خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجمعة - حديث 482-484
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
رقم هذا الدرس هو (176)، وهذه ليلة الإثنين الرابع من شهر صفر من سنة (1426) للهجرة.
أربعة أحاديث إن شاء الله تعالى من شرح بلوغ المرام، ونحن حاولنا أن نستعجل في أشياء كثيرة؛ لأن في ودنا أن نقطع مرحلة جيدة، والبلوغ تعرفون صار له الآن يمكن عشر سنوات, بدأنا فيه والحمد لله.
وأنا مؤمن بأن من أغلى ما يملكه الإنسان ويستفيد منه هو المواصلة والإصرار والدأب.
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
حقيقة أنا أعتز فيما يخصني كوني على حين ساعتي هذه وسني ما زلت أجد في نفسي قوة للقراءة، وأحمل أوراقي وأحفظ وأراجع، وأعتقد أن هذا بحد ذاته شيء طيب يجعل الإنسان في النهاية يحصل ولو على بعض ما يريد، كما يقولون: العلم أعطه كلك يعطك بعضه .
فبعض الإخوة يسألون عن الحفظ، والحفظ بودنا أن يكون فيه برنامج خاص بين الشباب لحفظ الأحاديث وتسجيل مستوى الحفظ، إنما هذا سنرتبه, إن شاء الله -لعله- الأسبوع القادم نحدد لكم فيه موعداً.
ما يتعلق بالأحاديث التي عندنا كلها في صلاة الجمعة: الحديث رقم (457)، حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وسورة المنافقين ).
المصنف رحمه الله ذكر هذا الحديث وقال: رواه مسلم .
وهو كما قال المصنف رحمه الله، فقد رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، وساق قبله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورة السجدة وهل أتى على الإنسان، ويقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين ).
وقد رواه أهل السنن, فهو في سنن أبي داود أيضاً في الباب نفسه، ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة؛ لمناسبة ذكر السجدة وهل أتى.
وأيضاً النسائي في السنن , القراءة يوم الجمعة, ورواه البيهقي وأحمد وأبو عوانة, وغيرهم.
والحديث بطبيعة الحال صحيح؛ لأنه كما قال المصنف: رواه مسلم .
الحديث الذي بعده: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه, والمصنف رحمه الله ساقه أيضاً برقم (458), قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ).
والمصنف أيضاً قال: وله -يعني: لـمسلم - فالحديث أيضاً رواه مسلم في الباب والكتاب نفسه، ما يقرأ في صلاة الجمعة، وذكر تمام الحديث: ( أنه إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ). وقد رواه أهل السنن, فرواه أبو داود في الجمعة، ما يقرأ به في صلاة الجمعة، والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي وابن خزيمة وصححه وابن حبان والبيهقي، وغيرهم.
معاني ألفاظ الحديثين
وما يتعلق بالسجدة وهل أتى في صلاة الفجر، كان يقرأ السجدة في الركعة الأولى، وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه جزأ هذه السور في قراءتها، كأن يقرأ السجدة مثلاً في الركعتين، أو يقرأ جزءاً منها ثم يسجد، أو يقرأ سورة أخرى فيها سجدة، وإنما كان يقرأ الم [السجدة:1] تَنزِيلُ [السجدة:2]، وهي سورة السجدة.
والحديث الآخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين - يعني: في صلاة العيدين، في صلاة عيد الفطر، وفي صلاة عيد الأضحى- كان يقرأ أيضاً بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). ويقرأها أيضاً في الجمعة.
ما يقرأ في صلاة الجمعة
ففيها ما يقرأ في صلاة الجمعة؛ طبعاً العيد سوف يأتي إن شاء الله في باب خاص, لكن فيها ما يقرأ في صلاة الجمعة، وهي مسألة خفيفة, والعلماء فيها على قولين:
القول الأول: أنه يستحب للإمام أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى، وسورة المنافقين في الركعة الثانية، فإذا لم يقرأ بالجمعة والمنافقين استحب له أن يقرأ سبح والغاشية، سبح في الركعة الأولى، والغاشية في الركعة الثانية، وهذا مذهب جمهور العلماء: مذهب الإمام مالك وأهل المدينة وأحمد والشافعي وأهل الحديث وأهل الظاهر، وغيرهم.
وأدلة هذا القول: الأحاديث المذكورة, مثل حديث ابن عباس رضي الله عنه، وحديث النعمان بن بشير .
وأدلة أخرى كثيرة، مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وهو في صحيح مسلم أيضاً: ( أنه صلى بالناس فقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وقرأ في الركعة الثانية بسورة المنافقين، فلما قضى صلاته, يقول أحد الرواة -وهو
كما ورد عن سمرة بن جندب أيضاً وغيره مثل هذا المعنى في أحاديث كثيرة جداً.
أما القول الثاني في المسألة: فهو أنه لا يتعين لصلاة وقراءة الجمعة شيء، وإنما يقرأ بما تيسر، وهذا هو المشهور في مذهب الحنفية, وكأنهم رأوا أنه لا معنى لتخصيص شيء من السور بشيء من الصلوات.
وقد يحتجون بعمومات, مثل قوله سبحانه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
وكذلك في السنة قصة المسيء صلاته، وهي في المتفق عليه، حديث أبي هريرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ). فقالوا: هذا دليل على أنه لا يشرع تخصيص شيء من القرآن بشيء من الصلوات.
وهذا مردود في الواقع؛ لأنه يصح أن يقال فيه: إنه قياس في مقابلة النص، فإننا أمام نصوص نبوية صحيحه وصريحة، وليست القضية فقط في الجمعة، فقد ورد مثلاً بالقراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة، وورد القراءة في صلاة الجمعة، وورد القراءة في العيدين كما ذكرنا، وورد في القراءة في راتبة المغرب، وورد القراءة في راتبة الفجر، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1], و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وورد القراءة في الوتر بـ سَبِّحِ [الأعلى:1] و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
فورد التخصيص في مواضع كثيرة جداً، ولا شك أن المتعين في هذا هو الرجوع إلى السنة والمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك نقول: إن المنقول والمعقول يدل على ما عليه الجمهور من أن السنة هي قراءة هذه السور في تلك الصلوات.
فوائد الحديثين
ولو أنه أسر في صلاة الجمعة، أو جهر في صلاة الظهر، هل عليه في ذلك حرج؟ لا، ليس عليه حرج، وإنما يكون خالف السنة، وليس عليه حرج، ولا حتى يجب عليه سجود سهو؛ لأن الأمر كما قلنا مبناه على السنية.
فالسنية أن يجهر في صلاة الجمعة، وأن يسر في الصلوات النهارية كصلاة الظهر والعصر، ولو خالف ذلك فقد خالف السنة, ولا شيء عليه.
وفيه أيضاً من الفوائد: استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقين في ركعتي الجمعة، كما دل عليه الحديث.
ومن الفوائد: استحباب قراءة سورة سبح والغاشية، كما دل عليها الحديث الثاني.
وفيه أيضاً فائدة: أن قول ابن عباس رضي الله عنه مثلاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين ). قوله: ( كان يقرأ ) هنا هل يحمل على المداومة؟ لا يحمل على المداومة. لماذا؟ لأنه لو كان يداوم على الجمعة والمنافقين ما قرأ سبح والغاشية، وحديث سبح والغاشية حديث النعمان، قال: ( كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). فهذا يحمل على تكرر ذلك منه، ليس على المداومة، ولكن على تكرر ذلك منه.
وهذه فائدة، وهذا يؤخذ منه كل ما كان من هذا الباب، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكذا)، أن هذه الصيغة بمجردها لا تدل على المداومة، بل قد تحتمل المداومة, وقد تحتمل أن يكون ذلك ويتكرر منه، فينظر في الأدلة الخارجية, هل تدل على المداومة أو تدل على عدم المداومة؟ على ما هو معروف.
كذلك يؤخذ من الحديث قضية تخصيص بعض الصلوات بسور, وأن هذا هو السنة كما ذكرنا, وخالف في هذا الحنفية.
فيه أيضاً مناسبة هذه السور لصلاة الجمعة، فأما سورة الجمعة والمنافقين فالله أعلم أن سورة الجمعة فيها ذكر النداء, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
وأيضاً من السياق المناسب قول الله عز وجل في شأن اليهود: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]. مما يدل على أهمية الإنصات للخطبة.
وقد سبق معنا في الأسبوع الماضي الحديث الذي رجحنا أنه من قول ابن عمر رضي الله عنه, وأنه لا يصح مرفوعاً, أو ابن عباس [ أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ].
فالمقصود بكل حال أن هذه السور فيها معان مناسبة، وفيها الوعد للمؤمنين، وفيها الوعيد للكافرين والمنافقين. وهكذا أيضاً سورة سبح والغاشية, فيها المعاني ذاتها.
فيها من الفوائد أيضاً: بيان مقدار ما يقرأ به في الصلاة، وقد سبق معنا في غير موضع الكلام عن التطويل والتخفيف في القراءة والصلاة، واختلاف الفقهاء في ذلك، وذكرنا أن خلاصة القول: أن مقدار الصلاة أمر إضافي -يعني: نسبياً- يختلف من جماعة إلى أخرى، ومن إمام إلى آخر، بل من زمان إلى زمان، أو مكان إلى مكان، وهذه السورة هي إحدى المحددات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة، ويقرأ بالمنافقين، ويقرأ بسبح، ويقرأ بالغاشية، فينبغي للإمام أن يقرأ من هذا الجنس, أو قريباً منه.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما سبق: ( إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه ) فإنه ينبغي أن يراعى هذا في صلاة الجمعة، فيقصر الخطيب الخطبة، ويطيل الصلاة نسبياً، نقيض ما يفعله الناس، فإن الخطيب يطيل الخطبة، فإذا انتهى الأمر إلى الصلاة كان الناس قد ملوا وتعبوا، فربما قرأ سورة وَالْعَصْرِ [العصر:1] في الركعة الأولى، و إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] في الركعة الثانية، وتجوز في الركوع والسجود.
هذان الحديثان ما يتعلق بألفاظهما فهي ظاهرة ليس فيها لبس، فقوله: ( كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة وسورة المنافقين ) يعني: يقرأ الجمعة في الركعة الأولى، والمنافقين في الركعة الثانية.
وما يتعلق بالسجدة وهل أتى في صلاة الفجر، كان يقرأ السجدة في الركعة الأولى، وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه جزأ هذه السور في قراءتها، كأن يقرأ السجدة مثلاً في الركعتين، أو يقرأ جزءاً منها ثم يسجد، أو يقرأ سورة أخرى فيها سجدة، وإنما كان يقرأ الم [السجدة:1] تَنزِيلُ [السجدة:2]، وهي سورة السجدة.
والحديث الآخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين - يعني: في صلاة العيدين، في صلاة عيد الفطر، وفي صلاة عيد الأضحى- كان يقرأ أيضاً بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). ويقرأها أيضاً في الجمعة.
ما يتعلق بمسائل الحديث:
ففيها ما يقرأ في صلاة الجمعة؛ طبعاً العيد سوف يأتي إن شاء الله في باب خاص, لكن فيها ما يقرأ في صلاة الجمعة، وهي مسألة خفيفة, والعلماء فيها على قولين:
القول الأول: أنه يستحب للإمام أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى، وسورة المنافقين في الركعة الثانية، فإذا لم يقرأ بالجمعة والمنافقين استحب له أن يقرأ سبح والغاشية، سبح في الركعة الأولى، والغاشية في الركعة الثانية، وهذا مذهب جمهور العلماء: مذهب الإمام مالك وأهل المدينة وأحمد والشافعي وأهل الحديث وأهل الظاهر، وغيرهم.
وأدلة هذا القول: الأحاديث المذكورة, مثل حديث ابن عباس رضي الله عنه، وحديث النعمان بن بشير .
وأدلة أخرى كثيرة، مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وهو في صحيح مسلم أيضاً: ( أنه صلى بالناس فقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وقرأ في الركعة الثانية بسورة المنافقين، فلما قضى صلاته, يقول أحد الرواة -وهو
كما ورد عن سمرة بن جندب أيضاً وغيره مثل هذا المعنى في أحاديث كثيرة جداً.
أما القول الثاني في المسألة: فهو أنه لا يتعين لصلاة وقراءة الجمعة شيء، وإنما يقرأ بما تيسر، وهذا هو المشهور في مذهب الحنفية, وكأنهم رأوا أنه لا معنى لتخصيص شيء من السور بشيء من الصلوات.
وقد يحتجون بعمومات, مثل قوله سبحانه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].
وكذلك في السنة قصة المسيء صلاته، وهي في المتفق عليه، حديث أبي هريرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ). فقالوا: هذا دليل على أنه لا يشرع تخصيص شيء من القرآن بشيء من الصلوات.
وهذا مردود في الواقع؛ لأنه يصح أن يقال فيه: إنه قياس في مقابلة النص، فإننا أمام نصوص نبوية صحيحه وصريحة، وليست القضية فقط في الجمعة، فقد ورد مثلاً بالقراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة، وورد القراءة في صلاة الجمعة، وورد القراءة في العيدين كما ذكرنا، وورد في القراءة في راتبة المغرب، وورد القراءة في راتبة الفجر، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1], و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وورد القراءة في الوتر بـ سَبِّحِ [الأعلى:1] و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
فورد التخصيص في مواضع كثيرة جداً، ولا شك أن المتعين في هذا هو الرجوع إلى السنة والمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك نقول: إن المنقول والمعقول يدل على ما عليه الجمهور من أن السنة هي قراءة هذه السور في تلك الصلوات.
الفائدة الأولى: استحباب الجهر في صلاة الجمعة، فإن كونهم يقولون: إنه قرأ الجمعة أو المنافقين أو سبح أو الغاشية مبناه على أنهم سمعوه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، ولهذا فإن الإجماع على مشروعية الجهر في صلاة الجمعة وإن كانت صلاة نهارية، والأصل في صلوات النهار الإسرار, لكن هذا استثناء, وهو استثناء وارد في السنة أيضاً في أمر تعبدي.
ولو أنه أسر في صلاة الجمعة، أو جهر في صلاة الظهر، هل عليه في ذلك حرج؟ لا، ليس عليه حرج، وإنما يكون خالف السنة، وليس عليه حرج، ولا حتى يجب عليه سجود سهو؛ لأن الأمر كما قلنا مبناه على السنية.
فالسنية أن يجهر في صلاة الجمعة، وأن يسر في الصلوات النهارية كصلاة الظهر والعصر، ولو خالف ذلك فقد خالف السنة, ولا شيء عليه.
وفيه أيضاً من الفوائد: استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقين في ركعتي الجمعة، كما دل عليه الحديث.
ومن الفوائد: استحباب قراءة سورة سبح والغاشية، كما دل عليها الحديث الثاني.
وفيه أيضاً فائدة: أن قول ابن عباس رضي الله عنه مثلاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين ). قوله: ( كان يقرأ ) هنا هل يحمل على المداومة؟ لا يحمل على المداومة. لماذا؟ لأنه لو كان يداوم على الجمعة والمنافقين ما قرأ سبح والغاشية، وحديث سبح والغاشية حديث النعمان، قال: ( كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ). فهذا يحمل على تكرر ذلك منه، ليس على المداومة، ولكن على تكرر ذلك منه.
وهذه فائدة، وهذا يؤخذ منه كل ما كان من هذا الباب، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكذا)، أن هذه الصيغة بمجردها لا تدل على المداومة، بل قد تحتمل المداومة, وقد تحتمل أن يكون ذلك ويتكرر منه، فينظر في الأدلة الخارجية, هل تدل على المداومة أو تدل على عدم المداومة؟ على ما هو معروف.
كذلك يؤخذ من الحديث قضية تخصيص بعض الصلوات بسور, وأن هذا هو السنة كما ذكرنا, وخالف في هذا الحنفية.
فيه أيضاً مناسبة هذه السور لصلاة الجمعة، فأما سورة الجمعة والمنافقين فالله أعلم أن سورة الجمعة فيها ذكر النداء, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
وأيضاً من السياق المناسب قول الله عز وجل في شأن اليهود: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]. مما يدل على أهمية الإنصات للخطبة.
وقد سبق معنا في الأسبوع الماضي الحديث الذي رجحنا أنه من قول ابن عمر رضي الله عنه, وأنه لا يصح مرفوعاً, أو ابن عباس [ أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ].
فالمقصود بكل حال أن هذه السور فيها معان مناسبة، وفيها الوعد للمؤمنين، وفيها الوعيد للكافرين والمنافقين. وهكذا أيضاً سورة سبح والغاشية, فيها المعاني ذاتها.
فيها من الفوائد أيضاً: بيان مقدار ما يقرأ به في الصلاة، وقد سبق معنا في غير موضع الكلام عن التطويل والتخفيف في القراءة والصلاة، واختلاف الفقهاء في ذلك، وذكرنا أن خلاصة القول: أن مقدار الصلاة أمر إضافي -يعني: نسبياً- يختلف من جماعة إلى أخرى، ومن إمام إلى آخر، بل من زمان إلى زمان، أو مكان إلى مكان، وهذه السورة هي إحدى المحددات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة، ويقرأ بالمنافقين، ويقرأ بسبح، ويقرأ بالغاشية، فينبغي للإمام أن يقرأ من هذا الجنس, أو قريباً منه.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما سبق: ( إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه ) فإنه ينبغي أن يراعى هذا في صلاة الجمعة، فيقصر الخطيب الخطبة، ويطيل الصلاة نسبياً، نقيض ما يفعله الناس، فإن الخطيب يطيل الخطبة، فإذا انتهى الأمر إلى الصلاة كان الناس قد ملوا وتعبوا، فربما قرأ سورة وَالْعَصْرِ [العصر:1] في الركعة الأولى، و إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] في الركعة الثانية، وتجوز في الركوع والسجود.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |