غزوة حمراء الأسد: أحداث ودلالات
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
غزوة حمراء الأسدأحداث ودلالات
إن الأيام دول، وهذه وقفة كافية عند الذي حدث في أحد، وهكذا كان على يهود والمنافقين علم ذلك، لكنه الإرجاف الذي ما فتئ ينفث سمه فيهم أبدا.
إذ لو انتظر المنافقون قليلا، وحين خرج نبينا صلى الله عليه وسلم لملاقاة القوم ثانية، وإذ ما زال جرح أحد نازفا، فلربما كان لهم قول ثانٍ، لكن إرجافا لصيقا بهم، أدى بهم إلى فعلهم هذا!
وإذ سمع نبينا صلى الله عليه وسلم تلاوم قريش، وأنها أصابت شوكته وحسب، وإذ لم تبتره وحزبه، وإذ عزم أمره قائلا: لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال[1].
ولتعلم يهود والمنافقون أن هكذا يجمع نبينا صلى الله عليه وسلم جنده، ولملاقاة عدوه، ولو كان توا راجعا من أحد!!
وإذ مازال جرح أحد نازفا، يخرجون، ولينزل فيهم: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ آل عمران: 172].
وهكذا طلب نبينا صلى الله عليه وسلم عدوه، حتى بلغ حمراء الأسد.
وليعلم الذين في قلوبهم مرض، أننا أمة تصح أبدا، وإن أو عكت يوما، فإن شذى طيبها لتفوح منه الأرجاء، وإن عليل نسيمها ليعم به الأنحاء.
وإنه لجدير بأمتنا إعادة النظر في تاريخها الناصع المجيد، ولما لم تحط رحالها يوما، فنشرت دينها، وهدى الله بها قلوبا غلفا، وأعينا عميا، وآذانا صما.
وإذ ما زال جرح نبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه نازفا من أحد، وها هو يخرج إلى حمراء الأسد، وهذه رسالة إلى أولي العزم الأكيد، والأمر الرشيد، أن هكذا كان أسلافهم من قبل، منارات خير، ودعاة هدى للعالمين.
وحسن أن توجه طاقات خلابة، تستجيش أمتنا، نحو مجدها الأسعد، وإلى تاريخا الأمجد، لتعود قوية الشكيمة، فلا يتربص بها هكذا، ومن كل حدب ينسلون!
وإذ أذن نبينا صلى الله عليه وسلم، لجابر بن عبد الله، بالمقام في المدينة، على أخواته، أمرا لوالده، يوم حمراء الأسد، ولأن ديننا يحفظ جبهته الداخلية، كالخارجية تماما، وبقدره وعلى شرطه.
وكان أن طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم العدو حتى بلغ حمراء الأسد؛ ولأنه أحيانا يكون الهجوم خير وسيلة للدفاع، وإذ علم نواياهم، وأخبر سرائرهم، علامات ونبوءات ودلالات!
وحسن أن يُبادَر الخصم بضربة، تجهز عليه، وحين يتبدى لجهاز الاستخبارات، أن خططا تبرم، وأن شباكا تنصب، وأن حيلا تحاك، وبمكر مثله، أو أشد مكرا.
وكان أن رجع نبينا صلى الله عليه وسلم من أحد يوم الخامس عشر من شوال، وخرج إلى حمراء الأسد يوم السادس عشر من شوال نفسه! وبنفس فصيل أحد، استردادا لحق، واسترجاعا لكرامة!
ولربما جالت بنا الخواطر! إذ كيف يعود نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أحد ليرجع إلى حمراء الأسد يومه التالي! وإذ ما زال جرحه نازفا! لكنه التاريخ مجدُ أمتنا!
إن أمتنا لا يعتريها خوار، بل ولا بصيصه! وحين تخرج مُكْلَمَةً من أُحُدٍ، ومباشرة إلى حمراء الأسد، رسالة تجأر بالحق، وبه يعدلون، وأن ههنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
إن أمتنا أسود زئيرها أزيز! وحين تؤوب أوبتها، صانعة للأحفاد أمجادا، لا مجدا واحدا، وأن آباءهم لم يرضوا دنية يوما، ولم يقبلوا ضيما ما بقوا، وليكونوا إذاً مثلهم، وأن عدوهم منهم لمرجف!
وهكذا يخرج نبينا صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، منبئا عدوه، وكأن لم تكن به لمة، ويكأن شبيبة الأمة معينها، الذي لا ينضب، بل خزائنها ملأى، بأمثال الجبال الشم الرواسي.
وأن يخرج أهل أحد لحمراء الأسد - جميعا -، نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، بل دينهم، بل وأنفسهم، كَلْمَاً ذاقوا مرارته، فهذا برهان أن جوادا وحين يعثر مرة، وإذ سرعان ما تراه ينهض ليعاود الكرة!
وإذ يحدث في الجيوش غربلة! فيجددون الدماء التي رهلت، ويميطون أذى عنها إذا عثرت! لكن جند أحد خرجوا عن آخرهم! إلا جابرا واحدا! فما هو قولنا؟!
وقولنا: إن جند محمد صلى الله عليه وسلم لا يعثرون، وإذ ها هم جراحهم تنزف، فيخرجون وعلى قلب رجل واحد، لملاقاة عدوهم مرة واحدة أيضا، وهذا في حد ذاته يفقده توازنه، قولا فصلا.
وإذ قال أحدهم: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخى وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه؟![2].
وهذا مثلهم بذلا!
والله مالنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحا منه، فكنت إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهى من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثا الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة![3].
وهذا وصفهم حالَهم، يوم خرجوا، إلى حمراء الأسد! لكنه مناد الجهاد إذا زأر، ولكنه داع القلب إذا نفر!
إن خروج باذلين أخوين، مثقلين جراحا، ولا دابة لهما، وتلبية لنداء يوم حمراء الأسد، لخارج عن دائرة التصور! ولكنه التاريخ، وحين أتحفناه مجدا حسنا.
إن رؤوسا أينعت، وإنه قد حان وقت قطافها، وهذا هو مبدأ خروجه صلى الله عليه وسلم، يوم حمراء الأسد، ولأن قريشا غرها في دينها، أنها غلبت يوما، وما تعلم أن الكرة عليهم من بعدها أبدا.
إن الأعداء يتربصون بأمتنا الدوائر كلها، ولئن كنا مساكين في ديننا، أو مقصرين، ومنه فأمل ملاحقتهم معقود، وأينما نبتت لهم نابتة، ولو كانوا وراء بحارهم! وهذا ما نفيده من وقفات، كانت سوقا ربانيا حميدا، ومن مثل ما سوف نرى من تسخيره تعالى لمعبد الخزاعي، - وعلى كفره - ولصالح المؤمنين.
ودون إطلاق رصاصة واحدة، فلقد كان عمله تخويفا وإرهابا وإرعابا نفسيا، أتى أكله، ودون زحف!
مناورة عسكرية خالدة:
ولعل حمراء الأسد كانت أشبه بمناورات يوم الناس هذا، إظهارا للقوة، وأمام خصوم غرتهم الأماني، يهالهم التخويف، ويقض مضاجعهم قوة المؤمنين!
وإذ مثلت حمراء الأسد في نظرنا وكمناورات، يقوم بها بواسل الأرض ونسور البحر والجو، حينا من بعد حين آخر، ليرهبوا به عدو الله وعدوهم، وآخرين من دونهم.
وإذ استغرقت حمراء الأسد ثلاثة أيام، ثم رجعت القوات ثكناتها في المدينة، برهان عمل عسكري خاطف، لا يكلف خزانة الأمة كثيرا، ويرهب الخصم أكثر، وهذا فن عسكري بامتياز.
إن عملا دؤوبا للقوات المسلحة أوجب، وليكون حاضرا في الأذهان أبدا، أمام خصم متربص، وليكون ماثلا في الخواطر، أن دعة لا تعرفها عسكرية مجيدة.
وقد أثار زخم حمراء الأسد في الخصم رعبا ووهنا، حط رحاله فيه، ولما رأى جندا مغاوير، خرجوا إليه، ومازالت جراحهم تنزف، جراء يوم أحد، فما باله ولو لم يكونوا ينزفون؟!
استعمال عبد الله بن أم مكتوم:
واستعمل نبينا صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم، على المدينة، يوم حمراء الأسد، وما زال ماثلا في الذهن عتاب ربه تعالى له، ويوم قال سبحانه: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾ [عبس:1-3]!
إن استخلافه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم سبع عشرة مرة، برهان عمل عتاب ربه فيه، وبرهان إفادتنا رفع معنويات ضعفائنا، وإذ هم رموز الابتلاء، وشارات الاختبار.
وإنه لحسن وقوف مليا، أمام استخلافه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم سبع عشرة مرة، وبعد عتابه تعالى له، برهان أن هؤلاء هم ضعفاء عباده تعالى في أرضه، وإنما بهم تنصرون!
إن الضعفة والمساكين من عبيده تعالى، هم ذلكم السلاح الماضي الفتاك، وليس يغيب عن أمة إيواؤهم، ولأنهم عون ربهم، وبعدوهم ينكأون، سرا مكنونا!
إن أمة يستظل بظلها الضعفة والمساكين، لا خوف عليها، وإذ هي تغمرهم بعطفها، وإذ هموا في إحسانها يرفلون، ولأنهم ضعفاء عباد الله في أرضه.
وكأني بذلك العمود الممتد، أفق السماء يطاولها، ووتدا في الأرض يثبتها، هو ذاك عبد الله بن أم مكتوم، وإذ كانت تستنزل به معونات السماء، ويوم كان أعمى! ولأنه صلى الله عليه وسلم وضعه نصب عينيه أبدا، ومن بعد عتاب السماء له صلى الله عليه وسلم!
وإنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ: معبد الخزاعي نموذج:
وإذ يقيض الله تعالى من عبيده من ينصره، ولو كان مشركا، وها هو التاريخ، يقدم لنا معبدا الخزاعي، يوم أن نافح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، يوم حمراء الأسد، فيما رجع منصورا!
إنه ليس يخاف على هذا الدين أبدا، ولأنه يحمل بين جنباته أسباب نصره، وليظهره تعالى على الدين كله، ويوم أن أيده تعالى بالرجل الفاجر كمعبد!
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: شَهِدْنا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبَرَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ معهُ يَدَّعِي الإسْلامَ: هذا مِن أهْلِ النَّارِ.
فَلَمَّا حَضَرَ القِتالُ قاتَلَ الرَّجُلُ مِن أشَدِّ القِتالِ، وكَثُرَتْ به الجِراحُ فأثْبَتَتْهُ، فَجاءَ رَجُلٌ مِن أصْحابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ الرَّجُلَ الذي تَحَدَّثْتَ أنَّه مِن أهْلِ النَّارِ؟ قدْ قاتَلَ في سَبيلِ اللَّهِ مِن أشَدِّ القِتالِ، فَكَثُرَتْ به الجِراحُ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا إنَّه مِن أهْلِ النَّارِ.
فَكادَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ يَرْتابُ، فَبيْنَما هو علَى ذلكَ إذْ وجَدَ الرَّجُلُ ألَمَ الجِراحِ، فأهْوَى بيَدِهِ إلى كِنانَتِهِ، فانْتَزَعَ مِنْها سَهْمًا، فانْتَحَرَ بها، فاشْتَدَّ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ؛ قَدِ انْتَحَرَ فُلانٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا بلالُ، قُمْ فأذِّنْ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وإنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ[4].
والشاهد قول نبينا صلى الله عليه وسلم: « وإنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ ».
وإنما قلت: فاجرا، ولأن كل كافر فاجر، ولو لم يك معاديًا محاربًا، وذلك من قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ [عبس:42].
إن نصرة معبد الخزاعي نبينا صلى الله عليه وسلم، يوم حمراء الأسد، وبدون طلب منه، عنوان أن ديننا يحمل من أسباب قوته الذاتية، ما به ترفرف أجنحته خفاقة عالية! وسواء كنا سببا لذلك، فيكون لنا شرفا وفخرا، أم قصرنا، وسفينة الدين ماخرة، لا يردها كيد كائد، ولا يعوقها تأخر كسالى!
إن وجود كفار بين ظهراني قومهم، يحملون لواء نصرة الإسلام، - وكمعبد - برهان أن هذا الدين مهيمن على الدين كله، ولو كره المشركون، وهذا إعجاز كريم! ولأنه يحمل من أسباب قوته الذاتية، ما يجعله عصيا، على كل ذي عداوة له.
وإذ ليس يخلو زمان من محبي ديننا، عرفناهم أم جهلناهم، ولأنه تعالى يعلمهم، جندا مخلصين، ولينصر الله بهم دينه، وليعز بهم جنده، وكمعبد الخزاعي!.
إن خضعانا يملأ قلوبا خاشعة، وحين نعلم أنه تعالى قيض من بين صفوف الكفار، من كان ذا شأفة، يرفع بها لواء مجد ديننا، ولو رجع البعض القهقري.
وإذ بقي إحسان بحث، عمن يؤمن بقضيتك، ومن بين صفوف عدوك، ولن تعدمه، فخذ من سبب ذلك أداة، بل أدوات، تقض بها مضاجعه، وتفقده بها توازنه!
إن علما واحدا، في صفوف خصمك، يكون كأعلام كثيرة، فيما لو أحسن استثماره لقضيتك، وهو لابد فاعل، ولأنه تعالى ناصر دينه، بنا أو بغيرنا!
إن عينا من صفوف العدو تعمل عملها فيه، وكبدل عن استعراض القوة، أغناك عنها، وكمعبد الخزاعي، فكن ماهرا في ذلك جد المهارة، ولا تكلف عنتا!
وإذ لو كنت ماهرا استخباراتيا، فأمكنك قض مضاجع خصمك، وجعلته يدور حول نفسه، وحين تستثمر كمعبد الخزاعي، ومن بينهم، ليصبح بعضهم في ريب من بعض!
وسبحان الله وتعالى! وإذ يمكث نبينا صلى الله عليه وسلم، في حمراء الأسد، ثلاثة أيام، لملاقاة قريش، ولا يعلم أن الله صدهم عنه، وبعمل نبيل، قام به معبد الخزاعي!!
﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾!
وكان أن عزم أبو سفيان ملاقاته صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾! وهذه أربع كلمات، نال بقولها الأولون نصرا مؤزرا، فضمها إلى قواتك!
وإذ كان مدد السماء يوم حمراء الأسد من ثلاثة جوانب هي: معبد الخزاعي، كمعول هدم لأركان قريش، ورغم كفره! وقول نبينا صلى الله عليه وسلم:﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾!، ثم عزم المؤمنين، وها هم يخرجون، وعن آخرهم، إلا جابرا، وما زالت جراحهم تنزف!
وأقف ذاهلا، وأمام العدد(7) ومضاعفاته، ولأنه كان حاضرا، يوم أحد، وبقوة، وحين كانوا (700)، وقتل منهم (70)، وكذا يوم حمراء الأسد، وإذ كانوا (700)، إلا (70)! والله أعلم!
قال الله تعالى:﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران:173]: وهذه أربع كلمات مثخنات في صدر عدوك!
ونعيد الكرة: ولأن فردا واحدا يكون له فضل حسم في سير المعركة لصالحك، وكمعبد الخزاعي، ولأنه سبب رجوع أبي سفيان القهقري! ولا تنس:﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾!
وإذ قال صلى الله عليه وسلم حين بلغه أنهم همّوا بالرجعة: والذي نفسي بيده لقد سُوّمت لهم حجارة، لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب[5].
وهذا عمل إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة.
وإذ رأيت من جندك فتورا، فقوهم عزائمهم قولا وعملا، وكمثل قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد سُوّمت لهم حجارة، لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب!
وذكر ابن هشام: أن معاوية بن المغيرة بن أبي العاص استأمن له عثمان على ألا يقيم بعد ثلاث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها زيد بن حارثة وعمار بن ياسر وقال: ستجدانه في مكان كذا وكذا فاقتلاه.
ففعلا رضي الله عنهما[6].
وإذ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ستجدانه في مكان كذا وكذا فاقتلاه: وهذا علم نبوة! بيد أنك أيضا تعمل على عين ربك، وحين تكون عبدا ربانيا: وكما قال تعالى:﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴾![طه: 39].
وإذ قال عبد الله بن أبي: والله ما أبغي أن يستغفر - نبينا صلى الله عليه وسلم - لي! وهذا أثر غضبه تعالى، على عبد نافق، وما أسوأ النفاق عاقبةً، أن يصد صاحبه عن الهدى! وليكون أحدنا على حذر منه أبدا، وعلى مجانبة له الدهر أيضا!
وإذ يمكن أن يصد المرء نفسه بنفسه، عن الهدى، وحين يعلوه كبره، ولو كان باسم الإسلام الخالد! وهاك مثلا عبد الله بن أُبَي بن سلول، وحين أَبَى واستكبر، فكان جواظا، أثيما، عتلا، زنيما.
ونِعِمَّا ما توجت به غزوة حمراء الأسد، وحين نزل فيمن حضرها قرآن أثني عليهم، وبحيث كانوا مجدا للأولين، كما أنهم زاد وذخر للآخرين، ولأنهم استجابوا لله وللرسول، ومن بعد قرحهم، ولأنهم أحسنوا، ولأنهم اتقوا، ولكل ذلك كان لهم الأجر العظيم، من الله تعالى العلي العظيم.
ومرة أخرى، قال الله تعالى ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾!
[1] [تاريخ الإسلام، الذهبي: ج 2 / 223].
[2] [تاريخ الطبري، الطبري: ج 2 /212].
[3] [تاريخ الطبري، الطبري: ج 2 /212].
[4] [صحيح البخاري: 6606].
[5] [البداية والنهاية، ابن كثير: ج 4 / 58].
[6] [السيرة النبوية، ابن كثير :ج 3 / 102].