سورة البقرة - الآية [208]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

معنا في هذا الدرس النداء السادس في الآية الثامنة بعد المائتين من سورة البقرة: قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة:208].

سبب نزول هذه الآية كما قال بعض أهل التفسير: إن جماعة من اليهود الذين أسلموا، وفيهم عبد الله بن سلام ، و أسد بن كعب ، و ثعلبة ، (سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لهم أن يسبتوا)، يعني: يعظموا يوم السبت، وأن يقوموا الليل بالتوراة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، يأمرهم فيها بشعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها، يعني: يا يهودي! يا من أسلمت! اعلم بأن ديانتك منسوخة، وأن شريعتك قد بطل العمل بها، فوجب عليك أن تجعلها وراء ظهرك، وأن تشتغل بشريعة الإسلام دون سواها.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت، وهو مع تمام إيمانه بتحقق نسخه ورفعه وبطلانه والتعويض عنه بأعياد الإسلام، فـابن كثير رحمه الله يقول: عبد الله بن سلام رجل راسخ الإيمان، زكاه الله عز وجل في القرآن، فقال سبحانه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمَْ[الأحقاف:10]، وقال الله عز وجل: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ[الرعد:43]، قالوا: هو عبد الله بن سلام، رضي الله عنه.

وعلى كل حال فإن الله عز وجل يأمرنا -نحن المسلمين- بأن ندخل في هذا الدين كله، أصولاً وفروعاً، عقيدة وشريعة، آداباً وأحكاماً، أخلاقاً وسلوكاً، لا نأخذ منه ما يوافق أهواءنا وندع ما يخالفه.

وقال بعض أهل التفسير: بل الآية نازلة في أهل الكتاب، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى! آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وادخلوا في دينه، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)، فاليهودي لن تنفعه يهوديته، والنصراني لن تغني عنه نصرانيته، لقول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85].

وجوب الاستسلام والانقياد لله ظاهراً وباطناً

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ[البقرة:208]، قوله: فِي السِّلْمِ[البقرة:208]، قرأ نافع ، و الكسائي ، و ابن كثير ، و أبو جعفر يزيد بن القعقاع بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان بمعنى: الاستسلام والطاعة، فكلمة الإسلام معناها: أن تستسلم لله عز وجل في أمره ونهيه، وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب:36]، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[النور:51]، فهذا هو دأبهم، وقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[النساء:65].

وقوله تعالى: ادْخُلُوا )) الدخول حقيقته نفوذ جسم في جسم، واستعير ها هنا لمعنى، وهو ملازمة الاتباع والالتزام وشدة التلبس بالطاعة، فقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمٌِ )) أي: استسلموا لله جملة، وأطيعوه ظاهراً وباطناً، فاستسلموا لله بقلوبكم وجوارحكم، وارضوا بقضائه وحكمه، وشرعه ودينه.

تحريم مشابهة أهل الكتاب في الأخذ ببعض الكتاب وترك بعضه

قال تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْم كافهٌِ[البقرة:208]، قوله كَافَّةً )) قالوا: حال من السلم، وأصلها من كف يكف، بمعنى: منع، وعلاقة الجملة شدة الالتزام، كما يقول الألوسي رحمه الله: وأنها مانعه للأجزاء من التفرق.

بمعنى أن الله عز وجل يريد منا ألا نشابه أهل الكتاب، فالذين قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، قال الله عز وجل عنهم: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ[البقرة:87]، وقبلها قال: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ[البقرة:87]، فالذين جعلوا القرآن عضين، بعضوه وجزءوه، فأطلقوا عبارات يقولون فيها: الدين لله والوطن للجميع، أو يقولون فيها: المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، بمعنى: التسوية بين الكافر والمؤمن، بين الصالح والطالح، ونسمع دعوات إلى وحدة الأديان أو إلى ديانة إبراهيمية تجمع أتباع الملل الثلاثة، فهؤلاء جميعاً الدعاة إلى هذا الباطل يخاطبون بهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ٌ[البقرة:208]، ومثلهم أيضاً الذين يريدون أن يتملصوا من بعض شعائر الإسلام، فيريدون مثلاً أن يغيبوا الجهاد ويذموه، أو يريدون أن يغيروا تشريعات الإسلام فيما يتعلق بحقوق الطفل وحقوق المرأة، ويوافقوا تلك الاتفاقات الدولية والمعاهدات العالمية التي قامت على الزور والباطل وتشريع ما لم يأذن به الله، فهؤلاء جميعاً نقول لهم كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )) أي: خذوا الدين كله، وكما قال الله عز وجل: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ[مريم:12] وكما خاطب بني إسرائيل: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:63]، أما إن كان يريد أن يأخذ الدين في الجزء الذي يتعلق بالمساجد، وشهر رمضان وأيام الحج، ثم بعد ذلك يريد أن يسير على هواه في الأمور الأخرى، فهذا لم يدخل في السلم كافه، وإنما دخل في جزء من السلم، ودين الله عز وجل لا يقوم به إلا من أحاط به كله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )).

كلام سيد قطب في الآية

يقول سيد قطب رحمه الله: الاعتقاد بالآخرة له دوره الأساسي في إفاضة السلام على روح عالمه، ونسيان القلق والسخط والقنوط.

فإن الحساب الختامي ليس في هذه الأرض، والجزاء الأوفى ليس في هذه العاجلة، إنما الحساب الختامي في الآخرة، والعدالة المطلقة مضمونة في هذا الحساب.

والاعتقاد بالآخرة كذلك حاجز دون الصراع المجنون المحموم الذي تداس فيه القيم، وتداس فيه الحرمات بلا تحرج ولا حياء، فالآخرة فيها عطاء وغناء، وفيها عوض عما يفوت، وشعور المؤمن بأنه يمضي مع قدر الله في طاعة الله، وتحقيق إرادة الله، وما يسكبه هذا الشعور في روحه من الطمأنينة والاستقرار والسلام والمضي في الطريق بلا حيرة ولا قلق، ولا سخط على العقبات والمشاق، وبلا قنوط من روح الله ومدده، وبلا خوف من ضلال القصد، أو ضياع الجزاء، ومن ثم يحس بالسلام في روحه، فقوله تعالى: (( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ))، يدل على أن الإنسان لو أخذ الدين كله فإنه سيشعر بسلام واطمئنان وراحة وحبور وسرور؛ لأنه يعتقد أنه في طاعة الله، ويمشي مع قدر الله، وأن الله يفعل ما يشاء.

النهي عن تتبع خطوات الشيطان

قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ))، هذا أمر، أعقبه نهي فقال سبحانه: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانٌِ[البقرة:208]، قوله: خُطُوَاتِ الشَّيْطَانٌِ ))، بضم الطاء قراءة الجمهور، وقرأ نافع ، و أبو عمرو ، و حمزة ، و خلف العاشر بإسكان الطاء، ومثلها أيضاً في سورة النور، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))، والخطوات: جمع خطوة، وهي المسافة ما بين القدمين إذا مشى الإنسان، بمعنى: أن الله عز وجل يصور العاصي كأن الشيطان يمشي أمامه، وهو يمشي على خطا الشيطان، وهي صورة مقززة، وصورة تقبح حال العصاة.

يقول أهل العلم: إن الشيطان يزين العمل بمعاصي الله، ويجمل القبيح في أعين الناس، وهو يتبع مع ابن آدم ست خطوات، لابد أن يوقعه في واحدة منها، لأنه قطع العهد على نفسه فقال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمَْ صَرَاطَكَ الْمُسْتَقِيْم[الأعراف:16] أي: على صراطك المستقيم، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ[الأعراف:17]، فهذا الشيطان يحرص على أن يوقع الإنسان في الشرك والكفر بالله عز وجل، سواء كان كفراً بالربوبية، أو بالألوهية، أو بالأسماء والصفات.

فإن عجز أوقع الإنسان في البدعة، أن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، والبدعة بريد الكفر، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد احتجب التوبة عن كل صاحب بدعة، حتى يدع بدعت).

ثم إذا عجز عن البدعة أوقع الإنسان في الكبائر، وهي المهلكات الموبقات.

فإن عجز أوقعه في الصغائر، وهي تجتمع على الإنسان حتى تهلكه، فإن عجز انتقل إلى الدرجة الخامسة وهي أن يشغله بالعمل المباح عن العمل الواجب.

فإن عجز شغله بالعمل المفضول عن العمل الفاضل.

وللشيطان مع كل إنسان مدخل وأسلوب، ففي قول الله عز وجل: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرَ[الحشر:16]، ذكر المفسرون قصة العابد برصيصا من بني إسرائيل، قالوا: كان يتعبد في صومعته، وكان هناك إخوة أربعة أرادوا الخروج إلى الغزو، وعندهم أخت واحدة ليس هناك من يرعاها، فقالوا: لا نأمن عليها إلا هذا الراهب، فجاءوا بأختهم، وقالوا: إنا خارجون للغزو فاجعلها عندك، فاستعاذ بالله من ذلك، لكنهم ألحوا وأصروا، فقال لهم: اجعلوها في تلك الصومعة، يعني: بعيدة عنه، فكان كل يوم ينزل بالطعام ويضعه على بابها ثم يصعد إلى صومعته ويناديها من أجل أن تأخذ الطعام، فجاء الشيطان ووسوس له، وقال له: لو أنها خرجت لتأخذ الطعام لربما يراها بعض الفساق، فأدخل إليها الطعام، فالرجل أدخل الطعام، ثم بعد حين جاء الشيطان وقال له: هذه أنثى وحيدة مسكينة تجلس وحدها، فلو أنك خرجت من مكانك، وهى خرجت في مكانها، فآنستها، وذكرتها بالله، وعلمتها؛ فاستجاب، ثم بعد حين قال له: لو جلست فلربما يراها بعض الفساق، ادخل إلى حجرتها وعلمها، فدخل، وما زال الشيطان يزينها ويجملها ويراود هذا الراهب عن نفسه، حتى ضرب على فخذها ثم وقع عليها، فحملت منه ثم وضعت، فقال له: الآن يأتي إخوانها من الغزو فيفضحوك، اقتل الغلام، فقتل الطفل، ثم قال له: لا شك أنها ستخبر إخوانها، فاقتلها، فقتلها ودفنها، وصعد إلى صومعته كأنه ما فعل شيئاً؛ لأن ضميره قد مات، فبعد ذلك جاء إخوانها وسألوه فبكى وترحم عليها، وقال: الأخت كانت قد مرضت ثم ماتت، فقمت عليها فدفنتها، فصدقوه، فجاء الشيطان للأخ الأصغر في المنام وأخبره بما حصل لأخته من قصة الراهب كاملة، ثم جاء للأخ الأوسط، ثم جاء للذي بعده، ثم للذي بعده، فلما أصبحوا قال الأخ الأصغر: والله! لقد رأيت عجباً، رأيت فيما يرى النائم كأن قائلاً قال لي: وحكى القصة، وقال الآخر: وأنا رأيت مثل الذي رأى، وهكذا، حتى ذهبوا إلى الحاكم وأخبروه، فجاء بالراهب، وما زال به حتى اعترف بكل الذي كان، وبأنه زنى ثم قتل وكذب، فحكم عليه بالصلب، فجاءه الشيطان وقال له: أنا الذي زين لك ما مضى، وإني قادر على أن أنجيك الساعة، قال له: وكيف ذلك؟ قال: تسجد لي، فسجد له، فقال له الشيطان: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، قال الله عز وجل: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[الحشر:16].

لذلك فإن الإنسان المؤمن إذا أصبح أو أمسى فإنه يقول: (يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وكثير من الناس آتاه الله علما، ولكن والعياذ بالله اتبع خطوات الشيطان، إما خطوات فكرية أو عملية، ولذلك بعضهم بعد أن عاش عمراً طويلاً يبحث في علم الكلام، وفي أدلة المتكلمين قال:

نهايـة إقـدام العقـول عقـال وأكثر سعي العالميـن ضـلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغايـة أمرنـا أذاً ووبــال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا قيـل وقالـوا

فهذا العالم يقول: أفنيت عمري كله في قيل وقالوا، وما استفدت شيئاً والعياذ بالله، فقد أظلم القلب؛ لأنه لم يتبع أنوار الوحي؛ فلذلك حذر الله من اتباع خطوات الشيطان، وعلل الله عز وجل هذا النهي بقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))، فقوله: إِنَّهُ ))، الضمير يعود إلى الشيطان،إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ ٌ[البقرة:16] أي: ظاهر العداوة.

قال مطرف بن عبد الله الشخير رحمه الله: أغش عباد الله لعباد الله الشيطان.

من فوائد الآية

من فوائد الآية: وجوب قبول شرائع الإسلام كافة، وحرمة التخير فيها، يعني: لا يجوز لك أن تختار وتنتقل، وإنما كما قال تعالى: (( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ٌ )).

ثانياً: ما من مستحل حراماً أو تارك واجباً إلا وهو متبع للشيطان في ذلك، فالذي يصوم ولا يصلي هو ممن اتبع خطوات الشيطان، لأن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، وهو الله جل جلاله.

ثالثاً: وضوح عداوة الشيطان لعباد الله المؤمنين.

رابعاً: تحريم اتباع الشيطان فيما يدعو إليه من الكفر والضلال، وأن يستعيذ الإنسان منه بقوله تعالى: رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ[المؤمنون:97-98].

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ[البقرة:208]، قوله: فِي السِّلْمِ[البقرة:208]، قرأ نافع ، و الكسائي ، و ابن كثير ، و أبو جعفر يزيد بن القعقاع بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان بمعنى: الاستسلام والطاعة، فكلمة الإسلام معناها: أن تستسلم لله عز وجل في أمره ونهيه، وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب:36]، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[النور:51]، فهذا هو دأبهم، وقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[النساء:65].

وقوله تعالى: ادْخُلُوا )) الدخول حقيقته نفوذ جسم في جسم، واستعير ها هنا لمعنى، وهو ملازمة الاتباع والالتزام وشدة التلبس بالطاعة، فقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمٌِ )) أي: استسلموا لله جملة، وأطيعوه ظاهراً وباطناً، فاستسلموا لله بقلوبكم وجوارحكم، وارضوا بقضائه وحكمه، وشرعه ودينه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2637 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2574 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2535 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2522 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2344 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2310 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2303 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2293 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2229 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2186 استماع