شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب شروط الصلاة - حديث 229-231


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19].

أما بعد:

فعندنا في هذه الليلة ثلاثة أحاديث: أولها حديث أبي سعيد ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )، حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ).

تخريج الحديث

يقول المصنف: رواه الترمذي وله علة, هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه في أبواب الصلوات, (باب: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام), وقد رواه الترمذي رحمه الله من طريق عبد العزيز بن محمد المعروف بالدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال الترمذي عقب رواية الحديث قال: وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة وأنس وحذيفة وأبي ذر وأبي إمامة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ). ثم قال الترمذي رحمه الله: وهذا الحديث -يعني حديث أبي سعيد الخدري : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )- روي عن عبد العزيز بن محمد -يعني الدراوردي - بروايتين: فمنهم من ذكره عن أبي سعيد الخدري , ومنهم من لم يذكر أبا سعيد , قال: وهذا حديث فيه اضطراب, ثم ذكر الترمذي رحمه الله بعض الاضطراب الحاصل في الحديث.

أرجو أن تصبروا قليلاً؛ لأن هذه المسألة فيها شيء من الغموض, مسألة الاضطراب في سند الحديث، ولو لم تضبطوا أنتم الاضطراب على الأقل تفهمون ما معنى الاضطراب الذي يذكر في بعض الأحاديث.

قال الترمذي : وهذا حديث فيه اضطراب, فرواه -هذا الوجه الأول من أوجه رواية الحديث- سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً, يعني: سفيان الثوري روى الحديث عن عمرو بن يحيى عن أبيه, أبوه من هو؟ أبوه يحيى بن عمارة .

إذاً: الوجه الأول في رواية الحديث أو في إسناد الحديث من رواية سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا مرسل سقط من إسناده أبو سعيد .

قال: ورواه - هذا الوجه الثاني - حماد بن سلمة عن عمرو عن أبيه عن أبي سعيد , هذا الوجه الثاني حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه -وهو يحيى بن عمارة - عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم, هذا الوجه الثاني.

الوجه الثالث: قال الترمذي رحمه الله: ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه، قال: وكان عامة روايته عن أبي سعيد، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: هذا ثلاثة أوجه: سفيان الثوري -على حسب ما ذكر الترمذي الآن- يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حماد بن سلمة يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.

محمد بن إسحاق يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه وكان عامة ما يرويه عن أبي سعيد , وهذه مرحلة وسط، ما ذكر أبا سعيد ولا أهمله, بل أشار إلى أن عامة روايات يحيى بن عمارة عن أبي سعيد .

هذه الأوجه التي ذكرها الترمذي، ثم عقب بذلك بقوله: وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أصح وأثبت مرسلاً. إذاً: الترمذي رجح المرسل, هذا كلام الترمذي .

والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي والشافعي وابن حبان والحاكم والبزار وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي وغيرهم كثير كثير, وسيأتي ذكر بعضهم.

إذاً: الحديث له عدة طرق أذكرها باختصار فيما يلي:

روى الحديث -كما سبق ذكر بعضهم- حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زيد , وهذان روايتهما في عدة مصادر، منها كتاب المحلى لـابن حزم ، حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زيد هذان اثنان.

الثالث: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ورواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند الترمذي، هي رواية حديث الباب, أشرت إليها قبل قليل, هي موجودة عند الترمذي , ورواها أيضاً الدارمي والحاكم في مستدركه , هذا الثالث: عبد العزيز بن محمد الدراوردي .

والرابع: سفيان الثوري وروايته عند البيهقي .

والخامس: محمد بن إسحاق وروايته عند الإمام أحمد في مسنده .

هؤلاء خمسة، أعيدهم: حماد بن سلمة . الثاني من هو؟ عبد الواحد بن زيد، هذان عند ابن حزم في المحلى . الثالث: عبد العزيز الدراوردي عند الترمذي والدارمي، والرابع: سفيان الثوري عند البيهقي، والخامس: محمد بن إسحاق عند الإمام أحمد في مسنده .

هؤلاء الخمسة يضاف إليهم سفيان بن عيينة عند الإمام الشافعي , فيكونون ستة تقريباً, هؤلاء الستة أجمعوا على روايته بهذا الإسناد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا موصول أو مرسل؟ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, هذا موصول أو مرسل؟ موصول متصل. هؤلاء الستة كلهم رووه بهذه الصورة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ووافق هؤلاء الستة أيضاً عمارة بن غزية، فإنه روى هذا الحديث -كما عند الحاكم في مستدركه - عن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد، يعني: متصلاً مرفوعاً, وإسناد الحاكم صحيح على شرط مسلم كما قال, ووافقه الذهبي , وهو كما قال.

إذاً: هذه سبع طرق كلها تذكر الحديث بالسند المتصل, هذه طريقة في رواية الحديث وسياق إسناده.

الطريقة الثانية: هي رواية الحديث مرسلاً, وهذه جاءت من طرق أيضاً: فرواه سفيان بن عيينة -كما عند أبي داود والشافعي , وهي الرواية التي أشار إليها الترمذي - عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً, هذه واحدة.

وكذلك رواه سفيان الثوري -كما عند أبي يعلي - عن عمرو بن يحيى عن أبيه لم يجاوز به أباه, يعني: لم يذكر: عن أبي سعيد . إذاً: ابن عيينة والثوري رويا الحديث مرة موصولاً ومرة مرسلاً.

قبل أن أذكر الترجيح بين هذين الوجهين أريد أن أقول: هل وضح لديكم الآن الفرق بين الروايتين؟ باختصار -يمكن الواحد ما حفظ الأسماء وما ضبطها- نقول: الحديث جاء بوجهين:

مرة متصلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا رواه سبعة رواة.

ومرة جاء مرسلاً منقطعاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يذكر أبا سعيد، وهذا رواه اثنان: الثوري وابن عيينة , والثوري وابن عيينة ما روياه على هذا الوجه دائماً، مرة رووه متصلاً ومرة رووه مرسلاً, هذه واحدة.

الرواية الأخيرة التي هي رواية الثوري ؛ لأن هذا آخر ما ذكرت لكم، أن سفيان الثوري رواه كما في مسند أبي يعلى المطبوع وغيره, معروف هذا نقله عنه الأئمة، رواه سفيان الثوري مرسلاً, وقد خفيت هذه الرواية على الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كما في تعليقه على مسند الإمام أحمد، فإنه قال لما ذكر كلام الترمذي والبيهقي في أن سفيان الثوري رواه مرسلاً، قال: أنا أتعجب من الترمذي والبيهقي كيف ذكرا أن الثوري رواه مرسلاً, وأنا ما رأيته مرسلاً للثوري، إنما رأيته مرسلاً من رواية سفيان بن عيينة . فكأنه اختلط عليه سفيان بـسفيان ؛ لأن الثوري اسمه سفيان وابن عيينة اسمه سفيان , يقول: ظن أن ابن عيينة هو الثوري , والواقع يقول: إنه ما رواه الثوري مرسلاً, وقد وهم أحمد شاكر رحمه الله في هذا, فإن رواية الثوري جاءت مرسلة كما ذكرت لكم, وهي في مسند أبي يعلى موجودة, ممكن تراجعون في المطبوع لتتأكدوا منها، حتى نص على أنها مرسلة، قال: لم يجاوز به أباه, يعني: لم يذكر به أبا سعيد الخدري.

أيهما أرجح في نظركم: الرواية المرسلة أو المتصلة؟

هذا الترمذي رجح المرسلة, قال: رواية سفيان أثبت وأقوى, فرجح الرواية المرسلة, وكذلك الدارقطني في العلل رجح الرواية المرسلة, ومثلهم البيهقي .

إذاً: الترمذي والدارقطني والبيهقي رجحوا المرسلة, ولكن الراجح عند أكثر علماء الحديث -وهو الأقوى من حيث دراسة الإسناد- أن الراجح هي الرواية المتصلة , وهذه هي التي أشار إلى تصحيحها البخاري رحمه الله في جزء القراءة خلف الإمام, وكذلك ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه والذهبي وابن حزم وابن دقيق العيد والشيخ الإمام ابن تيمية، فإنه قال: إن هذا الحديث صحيح, ومن أعله بالإرسال فكأنه لم يطلع على جميع طرقه, وكذلك ابن التركماني في الجوهر النقي في تعليقه على سنن البيهقي , وصححه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي والشيخ الألباني في إرواء الغليل , وهذا هو المعتمد وهو الأقوى، أن الحديث صحيح موصول, يعني: أن السند الصحيح هو عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: خلاصة الكلام أن حديث: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) حديث صحيح موصول , وأن قول المصنف هاهنا: (وله علة), ليس بجيد, فإن هذه العلة مدفوعة بما سبق.

فوائد الحديث

الحديث فيه فوائد: أولها: أن الأرض كلها مسجد، يعني: موضع للصلاة فيها، كما سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) , وجاء هذا من طريق جماعة من الصحابة, فهو يشبه أن يكون متواتراً, وممن رواه من ذكرهم الترمذي

-كما أسلفت- كـعلي بن أبي طالب

وعبد الله بن عمرو

وأبي هريرة

وجابر

وأنس بن مالك

وعبد الله بن عباس

وأبي ذر

وغيرهم. وقد سبق ذكر هذه الأحاديث، وذكر من خرجها في أول باب التيمم، إذاً: سبقت هذه الأحاديث في أول باب التيمم. هذه الفائدة الأولى: أن الأرض كلها مسجد إلا ما استثني, كما سيأتي تفصيله لاحقاً إن شاء الله تعالى. الفائدة الثانية في الحديث: منع الصلاة في المقبرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا المقبرة)، ولحديث أبي مرثد الغنوي

الآتي: ( لاتصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها )، وسأتكلم تفصيلاً -إن شاء الله- عن مسألة الصلاة على القبر أو الصلاة إلى القبر. الفائدة الثالثة: منع الصلاة في الحمام، وليس المراد به الخلاء، وإنما هو مكان الاستحمام, مأخوذ من الحميم, وهو الماء الحار, قال الله تعالى: ((وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ))[محمد:15]، (( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ))[الحاقة:35] يعني: في مواضع كثيرة ذكر الله تعالى الماء الحميم, فالماء الحميم هو الماء الحار, وقد يطلق على الماء البارد أيضاً كما ذكره بعض علماء اللغة, ومنه قول الشاعر: فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغض بالماء الحميم يعني: الماء البارد، المهم أنهم كانوا يسخنون الماء للاستحمام به, ولذلك سمي الحمام من باب الحميم وهو الماء الحار, ثم توسعوا فيه فصاروا يطلقون الحمام على كل ما يغتسل فيه سواء بماء حار أو بماء بارد, وهو مذكر عند أكثر علماء اللغة كما ذكره الأزهري

وغيره, وأما استخدام الحمام بمعنى الحش -أي: الخلاء، أي: مكان قضاء الحاجة- فهذا اصطلاح عرفي دارج عند الناس, ولكنه غير معروف في اللغة ولا في لسان الشارع. إذاً: المقصود بالحمام هاهنا هو مكان الاستحمام، مكان الاغتسال, وليس مكان قضاء الحاجة، والحديث دليل على منع الصلاة في مكان الاستحمام المعد لذلك, وسوف يأتي الكلام عنه تفصيلاً إن شاء الله تعالى. الفائدة الرابعة: هي شرطية طهارة البقعة للصلاة, وهذا أطلقه كثير من الفقهاء, قالوا: إن هذه الأحاديث تدل على اشتراط طهارة البقعة, والأجود أن نقول: اشتراط إباحة البقعة؛ حتى يدخل فيه كل ما منع من الصلاة فيه, فإن المنع من الصلاة في المقبرة, وفي الحمام, وفي المزبلة, وفي الأرض المغصوبة ليس لأنها نجسة, بل لأمر آخر غير النجاسة كما سيأتي بيانه. إذاً: الأجود أن نقول: اشتراط إباحة البقعة، يعني: أن تباح الصلاة فيها فلا تكون نجسة, ولا تكون مغصوبة, ولا يكون هناك سبب آخر يمنع من أداء الصلاة فيها.

يقول المصنف: رواه الترمذي وله علة, هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه في أبواب الصلوات, (باب: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام), وقد رواه الترمذي رحمه الله من طريق عبد العزيز بن محمد المعروف بالدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال الترمذي عقب رواية الحديث قال: وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة وأنس وحذيفة وأبي ذر وأبي إمامة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ). ثم قال الترمذي رحمه الله: وهذا الحديث -يعني حديث أبي سعيد الخدري : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )- روي عن عبد العزيز بن محمد -يعني الدراوردي - بروايتين: فمنهم من ذكره عن أبي سعيد الخدري , ومنهم من لم يذكر أبا سعيد , قال: وهذا حديث فيه اضطراب, ثم ذكر الترمذي رحمه الله بعض الاضطراب الحاصل في الحديث.

أرجو أن تصبروا قليلاً؛ لأن هذه المسألة فيها شيء من الغموض, مسألة الاضطراب في سند الحديث، ولو لم تضبطوا أنتم الاضطراب على الأقل تفهمون ما معنى الاضطراب الذي يذكر في بعض الأحاديث.

قال الترمذي : وهذا حديث فيه اضطراب, فرواه -هذا الوجه الأول من أوجه رواية الحديث- سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً, يعني: سفيان الثوري روى الحديث عن عمرو بن يحيى عن أبيه, أبوه من هو؟ أبوه يحيى بن عمارة .

إذاً: الوجه الأول في رواية الحديث أو في إسناد الحديث من رواية سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا مرسل سقط من إسناده أبو سعيد .

قال: ورواه - هذا الوجه الثاني - حماد بن سلمة عن عمرو عن أبيه عن أبي سعيد , هذا الوجه الثاني حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه -وهو يحيى بن عمارة - عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم, هذا الوجه الثاني.

الوجه الثالث: قال الترمذي رحمه الله: ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه، قال: وكان عامة روايته عن أبي سعيد، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: هذا ثلاثة أوجه: سفيان الثوري -على حسب ما ذكر الترمذي الآن- يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حماد بن سلمة يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.

محمد بن إسحاق يقول: عن عمرو بن يحيى عن أبيه وكان عامة ما يرويه عن أبي سعيد , وهذه مرحلة وسط، ما ذكر أبا سعيد ولا أهمله, بل أشار إلى أن عامة روايات يحيى بن عمارة عن أبي سعيد .

هذه الأوجه التي ذكرها الترمذي، ثم عقب بذلك بقوله: وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أصح وأثبت مرسلاً. إذاً: الترمذي رجح المرسل, هذا كلام الترمذي .

والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي والشافعي وابن حبان والحاكم والبزار وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي وغيرهم كثير كثير, وسيأتي ذكر بعضهم.

إذاً: الحديث له عدة طرق أذكرها باختصار فيما يلي:

روى الحديث -كما سبق ذكر بعضهم- حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زيد , وهذان روايتهما في عدة مصادر، منها كتاب المحلى لـابن حزم ، حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زيد هذان اثنان.

الثالث: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ورواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند الترمذي، هي رواية حديث الباب, أشرت إليها قبل قليل, هي موجودة عند الترمذي , ورواها أيضاً الدارمي والحاكم في مستدركه , هذا الثالث: عبد العزيز بن محمد الدراوردي .

والرابع: سفيان الثوري وروايته عند البيهقي .

والخامس: محمد بن إسحاق وروايته عند الإمام أحمد في مسنده .

هؤلاء خمسة، أعيدهم: حماد بن سلمة . الثاني من هو؟ عبد الواحد بن زيد، هذان عند ابن حزم في المحلى . الثالث: عبد العزيز الدراوردي عند الترمذي والدارمي، والرابع: سفيان الثوري عند البيهقي، والخامس: محمد بن إسحاق عند الإمام أحمد في مسنده .

هؤلاء الخمسة يضاف إليهم سفيان بن عيينة عند الإمام الشافعي , فيكونون ستة تقريباً, هؤلاء الستة أجمعوا على روايته بهذا الإسناد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا موصول أو مرسل؟ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, هذا موصول أو مرسل؟ موصول متصل. هؤلاء الستة كلهم رووه بهذه الصورة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ووافق هؤلاء الستة أيضاً عمارة بن غزية، فإنه روى هذا الحديث -كما عند الحاكم في مستدركه - عن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد، يعني: متصلاً مرفوعاً, وإسناد الحاكم صحيح على شرط مسلم كما قال, ووافقه الذهبي , وهو كما قال.

إذاً: هذه سبع طرق كلها تذكر الحديث بالسند المتصل, هذه طريقة في رواية الحديث وسياق إسناده.

الطريقة الثانية: هي رواية الحديث مرسلاً, وهذه جاءت من طرق أيضاً: فرواه سفيان بن عيينة -كما عند أبي داود والشافعي , وهي الرواية التي أشار إليها الترمذي - عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً, هذه واحدة.

وكذلك رواه سفيان الثوري -كما عند أبي يعلي - عن عمرو بن يحيى عن أبيه لم يجاوز به أباه, يعني: لم يذكر: عن أبي سعيد . إذاً: ابن عيينة والثوري رويا الحديث مرة موصولاً ومرة مرسلاً.

قبل أن أذكر الترجيح بين هذين الوجهين أريد أن أقول: هل وضح لديكم الآن الفرق بين الروايتين؟ باختصار -يمكن الواحد ما حفظ الأسماء وما ضبطها- نقول: الحديث جاء بوجهين:

مرة متصلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا رواه سبعة رواة.

ومرة جاء مرسلاً منقطعاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يذكر أبا سعيد، وهذا رواه اثنان: الثوري وابن عيينة , والثوري وابن عيينة ما روياه على هذا الوجه دائماً، مرة رووه متصلاً ومرة رووه مرسلاً, هذه واحدة.

الرواية الأخيرة التي هي رواية الثوري ؛ لأن هذا آخر ما ذكرت لكم، أن سفيان الثوري رواه كما في مسند أبي يعلى المطبوع وغيره, معروف هذا نقله عنه الأئمة، رواه سفيان الثوري مرسلاً, وقد خفيت هذه الرواية على الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كما في تعليقه على مسند الإمام أحمد، فإنه قال لما ذكر كلام الترمذي والبيهقي في أن سفيان الثوري رواه مرسلاً، قال: أنا أتعجب من الترمذي والبيهقي كيف ذكرا أن الثوري رواه مرسلاً, وأنا ما رأيته مرسلاً للثوري، إنما رأيته مرسلاً من رواية سفيان بن عيينة . فكأنه اختلط عليه سفيان بـسفيان ؛ لأن الثوري اسمه سفيان وابن عيينة اسمه سفيان , يقول: ظن أن ابن عيينة هو الثوري , والواقع يقول: إنه ما رواه الثوري مرسلاً, وقد وهم أحمد شاكر رحمه الله في هذا, فإن رواية الثوري جاءت مرسلة كما ذكرت لكم, وهي في مسند أبي يعلى موجودة, ممكن تراجعون في المطبوع لتتأكدوا منها، حتى نص على أنها مرسلة، قال: لم يجاوز به أباه, يعني: لم يذكر به أبا سعيد الخدري.

أيهما أرجح في نظركم: الرواية المرسلة أو المتصلة؟

هذا الترمذي رجح المرسلة, قال: رواية سفيان أثبت وأقوى, فرجح الرواية المرسلة, وكذلك الدارقطني في العلل رجح الرواية المرسلة, ومثلهم البيهقي .

إذاً: الترمذي والدارقطني والبيهقي رجحوا المرسلة, ولكن الراجح عند أكثر علماء الحديث -وهو الأقوى من حيث دراسة الإسناد- أن الراجح هي الرواية المتصلة , وهذه هي التي أشار إلى تصحيحها البخاري رحمه الله في جزء القراءة خلف الإمام, وكذلك ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه والذهبي وابن حزم وابن دقيق العيد والشيخ الإمام ابن تيمية، فإنه قال: إن هذا الحديث صحيح, ومن أعله بالإرسال فكأنه لم يطلع على جميع طرقه, وكذلك ابن التركماني في الجوهر النقي في تعليقه على سنن البيهقي , وصححه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي والشيخ الألباني في إرواء الغليل , وهذا هو المعتمد وهو الأقوى، أن الحديث صحيح موصول, يعني: أن السند الصحيح هو عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: خلاصة الكلام أن حديث: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) حديث صحيح موصول , وأن قول المصنف هاهنا: (وله علة), ليس بجيد, فإن هذه العلة مدفوعة بما سبق.

الحديث فيه فوائد: أولها: أن الأرض كلها مسجد، يعني: موضع للصلاة فيها، كما سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) , وجاء هذا من طريق جماعة من الصحابة, فهو يشبه أن يكون متواتراً, وممن رواه من ذكرهم الترمذي




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4737 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4383 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4202 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4083 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4036 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4011 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3963 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3910 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3890 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3871 استماع