عشر ذي الحجة


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، ولم يترك شيئاً مما أُمر به إلا بلغه, فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى الناس من الضلالة, ونجاهم من الجهالة, وبصرهم من العمى, وأخرجهم من الظلمات إلى النور, وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد, وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، و إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134] .

أما بعد: أيها المسلمون عباد الله! فإن الله عز وجل برحمته قد جعل للعباد مواسم للخيرات, يتزودون فيها من الطاعات, ويتسابقون إلى القربات, ويأجرهم على القليل كثيراً, يعملون أعمالاً يسيرة ضئيلة، لكنه برحمته جل جلاله وفضله يأجرهم عليها الثواب الكثير والأجر العظيم.

ومن أكبر هذه المواسم عشر ذي الحجة, هذه الأيام المباركات التي اجتمعت فيها أمهات العبادات؛ من صلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة وذكر ودعاء, وتهليل وتكبير وتحميد.

هذه الأيام المباركات حري بالمسلم أن يغتنمهن, وأن يسارع إلى طاعة الله فيهن, وأن ينوع بين القربات لينال رضا رب الأرض والسموات؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من أيام العشر -يعني عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ). أي: لم يرجع لا بنفسه ولا بماله.

أداء الحج

وهذه الأيام المباركة أيها المسلمون عباد الله! فيها يوم التروية, وهو اليوم الذي تبدأ فيه أعمال الحج. وفيها كذلك يوم عرفة، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس, الدعاء فيه مستجاب, والذنب فيه مغفور، ورحمة الله على عباده ظاهرة.

وبعده يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر, ترمى فيه الجمار, وتحلق فيه الرءوس, ويتقرب فيه إلى الله عز وجل بالهدايا والأضاحي, وفيه الطواف بالبيت العتيق.

ثم تليها تلك الأيام المعدودات, أيام أكل وشرب وذكر وبعال, وهي التي قال الله فيهن: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] , فيها يوم القر، وفيها يوم النفر الأول، وفيها يوم النفر الثاني، وهذه كلها ساعات للطاعات, ساعات للذكر والشكر, ساعات للعبادة, ساعات للتقرب إلى الله عز وجل.

الإكثار من ذكر الله

أيها المسلمون عباد الله! أكثروا في هذه العشر من ذكر الله عز وجل، فما تقرب العبد إلى ربه بعبادة أيسر ولا أفضل من الذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على خير أعمالكم, وأزكاها عند مليككم, وأرفعها في درجاتكم, وخير لكم من إنفاق الذهب والورق, وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله ).

ذكر الله عز وجل تحميداً وتسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً, وقراءة للقرآن, ودعاء له جل جلاله, فهذه العبادة الطيبة المباركة التي يؤجر فاعلها أجراً عظيماً, أكثروا منها في أيام العشر.

وقد كان السلف رضوان الله عليهم، إذا دخل هلال ذي الحجة، كبروا الله عز وجل، وهللوا في بيوتهم وأسواقهم وشوارعهم ومساجدهم على كل أحوالهم، يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، يذكرون الله في الخلوة والجلوة, سواء كانوا وحدهم، أو كانوا مع الناس.

الإكثار من نوافل الصلاة والصيام

ومن العبادات كذلك أيها المسلمون عباد الله! في هذه العشر أن نكثر من نوافل الصلاة, نكثر من السجود لله عز وجل: ( فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة, وحط عنك بها خطيئة ).

ومن العبادات كذلك أن نكثر من الصيام, ( فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفاً ), فمن استطاع أن يصوم هذه الأيام التسعة يختمهن بيوم عرفة فبها ونعمت! ومن عجز فليصم أكثرها, ومن عجز فليصم يوم عرفة, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صيام يوم عرفة: ( يكفر ذنوب سنة ماضية، وسنة آتية )، يكفر ذنوب سنة ماضية من الصغائر دون الكبائر, وسنة آتية كذلك من الصغائر دون الكبائر.

الصدقة وصلة الأرحام

أيها المسلمون! تقربوا إلى الله عز وجل في هذه الأيام بالصدقة على أرحامكم، وعلى جيرانكم، وعلى المحتاجين من إخوانكم من المسلمين, أغيثوا ملهوفهم, وأعينوا محتاجهم, وأطعموا جائعهم.

وكذلك أيها المسلمون عباد الله! تقربوا إلى الله بصلة أرحامكم, تقربوا إلى الله عز وجل بكل ما يحضركم من عمل صالح, فإنها أيام مباركة.

قال جمهور المفسرين: هي التي أقسم الله بها حين قال: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] يعني: عشر ذي الحجة.

نحر الأضاحي

أيها المسلمون عباد الله! في ختام هذه العشر يتقرب حجاج البيت الحرام إلى الله عز وجل برمي الجمار، وحلق الرءوس، ونحر الهدايا، والطواف بالبيت العتيق، استجابة لأمر الله عز وجل حين قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29].

وغير الحجاج يتقربون إلى الله عز وجل بنحر الأضاحي, يسيلون الدماء, يتصدقون على الفقراء, يوسعون على الأهل والعيال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من هراقة دم, وإنه ليقع من الله بموقع قبل أن يقع على الأرض, وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها فطيبوا بها نفساً، ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة يوم عيد ).

ومن حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: ( أن الصحابة قالوا: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها؟ قال: لكم بكل شعرة حسنة ).

أيها المسلمون عباد الله! تخيروا الأضاحي من طيب مالكم، من حلاله, تخيروا الأضاحي من أفضل ما تجدون، قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران:92], وقال: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

أيها المسلمون! استحضروا نية صالحة، قوموا بهذه الأضحية إحياء لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لسنة الخليل إبراهيم عليه السلام، تقربوا إلى الله عز وجل بهذه الأضحية, وأنتم ترجون ما عنده من أجر وثواب، فرب قليل تكثره النية.

وإياك إياك أيها المسلم! أن يضيق صدرك بما أنفقت في الأضحية، إياك إياك أن تظن أنك قد خسرت، أو أنك قد ضيعت، لا والله, بل قدمت وأبقيت؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذبح شاة ووكل عائشة رضي الله عنها في قسمتها ثم خرج فرجع، قال: ( يا عائشة ! ما فعلت الشاة؟ قالت: ذهبت كلها إلا الذراع، فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقيت كلها إلا الذراع ).

فهذا المال الذي تنفقه في سبيل الله قربة إلى الله؛ إحياء لسنن المرسلين, وإطعاماً للفقراء والمساكين، هذا الذي يبقى لك عند الله عز وجل.

يا أيها المسلمون! يا عباد الله! ما أعظمها من أيام, وما أجلها من ساعات، السعيد ثم السعيد من اغتنمها في طاعة الله عز وجل، من أخلص لله فيها ظاهراً وباطناً, فأكثروا من ذكر الله, أكثروا من الصلوات, أكثروا من الصدقات, أكثروا من الصيام, تقربوا إلى الله عز وجل بالدعاء, صلوا أرحامكم, أحسنوا إلى جيرانكم. وأملوا في الله عز وجل خيراً كثيراً.

أسأل الله سبحانه أن يهل علينا هذا الشهر المبارك بالأمن والإيمان, والسلامة والإسلام, والتوفيق لما يحب ويرضى, إنه أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين، وتوبوا إلى الله واستغفروه.

وهذه الأيام المباركة أيها المسلمون عباد الله! فيها يوم التروية, وهو اليوم الذي تبدأ فيه أعمال الحج. وفيها كذلك يوم عرفة، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس, الدعاء فيه مستجاب, والذنب فيه مغفور، ورحمة الله على عباده ظاهرة.

وبعده يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر, ترمى فيه الجمار, وتحلق فيه الرءوس, ويتقرب فيه إلى الله عز وجل بالهدايا والأضاحي, وفيه الطواف بالبيت العتيق.

ثم تليها تلك الأيام المعدودات, أيام أكل وشرب وذكر وبعال, وهي التي قال الله فيهن: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] , فيها يوم القر، وفيها يوم النفر الأول، وفيها يوم النفر الثاني، وهذه كلها ساعات للطاعات, ساعات للذكر والشكر, ساعات للعبادة, ساعات للتقرب إلى الله عز وجل.