الروض المربع - كتاب الصلاة [23]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمشي بنعل واحدة، وكون ثيابه فوق نصف ساقه أو تحت كعبه بلا حاجة، وللمرأة زيادة إلى ذراع، ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة، وثوب الشهرة، وهو ما يشهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع، ومنها، أي: من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة حيث لم يعف عنها ببدن المصلي وثوبه وبقعتهما وعدم حملها؛ لحديث: ( تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )، وقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها ولو بقارورة لم تصح صلاته، فإن كانت معفواً عنها كمن حمل مستجمراً أو حيواناً طاهراً صحت صلاته].

المؤلف ذكر هنا ما يكره، وهذه الكراهية هي في الصلاة وغير الصلاة، ولكنها في الصلاة من باب أولى وأحرى.

كراهة المشي بنعل واحدة

قال المؤلف رحمه الله: (والمشي بنعل واحدة)، يعني: يُكره للإنسان أن يمشي بنعل واحدة، سواء وجد نعلاً أخرى أم لم يجد، وسواء أكان أحد النعلين قد انقطع شسعها أم لا، وسواء أراد أن يصلحها أم لا، كل ذلك يُكره، هذا قول أكثر الفقهاء وعليه الفتوى وعليه العلماء، كما يقول أبو عمر بن عبد البر ، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الرجل في نعل واحدة )، وفي رواية لـمسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلها )، وكذلك عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه وفي لفظ: ( حتى يُصلح نعله )، وعلى هذا إذا انقطعت نعل أحدنا أو أحد نعلي أحدنا ثم أراد أن يمشي قليلاً؛ كي يستظل، فالأكثر عند العلماء رحمهم الله أنه يقف فيصلحها أو يحتفي ولو يسيراً، ولهذا سئل الإمام مالك رحمه الله فقال: يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة، أو نحوها مما يضر فيه المشي حتى يصلحها ويمشي حافياً إن لم يكن ذلك، قال ابن عبد البر : هذا وعليه الفتوى وعليه الأثر وعليه العلماء.

وكان شيخنا عبد العزيز بن باز عندما يشرح هذا الحديث في الفتح، فمرت هذه المسألة فسئل: يا شيخ! لو كانت أحد النعلين قريبة فيلبسها ثم يمشي إلى الأخرى؟ قال: لا، حتى يلبسهما جميعاً، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وليلبسهما جميعاً أو يحفهما جميعاً )، قال الشيخ: لا، حتى يلبسهما جميعاً، قيل له: ولو كان يسيراً؟ فسكت الشيخ ورفع رأسه وقال: إن استطعت ألا تعصي الله لحظة فافعل. وهذا يدل على أن العبد حينما يفعل مثل هذه الأشياء يتعبد الله سبحانه وتعالى، ولا يتكلف في الخروج عن عهدة الأمر من الشارع.

الحكمة من كراهة المشي بنعل واحدة

وقد اختلف العلماء في الحكمة من ذلك على أقوال كثيرة أشار إليها الخطابي و ابن العربي في العارضة، وكذلك ابن حجر في فتح الباري، أحسنها أن يقال: لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نُسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي، ومن ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الإمام أحمد و إسحاق : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس بين الظل والشمس ).

وقال الخطابي : لأنه يخرج عن سجية المشي المعتاد ولا يأمن من ذلك الضرر، وغير ذلك من الأقوال، وهذا الحكم للكراهة، بل حكى بعضهم الإجماع على عدم التحريم كـابن العربي حيث قال: لإجماعهم -والله أعلم- أنه إذا مشى في نعل واحدة لم يحرم عليه، ولا يكون بذلك عاصياً عند الجمهور، وإن كان عالماً بالنهي.

ويدخل في هذا الحكم -أعني الكراهة- ما أشار إليه الخطابي رحمه الله: وهو أن يكون في كل لباسه شسع كخفين، وأن يدخل أحد كميه ويترك الآخر.

وأقول: وكذلك لبس أحد الجوارب دون الآخر، أو لبس أحد القفازين دون الآخر، أو وضع الخضاب في إحدى اليدين دون الأخرى، وعلى هذا فما تفعله بعض النساء حينما تخضب إحدى يديها وتترك الأخرى هذا مكروه؛ لأن المشروع أن تخضبهما جميعاً أو تتركهما جميعاً، ( لينعلهما جميعاً أو يخلعهما جميعاً ).

كراهة إسبال الإزار

قال المؤلف رحمه الله: (وكون ثيابه فوق نصف ساقه)، من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند أحمد و أبي داود و النسائي و ابن ماجه من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سترة المؤمن إلى نصف الساق )، وفي رواية من حديث عبد الله بن عمر : ( عندما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبه مسترخٍ، فقال: من أنت؟ قال: عبد الله ، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفع ثم رفع إلى أنصاف الساقين، وقال: إزرة المسلم إلى أنصاف الساقين )، وما زاد على ذلك يُعد اعتداء على السنة، فإن فعلها بدعوى السنة فهذا تكلف وتنطع، ولا يأمن بأن تخرج شيء من العورة خاصة إذا كانت فتحة الرجل واسعة، فلو ركع ربما خرج شيء من الفخذ، ولا شك أن هذا تنطع، وقد سبق أن ذكرنا هذه المسألة، وقلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه )، معناه: -والله أعلم- أن المستحب يبدأ من أنصاف الساقين إلى الكعبين كل ذلك سنة، فمرة فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: ( فخرج في حلة حمراء مشمراً )، ومرة عليه الصلاة والسلام خرج قريباً من الكعبين ( فخرج يجر إزاره ) كما في حديث عمران بن الحصين ، وعلى هذا فما يفعله بعض الإخوة من أن يجعل ثيابه دائماً إلى نصف الساق ليس هو السنة، وأنا أرى -والله أعلم- أنه إذا كان في بلد يلبسون البناطيل رفعها إلى أنصاف الساقين فإن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنعه، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الإزار.

وهذا من الفقه، فإذا كنت في بلد لم يعتادوا ذلك فترك السنة أولى، كما أشار إلى ذلك أكثر الفقهاء مستدلين بحديث جابر رضي الله عنه عندما قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد، قال: فأعمرها يا عبد الرحمن من التنعيم )، فقالوا: إنه يُترك السنة لأجل المصلحة، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (أو تحت كعبه بلا حاجة)، الحنابلة رحمهم الله يرون أن إسبال الإزار من غير خُيلاء مكروه، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله اتفاق العلماء على النهي في إسبال الإزار، ولم يقل أحد منهم إنه مباح، بل كلهم يرى النهي، ولكن اختلفوا في النهي هل يدل على التحريم أم يدل على الكراهة إذا لم يكن ثمة خُيلاء، وأما مع الخُيلاء فشبه إجماع عندهم على التحريم على خلاف بين التحريم والكبيرة.

وقد قلنا: إن الراجح -والله تبارك وتعالى أعلم- أن النهي إذا لم يكن خُيلاء فهو للتحريم؛ لحديث أبي هريرة : ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )، وقلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الحُكمين، والقاعدة عند العلماء أنه لا يُحمل المطلق على المقيد إلا إذا اتفقا في السبب أو في الحكم، فهم يقولون حديث: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )، هذا مطلق، قيدته الأحاديث الأخرى وهي خُيلاء، وقلنا: إن حُكم الخيلاء يختلف عن حكم مجرد الإسبال؛ لأن حكم الإسبال في النار، وأما حكم الخيلاء فإنه ( لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )، فالحكمان متغايران فلا يُحمل المطلق على المقيد، فالحنابلة حملوا المطلق على المقيد وخالفوا القاعدة التي تقول: إن المطلق لا يُحمل على المقيد إذا اختلفا في السبب أو في الحكم.

والحنابلة حملوا ذلك لحديث أبي بكر حينما قال: ( يا رسول الله! إن ثوبي يسترخي ولكني أتعاهده، قال: لست من هؤلاء يا أبا بكر! )، فالراجح -والله أعلم- في شرح هذا الحديث أن أبا بكر يقول: ( يسترخي )، وليس مسترخياً، فالاسترخاء يحصل تبعاً وليس أصلاً، ولهذا جاء في بعض الروايات: ( إن أحد شقي إزاري يسترخي )، والله أعلم.

حدود لباس المرأة في الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: (وللمرأة زيادة إلى ذراع)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يرخينه شبراً )، قالت أم سلمة كما عند أهل السنن: ( إذاً تنكشف أقدامهن، قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن على ذلك )، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الزيادة على الذراع منهي عنها. وعلى هذا فالمرأة التي تلبس فستاناً في أفراحها ويكون طويلاً أشد من الذراع هذا منهي عنه، وهل هو للتحريم أم للكراهة؟ المسألة محتملة.

وليعلم أن هذا الحكم في حق ثياب النساء إذا خرجن، وأما في بيوتاتهن فإنهن كن يلبسن ثياباً لا تكاد تُرخى، ولهذا جاء في حديث أم سلمة : ( سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة يصيب ثوبها القذر، قال: يطهره ما بعده )، هذا في حق ثياب الخارج، ولهذا أشار أبو العباس بن تيمية : أن النساء كان لباسهن الخفاف، يعني: الشيء الخفيف، فلم يكن يتخذن ثياباً طويلة في بيوتاتهن.

كراهة لبس الثوب الذي يصف البشرة

قال المؤلف رحمه الله: (ويُكره لُبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة)، الثوب الذي يصف البشرة للرجل إن كان يصف العورة فلا شك في حرمة ذلك، ولا تصح الصلاة معها، وأما المرأة فإن كان يصف عضديها وساقيها وكانت أمام محارمها فالأولى تركه، وأما إن كان يصف شيئاً من الفخذ أو من البطن أو من الظهر فهذا محرم، وعبارة المؤلف هنا ليست دقيقة.

وأما أن تلبس المرأة ثياباً يظهر تقاطيع جسدها، مثل الثياب الضيقة فقد أشار المالكية إلى كراهة الصلاة فيه، يعني: يكره عند المالكية أن تلبس المرأة بنطلوناً، ولو كانت وحدها وغطت شعرها وصلت، فلا بد أن تلبس خماراً أو درعاً وخماراً.

وأشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله في الاختيارات فقال: وما كان من لباس الرجال مثل العمامة أو الثياب التي يُبدي مقاطيع خلقها أو الثوب الرقيق الذي لا يستر البشرة فإن المرأة تُنهى عنه، وعلى وليها أن ينهاها عن ذلك.

الآن تجد بعض النساء تلبس الثياب الشفافة جداً وربما ظهر شيء من عضدها الأعلى، وأما إخراج العضد كاملاً مثل ما تسميه المرأة الكت أو الجنبين فهذا مكروه كراهة شديدة وهو إلى التحريم أقرب.

وأما لبس الضيق فمنهي عنه؛ لما جاء عند الإمام أحمد و البيهقي من حديث أسامة بن زيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كساه كساء يسمى قبطياً، فأعطاها أسامة امرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعلت القبطية أو القباطي؟ قال: أعطيتها امرأتي، قال: فإنها تصف جسدها، قال: يا رسول الله! إني ألبستها إياه وقد مشت في بيتي ولم ترى شيئاً، قال: مرها أن تجعل تحتها غلالة، فإني أخشى أن تصف حجم عظامها ). وقد سبق الكلام عن ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: (والمشي بنعل واحدة)، يعني: يُكره للإنسان أن يمشي بنعل واحدة، سواء وجد نعلاً أخرى أم لم يجد، وسواء أكان أحد النعلين قد انقطع شسعها أم لا، وسواء أراد أن يصلحها أم لا، كل ذلك يُكره، هذا قول أكثر الفقهاء وعليه الفتوى وعليه العلماء، كما يقول أبو عمر بن عبد البر ، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الرجل في نعل واحدة )، وفي رواية لـمسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلها )، وكذلك عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه وفي لفظ: ( حتى يُصلح نعله )، وعلى هذا إذا انقطعت نعل أحدنا أو أحد نعلي أحدنا ثم أراد أن يمشي قليلاً؛ كي يستظل، فالأكثر عند العلماء رحمهم الله أنه يقف فيصلحها أو يحتفي ولو يسيراً، ولهذا سئل الإمام مالك رحمه الله فقال: يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة، أو نحوها مما يضر فيه المشي حتى يصلحها ويمشي حافياً إن لم يكن ذلك، قال ابن عبد البر : هذا وعليه الفتوى وعليه الأثر وعليه العلماء.

وكان شيخنا عبد العزيز بن باز عندما يشرح هذا الحديث في الفتح، فمرت هذه المسألة فسئل: يا شيخ! لو كانت أحد النعلين قريبة فيلبسها ثم يمشي إلى الأخرى؟ قال: لا، حتى يلبسهما جميعاً، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وليلبسهما جميعاً أو يحفهما جميعاً )، قال الشيخ: لا، حتى يلبسهما جميعاً، قيل له: ولو كان يسيراً؟ فسكت الشيخ ورفع رأسه وقال: إن استطعت ألا تعصي الله لحظة فافعل. وهذا يدل على أن العبد حينما يفعل مثل هذه الأشياء يتعبد الله سبحانه وتعالى، ولا يتكلف في الخروج عن عهدة الأمر من الشارع.