أحكام القضاء
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
أحكام القضاءالْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، وجعلنا من خير أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله العزيز الحكيم، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، أمَّا بَعْدُ:
القضاء في اللغة:
الحكْمُ، وأصله القطْع والفصل.
القضاء في الشرع:
بيانُ الحكْمِ الشرعي والإلزام به، وفصل الخصومات؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ283:282).
مشروعية القضاء:
القضاءُ مشروعٌ بالقرآن والسُّنَّة والإجماع.
أولًا: القرآن:
قال تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]، وقوله سُبحانه: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 48، 49]، وقوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
ثانيًا: السُّنة:
روى الشيخانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ))؛ (البخاري، حديث 7316/مسلم، حديث816).
ثالثًا: الإجماع:
أجمعَ عُلماءُ المسلمين على مشروعية القضاء، والحكم بين الناس.
القضاءُ فرضُ كفاية، إذا قام بعضُ المسلمين سَقَطَ الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم به أحَدٌ من المسلمين، أثِمَ كُلُّ مَن تمكنَ مِن القضاء ولم يفعل؛ (المغني لابن قدامة، جـ14، صـ5).
أركان القضاء:
أركانُ القضاء ستةٌ، وهي:
(1) القاضي.
(2) المقضي به.
(3) المقضي له.
(4) المقضي فيه.
(5) المقضي عليه.
(6) الحكم؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ291).
وسوف نتحدَّث عنها بإيجاز:
أولًا: القاضي:
يُشترطُ في القاضي أن يكون مسلمًا ذكرًا، عاقلًا، بالغًا، حُرًّا، عَدلًا، عالمًا بالكتاب والسُّنَّة وأقوال السلف الصالح في المسألة التي يقضي فيها؛ (المغني لابن قدامة، جـ14، صـ20:12).
توليه المرأة للقضاء:
اشترطَ جمهورُ الفقهاء أن يكون القاضي ذَكَرًا.
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: ((لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً))؛ (البخاري، حديث 4425).
وذلك لأن القاضي يحضر مجالس الخصوم والرجال، ويحتاج منه إلى كمال الرأي ومشاورة العلماء، والنساء لسْنَ أهلًا لذلك، وقد نبَّه الله تعالى إلى نسيانهن بقوله سُبحانه: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]؛ ولهذا لم يُوَلِّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أحدٌ من خلفائه، ولا مَن جاء بعدهم، امرأةً قضاءً، ولا ولاية (حُكْم) بلد؛ (المغني لابن قدامة، جـ14، صـ13:12).
ثانيًا: المقضي به:
يجب على القاضي أن يحكمَ بما في القرآن الكريم وسُنَّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن لم يجد، قضي بإجماع العلماء، فإن لم يجد شيئًا من ذلك، فإنه يستخدم القياس إن كان من أهل الاجتهاد، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد، سألَ مَن هو أعلم منه في هذه المسألة، ولا يستحي القاضي من أن يسأل غيره؛ (المغني لابن قدامة، جـ14، صـ16:14).
ثالثًا: المقضي له:
لا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ في مسألة مُعينة، وَلَوْ رَضِيَ خَصْمُهُ بِذَلِكَ، ويجوز للقاضي أن يحكمَ في مسألة ما خاصة بولي الأمر، الذي جعله قاضيًا، فقد جَعَلَ عليُّ بنُ أبي طالب شريحًا قاضيًا، وذهب إليه ليحكم في قضية ما بينه وبين خصمه؛ لأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنِ الإمَامِ، ولا يجوز قضاء القاضي لمن لا تقبل شهادته له كولده، ولا يجوز للقاضي أن يحكم في قضية أحد طرفيها شريك للقاضي في تجارة ما؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ326).
رابعًا: المقضي فيه:
وهو جميع الحقوق، وهي أربعة أقسام: حق الله تعالى المحض؛ كالزنى، أو شرب الخمر، وحق العبد المحض، وما فيه الحقان، وغلب فيه حق الله تعالى، فيكون للقاضي أن ينظر في تلك الحقوق؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ327).
خامسًا: المقضي عليه:
المقضي عليه: هو كل من توجه عليه الحق بحُكْمِ القاضي.
وقد اتفقَ الفقهاءُ على أن الحاضر في البلد أو القريب منه، لا يُقْضَى عليه في غيابه؛ لأن أمكن سؤاله، فلم يجز الحكْم عليه قبل سؤاله، كمن يحضر مجلس القاضي، وأما القضاء على الغائب، فقد ذهبَ جمهورُ الفقهاء إلى جواز الحُكْم عليه بشروط مُعينة؛ (الموسوعة الفقهية، جـ33، صـ328).
سادسًا: الحُكْم:
الحكْمُ: هو عِبَارةٌ عن إصدار القاضي حُكْمَه في القضية التي عُرضت عليه، على وجه إلزام الطرفين بها؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ231).
تسجيل الأحكام:
إذا انتهى القاضي مِن النظر في القضية التي قُدمت له، وأصدرَ حُكْمه، فعليه أن يكتبَ حُكْمه في سجلٍ من نسختين، يبين فيه ما وَقَعَ بين صاحب الحق وخصمه ومستند الدعوى من الأدلة الشرعية، وما حَكَمَ به القاضي، وتُسَلَّمُ إحدى النسختين للمحكوم له، وتُحفَظُ النسخة الأخرى بالمحكمة، فإذا طَلَبَ الخَصْمُ صورة من الحكْمِ، وَجَبَ على القاضي إجابته وإعطاؤه نسخة مِن الحُكْم؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ33، صـ334:333).
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89] كما أسأله سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.