شرح سنن أبي داود [426]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التسمية على الطعام.

حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) ].

يقول المصنف رحمه الله تعالى : [ باب التسمية على الطعام ] أي: ذكر اسم الله عليه، بأن يقول: باسم الله، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبعضهم قالوا: إنه يقول: باسم الله، وقوله: (سم الله)، يحتمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أو باسم الله، لكن جاء في بعض الأحاديث توضيح ذلك وتفسيره بأنه يقول: باسم الله، كما سيأتي في بعض الأحاديث عند أبي داود ، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم فذلك صحيح، وإن قال: باسم الله فإن ذلك كاف، وهو الذي جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيذكره المصنف.

أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن الرجل إذا دخل بيته وذكر اسم الله فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا ذكر اسم الله عند طعامه بأن قال: باسم الله، فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا عشاء، ومعلوم أن ذكر الله هنا المراد به التسمية بأن يقول: باسم الله عند الدخول، وباسم الله عند الأكل.

وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء.

وهذا يدلنا على أن التسمية عند الطعام مطلوبة، وأن الإنسان يسمي الله في أوله، فيقول: باسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك يطرد الشيطان، ولا يجعل الشيطان يشاركه في طعامه، حتى يكون في طعامه البركة والفائدة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء)

قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ].

يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو الزبير ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه)

قول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاء أعرابي كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية كأنما تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها، وقال: إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها فأخذت بيدها، فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الصحابة إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحضر الطعام، فإنهم كانوا لا يمدون أيديهم إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبدأ، وهذا يدلنا على أن البدء في الطعام يكون لأهل الفضل، فهم الذين يبدءون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبدأ، وكانوا لا يبدءون قبله، وإنما يأكلون بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء أعرابي كأنه يدفع ومد يده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يده قبل أن يمس الطعام، ثم جاءت جارية صغيرة كأنها تدفع فمدت يدها إلى الطعام فمسك يدها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه) ] وقد سبق في الحديث أنه إذا لم يسم على الطعام يقول الشيطان لأصحابه: أدركتم العشاء، فهو يستحل الطعام إذا لم يسم الله عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يد الأعرابي والجارية وقال: [ (فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ] أي: أن يد الشيطان مع أيديهما يريد أن يأكل بأكلهما؛ لأنهما لم يسميا الله عز وجل عليه، فبين عليه الصلاة والسلام أن ذكر الله عز وجل يكون في أول الطعام، وأن ذلك يطرد الشيطان، وأن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه، وأنه يدفع من يبادر إلى الأكل دون تسمية، ليجد الشيطان السبيل إلى أن يأكل معه، كما جاء في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يده مع أيديهما في يديه صلى الله عليه وسلم.

وهذا من الإيمان بالغيب، وعلى المسلم أن يصدق بكل ما يخبره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون إيمانه مبنياً على المشاهدة والمعاينة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يده مع أيديهما، وأن الشيطان قد حضر وأنه يريد أن يشارك في الطعام، والناس لا يرون الشياطين ولا يرون الجن، والشياطين والجن يرون الناس كما قال الله عز وجل : إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله وسلم من أمور الغيب، كحضور الملائكة والناس لا يشاهدونهم، وحضور الشياطين والناس لا يشاهدونهم.

إذاً: يجب على المؤمن التصديق والاستسلام والانقياد بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى الله على المتقين وجعل من أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب، كما قال عز وجل: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3].

تراجم رجال إسناد حديث (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا أبو معاوية ] .

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خيثمة ].

هو خيثمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حذيفة ].

هو سلمة بن صهيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

وهنا كلمة أبي حذيفة تصحفت إلى (ابن حذيفة)؛ لأن كلمة أبي قريبة من ابن، ومن علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه يحصل التصحيف بين ابن وأبي، فمن لا يعرف يظن أن ابناً مصحفة عن أبي، وأبي مصحفة عن ابن، مثل الأوزاعي أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو ومثل هناد بن السري وهناد أبو السري ، فإذا جاء هناد بن السري يكون صحيحاً، وإذا جاء هناد أبو السري يكون صحيحاً، والذي لا يعرف يظن أن ابناً تصحفت عن أبي، ويأتي التصحيف بين ابن وأبي كما هنا، وهو ليس ابن حذيفة بن اليمان ، وإنما هو شخص آخر.

[ عن حذيفة ].

هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

تعليم الصغير التسمية عند الأكل

في هذا الحديث على أن الصغير غير المكلف يعلّم أن يسمي الله على الأكل، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عمر بن أبي سلمة قال : (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)، فالصبيان يعلمون ويعرفون بالآداب الشرعية عند الطعام وغير ذلك.

كذلك الجارية التي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها، هي صغيرة وليست بجاريه كبيرة، وليس فيه دليل على لمس الرجل للمرأة الأجنبية، وإنما هي جارية صغيرة.

شرح حديث ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) ].

أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى) ] يعني: عند أكله وقبل البدء بالأكل يذكر اسم الله، فيقول: باسم الله، فان نسي فإنه يمكنه التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره، وهذا يدلنا على المحافظة على ذكر اسم الله حتى وإن نسي فإنه يمكن التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره)

قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ].

مؤمل بن هشام ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام يعني: ابن أبي عبد الله الدستوائي .

هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بديل ].

هو بديل بن ميسرة وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عبيد ].

عبد الله بن عبيد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم ].

أم كلثوم وهي تابعية، والألباني صحح الحديث وقال: هي أم كلثوم الليثية، أخرج لها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل يوم الليلة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة حديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جابر بن صبح حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: باسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه) ].

أورد أبو داود حديث أمية بن مخشي رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأكل طعاماً فلما لم يبق منه إلا لقمة واحدة سمى الله وقال: باسم الله أوله وآخره، وكان الشيطان يأكل معه فاستقاء الشيطان كل ما كان في بطنه مما أكله قبل ذلك.

وهذا الحديث في إسناده رجل مستور أي مجهول الحال وهو المثنى بن عبد الرحمن وأما كونه يقول في أثناء الأكل إذا تذكر: باسم الله أوله وآخره، فإنه دل عليه الذي قبل هذا، وأما ما يتعلق بكون الشيطان قاء ما في بطنه فقد جاء في هذا الحديث، وهذا الحديث فيه هذا الرجل المستور، فهو يعتبر شاهداً للحديث الأول فيما يتعلق بكونه يسمي الله عز وجل إذا نسي في الأول، ويكون موافقاً لذاك ومتفقاً معه.

تراجم رجال إسناد حديث (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)

قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ].

مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عيسى يعني ابن يونس ].

هو عيسى ين يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا جابر بن صبح ].

جابر بن الصبح وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ].

المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وهو مستور بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن عمه أمية بن مخشي ].

أمية بن مخشي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي .

[ قال أبو داود : جابر بن صبح جد سليمان بن حرب من قبل أمه].

يعني: جده من جهة أمه، وهذا بيان لهذه القرابة بينه وبين سليمان بن حرب ، وسليمان بن حرب مشهور يروي عنه أبو داود كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو يروي كثيراً عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، وإذا جاء حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، ومثل هذا ابن أبي عاصم النبيل أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فجده من جهة أبيه أبو عاصم النبيل وجده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو الذي يأتي ذكره كثيراً في رواية أبي داود ، وابن أبي عاصم هو الإمام المعروف المشهور صاحب كتاب السنة والكتب المتعددة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التسمية على الطعام.

حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) ].

يقول المصنف رحمه الله تعالى : [ باب التسمية على الطعام ] أي: ذكر اسم الله عليه، بأن يقول: باسم الله، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبعضهم قالوا: إنه يقول: باسم الله، وقوله: (سم الله)، يحتمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أو باسم الله، لكن جاء في بعض الأحاديث توضيح ذلك وتفسيره بأنه يقول: باسم الله، كما سيأتي في بعض الأحاديث عند أبي داود ، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم فذلك صحيح، وإن قال: باسم الله فإن ذلك كاف، وهو الذي جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيذكره المصنف.

أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن الرجل إذا دخل بيته وذكر اسم الله فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا ذكر اسم الله عند طعامه بأن قال: باسم الله، فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا عشاء، ومعلوم أن ذكر الله هنا المراد به التسمية بأن يقول: باسم الله عند الدخول، وباسم الله عند الأكل.

وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء.

وهذا يدلنا على أن التسمية عند الطعام مطلوبة، وأن الإنسان يسمي الله في أوله، فيقول: باسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك يطرد الشيطان، ولا يجعل الشيطان يشاركه في طعامه، حتى يكون في طعامه البركة والفائدة.

قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ].

يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو الزبير ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاء أعرابي كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية كأنما تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها، وقال: إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها فأخذت بيدها، فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الصحابة إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحضر الطعام، فإنهم كانوا لا يمدون أيديهم إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبدأ، وهذا يدلنا على أن البدء في الطعام يكون لأهل الفضل، فهم الذين يبدءون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبدأ، وكانوا لا يبدءون قبله، وإنما يأكلون بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء أعرابي كأنه يدفع ومد يده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يده قبل أن يمس الطعام، ثم جاءت جارية صغيرة كأنها تدفع فمدت يدها إلى الطعام فمسك يدها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه) ] وقد سبق في الحديث أنه إذا لم يسم على الطعام يقول الشيطان لأصحابه: أدركتم العشاء، فهو يستحل الطعام إذا لم يسم الله عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يد الأعرابي والجارية وقال: [ (فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ] أي: أن يد الشيطان مع أيديهما يريد أن يأكل بأكلهما؛ لأنهما لم يسميا الله عز وجل عليه، فبين عليه الصلاة والسلام أن ذكر الله عز وجل يكون في أول الطعام، وأن ذلك يطرد الشيطان، وأن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه، وأنه يدفع من يبادر إلى الأكل دون تسمية، ليجد الشيطان السبيل إلى أن يأكل معه، كما جاء في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يده مع أيديهما في يديه صلى الله عليه وسلم.

وهذا من الإيمان بالغيب، وعلى المسلم أن يصدق بكل ما يخبره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون إيمانه مبنياً على المشاهدة والمعاينة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يده مع أيديهما، وأن الشيطان قد حضر وأنه يريد أن يشارك في الطعام، والناس لا يرون الشياطين ولا يرون الجن، والشياطين والجن يرون الناس كما قال الله عز وجل : إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله وسلم من أمور الغيب، كحضور الملائكة والناس لا يشاهدونهم، وحضور الشياطين والناس لا يشاهدونهم.

إذاً: يجب على المؤمن التصديق والاستسلام والانقياد بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى الله على المتقين وجعل من أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب، كما قال عز وجل: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3].

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا أبو معاوية ] .

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خيثمة ].

هو خيثمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حذيفة ].

هو سلمة بن صهيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

وهنا كلمة أبي حذيفة تصحفت إلى (ابن حذيفة)؛ لأن كلمة أبي قريبة من ابن، ومن علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه يحصل التصحيف بين ابن وأبي، فمن لا يعرف يظن أن ابناً مصحفة عن أبي، وأبي مصحفة عن ابن، مثل الأوزاعي أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو ومثل هناد بن السري وهناد أبو السري ، فإذا جاء هناد بن السري يكون صحيحاً، وإذا جاء هناد أبو السري يكون صحيحاً، والذي لا يعرف يظن أن ابناً تصحفت عن أبي، ويأتي التصحيف بين ابن وأبي كما هنا، وهو ليس ابن حذيفة بن اليمان ، وإنما هو شخص آخر.

[ عن حذيفة ].

هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

في هذا الحديث على أن الصغير غير المكلف يعلّم أن يسمي الله على الأكل، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عمر بن أبي سلمة قال : (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)، فالصبيان يعلمون ويعرفون بالآداب الشرعية عند الطعام وغير ذلك.

كذلك الجارية التي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها، هي صغيرة وليست بجاريه كبيرة، وليس فيه دليل على لمس الرجل للمرأة الأجنبية، وإنما هي جارية صغيرة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) ].

أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى) ] يعني: عند أكله وقبل البدء بالأكل يذكر اسم الله، فيقول: باسم الله، فان نسي فإنه يمكنه التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره، وهذا يدلنا على المحافظة على ذكر اسم الله حتى وإن نسي فإنه يمكن التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره.

قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ].

مؤمل بن هشام ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام يعني: ابن أبي عبد الله الدستوائي .

هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بديل ].

هو بديل بن ميسرة وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عبيد ].

عبد الله بن عبيد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم ].

أم كلثوم وهي تابعية، والألباني صحح الحديث وقال: هي أم كلثوم الليثية، أخرج لها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل يوم الليلة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة حديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جابر بن صبح حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: باسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه) ].

أورد أبو داود حديث أمية بن مخشي رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأكل طعاماً فلما لم يبق منه إلا لقمة واحدة سمى الله وقال: باسم الله أوله وآخره، وكان الشيطان يأكل معه فاستقاء الشيطان كل ما كان في بطنه مما أكله قبل ذلك.

وهذا الحديث في إسناده رجل مستور أي مجهول الحال وهو المثنى بن عبد الرحمن وأما كونه يقول في أثناء الأكل إذا تذكر: باسم الله أوله وآخره، فإنه دل عليه الذي قبل هذا، وأما ما يتعلق بكون الشيطان قاء ما في بطنه فقد جاء في هذا الحديث، وهذا الحديث فيه هذا الرجل المستور، فهو يعتبر شاهداً للحديث الأول فيما يتعلق بكونه يسمي الله عز وجل إذا نسي في الأول، ويكون موافقاً لذاك ومتفقاً معه.

قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ].

مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عيسى يعني ابن يونس ].

هو عيسى ين يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا جابر بن صبح ].

جابر بن الصبح وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ].

المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وهو مستور بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن عمه أمية بن مخشي ].

أمية بن مخشي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي .

[ قال أبو داود : جابر بن صبح جد سليمان بن حرب من قبل أمه].

يعني: جده من جهة أمه، وهذا بيان لهذه القرابة بينه وبين سليمان بن حرب ، وسليمان بن حرب مشهور يروي عنه أبو داود كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو يروي كثيراً عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، وإذا جاء حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، ومثل هذا ابن أبي عاصم النبيل أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فجده من جهة أبيه أبو عاصم النبيل وجده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو الذي يأتي ذكره كثيراً في رواية أبي داود ، وابن أبي عاصم هو الإمام المعروف المشهور صاحب كتاب السنة والكتب المتعددة.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع