سورة الحجرات - الآية [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء التاسع والستين في الآية الأولى من سورة الحجرات، قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1].

سبب نزول الآية

سبب نزول هذه الآية: ما رواه البخاري في صحيحه في قصة وفد بني تميم بسنده لـابن الزبير قال: ( قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة . وقال عمر رضي الله عنه: بل أمر الأقرع بن حابس . قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر : ما أردت خلافك. فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك، فنزل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:1-2]).

وورد في سبب نزولها كذلك: ما قاله قتادة رحمه الله: ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا. قال: فكره الله عز وجل ذلك وقدم فيه.

وقال الحسن: إن ناساً من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحاً آخر. ذكر ذلك ابن جرير رحمه الله في جامع البيان.

القراءات الواردة في قوله: (لا تقدموا)

القراءات:

قرأ الجمهور: (لا تقدموا) بضم التاء وكسر الدال مشددة.

وقرأ يعقوب الحضرمي بفتحهما (لا تقدموا) على أن أصله: (لا تتقدموا).

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (لا تقدموا) فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه:

الوجه الأول منها -وهو أصحها وأظهرها-: أنه مضارع قدم اللازم، بمعنى: تقدم، مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب، وهو اسم فاعل قدم، بمعنى: تقدم، ويدل لهذا الوجه قراءة يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة، ( لا تقدموا ) بفتح التاء والدال المشددة، وأصله: (لا تتقدموا) فحذفت إحدى التاءين.

الوجه الثاني: أنه مضارع قدم المتعدي، والمفعول محذوف لإرادة التعميم. أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله ورسوله، بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله.

الوجه الثالث: أنه مضارع قدم المتعدية، ولكنها أجريت مجرى اللازم وقطع النظر عن وقوعها على مفعولها؛ لأن المراد هو: أصل الفعل دون وقوعه على مفعوله.

وتقدم كلامه رحمه الله في أن الأظهر والأصح: الوجه الأولى، والله أعلم.

معاني مفردات الآية

معاني المفردات:

قوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا [الحجرات:1] التقدم: حقيقته: المشي قبل الغير، ومنه اشتقت مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه، وهي: ضد الساقة، ومنه سميت مقدمة الكتاب: الطائفة منه المتقدمة على الكتاب.

والتركيب تمثيل بتشبيه حال من يفعل فعلاً دون إذن من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بحال من يتقدم مماشيه في مشيه ويتركه خلفه، ووجه الشبه: الانفراد عنه في الطريق.

والنهي هنا للتحذير إذ لم يسبق صدور فعل من أحد افتئاتاً على الشرع.

ومعنى الآية: لا تعملوا شيئاً من تلقاء أنفسكم في التصرف إلا بعد أن تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كنتم في مجلسه فلا تسبقوه بالجواب، وإذا كنتم تماشونه فلا تمشوا بين يديه إلا للحاجة، وإذا كنتم معه على طعام فتأنوا لا تأكلوا قبله، وهذا هو الموافق للسياق والله أعلم؛ لما عرف في الأصول من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[الحجرات:1]. أي: أمامهما ولا بحضرتهما؛ لأن ما يحضره الإنسان فهو بين يديه ناظر إليه.

وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1] تكملة للنهي عن التقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليدل على أن ترك إبرام شيء دون إذن من رسوله صلى الله عليه وسلم من تقوى الله وحده، وما كان ضده فليس من التقوى.

والمعنى: اخشوا الله عز وجل فيما يأمركم وينهاكم، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1] جملة تعليلية للنهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله وللأمر بتقوى الله، وهو سبحانه عليم بالمسموعات وعليم بكل شيء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

المعنى الإجمالي للآية

المعنى الإجمالي:

يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم! لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله.

لا تتكلموا ولا تفعلوا شيئاً لم يأذن الله فيه ولم يأذن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تقترحوا على الله ورسوله اقتراحاً لا في خاصة أنفسكم، ولا في أمور الحياة من حولكم، ولا تقولوا في أمر قبل قول الله فيه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تقضوا في أمر لا ترجعون فيه إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

سبب نزول هذه الآية: ما رواه البخاري في صحيحه في قصة وفد بني تميم بسنده لـابن الزبير قال: ( قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة . وقال عمر رضي الله عنه: بل أمر الأقرع بن حابس . قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر : ما أردت خلافك. فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك، فنزل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:1-2]).

وورد في سبب نزولها كذلك: ما قاله قتادة رحمه الله: ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا. قال: فكره الله عز وجل ذلك وقدم فيه.

وقال الحسن: إن ناساً من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحاً آخر. ذكر ذلك ابن جرير رحمه الله في جامع البيان.

القراءات:

قرأ الجمهور: (لا تقدموا) بضم التاء وكسر الدال مشددة.

وقرأ يعقوب الحضرمي بفتحهما (لا تقدموا) على أن أصله: (لا تتقدموا).

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (لا تقدموا) فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه:

الوجه الأول منها -وهو أصحها وأظهرها-: أنه مضارع قدم اللازم، بمعنى: تقدم، مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب، وهو اسم فاعل قدم، بمعنى: تقدم، ويدل لهذا الوجه قراءة يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة، ( لا تقدموا ) بفتح التاء والدال المشددة، وأصله: (لا تتقدموا) فحذفت إحدى التاءين.

الوجه الثاني: أنه مضارع قدم المتعدي، والمفعول محذوف لإرادة التعميم. أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله ورسوله، بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله.

الوجه الثالث: أنه مضارع قدم المتعدية، ولكنها أجريت مجرى اللازم وقطع النظر عن وقوعها على مفعولها؛ لأن المراد هو: أصل الفعل دون وقوعه على مفعوله.

وتقدم كلامه رحمه الله في أن الأظهر والأصح: الوجه الأولى، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2637 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2574 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2535 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2522 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2344 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2310 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2303 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2293 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2229 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2186 استماع