سورة المجادلة - الآية [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين، ومع النداء الخامس والسبعين في الآية التاسعة من سورة المجادلة، قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المجادلة:9]، قبل هذه الآية قول ربنا جل جلاله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة:8]، هذه الآية نازلة في اليهود والمنافقين، كانوا إذا رأوا جماعة من المسلمين يتناجون بالكلام، ويسر بعضهم إلى بعض من أجل أن يوقعوا الوحشة في قلوب المسلمين، ومن أجل أن يوهموهم بأن عدواً سيبغتهم، أو أن شراً ينتظرهم، فنهى الله عباده في هذه الآية عن هذه الخصلة الذميمة.

القراءات الواردة في هذه الآية

وقراءة الجمهور: (إذا تناجيتم فلا تتناجوا)، وقرأ يعقوب الحضرمي وحده: (فلا تنتجوا) على وزن (فلا تنتهوا).

معاني مفردات الآية

قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إما أن يكون خطاباً للمنافقين بمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، أو أن يكون الخطاب للمؤمنين ظاهراً وباطناً.

وقوله: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ ، بمعنى: إذا أسر بعضهم إلى بعض حديثاً.

وقوله: فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ، أي: كما هو شأن اليهود والمنافقين ومن كان على شاكلتهم في الكفر والضلال.

وقوله: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، البر: كلمة جامعة لخصال الخير، وهي مقابلة للإثم، فأولئك يتناجون بالإثم، وهؤلاء مطلوب منهم أن يتناجوا بالبر، والتقوى. أي: بالامتثال لأمر الله، وصيانة النفس عما حرم الله.

وقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، أي: راقبوا الله عز وجل في كل أحوالكم، وتذكروا أنكم إليه محشورون وعليه معروضون، وعن أعمالكم وأقوالكم مسئولون، فإنه وحده يكون مرجعكم إليه يوم القيامة.

وجه مخاطبة المنافقين بـ(يا أيها الذين آمنوا)

الحث على التناجي بالبر والتقوى

التحذير من تناجي الاثنين دون الثالث

وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة في مكان أن يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه، حتى تختلط بالناس، فلو كنا مجموعة من الناس فلا مانع أن يتناجى اثنان، أما إذا كنا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث.

وليس المقصود بالنجوى مجرد الإسرار بالكلام، بل قد تكون النجوى بأن يتكلم اثنان بلغة لا يفهمها الثالث، فهذه من النجوى كما يحصل من بعض الناس، فإنه قد يتكلم الولد مع أخيه مثلاً باللغة الإنجليزية في حضور والدهم أو والدتهم وهو يعرف أن الوالد أو الوالدة لا يفهمان هذا الكلام. فهذا ما يجوز، ومثله أيضاً: أحياناً يكون الولد موجوداً والأب والأم يتكلمان، طبعاً بالرطانة، وهذا أيضاً ممنوع؛ لأنه سينقدح في نفس الولد أن الوالدين يتكلمان عنه، أو أنهما يتكلمان في شيء لا يريدان أن يفهمه هو، فكل ما يدخل الوحشة في قلب المؤمن تجاه إخوانه فإنه ممنوع.

وقراءة الجمهور: (إذا تناجيتم فلا تتناجوا)، وقرأ يعقوب الحضرمي وحده: (فلا تنتجوا) على وزن (فلا تنتهوا).