خطب ومحاضرات
المقدمة
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم فصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وأتباع سيدنا محمد إلى يوم الدين.
وبعد:
فمن مصطلحات ابن رشد في الكتاب، كما جاء في باب الفقه المسألة الأولى، أنه إذا قال: الحديث ثابت، فالمراد به أخرجه الشيخان البخاري و مسلم ، أو أحدهما، وكذلك من مصطلحاته أنه إذا قال: اتفق الجمهور؛ فيريد بهم مالكاً و الشافعي و أبا حنيفة ، كما ذكر ذلك في التيمم.
كذلك من مصطلحاته أنه إذا ذكر الآثار فالمراد بها الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله، وليس المقصود آثار الصحابة والتابعين.
أما مقدمة المؤلف فيقول: [ أما بعد:
الحمد لله بجميع محامده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وآله وأصحابه، غرضي في هذا الكتاب أن أثبت فيه لنفسي - أي: أن يكون مرجعاً له - أي: على جهة التذكرة من مسائل الأحكام المتفق عليها، والمختلف فيها بأدلتها، - يعني: في الفتوى- والتنبيه على نكت الخلاف فيها - يعني أسباب الخلاف، ما يجري مجرى الأصول والقواعد لما عسى أن يرد على المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع ].
يعني: هذا الكتاب ليس إحاطة بالشريعة كلها، بحيث أن كل مسألة شرعية تكلم فيها العلماء ستجدها فيه، وإنما هو في المسائل الكبار الأصول، بحيث أنك تكون على طريقة ومنهج تستطيع أن تقرأ في غيره من الكتب؛ فهذا يبين لك بأن هذه المسألة كذا وكذا، وبعد ذلك إذا كان هناك مسائل أخرى ستنظر فيها، ويبين لك الأسباب، فإذا درست في غيره من الكتب تبين لك بدراسة الأسباب هنا أسباب الخلاف هناك في تلك المسألة.
وهذه الطريقة يشير فيها إلى كيف يبتدئ المجتهد، كيف يبدأ يعرف القول وأسباب الخلاف.
وقد أشار لك على بعض المسائل وأنت تطالع وتقرأ المسائل الأخرى.
وبمناسبة أنه ما ذكر كل المسائل؛ فنحن نقول لكم في الترجيحات: ما رجحنا كل مسائل الخلاف في الشريعة، وإنما رجحنا، المسائل التي ذكرها الـمؤلف وذكر الخلاف فيها، وبينا فيها الراجح، وبياننا للراجح في هذه المسائل نريد منه أن يعرف الطالب الطرق التي رجحنا بها بين الأقوال المسكوت عنها؛ فقد يورد ابن رشد الأقوال ويسكت عنها ولا يرجحها.
فأنا رجحت بين الأقوال التي أوردها ابن رشد وسكت عنها، وبينت كما أنه بين أسباب الخلاف، فإذا فاتك في هذا الترجيحات يظهر لك أسباب الترجيح، فإذا ورد سؤال: لماذا رجحت؟ نقول: لوجه كذا ولوجه كذا؛ فالأوجه التي رجحت أنا بها هنا، تستطيع أنت أن تطالع مسألة ليست موجودة عند ابن رشد فترجح؛ لأنك سوف تجد الطرق بين الأقوال المختلفة، ستجد الأسباب والطرق، وكذلك يبين لك الدليل الأقوى بطريقة أصول الفقه، وكذلك الترجيح بين الأحاديث وهكذا.
المقصود أنكم تأخذون هذا الكتاب كطريقة إلى دراسة الخلاف، وكطريقة إلى استطاعة أحدكم أن يرجح، لا أنكم تأخذونه تقليداً في الترجيح؛ لأنه قد تأتيكم مسائل تريدون التقليد فيها ولا تجدوا أحداً، ولا بد أن تكونوا على معرفة كاملة بالطرق التي رجحت بها في هذا الكتاب، وهو سذكر شيئاً من أسباب هذا الترجيح ... .
قال: [ وهذه المسائل في الأكثر هي المسائل المنطوق بها في الشرع ]، يعني: المسائل التي تكلم عليها المؤلف هي المسائل التي نطق بها الشرع، وليس المسائل التي استنبطت استنباطاً بعيدا وخفيا من المتأخرين من الفقهاء؛ لأن الفقهاء استنبطوا مسائل خفية جداً، ليست من التي نطق بها الشارع.
[ أو تتعلق بالمنطوق تعلقاً قريباً، وهي المسائل التي وقع الاتفاق عليها أو اشتهر الخلاف فيها بين الفقهاء الإسلاميين من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى أن فشا التقليد.
وقبل ذلك فلنذكر كم أصناف الطرق التي تتلقى منها الأحكام الشرعية ]، يعني: سيذكر أصناف الطرق التي نأخذ منها الأحكام، وتتلقى الأحكام، وسيذكر أنها من الكتاب والسنة والتي تتلقى من الأحكام الشريعة.
[ وكم أصناف الأحكام الشرعية ]، والأحكام الشرعية سبعة أحكام: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه...
[ وكم أصناف الأسباب التي أوجبت الاختلاف بأوجز ما يمكننا من ذلك ]، إذاً سيذكر لك أولاً طرق الخلاف، وثانياً أصناف الخلاف، وثالثاً أحكام الشرع، ورابعاً كم الأسباب التي أوجبت الخلاف، وسيتكلم عن هذه بقواعد أصولية، بحيث تبني عليها في مسائل أخرى، وسيذكر الطرق التي منها تلقيت الأحكام الشرعية وعرفت أن هذا واجب، وهذا مندوب، وهذا حرام، إلى آخرها.
ما ورد فيه النص من قول أو فعل أو إقرار
قال: [ إن الطرق التي منها تلقيت الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام بالجنس ثلاثة، إما لفظ ] واللفظ يشمل الكتاب والسنة، قال الله كذا وكذا، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، هذان يسميان لفظا.
[ وإما فعل ] أي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فدل على جوازه، أو دل على وجوبه؛ لأن الفعل قد يكون واجباً، كأن يكون بياناً لواجب.
[ وإما إقرار ] بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى أصحابه يعملون شيئاً فسكت عنه، إذاً فنحن طرقنا ثلاث: لفظ: وهو الكتاب والسنة، وفعل رسول الله، وإقراره، هذه تسمى طرق الأحكام الشرعية.
ما لم يرد فيه نص وكلام العلماء في القياس
قال: [ وأما ما سكت عنه الشارع من الأحكام ]، ولم يرد فيه لفظ ولا فعل ولا إقرار، [ فقال الجمهور: إن طريق الوقوف عليه هو القياس ]، فتكون هناك مسألة منطوق بها. والمسألة الثانية تشبهها، وهذا يسمى مقيس عليه.
[ وقال أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل ]، إذا قست مسألة على أخرى فهذا باطل، [ وما سكت عنه الشارع فلا حكم له ]، هذا قول أهل الظاهر.
[ ودليل العقل يشهد بثبوته ]، أي: أن دليل العقل يشهد بثبوت القياس؛ لأن الطرق محصورة، وأفعال الناس غير محصورة.
[ وذلك أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية، والنصوص والأفعال والإقرارات متناهية. ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى ]. هذا طريق رابع بعد الثلاثة السابقة، وقد قيل فيه: بأنه ليس بدليل مستقل، وإنما هو كاشف عن الدليل، بسبب وجود علة الأصل المقيس عليه في الفرع المقيس.
فتكون طرق الاستدلال ثلاثة، والقياس كاشف عن طرق الاستدلال بأحد الطرق الثلاث، التي هي: القول، والفعل، والإقرار، والقياس تكشيفي، مثلاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الخمر حرام، وأما علة تحريمه فالأصل في تحريمه الإسكار، ومتى وجدت علة الإسكار نقول: هذا الشيء حرام، فالقياس كشف لنا أن علة التحريم الإسكار، وأنها إذا وجدت في الشيء الآخر ثبت له ذلك الحكم، إذاً ليس دليلاً مستقلاً، وإنما هو كاشف عن الدليل، يكون شيئاً منطوقاً به، مذكوراً علته، وشيء لا ينطق به، ولا يذكر علته، فتجد العلة بنفسها موجودة في هذا المقيس فتقول: هذا حرام؛ لأن العلة في التحريم كذا، فإذا قال الرسول قولاً في ذاك الحديث، ثم ثبتت علة التحريم هنا، فكشف لنا عن علة التحريم، فيكون كاشفاً عن الدليل.
قال: [ إن الطرق التي منها تلقيت الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام بالجنس ثلاثة، إما لفظ ] واللفظ يشمل الكتاب والسنة، قال الله كذا وكذا، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، هذان يسميان لفظا.
[ وإما فعل ] أي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فدل على جوازه، أو دل على وجوبه؛ لأن الفعل قد يكون واجباً، كأن يكون بياناً لواجب.
[ وإما إقرار ] بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى أصحابه يعملون شيئاً فسكت عنه، إذاً فنحن طرقنا ثلاث: لفظ: وهو الكتاب والسنة، وفعل رسول الله، وإقراره، هذه تسمى طرق الأحكام الشرعية.
قال: [ وأما ما سكت عنه الشارع من الأحكام ]، ولم يرد فيه لفظ ولا فعل ولا إقرار، [ فقال الجمهور: إن طريق الوقوف عليه هو القياس ]، فتكون هناك مسألة منطوق بها. والمسألة الثانية تشبهها، وهذا يسمى مقيس عليه.
[ وقال أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل ]، إذا قست مسألة على أخرى فهذا باطل، [ وما سكت عنه الشارع فلا حكم له ]، هذا قول أهل الظاهر.
[ ودليل العقل يشهد بثبوته ]، أي: أن دليل العقل يشهد بثبوت القياس؛ لأن الطرق محصورة، وأفعال الناس غير محصورة.
[ وذلك أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية، والنصوص والأفعال والإقرارات متناهية. ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى ]. هذا طريق رابع بعد الثلاثة السابقة، وقد قيل فيه: بأنه ليس بدليل مستقل، وإنما هو كاشف عن الدليل، بسبب وجود علة الأصل المقيس عليه في الفرع المقيس.
فتكون طرق الاستدلال ثلاثة، والقياس كاشف عن طرق الاستدلال بأحد الطرق الثلاث، التي هي: القول، والفعل، والإقرار، والقياس تكشيفي، مثلاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الخمر حرام، وأما علة تحريمه فالأصل في تحريمه الإسكار، ومتى وجدت علة الإسكار نقول: هذا الشيء حرام، فالقياس كشف لنا أن علة التحريم الإسكار، وأنها إذا وجدت في الشيء الآخر ثبت له ذلك الحكم، إذاً ليس دليلاً مستقلاً، وإنما هو كاشف عن الدليل، يكون شيئاً منطوقاً به، مذكوراً علته، وشيء لا ينطق به، ولا يذكر علته، فتجد العلة بنفسها موجودة في هذا المقيس فتقول: هذا حرام؛ لأن العلة في التحريم كذا، فإذا قال الرسول قولاً في ذاك الحديث، ثم ثبتت علة التحريم هنا، فكشف لنا عن علة التحريم، فيكون كاشفاً عن الدليل.
قال: [ وأصناف الألفاظ ] يعني أقسام اللفظ [ التي تتلقى منها الأحكام من السمع ]، لأن اللفظ يتلقاه السمع [ أربعة: ثلاثة متفق عليها، ورابع مختلف فيه ] يعني: ألفاظ القرآن وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، تنقسم إلى أربعة أقسام: ثلاثة متفق عليها على أنها مأخوذ بها، ورابع مختلف فيه هل نـأخذ به أو لا نأخذ به.
[ أما الثلاثة المتفق عليها: فلفظ عام يحمل على عمومه، أو خاص يحمل على خصوصه ] مثل الأمر في قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] فهذا أمر لكل الناس، أو خاص ورد الخطاب لإنسان موصوف.
[ أو لفظ عام يراد به الخصوص]، واللفظ العام المراد به الخصوص، تفهمه من سياق الآية، مثل قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]، فالناس ههنا المراد بهم محمد عليه الصلاة والسلام، وليس كل الناس، فهذا لفظ عام أريد به الخصوص، أيضاً مثل قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، المراد به أبو سفيان وأصحابه، وليس الناس كلهم قد جمعوا لهم، وقوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران:173]، الناس هنا المراد بهم واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو الذي أتى يشوش على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول لهم: إن الناس قد جمعوا لكم، فالناس هنا لفظ عام يراد به الخصوص.
[أو لفظ خاص يراد به العموم]، هذه أقسام أربعة:
[وفي هذا يدخل التنبيه بالأعلى على الأدنى ]، يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم صغير، فأنت تقول: إذا كان هذا الحكم الصغير حراماً، فالذي أكبر منه حرام، كما في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، فإذا كان لا يجوز أن تقول للأب: أف، فسبه حرام من باب أولى، هذا خاص أريد به عموم الأذية، فلا تؤذ والديك.
نجملها مرة ثانية أولاً: العام المراد به العموم، وهذا مثل قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3]، كلها حرام.
ومثال العام الذي يراد به الخصوص، قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، الأموال تشمل الملابس، وتشمل المركوبات، وتشمل البيوت، لكن الصدقة لا تجب فيها، إنما تجب في أشياء مخصوصة، إذاً هذا العام أراد به الخصوص.
قال: [ومثال الخاص يراد به العام، كما في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنه يفهم من هذا تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك، وهذه إما أن يأتي المستدعى بها فعله بصيغة الأمر].
صيغة ما يستدعى فعله
قال: [وهذه إما أن يأتي المستدعى بها فعله بصيغة الأمر، وإما أن يأتي بصيغة الخبر يراد به الأمر ] فاللفظ إما يأتي للأمر بحكم أو النهي عن حكم، أو يأتي إخبار من الله، لكن يراد به الأمر، مثل: آية المصابرة: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65]، فهذا خبر وليس أمراً، ثم قال: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:66]، وهذا خبر أريد به الأمر، بدليل قوله: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ [الأنفال:66]؛ لأنه دخله النسخ، والأخبار لا يدخلها النسخ، وإنما يدخل النسخ في الأوامر والنواهي، فلما علمنا أنه نسخه، عرفنا أنه خبر أريد به الأمر.
صيغة ما يستدعى تركه
[ وكذلك المستدعى تركه ] وهو الذي ينهى عنه، [ إما أن يأتي بصيغة النهي ]، مثل قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، هذا بصيغة النهي، [ وإما أن يأتي بصيغة الخبر ] كقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، هذا خبر ولكن المراد به النهي، ليس لك خيرة.
فالأمر والنهي يأتي بطريقتين: الأمر بطريقة الطلب والنهي بطريقة الخبر.
إذاً ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وردت بالأمر أو النهي، فإما أمر يستدعي الوجوب، وإما نهي يستدعي الحرمة، أو أمر يستدعي الندب، أو نهي يستدعي الكراهة، وهذه هي التي يتكلم عنها المؤلف.
دلالة صيغ الأمر على الوجوب
قال: [ وإذا أتت هذه الألفاظ بهذه الصيغ، فهل يحمل استدعاء الفعل بها على الوجوب أو على الندب، على ما سيقال في حد الواجب والمندوب، أو يتوقف ]، نقول: ننظر دليل آخر، هل هو للوجوب أو للندب.
[ حتى يدل الدليل على أحدهما؛ فيه بين العلماء خلاف مذكور في كتب أصول الفقه ] بعض العلماء قالوا: يفيد الوجوب، والبعض قالوا: يفيد الندب، والبعض قالوا: يتوقف ويبحث دليل آخر حتى يترجح الندب أو الوجوب.
والراجح من هذا أنه يستدعي الوجوب، حتى يوجد صارف يصرفه.
دلالة صيغ النهي على الحرمة
قال: [ وكذلك الحال في صيغ النهي هل تدل على الكراهة أو التحريم، أو لا تدل على واحد منهما؟ فيه خلاف أيضاً ]. الراجح أنه يدل على الحرمة؛ لقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
قال: [وهذه إما أن يأتي المستدعى بها فعله بصيغة الأمر، وإما أن يأتي بصيغة الخبر يراد به الأمر ] فاللفظ إما يأتي للأمر بحكم أو النهي عن حكم، أو يأتي إخبار من الله، لكن يراد به الأمر، مثل: آية المصابرة: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65]، فهذا خبر وليس أمراً، ثم قال: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:66]، وهذا خبر أريد به الأمر، بدليل قوله: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ [الأنفال:66]؛ لأنه دخله النسخ، والأخبار لا يدخلها النسخ، وإنما يدخل النسخ في الأوامر والنواهي، فلما علمنا أنه نسخه، عرفنا أنه خبر أريد به الأمر.
[ وكذلك المستدعى تركه ] وهو الذي ينهى عنه، [ إما أن يأتي بصيغة النهي ]، مثل قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، هذا بصيغة النهي، [ وإما أن يأتي بصيغة الخبر ] كقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، هذا خبر ولكن المراد به النهي، ليس لك خيرة.
فالأمر والنهي يأتي بطريقتين: الأمر بطريقة الطلب والنهي بطريقة الخبر.
إذاً ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وردت بالأمر أو النهي، فإما أمر يستدعي الوجوب، وإما نهي يستدعي الحرمة، أو أمر يستدعي الندب، أو نهي يستدعي الكراهة، وهذه هي التي يتكلم عنها المؤلف.
قال: [ وإذا أتت هذه الألفاظ بهذه الصيغ، فهل يحمل استدعاء الفعل بها على الوجوب أو على الندب، على ما سيقال في حد الواجب والمندوب، أو يتوقف ]، نقول: ننظر دليل آخر، هل هو للوجوب أو للندب.
[ حتى يدل الدليل على أحدهما؛ فيه بين العلماء خلاف مذكور في كتب أصول الفقه ] بعض العلماء قالوا: يفيد الوجوب، والبعض قالوا: يفيد الندب، والبعض قالوا: يتوقف ويبحث دليل آخر حتى يترجح الندب أو الوجوب.
والراجح من هذا أنه يستدعي الوجوب، حتى يوجد صارف يصرفه.
استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كتاب الزكاة [9] | 2957 استماع |
كتاب الزكاة [1] | 2913 استماع |
كتاب الطهارة [15] | 2906 استماع |
كتاب الطهارة [3] | 2619 استماع |
كتاب الصلاة [33] | 2567 استماع |
كتاب الصلاة [29] | 2416 استماع |
كتاب الطهارة [6] | 2397 استماع |
كتاب أحكام الميت [3] | 2389 استماع |
كتاب الطهارة [2] | 2365 استماع |
كتاب الصلاة [1] | 2329 استماع |