تفسير سورة يس [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، أما بعد:

ففي الآيات السابقات بين ربنا جل جلاله أن الكافرين عما أنذروا معرضون، وأنهم معاندون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يستوي عندهم الإنذار وعدمه؛ قال تعالى: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:10]، فهم لا ينتفعون بالإنذار ولا تؤثر فيهم الذكرى بل هم بمنزلة الأموات كما بين ربنا جل جلاله في كثير من آي القرآن حين قال: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، ووصفهم جل جلاله بأنهم صم بكم عمي، لا ينتفعون بالذكرى ولا يؤثر فيهم الإنذار، ولا ينفع معهم وعد ولا وعيد ولا حديث عن جنة ولا نار.

ثم بعد ذلك الله عز وجل في هذه الآيات المباركات يقص عليهم خبر قرية كانت في الزمان الأول فعلت مثل الذي فعلوا، عاندت الرسل، عتت عن أمر ربها، وعصت رسله واتبعت أمر كل جبار عنيد، فأنزل الله بهم العقوبة والنكال، وهكذا دائماً القرآن لا يدع وسيلة للتذكير إلا أتى بها، فتارة ربنا جل جلاله يقص علينا من خبر الأولين، وتارة يضرب لنا الأمثال، وتارة يستعمل أسلوب الوعد والوعيد.. وهكذا.

يقول الله عز وجل مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَاضْرِبْ لَهُمْ[يس:13]، واضرب لهم يا محمد، والضرب بمعنى الجعل والوضع، مثل قوله سبحانه: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [النحل:112-113].

إطلاق كلمة القرية في القرآن

وهنا يقول تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ[يس:13]، أصحاب القرية بمعنى أهلها، والمعنى: الأهل، وكلمة القرية في القرآن تطلق على القرية والمدينة، وهي ليست كاصطلاحنا الآن بأن المدينة تطلق على الحاضرة، والقرية تطلق على ما كانت دون ذلك مساحة وسكاناً؛ ولذلك يقول الله عز وجل: وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ[الأعراف:163]، والله عز وجل سمى مكة قرية، فالقرية مفهومها في القرآن أوسع مما استقر عليه الناس الآن.

قوله: إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ [يس:13]، المرسلون جمع مرسل، وهو الرسول الذي بعث برسالة، مشتق من الإرسال بمعنى التوجيه؛ قال تعالى: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل:35].

القرية التي كذبت المرسلين وذكر الرسل الذين أرسلوا إليها

أيها الإخوة الكرام! هذه القرية هل هي أنطاكية التي على حدود بلاد الشام مما يلي بلاد العجم على حدود الترك؟ وهل هؤلاء المرسلون هم صادق و صدوق و شلوم كما في بعض الكتب؟ أو يوحنا و شمعون أو يحيى و سمعان ؟ تعرفون دائماً أن القرآن الكريم حين يضرب المثل وحين يأتي بالقصة لا يذكر المكان ولا يسمي في الغالب الأشخاص، ولا يذكر التاريخ كذلك؛ لأن المقصود العبرة؛ قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ[يوسف:111].

وما هو مذكور في بعض كتب التفسير إنما هو نقل عن كتب أهل الكتاب التي فيها من التخليط والتخبيط والتضارب الشيء الكثير؛ ولذلك لا يعنينا هذه القرية أين هي ولا اسمها، ولا يعنينا هؤلاء المرسلون ما هي أسماؤهم، بل المقصود الاعتبار والاتعاظ والادكار.

يقول الله عز وجل: إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ[يس:14]، أرسل الله إليهم رسولين كريمين، فَكَذَّبُوهُمَا[يس:14]، يعني: أصحاب القرية هؤلاء المجرمون المعاندون كذبوا هذين الرسولين الكريمين.

يقول الله عز وجل: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ[يس:14]، هذه قراءة العامة، أكثر القراء قرءوا بالتشديد: فَعَزَّزْنَا[يس:14]، بمعنى قوينا وشددنا، وقرأ شعبة عن عاصم بالتخفيف: (فعززنا بثالث)، بمعنى غلبنا وقهرنا؛ ولذلك الله عز وجل من أسمائه العزيز بمعنى الغالب القاهر جل جلاله.

(فعززنا بثالث)، ومنه في قصة الخصمين اللذين اختصما عند داود عليه السلام قال: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23]، عزني بمعنى غلبني وقهرني.

حجة أصحاب القرية في تكذيبهم للرسل

يقول الله عز وجل: فَقَالُوا[يس:14]، أي: الثلاثة، إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس:14]، هؤلاء أفصحوا عن مهمتهم وبينوا وظيفتهم بأنهم مبعوثون من عند الله عز وجل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد على الصفا ونادى في أفخاذ قريش: ( يا بني عبد مناف! يا بني مخزوم! يا بني تيم! يا بني عدي! يا بني أمية بن عبد شمس! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً قط، قال: فإني رسول الله إليكم جميعاً، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا )، فهؤلاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم قالوا لقومهم: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس:14]، فماذا كان الجواب الساذج أنهم قَالُوْا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا[يس:15]، هذا جواب الكفار جميعاً، فقوم نوح قالوا: مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً[المؤمنون:24]، وقوم هود قالوا: مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33]، وقوم فرعون قالوا لموسى وهارون: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47]، وقال الله عز وجل عن الكفار عموماً: ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا[التغابن:6]، وثمود قالوا: أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ[القمر:24]، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يقولون لأقوامهم: إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ[إبراهيم:11]، أي: نحن بشر مثلكم، نأكل الطعام ونمشي في الأسواق، ولكن الله عز وجل يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، فنحن بشر مثلكم لكننا مؤيدون بالوحي، بشر مثلكم ولكننا معصومون.

وهنا يقول تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ[يس:13]، أصحاب القرية بمعنى أهلها، والمعنى: الأهل، وكلمة القرية في القرآن تطلق على القرية والمدينة، وهي ليست كاصطلاحنا الآن بأن المدينة تطلق على الحاضرة، والقرية تطلق على ما كانت دون ذلك مساحة وسكاناً؛ ولذلك يقول الله عز وجل: وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ[الأعراف:163]، والله عز وجل سمى مكة قرية، فالقرية مفهومها في القرآن أوسع مما استقر عليه الناس الآن.

قوله: إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ [يس:13]، المرسلون جمع مرسل، وهو الرسول الذي بعث برسالة، مشتق من الإرسال بمعنى التوجيه؛ قال تعالى: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل:35].

أيها الإخوة الكرام! هذه القرية هل هي أنطاكية التي على حدود بلاد الشام مما يلي بلاد العجم على حدود الترك؟ وهل هؤلاء المرسلون هم صادق و صدوق و شلوم كما في بعض الكتب؟ أو يوحنا و شمعون أو يحيى و سمعان ؟ تعرفون دائماً أن القرآن الكريم حين يضرب المثل وحين يأتي بالقصة لا يذكر المكان ولا يسمي في الغالب الأشخاص، ولا يذكر التاريخ كذلك؛ لأن المقصود العبرة؛ قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ[يوسف:111].

وما هو مذكور في بعض كتب التفسير إنما هو نقل عن كتب أهل الكتاب التي فيها من التخليط والتخبيط والتضارب الشيء الكثير؛ ولذلك لا يعنينا هذه القرية أين هي ولا اسمها، ولا يعنينا هؤلاء المرسلون ما هي أسماؤهم، بل المقصود الاعتبار والاتعاظ والادكار.

يقول الله عز وجل: إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ[يس:14]، أرسل الله إليهم رسولين كريمين، فَكَذَّبُوهُمَا[يس:14]، يعني: أصحاب القرية هؤلاء المجرمون المعاندون كذبوا هذين الرسولين الكريمين.

يقول الله عز وجل: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ[يس:14]، هذه قراءة العامة، أكثر القراء قرءوا بالتشديد: فَعَزَّزْنَا[يس:14]، بمعنى قوينا وشددنا، وقرأ شعبة عن عاصم بالتخفيف: (فعززنا بثالث)، بمعنى غلبنا وقهرنا؛ ولذلك الله عز وجل من أسمائه العزيز بمعنى الغالب القاهر جل جلاله.

(فعززنا بثالث)، ومنه في قصة الخصمين اللذين اختصما عند داود عليه السلام قال: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23]، عزني بمعنى غلبني وقهرني.

يقول الله عز وجل: فَقَالُوا[يس:14]، أي: الثلاثة، إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس:14]، هؤلاء أفصحوا عن مهمتهم وبينوا وظيفتهم بأنهم مبعوثون من عند الله عز وجل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد على الصفا ونادى في أفخاذ قريش: ( يا بني عبد مناف! يا بني مخزوم! يا بني تيم! يا بني عدي! يا بني أمية بن عبد شمس! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً قط، قال: فإني رسول الله إليكم جميعاً، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا )، فهؤلاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم قالوا لقومهم: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس:14]، فماذا كان الجواب الساذج أنهم قَالُوْا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا[يس:15]، هذا جواب الكفار جميعاً، فقوم نوح قالوا: مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً[المؤمنون:24]، وقوم هود قالوا: مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33]، وقوم فرعون قالوا لموسى وهارون: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47]، وقال الله عز وجل عن الكفار عموماً: ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا[التغابن:6]، وثمود قالوا: أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ[القمر:24]، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يقولون لأقوامهم: إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ[إبراهيم:11]، أي: نحن بشر مثلكم، نأكل الطعام ونمشي في الأسواق، ولكن الله عز وجل يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، فنحن بشر مثلكم لكننا مؤيدون بالوحي، بشر مثلكم ولكننا معصومون.

قال علماؤنا: هناك فروق بين النبي والولي من سبعة وجوه، وهي: أول هذه الفروق: العصمة، فالنبي معصوم، والولي ليس كذلك، الولي يخطئ ويصيب، يعلم ويجهل، أما النبي فهو معصوم في تبليغه الوحي الذي أنزل إليه من ربه، ومعنى معصوم أنه لا يتعمد ذنباً.

الفرق الثاني: الوحي؛ فالنبي يوحى إليه، والولي ليس كذلك.

الفرق الثالث: تبليغ هذا الوحي.. النبي يعلم به كله ويبلغه كله، والولي ليس كذلك، لا يعلم به كله ولا يبلغه كله؛ فمثلاً سيد أولياء هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، فـأبو بكر الصديق لما جاءته الجدة تطلب ميراثها، قال لها: ( لا أجد لك شيئاً في كتاب الله، ولا أعلم لك شيئاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام محمد بن مسلمة ، فشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للجدة السدس )، فهذا علم عند محمد بن مسلمة وخفي على أبي بكر ، وكذلك لما جاء أبو موسى يستأذن على عمر رضي الله عنه، فاستأذن ثلاثاً ثم رجع قال له عمر : ( لم جئت ولم رجعت؟ قال له أبو موسى : سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لأحدكم وإلا فليرجع، قال له عمر : لتأتيني بشاهد أو لأجعلنك نكالاً، فجاء أبو موسى إلى المسجد منتقعاً لونه، وأخبر الصحابة بما قال عمر فقالوا: سبحان الله! خفي هذا على عمر ، والله لا يقوم معك إلا أصغرنا، قم يا أبا سعيد ، فذهب أبو سعيد مع أبي موسى وشهد عند عمر فقال عمر رضي الله عنه لـأبي موسى : ما اتهمتك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله )، يعني يقول له: أنت عندي مصدق أمين؛ لكن أردت أن ينتشر بين الناس بأن عمر رضي الله عنه يشدد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الفرق الرابع: وجوب الإيمان بالرسول واتباعه، فيجب علينا أن نؤمن بالرسول وأن نتبعه، أما الولي فليس كذلك، إذ ليس مطلوباً مني أن أؤمن بأن فلاناً ولياً، فعلمه عند ربي، اللهم إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ولي، ومن أمثال ذلك: الصحابة رضوان الله عليهم، نجزم بأنهم أولياء لله عز وجل؛ لأن القرآن أثنى عليهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ).

الفرق الخامس: حسن الخاتمة؛ فالنبي نجزم له بأن الله عز وجل قد ختم له بالحسنى، والولي ليس كذلك، أمره إلى الله عز وجل.

الفرق السادس: الأمر الخارق الذي يأتي به النبي يكون مقروناً بالتحدي، والولي ليس كذلك، والأمر الخارق الذي يأتي به النبي هو المعجزة، فالنبي عنده أمر خارق والولي قد يكون عنده أمر خارق؛ لكن الفرق بينهما أن النبي يأتي بالمعجزة تحدياً؛ ولذلك قوم صالح لما قالو لصالح: فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ [الشعراء:154]، ما الآية التي تريدون؟ قالوا: نريد ناقة كوماء، يعني: سمينة بدينة وذات لبن كثير بارد في الصيف حار في الشتاء، فدعا الله عز وجل فانفلقت صخرة فخرجت ناقة على الصفة التي يريدون، قال لهم: هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155]، يعني: هي تشرب من البئر يوماً وأنتم تشربون يوماً، وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ[الأعراف:73] إلى آخر القصة المعروفة.

فهاهنا الطلب الذي طلبوه كان فيه تحد لهذا النبي وقد أُعطوا، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام لما طلبوا منه آية، أراهم القمر وقد انشق نصفين حتى كان نصف فوق جبل حراء ونصف دونه، قال: ( اشهدوا يا معشر قريش ).

فالولي لا يتحدى؛ بل الولي لو أكرم بكرامة من الله عز وجل لو كان ولياً حقاً فإنه يسترها، فلا يقول: أيها الناس! نحن أناس صالحون، ونحن كذا ونعمل كذا.. ويعمل له دعايات، وإنما يكتم ذلك؛ لأنه يخشى على نفسه من أن يفتن أو يفتتن، أو أن يضل أو أن يكون سبباً في إضلال الناس؛ ولذلك أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي كانت عندهم كرامات رضي الله عنهم لكنهم ما كانوا يشهرونها ويظهرونها.

إذاً: خوارق العادات التي يأتي بها النبي تكون مقرونة بالتحدي، والولي ليس كذلك.

الفرق السابع: النبي نجزم له بأنه في الجنة، والولي ليس كذلك، يعني: النبي نجزم له تعييناً بأنه من أهل الجنة، والولي ليس كذلك، وإنما نرجو له الجنة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث 2767 استماع
تفسير سورة نوح [3] 2764 استماع
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع 2663 استماع
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول 2650 استماع
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] 2532 استماع
تفسير سورة يس [8] 2521 استماع
تفسير سورة يس [4] 2475 استماع
تفسير سورة يس [6] 2466 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] 2234 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع 2216 استماع