شرح العقيدة الواسطية [28]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة.

ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء.

ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً).

ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك .

ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك .

وينهون عن الفخر، والخيلاء، والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق.

ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفاسفها.

وكل ما يقولونه أو يفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم.

لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)؛ صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة.

وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى؛ أولو المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال، وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة).

نسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.

والله أعلم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ].

هذا الفصل الأخير من هذه الرسالة المباركة هو في بيان المنهج التفصيلي لمسلك أهل السنة والجماعة؛ وذلك لأن في بيان المنهج التفصيلي تمييز أهل السنة والجماعة، وذلك أن الفصل الذي قبل هذا هو بيان للمنهج على وجه العموم، وهو اتباع الكتاب والسنة والإجماع، وبيان سبب وصفهم بهذين الوصفين، وتسميتهم بأهل السنة والجماعة.

منهج أهل السنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال رحمه الله: (ثم هم مع هذه الأصول) يعني: المتقدم ذكرها ، (يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر)، بدأ رحمه الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل غيره؛ لأنه السياج الذي تحفظ به الشريعة وتقام به الملة، وقد قدمه الله سبحانه وتعالى على غيره في عدة مواضع: ومن ذلك قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ثم ذكر من صفاتهم ما ذكر؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السياج الذي تحفظ به الأمة من الزيغ والضلال في العقائد والأعمال.

قال رحمه الله: [ يأمرون بالمعروف ]، المعروف: هو كل ما أمر الله به ورسوله إما أمر إيجاب أو أمر استحباب، والمنكر: هو كل ما نهى عنه الله ورسوله.

قال: [ على ما توجبه الشريعة ]، وهذا قيد مهم يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل تعتمده كثير من الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، لكن أهل السنة والجماعة اعتمدوا هذا الأصل وقيدوه بقيد مهم، وهو قوله رحمه الله: [ على ما توجبه الشريعة ]، أي: على الطريقة الشرعية، لا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن العواطف أو الأهواء أو الآراء المنحرفة عن الكتاب والسنة.. بل هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأهم ما يجب ملاحظته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هو أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعلم، وأن يكون برفق، وأن يكون معه صبر، هذه الأوصاف الثلاثة أوصاف ضرورية لكل آمر بالمعروف وناه عن المنكر: لابد من العلم حتى تميز بين المعروف والمنكر، ولابد من الرفق حتى يتحقق المقصود، ولابد من الصبر حتى تتحمل النتيجة؛ لأنه ما من إنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا ولابد أن يناله شيء من الأذى إما الأذى الحسي أو القولي والمعنوي.

منهج أهل السنة في التعامل مع الأمراء

قال: [ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً].

أتى بهذه المسألة بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليعلم كل أحد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس سبيلاً ولا وسيلة للخروج على ولاة الأمر الذين ولاهم الله أمر المسلمين؛ فمن جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة يخرج بها على ولاة الأمر فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة.. بل يجب أن يكون الأمر المعروف والنهي عن المنكر مع ملاحظة حقوق ولاة الأمر، وأنه لا يتخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة وسبباً لإسقاط الحقوق الواجبة لمن ولاه الله أمر المسلمين.

[يرون إقامة الحج] أي: يعتقدون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع أمراء المسلمين، [ أبراراً كانوا أو فجاراً ] يعني: على أي حال كانوا من الاستقامة وعدمها؛ لأن هذه الأمور لا تستقيم ولا تصلح إلا بالاجتماع على من ولاه الله أمر المسلمين.

فالحج لابد له من إمام يقود الناس ويرتب أمورهم، وكذلك الجهاد لابد له من إمام يتبع ويؤتمر بأمره حتى ينتظم الأمر، والجمع والأعياد كذلك، وهكذا كان الأمر في السابق، حيث كان الأمراء يتولون إمامة الجمع والأعياد، فكان السلف الصالح يصلون خلف الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً.

وقد جاء حديث في الأمر بإقامة الجهاد مع كل أمير براً كان أو فاجراً في مسند الإمام أحمد، والأحاديث التي فيها وجوب صيانة الأئمة وولاة الأمر وحفظ حقوقهم كثيرة جداً؛ حتى إن هذا الأمر أصبح من سمات أهل السنة والجماعة خلافاً لغيرهم كالرافضة الذين يرون الخروج على الأئمة بسبب الظلم، ويوافقهم على ذلك المعتزلة والخوارج، فهؤلاء طوائف يرون أن الإمام إذا ظلم أو جار كان ذلك سبباً للخروج عليه وتفسيقه والوقيعة فيه خلافاً لأهل السنة والجماعة؛ فإنهم يعملون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تغير الأمور، وأخبر أصحابه في عهده عليه الصلاة والسلام وقال: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فبماذا تأمرنا يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -الناصح الأمين-: أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم) .

فالواجب على المؤمن أن يؤدي الحق الذي عليه من السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، وأما ما له من حقوق فلا يجوز له أن يتظلم بالوقيعة، أو أن يخرج بقول أو فعل.. بل الواجب عليه أن يصبر، وأن يسأل الله حقه.

منهج أهل السنة في النصيحة للأمة

ثم قال رحمه الله: [ ويحافظون على الجماعات ].

الجماعات المقصود بها: الصلوات المفروضات، وهذا من أبرز ما اتسم به أهل السنة والجماعة خلافاً للرافضة الذين لا يرون إقامة الجمع والجماعات إلا وراء الإمام المعصوم.

قال: [ ويدينون بالنصيحة للأمة ].

النصيحة: المراد بها هنا بذل كل خير يعلمونه للأمة، وكف كل شر يعلمونه للأمة، فالنصيحة هي أن يضمر المؤمن الخير وأن يعمل به، وأن يسعى إلى تحقيقه، وأن يسعى إلى إزالة كل ما يعيق الخير.

قال: [ ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)].

هذا في أمر الدنيا، وكذلك الأمر في أمر الدين، بل هو في أمر الدين أعظم وآكد وأحق؛ لقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، والبر: اسم جامع لكل خير.

قال: [ وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)].

وهذا أيضاً يدل على ائتلاف المؤمنين واجتماعهم، وتوادهم، وتناصحهم، وهذان الدليلان يدلان على جميع الأصول المتقدمة من الأمر بالمعروف، وحفظ حقوق ولاة الأمر، وإقامة الصلوات، والنصيحة للأمة.

قال: [ ويأمرون بالصبر عند البلاء ].

سواء كان البلاء عاماً أو خاصاً.

[ والشكر عند الرخاء ].

سواء كان الرخاء عاماً أو خاصاً.

[ والرضا بمر القضاء ].

أي: بما يكرهونه من الأقدار والأقضية التي لا تلائم النفوس، يأمرونهم بالرضا بها، والرضا مرتبة عالية، والواجب هو الصبر لكن هم يأمرون بالرضا، فإن لم يحصل فلا أقل من الصبر.

قال رحمه الله: (ثم هم مع هذه الأصول) يعني: المتقدم ذكرها ، (يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر)، بدأ رحمه الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل غيره؛ لأنه السياج الذي تحفظ به الشريعة وتقام به الملة، وقد قدمه الله سبحانه وتعالى على غيره في عدة مواضع: ومن ذلك قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ثم ذكر من صفاتهم ما ذكر؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السياج الذي تحفظ به الأمة من الزيغ والضلال في العقائد والأعمال.

قال رحمه الله: [ يأمرون بالمعروف ]، المعروف: هو كل ما أمر الله به ورسوله إما أمر إيجاب أو أمر استحباب، والمنكر: هو كل ما نهى عنه الله ورسوله.

قال: [ على ما توجبه الشريعة ]، وهذا قيد مهم يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل تعتمده كثير من الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، لكن أهل السنة والجماعة اعتمدوا هذا الأصل وقيدوه بقيد مهم، وهو قوله رحمه الله: [ على ما توجبه الشريعة ]، أي: على الطريقة الشرعية، لا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن العواطف أو الأهواء أو الآراء المنحرفة عن الكتاب والسنة.. بل هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأهم ما يجب ملاحظته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هو أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعلم، وأن يكون برفق، وأن يكون معه صبر، هذه الأوصاف الثلاثة أوصاف ضرورية لكل آمر بالمعروف وناه عن المنكر: لابد من العلم حتى تميز بين المعروف والمنكر، ولابد من الرفق حتى يتحقق المقصود، ولابد من الصبر حتى تتحمل النتيجة؛ لأنه ما من إنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا ولابد أن يناله شيء من الأذى إما الأذى الحسي أو القولي والمعنوي.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الواسطية [16] 2355 استماع
شرح العقيدة الواسطية [3] 2195 استماع
شرح العقيدة الواسطية [21] 2136 استماع
شرح العقيدة الواسطية [6] 1986 استماع
شرح العقيدة الواسطية [25] 1910 استماع
شرح العقيدة الواسطية [2] 1898 استماع
شرح العقيدة الواسطية [18] 1864 استماع
شرح العقيدة الواسطية [12] 1846 استماع
شرح العقيدة الواسطية [24] 1822 استماع
شرح العقيدة الواسطية [19] 1740 استماع