خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63706"> أسرار التأويل
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة النور - الآية [30]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فيقول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
هذا هو الموضع الثاني في بيان الإجراءات الاحترازية الواقية من الوقوع في فاحشة الزنا، أجارنا الله وإياكم والمسلمين أجمعين.
ففي الموضع الأول بين ربنا جل جلاله وجوب الاستئذان عند دخول بيوت الغير، وبين النبي عليه الصلاة والسلام العلة، فقال: ( إنما جعل الاستئذان من أجل النظر )، وفي هذا الموضع يأمرنا ربنا جل جلاله بأمر آخر، وهو الأمر بغض البصر.
سبب نزول الآية
وقد افتتحت الآية بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ [النور:30]، أي: قل يا محمد! وهذا إما عناية بالأمر وتنويهاً بشأنه، وإما لوقوع السؤال عنه من الصحابة رضوان الله عليهم؛ فقد روى ابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه ( أن رجلاً من الصحابة كان في الطريق فرأى امرأة، فنظر إليها ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان بأنه ما نظر أحدكما للآخر إلا إعجاباً به، فما زال الرجل ينظر إليها حتى اصطدم بجدار فكسر أنفه، فقال: والله لا أمسح الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه وقص عليه القصة، قال له صلى الله عليه وسلم: استغفر ربك، فتلك عقوبة ذنبك )، ونزلت الآية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30].
أقول مرة ثانية: إما أن يكون الابتداء بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إشعاراً بعظم الأمر، وإما أن يكون جواباً لسؤال سائل.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ[النور:30]، أي: قل لكل من يصدق عليه وصف الإيمان.
معنى (الغض)
وقوله: يَغُضُّوا[النور:30]، الغض: هو النقص والإطراق، ومنه قول القائل:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ومنه قول عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وهذا رجل جاهلي ولكنه كان يفتخر بأخلاقه السامية العالية، يقول: بأن جارتي إذا خرجت، أو إذا دخلت فإنني أغض طرفي، لا أدقق النظر، ولا أتبع البصر، حتى تدخل إلى بيتها.
دلالة (من) في قوله تعالى: (يغضوا من أبصارهم)
وقوله: مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، (من) هاهنا للمفسرين فيها وجهان:
الوجه الأول: بأنها زائدة لتأكيد المعنى، كما في قول الله عز وجل: فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:47]، المعنى: فما منكم أحد عنه حاجزين، وكما في قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ[القصص:46]، المعنى: ما أتاهم نذير من قبلك.
الوجه الثاني: بأن (من) تبعيضية، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30]، يعني: ليس المطلوب غض البصر مطلقاً، فيسير الإنسان مطرقاً رأسه، وإنما يغض من بصره؛ لأن الرجل قد يحتاج إلى النظر إلى المرأة، كما في فعل القاضي من أجل أن يتأكد من الشاهد، وكما في فعل الطبيب المعالج، وكما في فعل الخاطب.
فالخاطب يحل له أن ينظر إلى من يريد خطبتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الصحابي: إني خطبت امرأة من الأنصار، قال له: ( أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )، وفي بعض الروايات: ( انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً )، وفي بعض الروايات: ( فإن في أعين الأنصار عمشاً )؛ ولذلك قال علماؤنا: لا بأس أن يردد الخاطب النظر، إن لم تكف الأولى.
فالخاطب ينظر، والقاضي ينظر، وكذلك الطبيب ينظر، كذلك النظرة الأولى، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى )؛ ولذلك جيء في البصر بـ(من) التبعيضية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30] وهناك في الفروج ما قال: ويحفظوا من فروجهم، وإنما قال: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[النور:30]، فدل ذلك على أن الأصل في الفرج الحفظ.
وقوله: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ[النور:30]، أي: أطهر لقلوبهم وأبقى لدينهم.
دلالة ختم الآية بقوله تعالى: (إن الله خبير بما يصنعون)
ثم ختم ربنا الآية مثل ما ختم آية الاستئذان بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:29]، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:28]، وهنا قال: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، وهذا تهديد؛ لأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا تخفى عليه خافية.
وقد افتتحت الآية بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ [النور:30]، أي: قل يا محمد! وهذا إما عناية بالأمر وتنويهاً بشأنه، وإما لوقوع السؤال عنه من الصحابة رضوان الله عليهم؛ فقد روى ابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه ( أن رجلاً من الصحابة كان في الطريق فرأى امرأة، فنظر إليها ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان بأنه ما نظر أحدكما للآخر إلا إعجاباً به، فما زال الرجل ينظر إليها حتى اصطدم بجدار فكسر أنفه، فقال: والله لا أمسح الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه وقص عليه القصة، قال له صلى الله عليه وسلم: استغفر ربك، فتلك عقوبة ذنبك )، ونزلت الآية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30].
أقول مرة ثانية: إما أن يكون الابتداء بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إشعاراً بعظم الأمر، وإما أن يكون جواباً لسؤال سائل.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ[النور:30]، أي: قل لكل من يصدق عليه وصف الإيمان.
وقوله: يَغُضُّوا[النور:30]، الغض: هو النقص والإطراق، ومنه قول القائل:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ومنه قول عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وهذا رجل جاهلي ولكنه كان يفتخر بأخلاقه السامية العالية، يقول: بأن جارتي إذا خرجت، أو إذا دخلت فإنني أغض طرفي، لا أدقق النظر، ولا أتبع البصر، حتى تدخل إلى بيتها.
وقوله: مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، (من) هاهنا للمفسرين فيها وجهان:
الوجه الأول: بأنها زائدة لتأكيد المعنى، كما في قول الله عز وجل: فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:47]، المعنى: فما منكم أحد عنه حاجزين، وكما في قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ[القصص:46]، المعنى: ما أتاهم نذير من قبلك.
الوجه الثاني: بأن (من) تبعيضية، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30]، يعني: ليس المطلوب غض البصر مطلقاً، فيسير الإنسان مطرقاً رأسه، وإنما يغض من بصره؛ لأن الرجل قد يحتاج إلى النظر إلى المرأة، كما في فعل القاضي من أجل أن يتأكد من الشاهد، وكما في فعل الطبيب المعالج، وكما في فعل الخاطب.
فالخاطب يحل له أن ينظر إلى من يريد خطبتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الصحابي: إني خطبت امرأة من الأنصار، قال له: ( أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )، وفي بعض الروايات: ( انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً )، وفي بعض الروايات: ( فإن في أعين الأنصار عمشاً )؛ ولذلك قال علماؤنا: لا بأس أن يردد الخاطب النظر، إن لم تكف الأولى.
فالخاطب ينظر، والقاضي ينظر، وكذلك الطبيب ينظر، كذلك النظرة الأولى، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى )؛ ولذلك جيء في البصر بـ(من) التبعيضية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30] وهناك في الفروج ما قال: ويحفظوا من فروجهم، وإنما قال: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[النور:30]، فدل ذلك على أن الأصل في الفرج الحفظ.
وقوله: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ[النور:30]، أي: أطهر لقلوبهم وأبقى لدينهم.
ثم ختم ربنا الآية مثل ما ختم آية الاستئذان بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:29]، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور:28]، وهنا قال: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، وهذا تهديد؛ لأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا تخفى عليه خافية.
وهذه الآية المباركة يأمرنا ربنا جل جلاله فيها بأمر تطيب به نفوسنا، وتطمئن به قلوبنا، ونسلم فيه من الآهات والحسرات، وبالقسمة العقلية نجد هناك احتمالات أربعة:
الاحتمال الأول: أن تستر المرأة زينتها ويغض الرجل بصره، وهذا هو المجتمع الطاهر النقي، الشريف المبارك، تستر المرأة فيه زينتها، ولا تتبرج تبرج الجاهلية، ولا تتزين إذا خرجت، ولا تتعطر إذا مرت بالرجال الأجانب، وفي الوقت نفسه الرجل المسلم يغض بصره، فهذا مجتمع آمن، طاهر، نظيف، يأمن فيه كل إنسان على عرضه، ويطمئن على زوجه وابنته وأخته، وكذلك يطمئن على ولده، فإذا كان النساء متسترات محتشمات وقورات، لا تخرج إحداهن إلا وعليها سكينة ووقار، فإن الإنسان يطمئن على ولده، ويطمئن على بنته.
الاحتمال الثاني: أن تبدي المرأة زينتها، ويغض الرجل بصره، فالمرأة ما اتقت الله عز وجل، وأظهرت ما أمر الله بستره، وتبرجت، ولكن الرجل غض بصره.
الاحتمال الثالث: أن تستر المرأة زينتها، وتلتزم حجابها، ويطلق الرجل بصره.
وهذه الاحتمالات الثلاثة ليس منها خوف، الاحتمال الأول: غَضُّ الرجل بصره، وستر المرأة زينتها، فهذا مجتمع الصحابة.
الاحتمال الثاني: أبدت المرأة زينتها فغض الرجل بصره، الحمد لله وليس فيه كثير خوف.
الاحتمال الثالث: الرجل لا يتقي الله، يطلق بصره، ولكن المرأة تستر زينتها، وهذا أيضاً ليس فيه كثير خوف.
أما الهلاك والدمار وظهور الفاحشة فإنه يكون إذا حصل الخلل من المرسل والمستقبل، فأبدت المرأة زينتها، وكشفت مفاتن جسدها، وأطلق الرجل بصره، فهاهنا الطامة الكبرى.
وإطلاق البصر قد ورد فيه التحذير الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فقال: اصرف بصرك )، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا منها بد! قال: فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: رد السلام، وكف الأذى، وغض البصر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى )، وفي لفظ: ( وليست لك الثانية )، وفي لفظ: ( لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وعليك الثانية )، وهذا ثابت من حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب رضوان الله على الجميع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، وكفوا أيديكم، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم )، وقال: ( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه؛ أضمن له الجنة )، وفي الحديث القدسي -وفي سنده ضعف-: ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ).
هذا التحذير من إطلاق البصر كان لأمور، منها:
أولاً: لأن البصر بريد الزنا، بل سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا، قال - والحديث في الصحيح - : ( كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السمع، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يشتهي ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ).
ثانياً: لأن إطلاق البصر يؤدي إلى ما بعده:
كسبت لقلبي نظرة لتسره عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مر بي شيء أشد من الهوى سبحان من خلق الهوى وتعالى
فإطلاق البصر قد يورث الإنسان هوى يهلكه، وإطلاق البصر يجعل الإنسان كالذي يأكل ولا يشبع، كما قيل:
وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ثالثاً: إطلاق البصر قد يؤدي بالإنسان إلى جريمة تسقط هيبته في الدنيا، فتثلم عرضه، وتؤدي به إلى أن يقام عليه الحد، وقد تورثه عذاب الآخرة؛ ولذلك قال القائل:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
وقد بلغ من عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، كما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس : أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يوم النحر جاءت امرأة خثعمية تسأله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أردف الفضل بن العباس ، ابن عمه، فجعل الفضل ينظر إلى تلك المرأة، فلكزه النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى حوله، فرجع ينظر إليها فحول النبي صلى الله عليه وسلم وجهه فقال له العباس : ( يا رسول الله! أوجعت وجه ابن عمك، فقال: إني رأيت امرأة وضيئة، وشاباً وضيئاً، فلم آمن عليهما الشيطان )، فالرسول صلى الله عليه وسلم هاهنا غير المنكر بيده.