الروض المربع - كتاب الصلاة [67]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته )، متفق عليه، وقال عمر رضي الله عنه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، رواه البخاري، ويسجد في طواف مع قصر فصل، ويتيمم محدث بشرطه، ويسجد مع قصره، وإذا نسي سجدة لم يعد الآية لأجله].

استحباب سجود التلاوة على القارئ

ذكرنا سابقاً خلاف أهل العلم في مسألة سجود التلاوة، هل هو صلاة أم لا؟ وقلنا: إن جمهور الفقهاء يرون أنها صلاة، ويرتبون عليها ما يرتبون على النافلة، وعلى هذا فسوف نأتي إلى بعض المسائل التي ترتبط بمسألة الصلاة، ونحن بصدد مسألة أنه يسن للقارئ والمستمع، أما القارئ فقد قرأ السجدة، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من لا يسجد لله، قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:21].

وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية من آيات السجدات التي في القرآن، كما سوف يأتي خلاف أهل العلم في عددها.

استحباب سجود التلاوة على المستمع

يستحب سجود التلاوة للمستمع، وأدلة سجود التلاوة للمستمع: كثيرة منها:

ما ذكره المؤلف رحمه الله بما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعاً لمكان جبهته )، والشاهد في ذلك قوله: (فنسجد معه)، وهذا دليل على أن المستمع يسجد كذلك.

وقد جاء عند البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ورواه ابن أبي شيبة عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: إنما السجدة لمن استمع، وفي رواية: لمن استمعها، وقد رواه أيضاً ابن أبي شيبة و عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنه: إنما السجدة لمن جلس لها، وقد جاء عن ابن عباس أنه قال: إنما السجدة على من جلس لها، وهذا يفيد على أن المستمع والقارئ في ذلك سواء.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى في كتابه المؤمّن للداعي بمثابة الداعي، فقال في حق موسى وهارون حينما دعا موسى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ [يونس:88]، ثم قال الله تعالى: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89]، مع أن الداعي موسى والمؤمِّن هارون، فكان المستمع بمثابة من قرأ السجدة.

وأما السامع فإنه لم يجلس لها، وعلى هذا فلا يسجد وهو غير مخاطب، وقد قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، فكان الإنصات والاستماع بمثابة القراءة.

إذا ثبت هذا: فإن المؤلف يقول: وقال عمر: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، رواه البخاري، وهذا يفيد كما سيأتي إن شاء الله بيانه أنه إذا لم يسجد القارئ فلا يسجد المستمع، ولهذا فلما تهيأ الناس للسجود في عهد عمر ، قال: أيها الناس! إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، فلم يسجد عمر ، ولم يسجد الصحابة، وسوف يأتي تقرير ذلك أكثر.

سجود التلاوة لمن يطوف بالبيت

قال المؤلف رحمه الله: (ويسجد في طواف مع قصر فصل)، هذا في حق ما لو قرأ الطائف القرآن في الطواف، فمر على آية سجود، فقال المؤلف: (ويسجد في طواف مع قصر فصل)، يعني: لا يطيل، وهذا لا يخرج عن الموالاة.

وأفادنا المؤلف بقوله: (ويسجد في طواف) جواز قراءة القرآن للطائف، وقد اختلف السلف في قراءة القرآن في حق الطائف، مع اتفاقهم على أن التسبيح والدعاء جائز، فجوز ابن المبارك و عطاء قراءة القرآن، ومنعه بعضهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: وعلى هذا ففعل ما اتفقوا عليه أولى من فعل ما اختلفوا فيه، يعني: أن التسبيح أفضل، وهذه فائدة، فالذين يتكلمون في مسألة الطواف لا يذكرون كثرة التسبيح والتهليل والتكبير والإنسان يطوف، فإنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى، كما قالت عائشة وروي مرفوعاً ولا يصح، فإقامة ذكر الله شيء والدعاء شيء آخر، وعلى هذا فالأفضل أن الإنسان يكثر من التهليل والتسبيح والحمد لله سبحانه وتعالى.

ولهذا فرق الله بين ذكره وبين الدعاء والاستغفار، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135]، إذاً كونك إذا أذنبت تسبح الله وتكثر من ذلك وتحمده أفضل بكثير مما يفعله بعض الناس، وهو فقط الاستغفار، وإن كان الاستغفار محموداً، لكن التسبيح أعظم، وهو أدعى لقبول التوبة، وزوال غضب الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه.

لهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم في قصة فصل القضاء بين العباد: ( إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله ولن يغضب مثله، ثم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: فيلهمني الله من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، فيقال: يا محمد ! ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع )، وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى قد رضي على الناس بثناء محمد صلى الله عليه وسلم له سبحانه.

والراجح: جواز قراءة القرآن؛ لأنه من ذكر الله، وإن كان الأفضل التسبيح والتحميد والتكبير.

ذكرنا سابقاً خلاف أهل العلم في مسألة سجود التلاوة، هل هو صلاة أم لا؟ وقلنا: إن جمهور الفقهاء يرون أنها صلاة، ويرتبون عليها ما يرتبون على النافلة، وعلى هذا فسوف نأتي إلى بعض المسائل التي ترتبط بمسألة الصلاة، ونحن بصدد مسألة أنه يسن للقارئ والمستمع، أما القارئ فقد قرأ السجدة، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من لا يسجد لله، قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:21].

وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية من آيات السجدات التي في القرآن، كما سوف يأتي خلاف أهل العلم في عددها.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2549 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2527 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2452 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2387 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2358 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2355 استماع