العدة شرح العمدة [41]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وأسأل الله عز وجل بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجمعنا سوياً مع سيد الأنبياء والمرسلين في الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وقبل أن نبدأ في رحلتنا مع دروس الفقه من كتاب العدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي ، ومع كتاب الحج والعمرة، يسعدنا أن نبدأ هذا اللقاء بكلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام: مما لا شك فيه أن الزواج من سنن الله عز وجل في خلقه، قال عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، ولكن الحديث في عجالة سيدور حول أسس اختيار الزوجة، والمعايير التي ينبغي على الشاب المسلم أن يضعها نصب عينه وهو يختار الزوجة؛ لأن الزوجة سكن، وهي حسنة الدنيا على رأي بعض المفسرين في قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، فحسنة الدنيا قال بعضهم: هي المرأة الصالحة؛ لأن المرأة إذا صلحت صلحت بها المجتمعات، وإذا فسدت المرأة تفسد بها المجتمعات؛ ولأن أعداءنا يعلمون تلك الحقيقة راحوا يخططون ويمكرون بالمرأة ليل نهار، وراحوا يفسدونها ويخرجونها عن حيائها وعن عفافها؛ ليعم الفساد والبلاء، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). أسس اختيار المرأة في الإسلام يقوم على معايير وضعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الشباب من يبحث عن الجمال ويضع له شروطاً يضيق بها على نفسه، فتراه يريدها طويلة بيضاء البشرة صفراء الشعر زرقاء العينين ممشوقة القوام .. إلى غير ذلك، يشدد فيشدد الله عليه، ومن الناس من يبحث عن ذات المال فيبحث عن مالها كم هو؟ وإن قدر الله لأبيها الموت فماذا سترث بعد موته، ومن الناس من يبحث عن الجاه والحسب فيخطب من عائلة فلان ويضع اسم العائلة نصب عينه، ومن الناس من يبحث عن الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، والفائز بين هؤلاء جميعاً هو الذي يبحث عن دينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وخير ما ينال المرء بعد تقوى الله المرأة الصالحة، كما جاء في بعض الآثار.

الزواج إيجاب وقبول، قال تعالى عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص:27]، هذا إيجاب؛ لأن ولي أمر المرأة هو الذي بدأ بالعرض، وموسى عليه السلام وافق، ولذلك الإمام البخاري يبوب في صحيحه باب: الرجل يعرض ابنته على الرجل الصالح، فيجوز لك أن تعرض ابنتك على رجل صالح تثق في دينه، فهذا كنز يا عبد الله! ولكن في عرفنا إن قال أحد لآخر: عندي أخت أو عندي بنت قالوا: يدلل عليها؛ لأنها سلعة راكدة، أما يستحي قائل هذا؟! فيا عبد الله! هذا هو الشرع، يجوز للرجل أن يعرض ابنته على الرجل الصالح، وقد فعل هذا عمر ؛ فإنه لما مات زوج حفصة ذهب يعرضها على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فعرضها أول ما عرضها على أبي بكر ، فأعرض الصديق ولم يجب بنعم أو بلا، ثم عرضها من بعد أبي بكر على عثمان ذي النورين رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين.

يقول صاحب مسلسل رجل الأقدار: أنا لا أحب عمرو بن العاص ، فنقول له: من أنت حتى تحب أم تكره أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن تلك الألسنة أو تلك الأسماء إذا ما ذكرناها نحتاج إلى أن نتمضمض سبع مرات من ذكرها، فهذا يقول: إنه لا يحب عمرو بن العاص ! فهل تعلم أن بغض أصحاب رسول الله من النفاق وحبهم من الإيمان، فمن أنت يا عبد الله! حتى تعلن أمام كل الجمهور الحضور أن شخصية عمرو شخصية استبدادية وشخصية أثرت بكذا، وأنا لا أحبه بل أكرهه؟! فاتق الله! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ، وقال الله في حقهم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، وقال الله في حقهم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، قال ابن الجوزي في زاد المسير: كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ لأن الله اصطفاه واصطفى له أصحاباً.

ومن عقيدة أهل السنة: أن نكف عما شجر بينهم من خلاف؛ لأنهم في الحالتين أجروا؛ المجتهد فيهم إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ له أجر.

وهذا الأمر هو الذي دفع الشيخ المغراوي حفظه الله -من المغرب العربي- أن يؤلف رسالة في هذا؛ فإنه رأى أن الكثير بدأ يسب سيدنا معاوية بن أبي سفيان وهو أحد كتبة الوحي، فألف رسالة سماها: (من سب معاوية فأمه هاوية)، نعم من سب معاوية فأمه هاوية؛ لأن معاوية أحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.

أقول: ثم عرضها عمر بعد ذلك على عثمان رضي الله عنه فاعتذر عثمان اعتذاراً واضحاً، أما الصديق فعلق المسألة، فقابله عمر بعد أن خطبها النبي فقال له الصديق : لعلك وجدت في نفسك مني؟ قال: أنت لم تجب بنعم ولا بلا، فقال: يا عمر ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها لنفسه فأردت ألا أفشي سر رسول الله، فكانت حفصة من نصيب سيد البشر عليه الصلاة والسلام، وإحدى زوجاته، فـعمر يوم أن عرض ابنته حفصة على الصديق وعلى عثمان كان يلتمس صاحب الدين، ومن بعد أبي بكر وعثمان ذي النورين الذي طعن فيه من طعن في زمننا هذا؟ بل إن بعض الكتاب الذين أفضوا إلى ما قدموا وقعوا فيه، وهذا الأمر هو الذي دفع علماء السلف إلى أن يبرئوا ساحة عثمان ذي النورين الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام في حقه في حادثة جيش العسرة: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم)، وقال: (لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان)، وقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟)، فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله، ولعنة الله على أهل النفاق الذين يخوضون فيهم ويقعون في أعراضهم.

استحباب الغسل عند الإحرام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإحرام: من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ].

كلمة (استحب) تشير إلى أن غسل الإحرام مستحب، أي: أنه من فعله أثيب، ومن لم يفعله فلا شيء عليه، فإذا أراد أن يحرم يغتسل غسل الإحرام، والدليل على الغسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس لما نفست -يعني: أصابها النفاس- أن تغتسل عند الإحرام) ، رواه مسلم .

وفي الحديث: (أنه دخل على عائشة في ذي الحليفة -وهو ميقات أهل المدينة- في حجة الوداع ووجدها تبكي، فقال: ما لكِ يا عائش ! أنفست؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: ذلك أمر قدره الله على بنات آدم، افعلي كل ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وأمرها بالغسل.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [ وأمر أسماء بنت عميس أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض ] أي: أن المرأة إذا حاضت عليها أن تغتسل غسل الإحرام لا غسل رفع الحيض، شأنها شأن سائر الحجاج..

قال: [ وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل) ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ].

أول أمر للمحرم: يستحب له أن يغتسل.

استحباب التنظف عند الإحرام

ثانياً: ويستحب له أن يتنظف بإزالة الشعر، وقطع الرائحة، وحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر .. ونحو ذلك؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال أشبه بالجمعة.ويسن له الطيب؛ لأنه مكان يجتمع الناس فيه أشبه بالجمعة، إذاً بعد الغسل يتنظف بإزالة شعر الإبط، وبإزالة شعر العانة، وبتقليم الأظافر، وبأن يتتبع بالماء والرائحة الطيبة المغابن؛ لأنه يقدم على ربه للطواف، فيتنظف ويتطيب، والعلة في الطيب متحدة مع الجمعة، فالجمعة يتطيب فيها؛ لأنها اجتماع، والحج كذلك اجتماع أكبر، فالغسل والتنظف والطيب له مطلوب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام، إنما يضع الطيب في المفارق وعلى اللحية وعلى شعر الرأس.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام بعد إحرامه تفوح رائحة المسك من مفارقه صلى الله عليه وسلم، فالمحذور على المحرم أن يتطيب بعد الإحرام، أما قبل الإحرام فله أن يتطيب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام.

صفة لباس المحرم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين ].

المخيط هو: ما فصل على الجسد، وبعض الناس يعتقد أن المخيط: كل شيء فيه خيط، وهذا كلام لا ينتمي إلى العلم بصلة، فالإزار الذي يلبس للإحرام فيه خيط لكنه غير مخيط؛ لأن المخيط هو ما فصل على هيئة الجسد، فالمحرم يتجرد من المخيط، وبعض الناس يلبس (الشورت) تحت الإزار ويظن أنه لا بأس بذلك، فلابد أن الرجل يتجرد عارياً تماماً ثم يلبس الإزار ويلبس الرداء وليس تحتهما شيء على الإطلاق؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)، والإزار هو الأسفل، والرداء هو الأعلى، والنعلان للقدمين، فإن لم يجد النعلين فبخف، لكنه يقطعهما بحيث يكونا تحت الكعبين، والكعبان هما النتوآن في جانب القدم، النتوء الذي في القدم يميناً ويساراً اسمه الكعب، إذاً: أي نعل أو خف تحت الكعب يجوز أن تحرم فيه ولا بأس.

أما بالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تحرم في كل شيء إلا ملابس تشابه ملابس الرجال، فتحرم في ملابسها، قال ابن عباس : إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها، يريد بذلك: أن الرجل لا يجوز له أن يغطي رأسه وهو محرم، كما أن المرأة لا يجوز لها أن تغطي الوجه إلا إذا خالطت الرجال، والأصل الآن أنها تخالط الرجال، فنقول لها: غطي الوجه شريطة ألا يمس النقاب الوجه، هذا هو الذي قاله العلماء.

والآن هناك ملابس إحرام جديدة يجعلون فيها من الداخل بطانة داخلية على شكل سروال داخلي، فإن كان الإحرام يفصل على الجسد فلا يجوز، لكن إن كان ما يوضع تحت عبارة عن بطانة للإحرام فلا بأس به، فما فصل على أعضاء الجسد فلا يجوز، فالأولى أن يترك هذا الإحرام الذي يكون بهذا الوصف ويباع في الأسواق.

والخمار لا يمس وجه المرأة، وذلك بأن تلبس شيئاً تطرده عن وجهها، وإذا جاء الهواء ولامس الوجه فلا بأس، إنما الأصل أن تبعده عن الوجه في حال الإحرام.

قال: [ إذا لم يجد إزاراً لبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين ].

يعني: أن السروال يجوز أن تحرم فيه، لكن السروال غير المفصل على هيئة الجسد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم يصلي ركعتين ]. بعض الناس يظن أنهما ركعتا الإحرام، وليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام.

استحباب صلاة ركعتين عند الإحرام وبيان وقت الإحرام

قال الشارح رحمه الله: [ ثم يصلي ركعتين، ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة ].

بمعنى: أنه إذا اغتسل وتنظف وتطيب ولبس ملابس الإحرام يصلي إما الفريضة إذا حان وقت الفريضة وإما أن يصلي ركعتين مسببتين كتحية المسجد، أو سنة الوضوء، لكن ليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام، وبعض الناس بعد الوضوء يقول: ماذا نصلي؟ فنقول: الأمر يسير، فطالما توضأت صل سنة الوضوء، لكن لا تقل: أصلي ركعتين سنة الإحرام، فليس هناك ما يسمى بسنة الإحرام.

قال الشارح: [ ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت مكتوبة صلاها وأحرم عقبها، وإلا صلى ركعتين تطوعاً، وأحرم عقيبها.

قال الأثرم : قلت لـأبي عبد الله: أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقتك؟ قال: كل قد جاء في دبر الصلاة وإذا علا البيداء أو إذا استوت به الناقة، فوسع فيه كله ].

والمعنى: هناك فرق بين التهيؤ للإحرام وبين الإحرام، فالتنظف والاغتسال والتطيب ولبس ملابس الإحرام كل هذا تهيؤ للإحرام.

فكل ما كان قبل أن تقدم على الميقات هذا تهيؤ للإحرام، وأما الإحرام الحقيقي فيكون في الميقات، فكونك تلبي بحج وعمرة أو بحج فقط أو بعمرة فقط هذا كله في الميقات، وتحاسب على محظورات الإحرام بعد الميقات.

فبعد الميقات نحاسبك إذا ارتكبت محظوراً أما قبل ذلك فأنت في حل حتى وإن لبست ملابس الإحرام، فالعبرة بالميقات والتلبية فيه، وإذا كان سفر المحرم بطائرة فمعلوم أن الطائرة لن تقف، فيصلي ركعتين قبل أن يصعد الطائرة وبعد أن يلبس ملابس الإحرام.

قال: [ ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام بقلبه، ولا ينعقد الإحرام بغير نية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، ويكون عقيب الصلاة؛ لقول ابن مسعود : (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته) ]. والإحرام ركن، فلو أن رجلاً مر على الميقات ولم يحرم فإما أن يعود ويحرم من الميقات، وإما أن ينوي الإحرام بعد الميقات ويلزمه فدية؛ لأنه أحرم بعد الميقات.

فالإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، وإذا ترك الإحرام فسد الحج أو فسدت العمرة، وإذا ترك الإحرام من الميقات يجوز له أن يحرم بعد ذلك ويلزمه فدية، فأصل الإحرام ركن، لكن الإحرام من الميقات واجب، لذلك إن مر على الميقات ولم يحرم نقول له: أحرم من مكانك ويلزمك دم؛ لأنك أحرمت بعد الميقات، وأصل الإحرام ركن، ولذلك هناك فرق بين أركان الحج وواجبات الحج، وفرق بين أركان العمرة وواجبات العمرة، وتجد البعض لم يفرق بين الاثنين، يقول: أركان العمرة: الإحرام من الميقات، وهذا خطأ، فإن الإحرام من الميقات واجب، والركن هو الإحرام نفسه، فكان يجب أن يفرق بين أصل الإحرام وبين الإحرام من الميقات، وهذا مما نبهنا إليه كثيراً.

استحباب النطق بنوع الإحرام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط ] يعني يقولها بلسانه حتى يسمع بها نفسه: لبيك عمرة أو لبيك حجاً أو لبيك حجاً وعمرة، يعني يقول: إن حج مفرداً: لبيك حجاً، وإن حج متمتعاً يقول: لبيك عمرة؛ لأنه سيؤدي العمرة ثم يتحلل ثم ينتظر إلى يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية فيحرم من جديد من مكانه بحج فيقول: لبيك حجاً، هذا هو التمتع، فإن حج قارناً يقول: لبيك حجاً وعمرة، فهنا قرن بين الاثنين.

ولا بد أن يحدد النسك في حال إحرامه من الميقات، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حج عن نفسه يقول: لبيك حجاً فاقبله مني، مثلاً، وإن حج عن غيره يقول: لبيك عن فلان، ويلبي عن الذي يحج عنه من الميقات، فلا بد أن يحدد.

ثم يشترط ويقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا يسميه العلماء: اشتراط، فيشترط عند إحرامه بحيث إذا حبسه حابس لا يلزمه فدية؛ لأنه اشترط عند إحرامه، فيقول: لبيك حجاً فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ويفيد الاشتراط أنه إذا أعاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فله التحلل ولا دم عليه ولا صوم، فإذا أعاقه عائق في الطريق، أو عرض له عارض كأن تمنعه الشرطة من دخول مكة، وكنفاد نفقته، وكانتهاء صلاحية التأشيرة، كل ذلك وارد فإن اشترط عند الإحرام يتحلل ولا شيء عليه، أما إن لم يشترط فيلزمه فدية.

قال: [ لما روى ابن عباس : أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: (قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت)، رواه مسلم .

وروت عائشة قالت (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير وهي شاكية -تشكو من مرض- فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) ].

قال بعض الفقهاء: إن الاشتراط يكون في حال الخوف والمرض، أما رجل لا يخاف من عدو وآمن وليس به مرض فلماذا يشترط؟

فـضباعة كانت تشتكي، فأمرها بالاشتراط، ومن ثم الاشتراط يكون لعلة، وطالما أنت في طائرة فإنك لا تدري ربما تعوق الطائرة ظروف جوية فتهبط أو تعود، وربما في المطار يمنعونك؛ لفساد التأشيرة، أو لكذا أو كذا، فطالما أنت في طريق لا تضمن فاشترط؛ حتى تخرج من الخلاف، وقل: لبيك عمرة، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.

ويشترط في الميقات، ولا عبرة بالاشتراط قبل الميقات، فحينما يقول قائد الطائرة: نحن على مقربة من الميقات، أو بقي على الميقات ربع ساعة، أو نحن الآن في الميقات، فعند محاذاة الميقات تقول: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ومن هذا الوقت يحاسب المحرم في ارتكاب المحظورات؛ لأنه أحرم من هذه اللحظة.

ولا يحرم قبل الميقات، جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم من الروضة قال: من أي البلاد أنت؟ قال: من المدينة، قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أحرم من روضة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام! إن هي إلا أميال أزيدها؟ فتلا مالك : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فالإحرام من الميقات سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

ولو أحرم قبل الميقات ولبى فإحرامه صحيح، لكنه خالف السنة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإحرام: من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ].

كلمة (استحب) تشير إلى أن غسل الإحرام مستحب، أي: أنه من فعله أثيب، ومن لم يفعله فلا شيء عليه، فإذا أراد أن يحرم يغتسل غسل الإحرام، والدليل على الغسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس لما نفست -يعني: أصابها النفاس- أن تغتسل عند الإحرام) ، رواه مسلم .

وفي الحديث: (أنه دخل على عائشة في ذي الحليفة -وهو ميقات أهل المدينة- في حجة الوداع ووجدها تبكي، فقال: ما لكِ يا عائش ! أنفست؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: ذلك أمر قدره الله على بنات آدم، افعلي كل ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وأمرها بالغسل.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [ وأمر أسماء بنت عميس أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض ] أي: أن المرأة إذا حاضت عليها أن تغتسل غسل الإحرام لا غسل رفع الحيض، شأنها شأن سائر الحجاج..

قال: [ وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل) ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ].

أول أمر للمحرم: يستحب له أن يغتسل.

ثانياً: ويستحب له أن يتنظف بإزالة الشعر، وقطع الرائحة، وحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر .. ونحو ذلك؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال أشبه بالجمعة.ويسن له الطيب؛ لأنه مكان يجتمع الناس فيه أشبه بالجمعة، إذاً بعد الغسل يتنظف بإزالة شعر الإبط، وبإزالة شعر العانة، وبتقليم الأظافر، وبأن يتتبع بالماء والرائحة الطيبة المغابن؛ لأنه يقدم على ربه للطواف، فيتنظف ويتطيب، والعلة في الطيب متحدة مع الجمعة، فالجمعة يتطيب فيها؛ لأنها اجتماع، والحج كذلك اجتماع أكبر، فالغسل والتنظف والطيب له مطلوب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام، إنما يضع الطيب في المفارق وعلى اللحية وعلى شعر الرأس.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام بعد إحرامه تفوح رائحة المسك من مفارقه صلى الله عليه وسلم، فالمحذور على المحرم أن يتطيب بعد الإحرام، أما قبل الإحرام فله أن يتطيب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام.




استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2666 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2615 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2592 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2514 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2472 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2372 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2334 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2330 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2297 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2233 استماع