أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وعدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

هذا هو الدرس الثالث في هذه الدورة المباركة، وقد تقدم معنا الكلام في الدرس السابق عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدوم رمضان، وعرفنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يتهيأ لاستقبال رمضان بصيام أيام كثيرة من شعبان، وأنه صلوات ربي وسلامه عليه كان معنياً ببيان أحكام الصيام لأصحابه قبل قدوم رمضان.

وكذلك كان يبشرهم عليه الصلاة والسلام بما أعد الله من الأجر والثواب لمن صاموا وقاموا وأحسنوا في رمضان.

وأنه ما كان يدخل في الصيام إلا ببينة، إما برؤية الهلال أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً.

والكلام في هذا الدرس -إن شاء الله- عن: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان.

بمعنى: كيف كان صومه وقيامه واعتكافه وقراءته للقرآن؟ وما هي أنواع الخير وأصناف البر التي كان يحرص عليها صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا كله مما سنعرض له في هذا الدرس إن شاء الله.

وبداية أقول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعبد الخلق لربه جل جلاله، وما عرفت الدنيا إنساناً عبد ربه وأحسن فيما بينه وبين مولاه مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ربنا جل جلاله وصفه بالعبودية في أعلى المقامات وأفضلها، فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ[الإسراء:1]، وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ[الكهف:1]، وقال: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا[البقرة:23]، وقال سبحانه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ[الزمر:36]، وقال عن نفسه صلوات ربي وسلامه عليه: ( إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد ).

ومن عبوديته صلوات ربي وسلامه عليه لربه: أنه كان يتلذذ بالعبادة، فما كان يراها تكليفاً شاقاً ولا أمراً ممضاً؛ وإنما كان يجد فيها لذة وحلاوة وأنساً، وكان يشتاق إلى العبادة؛ ولذلك كان في الصلاة يقول لـبلال : ( أرحنا بها يا بلال ).

وكذلك في قيام الليل، كما ثبت من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي، فقالت: يا رسول الله! إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل حجره، ثم بكى حتى بل لحيته، ثم بكى حتى بل الأرض، فلا يزال يبكي صلوات ربي وسلامه عليه حتى جاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة، فقال: يا رسول الله! لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟، فقال له عليه الصلاة والسلام: لقد نزلت علي آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] ) الآيات العشر إلى آخر سورة آل عمران.

فعبادته صلوات ربي وسلامه عليه كانت عبادة المحب، عبادة الذليل بين يدي العزيز جل جلاله، عبادة المشتاق، وليست عبادة من يرى العبادة تكليفاً يريد أن يلقيه عن كاهله، ويريد أن يبرئ ذمته وأن يتخلص منه على أي وجه كان، بل هي عبادة المجود المتقن الذي يجد فيها لذة وحلاوة وأنساً، ويدخلها بشوق.

ومن ذلك عبادة الصيام.

نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص في الصيام على أمور، منها:

تعجيل الإفطار

كان يحرص على أن يعجل فطره، ويحافظ على سحوره ويؤخره، ويفطر على تميرات، فإن لم يجد فعلى رطبات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.

ومن ذلك أنه صلوات ربي وسلامه عليه كان متواضعاً في إفطاره وسحوره، وهذا كله من أحواله في الصيام، ومن سنته صلوات ربي وسلامه عليه.

أما كونه يعجل الفطر، فقد أخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أنه لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )، وأن ( أحب الناس إلى الله أعجلهم فطراً )، ولما طلب من بعض الصحابة أن يهيئ له فطوره، فقال له الصحابي: بعد يا رسول الله! أي: لم يدخل الليل! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم )، يعني: بمجرد تحقق غروب الشمس، ينبغي للإنسان أن يبادر إلى الإفطار ولا يؤخر ذلك ولا يسوف.

ومن هنا نعلم خطأ بعض الناس الذين يتنطعون بعد أن تغرب الشمس وقد سمعوا الأذان، فيقول قائلهم: أصبر حتى يؤذن المسجد الآخر! فإذا أذن يقول: أصبر حتى أسمع أذان الإذاعة أو التلفاز! ثم يقول: أصبر إلى أن يفرغ المؤذن من أذانه! فهذا كله من مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

محافظته على السحور

ومن أحواله أنه عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على السحور، ولا يفرط فيه، وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن في السحور بركة، فقال بالأمر: ( تسحروا فإن في السحور بركة )، قال علماؤنا: والبركة من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: بركة الوقت؛ لأن السحور يكون في وقت مبارك، وهو ثلث الليل الآخر.

الوجه الثاني: من جهة أنه يقوي على العبادة، ويعين على الصيام.

الوجه الثالث: من جهة أنه يقترن مع عبادة غالباً، يعني: الإنسان إذا قام للسحور فإنه: إما أن يركع ركعات، وإما أن يرتل آيات، وإما أن يدعو، وإما أن يستغفر، وإما أن يتهيأ لصلاة الصبح؛ فالسحور في الغالب تقترن معه عبادة؛ ومن أجل هذا كان فيه بركة.

وقال عليه الصلاة والسلام: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، وقال: ( لا يدعن أحدكم سحوره ولو على جرعة ماء ).

تأخيره للسحور

وقال: ( نحن معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل فطورنا، وتأخير سحورنا، ووضع أيماننا على مياسرنا في الصلاة ).

ولذلك كان من هديه تأخير السحور، وليس كما يصنع الناس الآن بأنهم يأكلون وجبة تسمى العشاء عند منتصف الليل، ثم بعد ذلك ينامون، فأقول: ليس هذا من السنة، بل السنة أن يستيقظ الإنسان قبل طلوع الفجر الصادق فيأكل تمرات أو يحسو حسوات من ماء، أو أي شيء.

قال علماؤنا: يتحقق السحور بأي شيء يدخله الإنسان في جوفه.

والمطلوب في السحور تـأخيره؛ لأن الصحابة هكذا كانوا يفعلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال قائلهم: ( كنت أتسحر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون بي سرعة أن أدرك الصلاة ).

وقال عمرو بن ميمون الأودي : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً.

وأما حديث زيد رضي الله عنه فقد قال: ( تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، قيل له: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية ).

قال علماؤنا: خمسون آية لا بالطويلة كآية الدين، ولا بالقصيرة كقوله سبحانه: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، وإنما قدر خمسين آية متوسطة.

حرصه على الدعاء عند الإفطار

ومن أحواله صلى الله عليه وسلم: حرصه على الدعاء عند الإفطار، فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام: ( أن للصائم دعوة لا ترد عند فطره )، وقوله: (عند فطره)، يشمل ما كان قبيل الإفطار وما كان بعيد الإفطار، ولكن الأقرب أن يكون قبيل الإفطار؛ لأن النفس في ذلك الوقت منكسرة، والبطن فارغة، والضعف حاصل، والخشوع متوقع؛ فهذا أقرب لحصول الإجابة.

وكثير من الناس يغفلون عن الدعاء عند الإفطار، يعني: وهم في انتظار الأذان تجد أكثر الناس منشغلين بالكلام والمؤانسة، فيتحدثون: بأن اليوم كان شديد الحر، أو أن اليوم نزل فيه مطر، أو أن اليوم حصل كذا وكذا، إلى أن يؤذن المؤذن فينهمكون في إفطارهم وهم غافلون عن الدعاء.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تناول تميرات أو رطبات أو حسا حسوات من ماء يقول: ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت )، ( ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله )، هكذا كان صلوات ربي وسلامه عليه يدعو عند الإفطار.

حرصه على السواك في أي وقت من الصيام

ومن أحواله في الصيام: حرصه على السواك؛ لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي، يستاك وهو صائم )؛ فقوله: (ما لا أحصي) يعني: لم أره مرة ولا مرتين ولا عشراً؛ وإنما رأيته مراراً يستاك وهو صائم.

فجمهور العلماء قالوا: لا فرق في السواك بين أن يكون في أول النهار أو في آخره، أو قبل الزوال أو بعده، ولا فرق بين أن يكون بعود يابس أو بعود رطب.

وأقول: ولا فرق كذلك بين أن يكون بعود الأراك أو أن يكون بفرشاة ومعجون، فكل هذا لا مانع منه؛ لأن المعجون ليس طعاماً ولا شراباً، ولا هو في معنى الطعام والشراب، ولا يتغذى به الإنسان، ولا يستفيد به قوة، ولكن ينبغي له أن يحرص ألا يسبق إلى جوفه منه شيء؛ لما سبق في حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).

فكذلك الإنسان إذا استاك، سواء كان بعود الأراك أو بفرشاة ومعجون، فليحرص على ألا يسبق إلى جوفه من ذلك شيء.

وبعض أهل العلم كرهوا السواك بعد الزوال، وقالوا: لأنه يذهب بالخلوف، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( والذي نفسي بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ).

فقوله: (خلوف فم الصائم) أي: تغير رائحة فمه؛ وذلك بسبب خلو المعدة من الطعام، فهذه الرائحة مستكرهة عند الناس، ولا يستطيبونها، ولكنها مستحبة عند الله؛ لأنها أثر من آثار طاعته، فلم تتغير رائحة فم الصائم؛ لأنه تناول مسكراً أو أكل شيئاً ذي رائحة كريهة؛ وإنما تغيرت رائحة فمه لأنه أخلى معدته من الطعام؛ وذلك تعبداً لله عز وجل؛ مثلما قال عليه الصلاة والسلام في دم الشهيد: ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه ينزف، اللون لون الدم والريح ريح المسك ).

ونحن لا نستحب الدم، ولكن هذا الإنسان لما كان دمه قد نزف في سبيل الله وفي طاعة الله، فإنه يوم القيامة يأتي وكلمه ينزف دماً وريحه ريح المسك.

وليس معنى ذلك أن يحرص الإنسان على استبقاء الخلوف، أو أن يعتني بجلبه، فليس الأمر كذلك، وعلى هذا لا مانع من أن يستاك الإنسان في أول النهار أو في آخره، سواء كان بعود الأراك أو بفرشاة ومعجون، كل هذا لا مانع منه إن شاء الله.

كان يحرص على أن يعجل فطره، ويحافظ على سحوره ويؤخره، ويفطر على تميرات، فإن لم يجد فعلى رطبات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.

ومن ذلك أنه صلوات ربي وسلامه عليه كان متواضعاً في إفطاره وسحوره، وهذا كله من أحواله في الصيام، ومن سنته صلوات ربي وسلامه عليه.

أما كونه يعجل الفطر، فقد أخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أنه لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )، وأن ( أحب الناس إلى الله أعجلهم فطراً )، ولما طلب من بعض الصحابة أن يهيئ له فطوره، فقال له الصحابي: بعد يا رسول الله! أي: لم يدخل الليل! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم )، يعني: بمجرد تحقق غروب الشمس، ينبغي للإنسان أن يبادر إلى الإفطار ولا يؤخر ذلك ولا يسوف.

ومن هنا نعلم خطأ بعض الناس الذين يتنطعون بعد أن تغرب الشمس وقد سمعوا الأذان، فيقول قائلهم: أصبر حتى يؤذن المسجد الآخر! فإذا أذن يقول: أصبر حتى أسمع أذان الإذاعة أو التلفاز! ثم يقول: أصبر إلى أن يفرغ المؤذن من أذانه! فهذا كله من مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أحواله أنه عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على السحور، ولا يفرط فيه، وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن في السحور بركة، فقال بالأمر: ( تسحروا فإن في السحور بركة )، قال علماؤنا: والبركة من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: بركة الوقت؛ لأن السحور يكون في وقت مبارك، وهو ثلث الليل الآخر.

الوجه الثاني: من جهة أنه يقوي على العبادة، ويعين على الصيام.

الوجه الثالث: من جهة أنه يقترن مع عبادة غالباً، يعني: الإنسان إذا قام للسحور فإنه: إما أن يركع ركعات، وإما أن يرتل آيات، وإما أن يدعو، وإما أن يستغفر، وإما أن يتهيأ لصلاة الصبح؛ فالسحور في الغالب تقترن معه عبادة؛ ومن أجل هذا كان فيه بركة.

وقال عليه الصلاة والسلام: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، وقال: ( لا يدعن أحدكم سحوره ولو على جرعة ماء ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [1] 2061 استماع
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [4] 2031 استماع
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [5] 1817 استماع
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [2] 1775 استماع