سورة الأحزاب - الآية [53]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثالث والستين في الآية الثالثة والخمسين من سورة الأحزاب، قال ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب:53].

سبب نزول الآية

هذه الآية قد اشتملت على كثير من الأحكام، وسبب نزولها كما روى الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش صنع طعاماً بخبز ولحم، ثم دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وبقي ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع، فانطلق إلى حجرة عائشة ، فطرق حجر نسائه كلهن يسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعون له، ثم إنهم قاموا) أي: الثلاثة الذين كانوا جالسين (قال أنس: فانطلقت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53] )، هذا هو سبب نزول الشطر الأول من هذه الآية.

وأما الشطر الأخير وهو قول ربنا جل جلاله: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً [الأحزاب:53]، ذكر أن ذلك نزل في رجل قال: (لئن مات محمد لأتزوجن امرأة من نسائه سماها، فأنزل الله عز وجل: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب:53]).

القراءات الواردة في الآية

قول الله عز وجل: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53]، (بُيوت) بضم الباء هذه هي قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع و ورش عن نافع و حفص عن عاصم و أبي عمرو بن العلاء .

وأما الجمهور فقد قرءوا بكسر الباء (لا تدخلوا بيوت النبي ) لمناسبتها للياء التي بعدها.

معاني مفردات الآية

قول الله عز وجل: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53]، فيه تحريم لدخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب:53]، هذا الاستثناء. أي: إلا أن يؤذن لكم في الدخول فلا تدخلوا من أنفسكم وإنما ادخلوا بناءً على دعوته عليه الصلاة والسلام لطعام أو غيره.

وقول الله عز وجل: غَيْرَ نَاظِرِينَ [الأحزاب:53]، (ناظرين) بمعنى: منتظرين، كما قال الله عز وجل: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [يونس:102].

قوله: إِنَاهُ [الأحزاب:53]، (إناه) من أنى يأني مصدر، أنى الشيء إذا حان، كما قال الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، ومعناه: لا تدخلوا بيوت النبي إلا إذا صدر إذن منه لكم، ولكن إذا دخلتم فلا تدخلوا قبل وقت الطعام وأنتم تنتظرون نضجه وحضوره.

قوله: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا [الأحزاب:53]، الأمر هنا للندب.

ثم قال الله عز وجل: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الأحزاب:53]، (فإذا طعمتم) بمعنى: أكلتم، ومنه يقال للآكل: طاعم.

قوله: فَانْتَشِرُوا [الأحزاب:53]، الأمر هنا للوجوب، إذا أكلتم الطعام فانتشروا عائدين إلى بيوتكم أو أعمالكم.

قول الله عز وجل: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الأحزاب:53]، يعني: لا تجلسوا بعضكم يؤنس بعضاً بالحديث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال الله: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ [الأحزاب:53]، (إن ذلكم) الإشارة لما مضى، إن ذلكم اللبث والمكث وطول البقاء كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ [الأحزاب:53]، ( كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها )، ( وكان لا يواجه أحداً بشيء يكرهه )، ( وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه عليه الصلاة والسلام )، كان يستحي أن يقول لكم: انصرفوا فقد طعمتم.

قوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ [الأحزاب:53]، الله جل جلاله لا يستحيي أن يقول الحق، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: حسبك في الثقلاء أن الله عز وجل لم يحتملهم، يعني: أن الله جل جلاله لم يحتمل هؤلاء الثقلاء.

قال الإمام الألوسي رحمه الله: وعندي كالثقيل المذكور -يعني: فيه نوع آخر من الثقلاء- من يدعى في وقت معين مع جماعة، فيتأخر عن ذلك الوقت من غير عذر شرعي. يعني: مثلاً قيل له: العشاء في الساعة التاسعة، فيتعمد أن يأتي في العاشرة من غير عذر شرعي، بل لمحض أن ينتظر ويظهر بين الحاضرين مزيد جلالته، وأن صاحب البيت لا يسعه تقديم الطعام للحاضرين قبل حضوره مخافة منه، أو احتراماً له، فيتأذى بذلك الحاضرون أو صاحب البيت.

قال: وقد رأينا من هذا الصنف كثيراً، نسأل الله تعالى العافية! فهذا الصنف الذي يتعمد أن يتأخر عن الطعام من أجل أن يظهر للحاضرين أن صاحب البيت لن يستطيع تقديم الطعام إلا إذا حضره؛ لأنه الجليل المحترم المفخم، هذا يعتبر من الثقلاء.

ثم قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:53]، الضمير هنا يعود إلى أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا بدليل قوله (بيوت النبي).

قوله: مَتَاعاً [الأحزاب:53]، المتاع ما ينتفع به كالأواني ونحوها.

قوله: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، هذا حكم لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحل لكم أيها المؤمنون أن تواجهوهن مباشرة بل لا بد أن تكون المواجهة من وراء ساتر، أو من وراء حجاب.

قوله: ذَلِكُمْ [الأحزاب:53]، أي: ذلك السؤال من وراء حجاب أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] أي: أبعد لكم من الخواطر الفاسدة، ثم قال تعالى: ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب:53].

هذه الآية قد اشتملت على كثير من الأحكام، وسبب نزولها كما روى الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش صنع طعاماً بخبز ولحم، ثم دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وبقي ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع، فانطلق إلى حجرة عائشة ، فطرق حجر نسائه كلهن يسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعون له، ثم إنهم قاموا) أي: الثلاثة الذين كانوا جالسين (قال أنس: فانطلقت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53] )، هذا هو سبب نزول الشطر الأول من هذه الآية.

وأما الشطر الأخير وهو قول ربنا جل جلاله: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً [الأحزاب:53]، ذكر أن ذلك نزل في رجل قال: (لئن مات محمد لأتزوجن امرأة من نسائه سماها، فأنزل الله عز وجل: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب:53]).