مكانة المرأة في الإسلام


الحلقة مفرغة

الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض فكل الحمد لك. اللهم لك الشكر ملء السماوات والأرض فكل الشكر لك، نحمدك على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن، ونحمدك على أن هديتنا للإسلام وجعلتنا من أمة خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه، نشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الدقائق في ميزان الحسنات في يوم تعز فيه الحسنات في يوم الحسرات، وأن يجعل من تسبب في ذلك بشيء قليل أو كثير يجعل هذه في ميزانه وأن يجعلها له من الباقيات الصالحات هو ولي ذلك والقادر عليه.

أيتها الأخوات المؤمنات: إدارة ومعلمات وطالبات ومنسوبات، أوصيكن ونفسي بتقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً تبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] ..يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل:111] .. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30] يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور.

يوم تبلى السرائر وتنكشف الضمائر، يوم الحاقة والطامة والقارعة والزلزلة والصاخة: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

أيتها الأخوات: من أنتن لولا الإسلام والإيمان والقرآن؟

أنتن بالإسلام وبالإيمان والقرآن شيء وبدونها والله لا شيء، ولعلكنَّ تُعِرنني أسماعكنَّ قليلاً، لتعرفن تلك النعمة التي أنتنَّ تعِشْنَها في هذه الأيام، يوم تسمعْن لحال المرأة في عصور الجاهلية، وأنتنَّ تتبوأن نعمة الهداية، كيف كانت المرأة؟

حال المرأة قبل الإسلام

كانت المرأة سلعة تُباع وتُشترى، يُتشاءم منها وتُزدرى، تُبَاع كالبهيمة والمتاع، تُكْرَه على الزواج والبِغَاء، تُورث ولا تَرث، تُملَك ولا تَمْلِك، للزوج حق التصرف في مالها -إن ملكت مالها- بدون إذنها، بل لقد اُخْتلِفَ فيها في بعض الجاهليات، هل هي إنسان ذو نفس وروح كالرجل أم لا؟

ويقرر أحد المجامع الروسية أنها حيوان نَجِس يجب عليه الخدمة فحسب، فهي ككلب عَقُور، تُمنَع من الضَّحِك أيضاً؛ لأنها أحبولة شيطان، وتتعدد الجاهليات، والنهاية والنتيجة واحدة.

جاهلية تبيح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها في مهدها، ثم لا قِصاص ولا قَصاص في من قتلها ولا دِيَة، إن بُشِّر بها ظلَّ وجهه مسوداً وهو كظيم: يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:59].

وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزاً وماءً كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.

وعند الهنود الوثنيين عُبَّاد البقر: يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق.

وعند بعض النصارى: أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، هذا كله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

فهل أتاكنَّ أيتها المؤمنات المسلمات القانتات، بل هل أتاكنَّ يا بنات حواء في هذا العالم كله أنباء ما جاء به نبي الرحمة والهدى محمد صلى الله عليه وسلم من التعاليم في حقِّكنَّ فحمدتنَّ الله على ما تبوأتنَّ به من هذه النعمة؟

حال المرأة في الإسلام

بعد تلك المهانة والذِلَّة يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرفع مكانة المرأة، وليُعلي شأنها، فإذا به صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] .. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] .. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] صفات صالحة في الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر في جانبها النساء، والطالحة كذلك. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ [التوبة:71] .. وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] .. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [لمائدة:38] .. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2].

وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مدة ليست باليسيرة يقول: {إنما النساء شقائق الرجال} وإذا به صلى الله عليه وسلم بعدها يقول في خطبته الشهيرة: {استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عَوَان} يعني: أسيرات.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم رافعاً شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع؛ خياركم خياركم لنسائهم: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} صلوات الله وسلامه عليه، يأتيه ابن عاصم المنقري ؛ ليحدثه عن ضحاياه من الموءودات، وعن جهله المُطْبِق فيقول: {لقد وأدت يا رسول الله اثنتي عشرة منهن، فيقول صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم، من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله عز وجل بها الجنة}.

ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه: {من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه}.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

أمٌّ مكرَّمَة مع الأب، أُمِرْنَا بحسن القول لهما: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] وحسن الرعاية: وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] وحسن الاستماع إليهما والخطاب: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً [الإسراء:23] وحسن الدعاء لهما: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24].

أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ: {من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك}.

يأتي جاهمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد في سبيل الله من اليمن، قد قطع الوِهَاد والنجاد حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم: {هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

بل أوصى صلى الله عليه وسلم بالأم وإن كانت غير مسلمة، فها هي أسماء تقول: {قدمت أمي عليَّ وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصِلُها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. صِلي أمك}.

ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسئولة، وأرجو من الله -عز وجل- أن تكوني كذلك، فالأمل والله فيكن أيتها المؤمنات المتعلمات كبير، والمسئولية والله عليكن عظيمة وجسيمة.

فأنتن راعيات في المدارس، راعيات في البيوت، فلتكنَّ قدوات: قدوات في المظاهر، وقدوات في المخابر، قدوات في القول، وفي العمل، وفي كل أمورِكن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفع شأنكن بهذا الدين يقول: {وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشاً لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة}.

منذ بزوغ فجر الرسالة -يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، وتشد من عزمه، وتقوي همَّته، وتناصره. تحفظه إن غاب، وتسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها في شرف الدعوة إلى الله عز وجل.

وتنال نصيبها من الإيذاء في سبيل الله.

فها هي سمية ما سمية؟!

سمية أول شهيدة في الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون في الشمس في رمضاء مكة ، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟!

ثم يمرُّ صلى الله عليه وسلم وهم يُعذَّبون بـالأبطح ، وهو في بداية دعوته لا يملك لنفسه شيئاً بل لا يملك ما يدفع به عنهم وعنها، فيقول: {اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة} وذات يوم بالعشي يأتي أبو جهل إلى سمية ، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهي ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما رنت عينها مباشرة إلى جِنَانٍ زاكية، وإلى منازل ذاكية، في دار النعيم والرِّضوان والتكريم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، نظرت إلى هناك ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة في موطن عِفَّتِها، لم يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا، لتسقط فتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبه أبناؤه، ويشاء الله أن يعيش ابنها عمار حتى يرى قاتل أمه يوم بدر مجندلاً على الأرض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: {قتل الله قاتل أمك يا عمار ، قتل الله قاتل أمك يا عمار}.

جاهلية تعيشها المرأة في هذا القرن

أخواتي المؤمنات؛ ونَعِمَت المرأة في ظل الإسلام قروناً، ولا زالت تنعم بذلك حتى جاءت جاهلية هذا القرن والذي قبله، فوأدت المرأة وأداً معنوياً، أشد خطراً من وأد الجاهلية؛ فإن الموءودة في الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أما موءودة هذا القرن فهي التي وأدت نفسها، وباعت عفَّتها، وأهدرت حياءها، فلا تجد الجنة، ولا تجد ريحها، كاسية عارية، مائلة مُمِيلة، لا تجد عرف الجنة، وإن ريح الجنة ليوجد من مسافة كذا وكذا.

أصغت بأذنها إلى الدعاة على أبواب جهنم، فقذفوها في جهنم، فشقيت وخسرت دنياها وأخراها، فهي تعض أصابع الندم هنا ويوم القيامة، نسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنَّا، وعن العاصيات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

يا أمَةَ الله! تجيء جاهلية هذا القرن في صور متعددة؛ في صورة المشفق عليك، الضاحك ظاهراً، وهو يريد قتلك باطناً.

إذا رأيت نِيُوبَ اللَّيثِ بارزةً     فلا تظنِّي أنَّ اللَّيث يبتسمُ

جاءت هذه الجاهلية في صورة المشفق عن طريق مجلة، أو عن طريق صفحة جريدة، أو أغنية فاجرة، أو مسلسل، أو تمثيلية، أو جهاز استقبال، يريدون منكِ أن تكوني عاهرة، سافرة، فاجرة، يريدون أن تكوني بهيمة في مِسْلاخِ بشر، حاشاك يا بنة الإسلام! ويا حفيدة سمية وأسماء !

اسمعي لقائلهم سمع اعتبار يوم يقول، وهو أحد الكفار الذي يتربص بك وبأخواتك وبالمؤمنين الدوائر يقول: لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويُغطَّى به القرآن، وحتى تؤتى الفواحش والمنكرات. وخاب وخَسِر.

ويقول الآخر:

مزِّقيه مزِّقيه بلا ريث     فقد كان حارساً كذاباً

يخاطب بذلك الحجاب.

ويقول الآخر: إلى متى تحملين هذه الخيمة؟

ويقول آخر: ينبغي أن تبحثي عن قائد يقودك إلى المدرسة والكليَّة.

ويقول آخر: لابد أن نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا، ونخلِّصها من قيود الدين. خاب وخسر.

ويقول الآخر: إن الحجاب خاص بزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأين تنطلي مثل هذه الأمور؟ وأين هذا من القرآن؟

إنه لم يعرف القرآن، ولو عرف القرآن لقرأ قول الله في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59].

ويقول أحدهم -وهو قاسم أمين ، من الذين تأثروا بالغرب-: إن الحجاب ضرر على المرأة؛ فهو معرقل لحياتها اليومية.

يضرب بالآيات عرض الحائط، ويحكِّم عقله، وينظر إلى الغرب الهائم؛ فعامله الله عز وجل بما يستحق.

وآخر يقول: كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوهم في الشهوات والملذَّات.

كيف جاءت هذه الأمور؟

إنها لم تأتنا إلا من أعداء الإسلام، على طريقة من؟! على طريقة الذين رُبُّوا على أفكار أولئك.

يخرج سعد زغلول منفياً مُرتباً له من مصر إلى بريطانيا أيام الاحتلال، ليعود من هناك وهو بطل وزعيم وطني قومي -وقد رُتِّب له الأمر- فإذا بسرادق النساء في استقباله، وإذا بزوجته صفية زغلول -انتسبت إليه، ولا تنسب إلى أبيها على طريقة الغربيات الكافرات- تأتي معه على ظهر الباخرة، وتصل إلى هناك، ولمَّا وصلت إلى هناك، وجاءوا لاستقباله -إذ الأمر مرتب- ينزل وينطلق مباشرة إلى سرادق النساء، إلى سرادق الحريم المحجبات فتقوم هدى شعراوي -عاملها الله بما تستحق- تقوم إليه محجبة، فينطلق إليها ليمد يده -وقد مدَّ اليهودي قبل ذلك يده فدفع ثمن ذلك نفسه- يمد يده إلى حجابها ويرفع ذلك، وهي تضحك وتصفِّق، وهو يضحك ويصفِّق، ثم يصفقن النساء لِيُعْلِنَّ الرَّذيلة من ذلك اليوم، وليبدأنَ في تقليد الكافرات، هذا هو عمله، فماذا فعلت التي قامت بالدور بعد ذلك هدى وصفية ؟

انطلقا في مظاهرة ظاهرها وهدفها مناوأة الاحتلال الإنجليزي، وانطلقا إلى ميدان الإسماعيلية ، ليقفا في ذلك الميدان محجبات سود كالغربان، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لحاجة في نفسهن، رمين الحجاب ودُسْنَهُ بالأقدام، ثم أحرقْنَه في تلك الساحات، ليُعلنَّ التمرد على القيم والأخلاق الإسلامية، فماذا كان بعد ذلك؟!

حصل في مصر ما حصل ، حصل فيها أن بدأ التغريب هناك على يد هؤلاء، وبين أيادي المؤمنات، وعلى مرأى المسلمين والمسلمات، ماذا حصل؟!

انطلقوا مباشرة فإذا بالرجل ينطلق إلى جنب المرأة مباشرة، وإذا به يعمل معها، وإذا به يخالطها في المدرسة تلميذاً ومعلِّماً فيما بعد، وإذا بالأمور تنفرط ليس هناك فحسب، بل تدب العدوى إلى بلاد عربية، حتى يكاد لا يَسْلَم من ذلك بلد إلا من رحم الله، وقليل ما هم.

وإذا بنا نئن ونشكو من اختلاط ، ورذيلة. ومن طهر وعفاف يوأد، وإذا الفساد ينتشر، وإذا الداعية يصيح هنا وهناك، فإذا الآذان صُمَّت، واتجهت تقلِّد الغرب حتى في لباسها، قامت تقلدهم في الموضة والأزياء.

جاءت هذه الصرعات فاستنفذت البيوت واستنفذت ميزانيات الأسر، حتى إنك لترى التي بلغت الخامسة عشرة لا زال لباسها من فوق ركبتها، وتقول: لازلت صغيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وما -والله- ذكرت من هؤلاء، سواء هدىأو قاسم أو زغلول أو غيرهم من الدعاة هنا وهناك إلا نماذج للدعاة على أبواب جهنم الذين ألقوا بحجابهم وداسوه بالأقدام، إنما يتَحَدَّوْن مشاعر المسلمين، والذين يكتبون لتحرير المرأة، والذين وقفوا بذلك الميدان وسموه: ميدان التحرير إنما هو التحرر من الفضيلة والخُلُق والطُّهر ولاشك، يكتبون والله يكتب ما يُبيِّتون هم وأذنابهم إلى يوم يبعثون: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] .. فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

أختي المؤمنة: هل لهؤلاء ومن على أدرابهم من الكُتَّاب والراقصات والعاهرات أهلٌ لأن يَكُنَّ قدوة للصالحات المؤمنات القانتات الصابرات الخاشعات؟

نعوذ بالله من الانتكاس، ونسأل الله الثبات حتى الممات.

أنتِ الطهر، وأنتِ الفضيلة، وأنت السُّمُو، والطهر لا يقتدي بالرِّجس والمهين، والفضيلة لا تقتدي بالرذيلة، والسمو لا يقتدي بالسُّفْل. خابوا وخسروا وتعسوا وانتكسوا. أغيظيهم وقولي بلسان حالك ومقالك:

دعهم يعضوا على صُمِّ الحَصَى كمداً     من مات من غيظه منهم له كفن

كانت المرأة سلعة تُباع وتُشترى، يُتشاءم منها وتُزدرى، تُبَاع كالبهيمة والمتاع، تُكْرَه على الزواج والبِغَاء، تُورث ولا تَرث، تُملَك ولا تَمْلِك، للزوج حق التصرف في مالها -إن ملكت مالها- بدون إذنها، بل لقد اُخْتلِفَ فيها في بعض الجاهليات، هل هي إنسان ذو نفس وروح كالرجل أم لا؟

ويقرر أحد المجامع الروسية أنها حيوان نَجِس يجب عليه الخدمة فحسب، فهي ككلب عَقُور، تُمنَع من الضَّحِك أيضاً؛ لأنها أحبولة شيطان، وتتعدد الجاهليات، والنهاية والنتيجة واحدة.

جاهلية تبيح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها في مهدها، ثم لا قِصاص ولا قَصاص في من قتلها ولا دِيَة، إن بُشِّر بها ظلَّ وجهه مسوداً وهو كظيم: يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:59].

وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزاً وماءً كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.

وعند الهنود الوثنيين عُبَّاد البقر: يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق.

وعند بعض النصارى: أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، هذا كله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

فهل أتاكنَّ أيتها المؤمنات المسلمات القانتات، بل هل أتاكنَّ يا بنات حواء في هذا العالم كله أنباء ما جاء به نبي الرحمة والهدى محمد صلى الله عليه وسلم من التعاليم في حقِّكنَّ فحمدتنَّ الله على ما تبوأتنَّ به من هذه النعمة؟

بعد تلك المهانة والذِلَّة يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرفع مكانة المرأة، وليُعلي شأنها، فإذا به صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] .. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] .. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] صفات صالحة في الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر في جانبها النساء، والطالحة كذلك. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ [التوبة:71] .. وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] .. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [لمائدة:38] .. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2].

وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مدة ليست باليسيرة يقول: {إنما النساء شقائق الرجال} وإذا به صلى الله عليه وسلم بعدها يقول في خطبته الشهيرة: {استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عَوَان} يعني: أسيرات.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم رافعاً شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع؛ خياركم خياركم لنسائهم: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} صلوات الله وسلامه عليه، يأتيه ابن عاصم المنقري ؛ ليحدثه عن ضحاياه من الموءودات، وعن جهله المُطْبِق فيقول: {لقد وأدت يا رسول الله اثنتي عشرة منهن، فيقول صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم، من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله عز وجل بها الجنة}.

ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه: {من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه}.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

أمٌّ مكرَّمَة مع الأب، أُمِرْنَا بحسن القول لهما: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] وحسن الرعاية: وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] وحسن الاستماع إليهما والخطاب: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً [الإسراء:23] وحسن الدعاء لهما: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24].

أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ: {من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك}.

يأتي جاهمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد في سبيل الله من اليمن، قد قطع الوِهَاد والنجاد حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم: {هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

بل أوصى صلى الله عليه وسلم بالأم وإن كانت غير مسلمة، فها هي أسماء تقول: {قدمت أمي عليَّ وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصِلُها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. صِلي أمك}.

ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسئولة، وأرجو من الله -عز وجل- أن تكوني كذلك، فالأمل والله فيكن أيتها المؤمنات المتعلمات كبير، والمسئولية والله عليكن عظيمة وجسيمة.

فأنتن راعيات في المدارس، راعيات في البيوت، فلتكنَّ قدوات: قدوات في المظاهر، وقدوات في المخابر، قدوات في القول، وفي العمل، وفي كل أمورِكن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفع شأنكن بهذا الدين يقول: {وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشاً لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة}.

منذ بزوغ فجر الرسالة -يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، وتشد من عزمه، وتقوي همَّته، وتناصره. تحفظه إن غاب، وتسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها في شرف الدعوة إلى الله عز وجل.

وتنال نصيبها من الإيذاء في سبيل الله.

فها هي سمية ما سمية؟!

سمية أول شهيدة في الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون في الشمس في رمضاء مكة ، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟!

ثم يمرُّ صلى الله عليه وسلم وهم يُعذَّبون بـالأبطح ، وهو في بداية دعوته لا يملك لنفسه شيئاً بل لا يملك ما يدفع به عنهم وعنها، فيقول: {اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة} وذات يوم بالعشي يأتي أبو جهل إلى سمية ، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهي ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما رنت عينها مباشرة إلى جِنَانٍ زاكية، وإلى منازل ذاكية، في دار النعيم والرِّضوان والتكريم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، نظرت إلى هناك ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة في موطن عِفَّتِها، لم يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا، لتسقط فتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبه أبناؤه، ويشاء الله أن يعيش ابنها عمار حتى يرى قاتل أمه يوم بدر مجندلاً على الأرض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: {قتل الله قاتل أمك يا عمار ، قتل الله قاتل أمك يا عمار}.




استمع المزيد من الشيخ علي بن عبد الخالق القرني - عنوان الحلقة اسٌتمع
صور وعبر 2800 استماع
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا 2672 استماع
الإكليل في حق الخليل 2494 استماع
هلموا إلى القرآن 2491 استماع
أرعد وأبرق يا سخيف 2405 استماع
هكذا علمتني الحياة [2] 2403 استماع
أين المفر 2324 استماع
اسألوا التاريخ 2264 استماع
حقيقة الكلمة 2240 استماع
الأمر بالمعروف 2200 استماع