أرشيف المقالات

الولاء والبراء

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .

تعريف الولاء والبراء/
- النهي عن مشابهة الكافرين.
- الفرق بين حسن المعاملة والموالاة.
- نماذج من صور الولاء والبراء.
- التعامل مع الكفار في البيع والشراء.
- حكم معايدتهم ونحوه بمناسبة أعياد الميلاد.

يعتبر الولاء والبراء من عقيدة الإسلام المهمة في حياة المسلم.
فالولاء هو: المحبة والنصرة والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا.
والبراء: هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار.

ولذلك نجد أن كلمة التوحيد (لا إله الله) تثبت ولاء وبراءً، نفيًا وإثباتًا، ولاء لله ودينه، وكتابه وسنة نبيه، وعباده الصالحين، وبراء من كل طاغوت عبد دون الله، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } [البقرة:256]، ومن هنا قال العلماء: «أن الولاء والبراء - الولاء لله، والبراء من الكافرين - من لوازم لا إله إلا الله، حيث إنه لما كان أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والمعاونة، كان الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا فمنها:

قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ } [آل عمران:28].

وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء:89].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51].

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4].


أما الأحاديث فمنها:
ما رواه أحمد عن جرير بن عبد الله « أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بايَعَهُ على أنْ ينصحَ لكُلِّ مسلمٍ، ويتبرَّأَ من كُلِّ كافرٍ» [رواه أحمد وهو حديث حسن].

وقال صلى الله عليه وسلم: «أَوْثَقُ عُرَى الإيمَانِ الحُبُّ في اللهِ، والبُغْضُ في اللهِ» [أخرجه الطبراني في الكبير، وهو حديث حسن].

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «من أحَبَّ في اللهِ، وأبْغَضَ في اللهِ، ووَالَى في اللهِ، وعادَى في اللهِ، فإنَّمَا ينالُ وَلايَةَ اللهِ بذلك، ولن يجدَ عبدٌ طَعْمَ الإيمانِ - وإنَّ الغُرَماءَ صلاتُه وصومُه - حتَّى يكونَ كذلك، وقد صارتْ عامَّةُ مُؤاخاةِ النَّاسِ على أمرِ الدُّنيا، وذلك لا يجدي على أهْلِهِ شيئًا».

فقوله رضي الله عنه: (ووالى في الله) هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لابد من ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب، وهي النصرة، والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا.


وقوله: (وعادى في الله) هذا بيان للازم البغض وهو المعاداة فيه، أي إظهار العداوة بالفعل والجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنًا وظاهرًا إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب بل لابد مع ذلك من الإتيان بلازمه، كما قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، فالمسلم له نسب عريق، وماضٍ طويل، وأسوة ممتد إلى آماد الزمان، وهو راجع إلى إبراهيم لا في عقيدته فحسب، بل في تجاربه التي عاشها كذلك، فيشعر المسلم أنه له رصيدًا من التجارب، فقد مر بما مر به إبراهيم عليه السلام وصحبه، فاتخذ قرارًا ليس جديدًا ولا مبتدعًا ولا تكليفًا يشق على المؤمنين، فهي البراءة من القوم ومعبوداتهم وعباداتهم، وهو الكفر بهم والإيمان بالله، وهي العداوة والبغضاء التي لا تنقطع حتى يؤمن القوم بالله وحده، وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستبقي شيئًا من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة، وآصرة الإيمان، في هذا فصل الخطاب في مثل هذه التجربة التي يمر بها المؤمن في أي جيل، وفي قرار، { إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ } أسوة لخلفائهم من المسلمين إلى يوم الدين»
.

ومن هنا نجد الإسلام حاسمًا في عدم مشابهة الكفار، لأن مشابهتهم قد تؤدي إلى ولائهم وحبهم، ولذلك يقول الأستاذ محمد أسد النمساوي الذي أسلم وهو خبير بهذه القضية يقول: «...
وإن السطحيين من الناس فقط لا يستطيعون أن يعتقدوا أنه من الممكن تقليد مدينة أو أمة ما في مظاهرها الخارجية من غير أن يتأثروا في الوقت نفسه بروحها.


إن المدينة ليست شكلاً أجوف فقط ولكنه نشاط حي، وفي اللحظة التي نبدأ فيها بتقبل شكلها تأخذ مجاريها الأساسية ومؤثراتها الفعالة تعمل فينا، ثم تخلع على اتجاهنا العقلي كله شكلاً معينًا، ولكن ببطء من غير أن نلحظ ذلك.

ولقد قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاختيار حينما قال: « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » وهذا الحديث مشهور ليس إيماءة أدبية فحسب، بل تعبير إيجابي يدل على أن لا مفر من أن يصطبغ المسلمون بالمدينة التي يقلدونها.

وإذا حاكى المسلم أوروبا في لباسها وعاداتها وأسلوب حياتها فإنه يكشف عن أنه يؤثر المدينة الأوروبية مهما كانت دعواه التي يعلنها، وإنه لمن المستحيل عمليًّا أن تقلد مدينة أجنبية في مقاصدها العقلية والبديعية من غير إعجاب بروحها، وإنه لمن المستحيل أن نعجب بروح مدينة مناهضة للتوجيه الديني، وتبقى مع ذلك مسلمًا صحيحًا.
إن الميل إلى تقليد التمدن الأجنبي نتيجة الشعور بالنقص هذا ولا شيء سواه»
انتهى كلامه.

فهذا كلام رجل غربي مستشرق عرف الحضارة والمدينة الغربية، وخبر حلوها ومرها، يقول هذا الكلام الواضح، فما بالك بمن يهنئ الكفار في أعيادهم ونحوها.

ولذلك أقول إن أصل المشابهة هو أن الله جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، والمشاركة بين بني الإنسان أشد تفاعلاً، فلأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم، فاكتسب بعض أخلاق المشاركة، والمعاشرة، والمشابهة في الأمور الظاهرة، والتي توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدرج الخفي، وكما قال أحد العلماء: «فقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفرًا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانًا من غيرهم ممن جرد الإسلام».

ثم إن المشابهة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافًا وإن بعد المكان والزمان وهذا أمر محسوس بل إنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في الأمور الدينية، أو التهنئة بعيد الكريسماس الذي يدل على عقيدة دينية عند النصارى.

وقد يسأل سائل فيقول: ما الفرق بين حسن المعاملة والموالاة؟ أنا موظف مثلاً في شركة مديرها نصراني فما الفرق بين حسن المعاملة بين المدير والعامل، وبين الموالاة؟

أقول: إن الولاء شيء، والمعاملة شيء آخر، والأصل في هذا قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، وقد اختلف المفسرون في هذه الآية وأرجح الأقوال كما قال ابن جرير هو: أن الله لا ينهاكم عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتقسطوا إليهم، لأن الله عزَّ وجلَّ عم بقوله: { الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ }، لأن بر المؤمن أحدًا من أهل الحرب ممن بينه وبين قرابة أو نسب أو ممن لا قرابة بينهما ولا نسب غير محرم ولا منهيٍّ عنه إذا لم يكبر في ذلك دلالة على الحب والولاء القلبي.


ومما يزيد الأمر إيضاحًا حديث أسماء بنت أبي بكر في البخاري ومسلم لما زارتها أمها وكانت لا تزال مشركة.
قال ابن حجر: البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتواد المنهي عنه بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة:22]، ومن هنا يتضح لنا أيها الأخوان في الله: أن الموالاة الممثلة في الحب والنصرة للكافر شيء، وأن النفقة والصلة والإحسان للأقارب الكفار أو الجيران من أجل إسلامهم شيء آخر.

وأقول لمن يتهم الإسلام ويميع الدين ويقول: لماذا لا أهنئ الكفار بعيده؟
أقول له: إن الإسلام دين سلامٍ وعقيدة حبٍ، ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين، وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك، وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك، وعدالة المعاملة انتظارًا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير أن ينضووا تحت لوائه الرفيع، ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس فتتجه هذا الاتجاه المستقيم.

وليعلم المسلم أن التسامح يكون في المعاملات الشخصية من براء وشراء وإحسان ووظيفة، لا في التصور الاعتقادي، ولا في النظام الاجتماعي، والمسلم مأمور بأن يتعامل مع اليهود والنصارى، وهو مطالب بإحسان معاملتهم ما لم يؤذوه في الدين، ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن، ولذلك فإن حسن المعاملة، وجواز النكاح باليهودية والنصرانية ليس معناه الولاء والتناصر في الدين بتهنئتهم بأعيادهم، وليس معناه الاعتراف ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم دون الإيمان به، وليس بأن يكون الإسلام معه في جهة واحدة لمقاومة الإلحاد، كلا، فهذا لا يقبله الله، إن الإسلام جاء ليصحح عقائد أهل الكتاب، كما جاء ليصحح عقائد الوثنيين سواء، ويدعوهم إلى الإسلام جميعًا، لأن الإسلام هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعًا { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، وإذا تقررت هذه البديهية فيعرف المسلم أن حسن المعاملة ليس معناه الولاء.


نماذج من صور الولاء والبراء:

1- من قصة كعب بن مالك: أنظر إلى هذه العظمة، وهذا الصدق في الولاء والحب للإسلام والمسلمين، لم يقل كعبٌ: هجرني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو مصالحي الشخصية تلتقي مع مصالح ملك غسان، كلا.

2- وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي: دلالة واضحة على عمق الولاء للدين، ورسوخ العقيدة في قلبه.

3- قصة قتل أبي عبيدة لأبيه في غزوة بدر أعظم أثرًا، فلم تمنعه صلة الأبوة من تنفيذ الولاء والنصرة والدين والجهاد، والبراء لعدو الله الذي رضي أن يكون مع الكافرين.

4- زيد بن الدثنة: نموذج للحب والتفاني والولاء لله ورسوله.

5- موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من والده بعد الرجوع من غزوة المريسيع عندما منعه من دخول المدينة إلا بعد أن يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم له بدخولها.

6- موقف مصعب بن عمير من أمه لما منعت عنه الكسوة والطعام والنفقة.


وبعد هذه الأمثلة الرائعة الفذة من سيرة سلفنا الصالح، وبمناسبة الحديث عن قضية الولاء والبراء أنبه على أمر مهم انتشر في حياتنا المعاصرة ألا وهو تهنئة الكفار والنصارى بعيد الكريسماس، فليعلم المسلم:

أن تهنئة النصارى بعيد الكريسماس أو شعائر المختصة بهم أن ذلك حرام باتفاق المسلمين جميعًا، وذلك مثل أن يهنأهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو نهنأ بهذا العيد فهذا معلوم إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس ونحوه، كما قال العلماء: «وقد سئل مجموعة من العلماء هذا السؤال: ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس: وكيف نرد عليهم إذا هنئونا بها، وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة، وهل نأثم إذا فعل الإنسان شيئًا من ذلك بغير قصد، وإنما فعله مجاملة أو حياء وإحراجًا أو غير ذلك من الأسباب؟ فأجاب العلماء: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس حرام بالاتفاق، لأن في ذلك إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضًى به لهم، وإن هو المسلم لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر، أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك قال تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الزمر:7].


وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أو لا، وإذا هنئونا بأعيادهم فلا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نسخت دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم وإلى جميع الخلق، وقال الله فيه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ} [آل عمران:85].


وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئته بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فهُوَ مِنْهُمْ »، لأن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهار الفرص، واستذلال الضعفاء.

ومن فعل شيئًا من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو توددًا أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار، وفخرهم بدينهم»
.
[أ.
هـ الفتوى]
.

اللهم جنبنا الشرك وأهله، اللهم لا تجعلنا ممن يتشبهون بأعدائك، اللهم احفظ المسلمين من كل ما يخدش عقيدتهم ودينهم، اللهم آمين.

 


شارك الخبر

المرئيات-١