزائم السجود، وأنها سجدة شكر، وهذا يسميه العلماء سبب الخلاف، فسبب خلافهم هو أنه وجد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد فيها، فجعلوا عدم سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها دليلاً على أنها ليس فيها سجدة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن سجوده هنا إنما سجدها شكراً؛ لأن داود عليه السلام كما في سورة ص سجد شكراً لله، فقال صلى الله عليه وسلم: ( فنحن نسجدها ).

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أنه ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها؛ فإنه يشرع للإنسان أن يسجد، وكونه صلى الله عليه وسلم أشار إلى علة السجود -وهو الشكر- لا ينافي أنها موضع سجود، ولهذا قال ابن عباس : ( ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها )، يعني: سجدة (ص).

وأيضاً: من المعلوم أن فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -عبادةً شكراً لله- يستحب لنا الاقتداء بهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علل سجود داود بأنه شكر واقتدى به، لقوله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، ومن المعلوم أن موسى عليه السلام صام يوم عاشوراء شكراً لله، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وكان ذلك في أول الإسلام من عزائم الصيام، فكون النبي الذي قبل النبي صلى الله عليه وسلم يفعل عبادةً شكراً لله ويقتدي النبي صلى الله عليه وسلم به، لا يمنع أن يكون ذلك مشروعاً، فمعرفة العلل وأسباب الخلاف مهم لطالب العلم.

إذاً: الذي يظهر والله أعلم أن سجدات التلاوة خمس عشرة سجدة، ومنع الحنابلة والشافعية من سجود سجدة (ص) وقالوا: لأنها ليست من عزائم السجود، وهذا محل نظر، والذي يظهر هو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عند الإمام أحمد ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها.

وأما قولهم: إنها ليست من عزائم السجود، فيقال: ما المقصود بالعزائم؟ إن قصد بالعزائم أن سجودها عزيمة، وواجب، وهو ما ثبت موافقةً للدليل، قلنا: نعم، فليست سجدة (ص) ولا غيرها من السجدات عزائم.

وإن قيل: إن عزيمة معناه أن سجودها ليس لأجل التلاوة ذاتها، ولكن لأجل شكر داود عليه السلام لربه، فكما أن العبد يشكر ربه بالدعاء، فيشكر ربه بالصلاة.

قيل: تعليل النبي صلى الله عليه وسلم سجود داود بأنه للشكر، لا ينفي مشروعية السجود بدليل أنه سجد، فاقتداؤنا هو بفعله صلى الله عليه وسلم لا بفعل داود كما نقول ذلك في صيام عاشوراء، فاقتداؤنا هو بفعله لا بفعل موسى، كما نقول أيضاً في السعي بين الصفا والمروة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عند ابن خزيمة عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت هاجر ، فاقتداؤنا في السعي بين الصفا والمروة إنما هو بفعله لا بفعل هاجر ، وهذا إن شاء الله بين واضح والله أعلم.

وعلى هذا: فإن الراجح والله تبارك وتعالى أعلم: أن سجدات التلاوة خمس عشرة سجدة، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل، فهذا ليس فيه دلالة على عدم مشروعية السجود، ولكنه دليل على عدم وجوب سجود التلاوة، بدليل: أن ما حفظ عنه عليه الصلاة والسلام في أنه لم يسجد، قد حفظ عنه عليه الصلاة والسلام أنه سجد، هذه هي قاعدة هذه المسألة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2626 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2583 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2542 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2541 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2516 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2448 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2382 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2370 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2351 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2349 استماع