خطب ومحاضرات
تفسير سورة النور - الآيات [4-5] الخامس
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فقد تقدم معنا الكلام في آية القذف عن عدد من المسائل:
أولها: لو أن إنساناً نبز غيره ورماه بغير الفاحشة، فقال له: يا سارق، أو يا خائن، أو يا كذا، فإنه يعزر، وهذا التعزير سببه أن الله عز وجل نهانا عن التنابز بالألقاب، فقال سبحانه: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، فلو أن إنساناً رمى غيره بشيء قبيح لا يليق بنا معشر بني الإنسان فعله فلا بد من أن يعاقب.
ثانيها: لو أن إنساناً قذف غير مسلم رجلاً كان أو امرأة فإنه لا يقام عليه الحد، قال بعض أهل العلم: إلا إذا كان للمرأة ولد مسلم، أو كانت المرأة تحت رجل مسلم أي: متزوجةً من مسلم، فإن القاذف يقام عليه الحد؛ لحق ذلك المسلم.
ثالثها: لو أن كتابياً رمى مسلماً فإنه يقام عليه الحد المنصوص عليه في هذه الآية.
رابعها: لو أن إنساناً قال لآخر: يا من وطئ بين الفخذين، فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه رماه بما لا يعد زنا إجماعاً.
خامسها: الكلام على شهادة حصلت على الزنا ولكنها لم تتم؛ إما لأن بعض الشهود لم يعدلوا، أو لأن بعض الشروط قد فقدت فيهم، فيقام على من شهد، ولو أن إنساناً قال لآخر: أنت زنيت، أو قال له: يا زان، فقال رجل ثالث: صدقت، أو قال: قد صدق، فإنه يقام الحد على الرامي وعلى المصدق.
سادسها: لو أن إنساناً قال: أخبرني فلان بأن فلاناً قد زنى، فلا يقام الحد على المخبر؛ لأنه لم يقل ذلك من تلقاء نفسه، وإنما نقل عن غيره، فيشبه فيما لو شهد أن فلاناً قد قذف فلاناً، فأكذبه المشهود عليه، فإنه لا يعد قاذفاً.
واليوم إن شاء الله نتعرف على خمس مسائل إن وسع الوقت:
المسألة الأولى: قذف الجماعة، عياذاً بالله، فلو أن إنساناً خلا قلبه من تقوى الله فدخل على مجموعة من الناس فقال لهم: يا معشر الزناة! أو قال لهم: كلكم زناة، أو كلكم أهل فاحشة، فهل يكفي أن يقام عليه حد واحد، أو أنه يقام عليه الحد بعدد من قذفهم؟ فلو كان في القاعة خمسون مثلاً فرماهم جميعاً، هل يقام عليه الحد بعدد هؤلاء أم يكفي حد واحد؟
الذي عليه أكثر العلماء، ومنهم طاوس بن كيسان ، و إبراهيم النخعي ، و سفيان الثوري ، و عامر الشعبي ، و قتادة السدوسي ، و أبو حنيفة ، وصاحباه، و مالك ، و الشافعي في أحد قوليه، أنه يقام عليه حد واحد، فلو أن إنساناً قذف جماعةً مهما كان عددهم فإنه لا يقام عليه إلا حد واحد، هذا الذي قال به أكثر العلماء، واستدلوا بالقرآن، وفعل الصحابة، وبالقياس.
أما من القرآن: فاستدلوا بهذه الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، ولم يفرق ربنا بين قاذف الفرد وقاذف الجماعة.
وأما من فعل الصحابة: فإن جماعةً شهدوا على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بأنه زنى بـأم جميل بنت الأفقم ، فجلدهم عمر رضي الله عنه الحد، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، وهؤلاء الجماعة هم أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي ، و شبل بن معبد ، و زياد بن أبيه ، الذي قيل له: زياد بن أبي سفيان ، والحارث بن فلان، شهدوا عند عمر بأن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه زنى بـأم جميل بنت الأفقم ، فجلدهم عمر الحد ثمانين، ثمانين، ثمانين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، مع أنهم قذفوا المغيرة بن شعبة والمرأة، لكن عمر رضي الله عنه أقام عليهم حداً واحداً، وهذا الذي فعله عمر كان الصحابة شهوداً عليه، ولم يقل له أحد لا بد من جلدهم مرتين، مرة لحق أم جميل، ومرة لحق المغيرة .
وأما من ناحية المعقول: فقالوا: إن إقامة حد واحد يثبت به كذبه على الجميع، وتزول به المعرة عن الجميع، فلو جلدناه حداً واحداً عرف أنه كاذب في حق الجميع، وقد أزلنا العار عن جميع هؤلاء المقذوفين، قالوا: ويقاس على من سرق من جماعة، فلو اشترك خمسة أشخاص في معرض للسيارات، أو معرض للملابس أو غيره، فجاء إنسان وتستر بالليل فسرق ما في هذا المعرض، فهو هنا سرق من مجموعة ومع ذلك يقام عليه حد واحد.
وكذلك قياساً على المرأة يكون لها أولياء فيزوجها واحد.
ومثله أيضاً يمكن أن يقال: لو أن إنساناً قتل جماعة فإنه يقتل مرة واحدة، ولا نقتله بعدد من قتلهم لو أنه أتيح لنا، فهذا الذي عليه جمهور العلماء، وقد سميت لكم بعضهم كـطاوس ، و الشعبي ، و النخعي ، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ، و سفيان الثوري ، و أبو حنيفة ، وصاحباه: أبو يوسف و محمد بن الحسن الشيباني ، وكذلك الإمام مالك ، والإمام الشافعي في أحد قوليه قالوا: لا يقام عليه إلا حد واحد.
القول الثاني: قال به الإمام أحمد ، ومن قبله الحسن البصري ، و أبو ثور الكلبي ، و الإمام الشافعي في القول الآخر: بأنه يقام عليه الحد بعدد من قذفهم؛ لأن هذه حقوق آدميين لا تتداخل كالديون والقصاص، فلو أنني استدنت من الشيخ عشرة ريالات، ومن الشيخ الآخر عشرة، ومنك عشرة، ومن هذا عشرة، ومن هذا عشرة، فإنه لا يمكن أن يقال: أد عشرة ريالات فقط، فهذه حقوق لا تتداخل، بل أد لهذا عشرة، ولهذا عشرة، ولهذا عشرة.
ومثله أيضاً: لو أن إنساناً اعتدى على جماعة ففقأ عين هذا، وقطع أذن هذا، وبقر بطن هذا، وقطع أصابع ذاك، فلا يمكن أن نقول: يقام عليه القصاص لحق واحد، بل كل من طالب بالقصاص فإنه يقام له، فتفقأ عينه لعين هذا، وتقطع أذنه لأذن هذا.. وهكذا.
ولا يخفى عليكم أن القول الأول وجيه جداً؛ لأن أدلته متكاثرة، ولأنه الذي يتحقق به مقصود الشرع، ثم إن القول الثاني فيه شيء من البعد، فلو أن إنساناً قذف خمسين فلا يمكن أن نجلده ثمانين جلدة خمسين مرة، وأيضاً نقول: لو أنه قذف ألفاً، فلا يمكن أن نجلده ثمانين ألف جلدة، فالثمانون الألف جلدة لا يمكن الحكم بها.
المسألة الثانية: لو قذف شخصاً مراراً، فهل يقام عليه حد واحد، أم يقام عليه الحد بعدد المرات؟
صورة المسألة: لو أنه قال له يا كذا، ثم أعاد يا كذا، ثم ذهب واشتكى فقال له: يا كذا وقذفه مرة أخرى، ثم لما سيق إلى التحقيق قذفه أخرى، ثم لما حكم عليه قذفه أخرى، فهل نحسب هذه القذفات ونضربها على كل واحدة، أم يقام عليه الحد مرةً واحدة؟
نقول: الذي عليه جمهور العلماء أنه يقام عليه حد واحد أيضاً، استدلالاً بفعل الصحابة رضي الله عنهم، فإن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما قذفه أبو بكرة الثقفي ومن معه جاء ثلاثة فشهدوا، فكبر على عمر ذلك وقال: شاط ثلاثة أرباع المغيرة -وشاط بمعنى احترق-، فلما جاء الرابع لم يشهد شهادةً معتبرة، فقال: رأيت استاً تنبو، وسمعت نفساً يعلو، ورأيت قدميها فوق كتفيه كأنهما قرنا حمار، فأتى عمر رضي الله عنه بالثلاثة الذين شهدوا وسموا، والرابع هذا لم يجلد؛ لأنه لم يسم أي: لم يقذفه.
ومع هذا كله فمحتمل أن يكون المغيرة إنما كان مع زوجته، لكن الثلاثة الأولين قالوا: رأيناه يزني، فذكروا الزنا، وسموا المرأة بأنها أم جميل بنت الأفقم ، أما الرابع فأتى بشيء محتمل: رأيت استاً تنبو، وسمعت نفساً يعلو، ورأيت قدميها فوق كتفيه كأنهما قرنا حمار، فقام عمر رضي الله عنه وأتى بالثلاثة، وبين لهم بأنهم قذفة، وأنهم سيجلدون، فقال له أبو بكرة : أرأيت لو جاء رابع أكنت راجمه؟ وهذا نوع من التأنيب لـعمر ، فقال له عمر : إي والذي نفسي بيده، فقال له أبو بكرة : وأنا أشهد بالله الذي لا إله غيره أنه زنى بـأم جميل بنت الأفقم ، فاجعلني رابعاً، فقال له عمر : بل عليك حدان؛ لأنك تكرر القذف في كلامك، فقال له علي : لا، إن كنت جالده فارجم صاحبك، يعني لو تريد أن تعتبر شهادته شهادتين فإن الأربعة قد اكتملوا.
ولذلك نقول: لو أن إنساناً قذف إنساناً مراراً فإنه يقام عليه حد واحد، وهذا كله محمول على ما لو قذفه قبل إقامة الحد، لكن لو أقيم عليه الحد فقذفه مرةً ثانية، قال العلماء: هذه ليس فيها قرآن ولا سنة، يعني ما فيها دليل من القرآن ولا من السنة، ولكن ننظر إن كان بقرب القذف الأول فإنه لا يقام عليه الحد، يعني ربما أخذته -نسأل الله العافية- العزة بالإثم، أو أنه قد احترق فؤاده لجلده أمام الناس، ولربما يكون صادقاً في نفس الأمر، فلو أنه قذفه بقرب الحد الأول فإنه لا يحد ثانيةً، أما لو تباعد ما بين القذفين فإنه يقام عليه مرةً أخرى.
المسألة الثالثة: لو أن إنساناً -والعياذ بالله- دخل على جماعة فقال لهم: أحدكم زان، أو قال: أحدكم ابن زانية، قالوا: لا يقام عليه الحد؛ لأنه لم يقذف واحداً بعينه، وإنما الكلام على الإبهام، ولا يعني هذا أنه لا يعاقب، بل لا بد أن يعاقب ويعزر، وهذا التعزير يكون بالتوبيخ، ويكون بالحبس، ويكون بالجلد، ويكون بمصادرة بعض المال ويسمى الآن بالغرامة، أو بغير ذلك من الأسباب التي تقطع شره عن الناس؛ لأنه هذا كلام لا يقبل، ولا نريد للمجتمع أن يكون فيه هذه الألفاظ القبيحة، وهذه الكلمات السيئة.
المسألة الرابعة: لو أن إنساناً قال لآخر أجلكم الله: أنت أزنى من فلان، هل يلزمه حد واحد أم حدان؟ وهذا هو القذف بأفعل التفضيل، كما لو قلت: فلان أطول من فلان، فالمعنى كلاهما فيه طول، ولكن أحدهما أطول من الآخر، ولو قلت فلان أعلم من فلان، معنى ذلك أنهما يشتركان في العلم، ولكن أحدهما أغزر علماً، أو فلان أغنى من فلان، وهنا لو قال له: أنت أزنى من فلان، معناها أنت زان، وفلان زان، ولكنك تربو عليه في الزنا، والذي عليه الجمهور أنه يقام عليه حدان؛ لأن هذا هو الأصل في أفعل التفضيل؛ لأنها تقتضي الاشتراك في الصفة، أو الاشتراك في الفعل، وبعض العلماء قالوا: لأن أفعل التفضيل قد يأتي على بابه، وقد يأتي على غير بابه، وهذا نجده في القرآن، وفي السنة وفي كلام العرب، فمثلاً في القرآن قول الله عز وجل: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [يونس:35]، هنا أفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنه لا اشتراك بين من يهدي إلى الحق ومن لا يهدي.
ومثله أيضاً قول الله عز وجل: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]، أي الفريقين أحق بالأمن: من يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئاً، أم المشركون الذين يعبدون الوثن أو البشر، أو الشمس أو القمر؟ فهنا أيضاً قول الله عز وجل: (أحق) على وزن أفعل، وليست على بابها.
ومثله أيضاً قول الله عز وجل: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان:24]، بعد أن تحدث عن أهل النار، وأهل النار ما عندهم مقيل ولا قيلولة يرتاحون فيها، فأفعل التفضيل هنا ليس على بابه.
وثبت في الحديث الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده مجموعة من النساء يكلمنه ويرفعن أصواتهن -على عادة النساء يتكلمن جميعاً بصوت واحد، وترتفع أصواتهن- فجاء عمر رضي الله عنه فقال: السلام عليكم -يعني يستأذن من الرسول صلى الله عليه وسلم- فهؤلاء النسوة ابتدرن الحجاب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر عليه، فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا وسلك فجاً آخر، هؤلاء النسوة كن يكلمنني ويرفعن أصواتهن، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فغضب عمر رضي الله عنه، وجاء يكلم هؤلاء النسوة من وراء الحجاب، وقال: يا عدوات أنفسكن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النسوة: أنت أفظ وأغلظ )، (أنت أفظ) على وزن أفعل، (وأغلظ) كذلك، فهل معنى هذا الكلام أن عمر يشارك النبي صلى الله عليه وسلم في الفظاظة والغلظة، لكنه أشد؟ معاذ الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الفظاظة والغلظة، والله عز وجل قال له: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
والحديث في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( رأيت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: عبدي ورسولي محمد، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أميته حتى أقيم به الملة العوجاء، وأفتح به آذاناً صماً، وأعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً )، لكن المقصود هنا أن هؤلاء النسوة لما قلن لـعمر : ( أنت أفظ وأغلظ )، يقيناً لا يقصدن أنه يشارك النبي صلى الله عليه وسلم في الفظاظة والغلظة، ومثله من كلام العرب قول قائل:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
والمعنى: لست فيها بواحد، بل كلنا سنموت.
ومثله قول القائل:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
أي: دعائمه عزيزة طويلة، ولا يقصد بأنها أعز وأطول من السماء يقيناً، فمن هنا قال بعض العلماء: بأن أفعل التفضيل قد يرد على غير بابه، فلا يقام عليه إلا حد واحد، لكن نقول: الأصل أن أفعل التفضيل على بابه، وأنه يقتضي الاشتراك في الصفة، ولكن أحدهما أولى من الآخر.
المسألة الخامسة: من قذف غيره بكلمات مختلفات، يعني: قال للآخر: يا زان، ثم قال له: لست ابن أبيك، أي: أنه اتهم أمه، ثم قال له: يا من يلعب بالصبيان، يعني: أنه اتهمه بفاحشة أخرى غير فاحشة الزنا، والذي عليه أكثر العلماء أنه يتعدد الحد بتعدد هذه الكلمات التي تحمل معاني مختلفات؛ لأنه رماه بالزنا، ورماه بفاحشة قوم لوط، ورمى أمه، ونفى نسبه، وجلب المعرة عليه من عدة جهات، فيتعدد الحد بتعدد هذه الأسماء.
المسألة السادسة: يحرم رمي الملاعنة وولدها، ومن رمى أحدهما وجب عليه الحد، بمعنى: لو أن امرأةً لاعنها زوجها، فحلف بالله أربع مرات أنها قد زنت، وأن الحمل الذي في بطنها ليس منه، وفي المرة الخامسة قال: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، ثم جاءت المرأة فحلفت أربع مرار بأنها ما فعلت ذلك، وأن الحمل الذي في بطنها منه، ثم قالت: غضب الله علي إن كان من الصادقين، وسيأتي معنا في اللعان بأنه يكون في أشرف الأماكن، فإذا كان في مكة فإنه يكون بين الركن والمقام، وإذا كان في المدينة فإنه يكون عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في غيرها من البلاد ففي المسجد الجامع، من أجل أن يرتهب الإنسان ويتقي الله، ويتذكر بأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فإذا حلف الرجل وحلفت المرأة، فإنه يترتب على ذلك إسقاط حد القذف عن الرجل، فلا يجلد، وإسقاط حد الزنا عن المرأة، فلا ترجم، ثم يفرق بينهما أبداً فلا يجتمعان، ثم يجب لها الصداق كاملاً بما استحل من فرجها صادقاً كان أو كاذباً، إن كان كاذباً فهو أبعد له منها، وإن كان صادقاً فبما استحل من فرجها، فيدفع المؤخر من الصداق ولا يقول: لا والله أنا اتهمتها وأنا أصلاً لا أريدها أو يقول: أنا حلفت، فنقول له: هذا كله لا ينفعك، فلا بد أن تدفع الباقي من الصداق، ثم لا ينسب الولد إلى أبيه، لأنه نفاه، ولا نستطيع أن نجزم بأن الرجل صادق أو المرأة صادقة الله أعلم.
ولذلك لا يجوز أن تقذف المرأة، فلا يأت أحد ويقول لها: يا كذا، أنت زوجك ذهب وحلف، ولو كان غير صادق ما حلف، فمن قذفها يجلد، فإذا وضعت هذه المرأة بعد ذلك، فإن الولد يدعى ابن فلانة، ابن زينب مثلاً، أو ابن مريم، فينسب إلى أمه، كما يقال: زياد بن سمية وكانوا يقولون عنه: زياد بن أبيه ، وأبوه الله أعلم من هو، فلو أن إنساناً قذف هذا الولد يوماً من الأيام، وقال له: أنت الذي ذهب أبوك وأمك وحصل بينهما كذا فأنت أصلك كذا ورماه بالزنا، فإنه يقام عليه الحد؛ لأن الحقيقة لا يعلمها إلا الله جل جلاله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولعل بعضكم يكون ألحن بالحجة من بعض )، لكن الذي في واقع الأمر أن هذا غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث | 2767 استماع |
تفسير سورة نوح [3] | 2764 استماع |
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع | 2663 استماع |
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول | 2650 استماع |
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] | 2532 استماع |
تفسير سورة يس [8] | 2521 استماع |
تفسير سورة يس [4] | 2475 استماع |
تفسير سورة يس [6] | 2466 استماع |
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] | 2233 استماع |
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع | 2216 استماع |