سورة المائدة - الآية [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

نستمر في هذه السلسلة المباركة من نداءات الرحمن، ومع النداء الثلاثين في الآية السادسة من سورة المائدة: قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6].

سبب نزول الآية

سبب نزول هذه الآية المباركة ما روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالـت: ( سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون بالمدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل، فثنى رأسه في حجري راقداً، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة! تقول رضي الله عنها: فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني وقد أوجعني، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت صلاة الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، إلى آخر الآية، فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم ).

قوله تعالى: (وأرجلكم)، قرأ نافع و ابن عامر و حفص و الكسائي و يعقوب بنصب اللام، عطفاً على الأيدي والوجوه، وقرأ الباقون بخفض اللام: (وأرجلكم)، عطفاً على رءوسكم لفظاً ومعنى.

معاني مفردات الآية

قول الله عز وجل: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ[المائدة:6]، كقوله سبحانه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98]، وكقولك: إذا ضربت غلامك فهون عليه، فعبر عن إرادة الفعل بالفعل، وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثاً، والإجماع على خلافه؛ لما روي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح، فقال عمر رضي الله عنه له: صنعت شيئاً لم تكن تصنعه، فقال صلى الله عليه وسلم: عمداً فعلته ).

وتقدير الكلام: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، أو إذا قمتم من النوم.

وقيل: كان الوضوء لكل صلاة واجباً أول ما فرض ثم نسخ.

وتأويل قوله تعالى: (وأرجلكم) على قراءة الجر: أن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، هكذا قال الزمخشري في الكشاف.

قوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ[المائدة:6]، أي: من ضيق ومشقة كقوله صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الدين يسر ).

قوله تعالى: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ[المائدة:6]، أي: لينظفكم، أو ليطهركم عن الذنوب، فإن الوضوء تكفير للذنوب، أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء.

قوله تعالى: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ[المائدة:6]، أي: ليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه.

قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، أي: لعلكم تشركون نعمه فيصيبكم.

أدلة فضل الوضوء

أيها الإخوة الكرام! هذه الآية المباركة تضمنت الأمر بالوضوء وبيان أركانه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث في بيان فضل الوضوء والتنويه بقدره، منها:

ما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ).

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ).

وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ).

وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب ).

سبب نزول هذه الآية المباركة ما روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالـت: ( سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون بالمدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل، فثنى رأسه في حجري راقداً، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة! تقول رضي الله عنها: فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني وقد أوجعني، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت صلاة الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، إلى آخر الآية، فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم ).

قوله تعالى: (وأرجلكم)، قرأ نافع و ابن عامر و حفص و الكسائي و يعقوب بنصب اللام، عطفاً على الأيدي والوجوه، وقرأ الباقون بخفض اللام: (وأرجلكم)، عطفاً على رءوسكم لفظاً ومعنى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2641 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2580 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2541 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2526 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2351 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2315 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2308 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2298 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2233 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2193 استماع