أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام في بعض الأحكام المهمة، المستنبطة من آيات الصيام في سورة البقرة، وعرفنا أن صيام رمضان فرض بالكتاب والسنة والإجماع.

وعرفنا أن هذه الفريضة قد نزلت في شعبان من السنة الثانية من الهجرة، وقد أجمع أهل العلم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صام تسع رمضانات.

وعرفنا بأن هذه الفريضة قد فرضت على التدرج، ومرت بأطوار، فقد كان صيام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر فرضاً، ثم نسخ ذلك بصيام رمضان على التخيير، فكان من شاء صام ومن شاء أطعم، ثم أنزل الله عز وجل قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، فصار الصوم لازماً لكل قادر.

ثم إن الرجل كان له أن يأكل ويشرب مالم ينم، فإذا نام لم يحل له أن يطعم ولا أن يشرب إلا إذا غربت شمس اليوم الذي يليه، حتى أنزل الله عز وجل قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

وعرفنا بأن الصوم لا يجب إلا على من توافرت فيه شروط خمسة، وهي: بلوغ، وعقل، وقدرة، وإقامة، ونقاء من دم حيض أو نفاس.

وأن الصوم لا يصح إلا بشرطين، وهما: الإسلام، وكون اليوم الذي يصام فيه هو من الأيام التي يصح صومها.

وينبغي أن نعلم بأن هذه الآيات المباركة قد تعرضت لمفسدات الصيام، وذكرت أصولها الثلاثة، وهي: الجماع، والأكل، والشرب.

ومن هنا نقول: بأن مفسدات الصيام تتمثل في عدة أمور:

المفسد الأول: الجماع، وهذا بإجماع العلماء؛ فقد جاء في حديث الأعرابي أنه: ( لما أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمش وجهه، وينتف شعره، ويقول: هلكت وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال: وقعت على أهلي وأنا صائم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً). وهذه الكفارة على التخيير عند علمائنا المالكية رحمهم الله.

المفسد الثاني: تعمد إخراج المني، فمن أخرج منياً وهو صائم فقد فسد صومه، وقد يكون إخراج المني عن طريق العبث، أو بإدامة فكر، أو بإدامة نظر، وهذا كله مفسد للصيام، وموجب للقضاء والكفارة؛ لأنه في معنى الجماع، فحكمهما واحد.

المفسد الثالث: تعمد إخراج المذي، فلو أن إنساناً أدام نظراً، أو أدام فكراً حتى أمذى فقد فسد صومه، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن خروج المذي مرحلة من مراحل قضاء الشهوة، وهي مما يتنافى مع الصيام؛ ولذلك يتأكد في حق كل صائم أن يغض بصره عما حرم الله عز وجل، وأن يديم فكره فيما يحبه الله ويرضاه.

المفسد الرابع: وصول شيء إلى الجوف، أي: إلى المعدة، أو إلى الأمعاء، سواء كان هذا الواصل مائعاً أو جامداً، وسواء وصل من أعلى أو وصل من أسفل، وهو ما يسمى باللبوس أو بالحقنة الشرجية، أو ما إلى ذلك، فهذا كله يعد من المفسدات.

المفسد الخامس: من أكل شاكاً في غروب الشمس، فلو أن إنساناً شك: هل الشمس غربت أو لم تغرب؟ ثم بعد ذلك أقدم على الأكل ولم يبال فإن صيامه يكون فاسداً؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالأصل بقاء النهار، ولا ينبغي للإنسان أن ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أدبر النهار من هاهنا وأقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم )، أما لمجرد الشك بأن الشمس قد غربت فيبادر الإنسان إلى أن يطعم أو يشرب، فهذا صومه فاسد ويلزمه قضاؤه.

المفسد السادس: وصول شيء مائع إلى الحلق، يعني: لم يصل إلى المعدة، ولا إلى الأمعاء، وإنما وصل إلى الحلق، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا حين أوصى لقيط بن صبرة رضي الله عنه، فقال له: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )؛ فحذره عليه الصلاة والسلام من المبالغة في الاستنشاق حال الصيام؛ لأن ذلك ربما يؤدي إلى تسرب هذا الماء إلى الحلق، ومعلوم أن الحلق بوابة الطعام مباشرة؛ ولذلك ينبغي للإنسان أن يحتاط حال صيامه فلا يوصل مائعاً إلى حلقه.

المفسد السابع: الأكل أو الشرب، فلو أن إنساناً طعم أو شرب فقد فسد صومه، فإن كان عامداً فعليه القضاء والكفارة عند الحنفية والمالكية؛ إلحاقاً لمتعمد الأكل والشرب بمتعمد الجماع.

وأما إذا كان ناسياً، كمن أكل أو شرب ناسياً، وهذا يحصل كثيراً في أول رمضان، فقد اعتاد بعض الناس إذا قام من نومه أن يعمد إلى الثلاجة أو إلى القربة فيشرب منها، فلربما يقوم في أول يوم من رمضان بعد طلوع الفجر فيجري على عادته، ويذهب ويشرب، ثم بعد ذلك يتذكر أنه صائم؛ فهذا عند المالكية يلزمه القضاء، فمن أكل أو شرب ناسياً لزمه القضاء.

أما عند جمهور العلماء فإنهم يقولون: لا قضاء عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ).

فرد المالكية -رحمهم الله- فقالوا: معنى الحديث: فليتم صومه. أي: إمساكه، فالصوم هنا صوم لغوي، فيتم إمساكه عن الطعام ويلزمه القضاء، واستدلوا بالقياس، فقالوا: نقيس الصوم على الصلاة؛ فالصوم ركنه الإمساك، والصلاة لها أركان معروفة، فلو أن إنساناً نسي ركناً من أركان الصلاة، فهل نقول له: أتم صلاتك؟ أم نقول له: لا بد أن تأتي بعين المنسي؟

فمثلاً لو أن إنساناً في الصلاة نسي الركوع، وهوى إلى السجود مباشرة، معنى ذلك أنه فوت ركنين: فوت الركوع وفوت الرفع منه، نقول له: لا بد أن ترجع فتأتي بهما، فإن لم تفعل فلا بد أن تلغى هذه الركعة وتقيم أخرى مكانها، قالوا: فكذلك الصيام، ركنه الإمساك، فمن نسي هذا الركن فإنه لا إثم عليه، لكن يلزمه القضاء.

ولكن يرد على هذا القياس -رغم وجاهته- الرواية الصحيحة في سنن البيهقي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة )؛ فنص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه: لا قضاء عليه ولا كفارة.

والعلماء لا يفرقون بين قليل الطعام وكثيره في حق الناسي فلو أن إنساناً نسي فأكل سمكاً ودجاجاً ولحماً، ثم أتبعه فولاً وعدساً وبصلاً، فأكله كله ناسياً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، وكذلك من أكل عنبة أو زيتونة أو تينة فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ إذ لا فرق بين قليل الطعام وكثيره.

والصوم له ركنان:

الركن الأول: النية، وهي تدخل في سبعين باباً من أبواب العلم، وتكفي فيها نية الليلة الأولى في كل صوم متتابع. والصوم المتتابع؛ كصوم رمضان وصوم الكفارات؛ ككفارة اليمين -مثلاً- إذا تابع الإنسان فيها الصيام، أو كفارة القتل الخطأ الذي قال الله فيها: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النساء:92]، أو كفارة الظهار، فكل صوم متتابع تكفي فيه نية الليلة الأولى؛ قالوا: لأنه عبادة واحدة وقد فرقت أجزاءً، وهي مثلاً: كصلاة العشاء فهي صلاة واحدة، وعبادة واحدة، ولكن قسمت إلى ركعات، فالإنسان لا ينوي في كل ركعة منها؛ وإنما ينوي مرة واحدة في بداية الصلاة، وقالوا: كذلك صوم رمضان عبادة واحدة تكفي الإنسان فيه نية الليلة الأولى، ولكن يستحب تجديدها في كل ليلة، وهذه النية لا تكون مجزئة إلا إذا وقعت قبل الفجر، أو في أي جزء من الليل، فإذا نوى الإنسان مرة واحدة أجزأته تلك النية؛ لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لم يجمع النية من الليل فلا صوم له ).

فقوله: (من لم يجمع النية) والإجماع معناه: العزم؛ كما في قول الله عز وجل: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً [طه:64]، فقوله: ( من لم يجمع النية من الليل فلا صوم له )، ومعنى ذلك: أنه لا بد من تبييت النية من الليل.

وهذه النية مطلوبة عند المالكية في صوم الفريضة وفي صوم التطوع أو في صوم النافلة، فلا بد من تبييتها من الليل.

ويرد عليهم حديث أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوماً فقال: هل من طعام؟ فقالت: لا. قال: فإنني اليوم صائم ). فهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبيت نية الصيام من الليل، وإلا لو كان نوى الصيام من الليل لما سأل عن الطعام، فالمالكية رحمهم الله يقولون: ليس الأمر كذلك، بل قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنني اليوم صائم )، معناه: إنني مستديم صيامي. أي أنه يخبر عليه الصلاة والسلام كما هو كائن؛ مثل: لو كنت صائماً صيام تطوع، فيدعوك بعض الناس إلى إفطار أو شاي، فتقول لهم: إنني اليوم صائم، فليس معناه هذا أنك نويت الآن الصيام؛ وإنما معناه: أنك ابتدأت الصيام من الفجر، لكنك الآن تخبر عما هو كائن.

فقال المالكية: إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطعام، لأنه كان يتفقد شئون أهله! فيقول لهم: هل عندكم من طعام تأكلونه؟ مثلما أنك في رمضان -مثلاً- تكون صائماً، ثم تأتي أهلك فتقول لهم: هل من طعام؟ وتقصد طعاماً للأولاد، هل عندكم عيش؟ وأنت لا تريد بذلك السؤال لنفسك؛ وإنما تريده لأولادك.

وأنا أقول هذا الكلام من أجل أن نعرف أن فقهاءنا -رحمهم الله- إذا اختلفوا فإن اختلافهم إنما هو اختلاف فهم، وليس اختلاف شهوة، أو لمجرد الخلاف، وإنما لهم نظر في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم فهم واجتهاد، ولكل وجهة هو موليها، ولا يخفى عليكم أن تأويل المالكية - رحمهم الله - بعيد، بل بعيد جداً؛ ولذلك جمهور العلماء قالوا في صوم التطوع: لا يشترط فيه تبييت النية من الليل، بل يجزئ أن ينوي الإنسان قبل الزوال. يعني مثلاً: واحد من الناس أصبح يوماً من أيام شعبان وقد شغل؛ فأخبر في الصباح بأن فلاناً قد مات -مثلاً-، فذهب إلى أهله معزياً، فوجد الجنازة لا تزال موجودة؛ فتبعها وصلى عليها إلى أن دفنها، ثم وجد أن الساعة قد صارت العاشرة صباحاً، وهو لم يشرب الشاي ولم يتناول ماءً ولا ذاق طعاماً، ولم يبق على غروب الشمس إلا وقتاً يسيراً، فقال: إذاً: اليوم أنا صائم.

فعند الجمهور هذا صيامه صحيح؛ لأن صوم التطوع لا يشترط له تبييت النية من الليل.

لكن النية لا بد فيها من الجزم والعزم، فلا يصلح للإنسان أن يكون شاكاً ويبيت على هذا الشك، بل يعزم على الصيام ويجزم.

الركن الثاني من أركان الصيام: الإمساك عن المفطرات -التي مضى ذكرها- من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

بقي التنبيه على مسائل يسيرة:

المسألة الأولى: عن الجماع إذا حصل فيه إكراه، أو لو أن إنساناً جامع امرأته وهي نائمة لا تشعر، فإنه ليس عليها سوى القضاء، وتلزمه هو كفارتان، كفارة عن نفسه، وهو مخير فيها بين الخصال الثلاث وهي: إما عتق أو صيام أو إطعام، أما كفارته عن زوجته فهو مخير فيها بين خصلتين وهي: إما إطعام أو عتق، أما الصوم فلا تصح فيه نيابة الحي عن الحي، يعني: لا يصوم حي عن حي.

المسألة الثانية مما يلزم التنبيه عليه: أن الإنسان إذا أصابته جنابة بالليل، أي: جامع أهله، ثم نام ولم يغتسل، وطلع عليه الفجر في رمضان، فصومه صحيح؛ لأن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام فيغتسل ويصوم ). فلا حرج لو طلع عليك الفجر وأنت جنب؛ فإن صومك صحيح.

المسألة الثالثة من المسائل التي ينبه عليها وهي مما يكثر السؤال عنها في رمضان: من نام أثناء النهار فاحتلم، فإن صومه صحيح ولا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن القلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ.

فإذا عرفنا أركان الصيام ومفسداته، وعرفنا شروط وجوبه وصحته؛ فقد آن لنا بعد ذلك أن ندخل في موضوع عنوانه: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان.

وهذا يشمل أربعة مواضيع وهي:

الموضوع الأول: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدوم رمضان، كيف كان يتهيأ لاستقبال هذا الشهر المبارك؟

الموضوع الثاني: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه في رمضان.

الموضوع الثالث: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه في رمضان.

الموضوع الرابع: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته في رمضان.

وأبدأ بالموضوع الأول وهو: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدوم رمضان.

زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا

كان النبي صلى الله عليه وسلم تام الزهد في الدنيا؛ فلم تعرف الدنيا شخصاً أزهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت الدنيا تزن عنده شيئاً، وما كان يعجبه من الدنيا إلا مؤمناً تقياً.

وكان من زهده صلوات ربي وسلامه عليه أنه معرض عنها تمام الإعراض، طامع فيما عند الله؛ ولذلك كانت الدنيا في يده، ولم يكن فقيراً عليه الصلاة والسلام، فقد كانت تأتيه الغنائم والأموال، فلا يدخل بيته حتى يفرقها، وكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، وقد ورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم: ( ربما صلى بأصحابه يوماً ثم خرج مسرعاً يتخطى رقاب الناس، يقول الصحابة: حتى فزعنا من سرعته، فدخل صلى الله عليه وسلم بيته ثم خرج، فسأله الصحابة في ذلك؛ فقال: إني تذكرت شيئاً من تبر كان عندي فأمرت بقسمته )، فقوله: (شيئاً من تبر) أي: من ذهب كان عندي فأمرت بقسمته.

ومن زهده صلوات ربي وسلامه عليه أنه كان يقول لأصحابه: ( والذي نفسي بيده! لو كان عندي مثل جبل أحد ذهباً ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيئاً أرصده لدين )، يعني: شيئاً أدخره من أجل قضاء دين.

ومن زهده صلوات ربي وسلامه عليه: أنه كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاءً، (ويتقلب على فراشه من شدة الجوع، حتى كانت عائشة رضي الله عنها تمسح على بطنه وتبكي رقة له، وتقول: نفسي لك فداء يا رسول الله! هلا سألت ربك ما تقتات به، فكان يقول لها: يا عائشة! إخواني أولو العزم من الرسل صبروا على مثل هذا العيش حتى قدموا على ربهم، فأكرم ثوابهم وأحسن مآبهم، وإني أخشى إن تمتعت بطيبات الدنيا أن يقصر بي غداً دونهم ).

وتقول عائشة رضي الله عنها: ( والله! ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير ثلاثاً حتى لقي ربه ). يعني: ما أتت عليه ثلاثة أيام متتابعة وهو شبعان عليه الصلاة والسلام، بل لما عرض عليه ربه أن يحول له بطحاء مكة ذهباً قال: ( لا يا رب! بل أجوع يوماً فأصبر، وأشبع يوماً فأشكر ).

ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ( ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا سكرجة، ولا خبزاً مرققاً ولا رأى شاة سميطاً حتى لقي ربه ).

فقوله: (ما أكل على خوان)، أي: على مائدة.

وقوله: (ولا سكرجة) السكرجة: هي قصاع صغار يوضع فيها ما يقزح به الطعام ويطيب. يعني: أشبه بالملاحات، كما يقول الناس الآن يوضع فيها الفلفل والأشياء التي تفتح الشهية وتزيد في أكل الإنسان.

وقوله: (ولا خبزاً مرققاً) الخبز المرقق: هو الصافي الذي ليس فيه نخالة.

وقوله: (ولا رأى شاة سميطاً حتى لقي ربه) والشاة السميط: هي التي صب عليها الماء الحار وجردت من شعرها وقزحت وملحت.

ويقول عمرو بن الحارث ، وهو صهره أخو جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، يقول رضي الله عنه: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شاة ولا بعيراً، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة). هذا الذي تركه من الدنيا عليه الصلاة والسلام.

فرحه صلى الله عليه وسلم بقدوم رمضان

كان زهد النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى في فرحه بقدوم رمضان؛ لأنه موسم الخيرات، وشهر الطاعات والقربات؛ ولذلك يفرح عليه الصلاة والسلام؛ كما قال ربنا جل جلاله: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، فيفرح صلوات ربي وسلامه عليه بقدوم رمضان، ولا يفرح بشهوات الدنيا ولا بطيباتها ولا بملذاتها؛ بل كما قال الصالحون لـقارون: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76].

الإكثار من الصيام في شعبان

ونبينا صلوات ربي وسلامه عليه من فرحه بقدوم رمضان كان يكثر من الصيام في شعبان، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيته استكمل شهراً إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً من شعبان، وكان يقول: ذاك شهر غفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ).

والسيدة عائشة تذكر عن نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه: كان يسرد الصيام ويتابع، فيصوم أياماً متتابعة حتى نقول: لا يفطر، وكان يترك الصيام عليه الصلاة والسلام أياماً متتابعة حتى نقول: لا يصوم، وما استكمل صلى الله عليه وسلم شهراً، أي: ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان.

فقولها: ( وما رأيته في شهر أكثر صياماً من شعبان ) وذلك لعلتين كما ذكر أهل العلم:

العلة الأولى: أن الناس يغفلون عن شعبان، فيهتمون برجب؛ لأنه من الأشهر الحرم، ويهتمون برمضان، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم الاهتمام بشعبان.

العلة الثانية: أن هذا الشهر المبارك له خصوصية: وهي أنه ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل، فأحب عليه الصلاة والسلام أن يرفع عمله وهو صائم.

قال أهل العلم: صيام شعبان بالنسبة لرمضان كالسنة القبلية بالنسبة للصلاة المفروضة.

ونحن الآن نشكو من عدم الخشوع في الصلاة، فإذا دخلت مسجداً قل أن تجد فيه خاشعاً، وذلك لعدم وجود أسبابه؟

وقد قال العلماء: إن من أسباب الخشوع في الصلاة أن يبكر الإنسان إلى المسجد، وأن يصلي ما كتب الله له أن يصلي، وأن يجلس بين الأذان والإقامة في طاعة، كذكر، ودعاء، واستغفار، وقراءة قرآن، وغير ذلك من أنواع الطاعات، فإذا أقيمت الصلاة دخل فيها قرير العين، مطمئن القلب، هادئ النفس، فيجد للفريضة لذة؛ لأنه تهيأ لها قبلها.

لكن لو أن إنساناً سمع الأذان فسوف، ثم سمع الإقامة فسوف، ثم بعد ذلك لما مضى من الصلاة ركعة أو ركعتان ركض إلى المسجد ركضاً، ثم دخل في الصلاة بعدما أصدر صوت جلبة وشوش، وهدد وزمجر، ولربما قال للإمام: إن الله مع الصابرين، أو قال له: سبحان الله، أو ضرب بعصاه، ونحو ذلك، مما يفعله بعض الناس، ثم دخل في الصلاة قائلاً: الله أكبر! وهو يلهث؛ فأنى يأتيه الخشوع؟!

ولذلك نقول: صيام شعبان بالنسبة لرمضان كالسنة القبلية للصلاة المفروضة، وهو أن يعتاد الإنسان الصيام ويتمرن عليه حتى إذا دخل رمضان دخله بصدر منشرح وقلب مطمئن.

وسن لنا الصيام في شوال؛ وهو كالسنة البعدية بالنسبة للصلاة المفروضة، فلا نجعل رمضان هو أول يوم نصوم وآخر يوم ننتهي، وبعد ذلك نقول: إلى اللقاء يا صيام في السنة القادمة إن شاء الله!

وإنما سن لنا النبي صلى الله عليه وسلم صياماً قبل رمضان، وصياماً بعد رمضان؛ من أجل أن نسبق الطاعة المفروضة بطاعة، ونتبع الطاعة المفروضة بطاعة.

تبشيره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بقدوم رمضان

ومن أحواله صلى الله عليه وسلم: تبشيره لأصحابه بقدوم رمضان، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت مردة الشياطين )، يبشر أصحابه بأن أبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، ومردة الشياطين مصفدة.

ومن تبشيره لأصحابه رضوان الله عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فلا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد )، فهذا باب مخصوص للصائمين.. يبشر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بذلك.

ومن تبشيره صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوله لهم حين خطبهم في آخر يوم من شعبان: ( قد أظلكم شهر كريم مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين، افترض الله عليكم صيامه، وإني سننت لكم قيامه، من وفق فيه إلى خصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وهو شهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان له مثل أجره، وكان عتقاً لرقبته من النار )، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه عن سلمان وفي سنده ضعف.

وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه فقال: أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل في كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد مردة الشياطين، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان. قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، وإنما يعطى الأجير أجره إذا وفى عمله )، فالنبي عليه الصلاة والسلام يهيئ الصحابة لاستقبال هذا الشهر، كأنه يقول لهم: رمضان سيد الشهور، لياليه خير الليالي، وأيامه أفضل الأيام، اغتنموا ساعاته ولحظاته ودقائقه وثوانيه في طاعة الله عز وجل، أروا الله من أنفسكم خيراً، فيدلهم صلوات ربي وسلامه عليه على ما يتقربون به إلى الله عز وجل.

فمطلوب منا أن نذكر الناس بمثل هذه المعاني قبل أن يدخل رمضان.

بيانه صلى الله عليه وسلم لأحكام الصيام

ومن أحواله صلوات الله وسلامه عليه قبل قدوم رمضان: بيانه لأحكام الصيام، لأن الناس سيدخلون في عبادة، وهذه العبادة لها أحكام وواجبات وأركان، كما لها شروط وسنن وآداب، ويلحقها مفسدات ومبطلات، فلا بد للناس أن يعرفوا هذه الأحكام قبل أن يتلبسوا بالعبادة، وهذا الكلام أوجهه لإخواننا من الدعاة، وأئمة المساجد، فإن من الحكمة أن يتناسب الحديث مع الزمان.

فلا يأتي إنسان في مثل هذه الأيام- مثلاً- ويكلم الناس عن فضائل رجب؛ لأن رجب قد ذهب، ولا يكلمهم عن المولد النبوي، والأمور التي تحدث فيه، وما يتعلق بها من أحكام، فإن المولد قد مضى وذهب، وإنما المناسب في هذه الأيام أن نتكلم عن شيء يتعلق بالصيام، وهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم المطردة، فلما كسفت الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم، يوم مات ولده إبراهيم، قال بعض الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم ، وذلك بناءً على عقائد الجاهلية بأن الشمس لا تنكسف إلا لموت عظيم، فخرج صلى الله عليه وسلم يجر إزاره، وصلى بالناس ركعتين، في كل ركعة ركوعان، ثم قال لهم: ( أيها الناس! إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة والصدقة، ثم قال: يا أمة محمد! لا أحد أغير من الله، وإن الله تعالى يغار أن يزني عبده أو تزني أمته)، فيحذرهم صلى الله عليه وسلم من المعاصي، فهذا الكلام مناسب لهذا المقام.

وكذلك في صلاة الاستسقاء، يرشدهم إلى الاستغفار والتوبة والصدقة، ويقرأ عليهم قول الله عز وجل: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً[نوح:10-11]، وهذا هو المناسب لهذا المقام كذلك.

ولذلك قال علماؤنا: إذا دعي الإنسان إلى حفل نكاح -مثلاً- وطلب منه أن يقرأ القرآن فليس من المناسب أن يقرأ عليهم قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]. أو طلب منه موعظة قبل إجراء العقد، فيحدثهم عن أحكام الطلاق! ويقول: الطلاق: كذا وكذا! فالناس سيقولون له متعجبين: سبحان الله! من أين جاء هذا الإنسان؟ نحن في زواج ويحدثنا عن الطلاق! وقد (كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة).

قالوا: ولو دعي إنسان لافتتاح مسجد، فليس مناسباً أن يذكر الناس بقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [التوبة:107]، بل عليه أن يذكرهم بقوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ [التوبة:18].

فنقول: المطلوب من العلماء والدعاة: أن يعنوا بتبصير الناس بالأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الشهر الكريم قبل قدومه وفي أثناء الشهر، فنحن محتاجون أن نذكر الناس في زماننا هذا بأهمية المحافظة على الوقت في رمضان؛ لأن رمضان يتفلت من أيدي أكثر الناس، ويضيعونه في توافه الأمور وسفاسفها.

ومطلوب منا: أن نذكر الناس بفضل تلك الليالي المباركة، ونذكرهم بأحكام الاعتكاف وسننه وآدابه، ثم بعد ذلك إذا أوشك الشهر على أن ينقضي نذكر الناس بأحكام زكاة الفطر.

ولذلك تجد بعض الأئمة يذكر الناس بأحكام زكاة الفطر في صلاة العيد، ووقتها قد خرج ومضى، فلا بد للإنسان أن يتخير الكلام المناسب في الوقت المناسب.

كان النبي صلى الله عليه وسلم تام الزهد في الدنيا؛ فلم تعرف الدنيا شخصاً أزهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت الدنيا تزن عنده شيئاً، وما كان يعجبه من الدنيا إلا مؤمناً تقياً.

وكان من زهده صلوات ربي وسلامه عليه أنه معرض عنها تمام الإعراض، طامع فيما عند الله؛ ولذلك كانت الدنيا في يده، ولم يكن فقيراً عليه الصلاة والسلام، فقد كانت تأتيه الغنائم والأموال، فلا يدخل بيته حتى يفرقها، وكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، وقد ورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم: ( ربما صلى بأصحابه يوماً ثم خرج مسرعاً يتخطى رقاب الناس، يقول الصحابة: حتى فزعنا من سرعته، فدخل صلى الله عليه وسلم بيته ثم خرج، فسأله الصحابة في ذلك؛ فقال: إني تذكرت شيئاً من تبر كان عندي فأمرت بقسمته )، فقوله: (شيئاً من تبر) أي: من ذهب كان عندي فأمرت بقسمته.

ومن زهده صلوات ربي وسلامه عليه أنه كان يقول لأصحابه: ( والذي نفسي بيده! لو كان عندي مثل جبل أحد ذهباً ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيئاً أرصده لدين )، يعني: شيئاً أدخره من أجل قضاء دين.

ومن زهده صلوات ربي وسلامه عليه: أنه كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاءً، (ويتقلب على فراشه من شدة الجوع، حتى كانت عائشة رضي الله عنها تمسح على بطنه وتبكي رقة له، وتقول: نفسي لك فداء يا رسول الله! هلا سألت ربك ما تقتات به، فكان يقول لها: يا عائشة! إخواني أولو العزم من الرسل صبروا على مثل هذا العيش حتى قدموا على ربهم، فأكرم ثوابهم وأحسن مآبهم، وإني أخشى إن تمتعت بطيبات الدنيا أن يقصر بي غداً دونهم ).

وتقول عائشة رضي الله عنها: ( والله! ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير ثلاثاً حتى لقي ربه ). يعني: ما أتت عليه ثلاثة أيام متتابعة وهو شبعان عليه الصلاة والسلام، بل لما عرض عليه ربه أن يحول له بطحاء مكة ذهباً قال: ( لا يا رب! بل أجوع يوماً فأصبر، وأشبع يوماً فأشكر ).

ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ( ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا سكرجة، ولا خبزاً مرققاً ولا رأى شاة سميطاً حتى لقي ربه ).

فقوله: (ما أكل على خوان)، أي: على مائدة.

وقوله: (ولا سكرجة) السكرجة: هي قصاع صغار يوضع فيها ما يقزح به الطعام ويطيب. يعني: أشبه بالملاحات، كما يقول الناس الآن يوضع فيها الفلفل والأشياء التي تفتح الشهية وتزيد في أكل الإنسان.

وقوله: (ولا خبزاً مرققاً) الخبز المرقق: هو الصافي الذي ليس فيه نخالة.

وقوله: (ولا رأى شاة سميطاً حتى لقي ربه) والشاة السميط: هي التي صب عليها الماء الحار وجردت من شعرها وقزحت وملحت.

ويقول عمرو بن الحارث ، وهو صهره أخو جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، يقول رضي الله عنه: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شاة ولا بعيراً، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة). هذا الذي تركه من الدنيا عليه الصلاة والسلام.

كان زهد النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى في فرحه بقدوم رمضان؛ لأنه موسم الخيرات، وشهر الطاعات والقربات؛ ولذلك يفرح عليه الصلاة والسلام؛ كما قال ربنا جل جلاله: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، فيفرح صلوات ربي وسلامه عليه بقدوم رمضان، ولا يفرح بشهوات الدنيا ولا بطيباتها ولا بملذاتها؛ بل كما قال الصالحون لـقارون: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76].