شرح العقيدة الطحاوية [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:

[والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق وقد علم الله تعالى..].

الميثاق: مأخوذ من الوثاق فهو اسم مصدر، وأصله الشد والربط، من وثق الشيء وأوثق إذا شد وربط، فالميثاق: هو ما عقد الله جل وعلا الناس عليه، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى من آدم وذريته، وهو حق كما قال المؤلف رحمه الله، يدل على ذلك قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:173] فهاتان الآيتان فيها الإشارة إلى الميثاق الذي أخذه الله جل وعلا على الناس.

خلاف العلماء في حقيقة الميثاق

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حقيقة الميثاق، هل هو ما جاء في بعض الأحاديث كما في حديث ابن عباس : (أن الله سبحانه وتعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم، ونثرهم بين يديه كالذر، ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى) أي: أقروا له بالربوبية سبحانه وتعالى؟ على هذا حمل جماعة من العلماء الميثاق في هذه الآية وفسروه به، فقالوا: قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172] هو ما أخذه الله تعالى في عالم الذر مما كان قبل خلقهم.

وهذا الميثاق هل يذكره الناس أو لا يذكرونه؟

الجواب: أنهم لا يذكرونه، ولا إشكال في أنه ما من أحد يذكر هذا الميثاق الذي أخذه الله عليه في عالم الذر ، ولذلك ذهب جماعة من العلماء إلى أن الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم هو ميثاق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو المشار إليه في قوله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] ، وهو المشار إليه في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) فالفطرة: هي الإقرار بالرب جل وعلا، وهو المشار إليه فيما رواه الإمام مسلم في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء -أي: على التوحيد- فاجتالتهم الشياطين) أي: صرفتهم ، وهذا أمر لا ينكره أحد، بل هو مما ركز في الفطر، ولذلك كان المشركون إذا سئلوا: من الخالق؟ من الرازق؟ من المالك؟ من المدبر؟ كانوا يجيبون: الله، وهذا إقرار منهم بمقتضى الميثاق الذي واثقهم الله وفطرهم عليه، وهذا الذي ذهب إليه جماعة من العلماء: منهم شيخ الإسلام رحمه الله، ومنهم ابن القيم ، وأن الميثاق ليس ما جاء في بعض الأحاديث: من أنه أخرجهم من ظهر أبيهم في عالم الذر وأخذ عليهم الميثاق، قالوا: ومما يدل على ذلك:

أولاً: أن الأحاديث التي وردت فيها ضعيفة، وأن هذا الميثاق لا يذكره أحد ، والله سبحانه وتعالى قال في الآية ما يدل على أن هذا الميثاق حاضر في أذهانهم لا يغيب عنهم، فقال سبحانه وتعالى: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] يعني: لئلا تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] ، ومعنى الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا [الأعراف:172] يعني: هذا الأخذ من ظهور بني آدم علته وسببه: أن لا يقول الناس يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] ، وهل يذكر الناس هذا الميثاق؟

الجواب: لا. فإذا كانوا لا يذكرونه في الدنيا فالغفلة عنه وعدم ذكره في الآخرة من باب أولى، وهذا مما يؤيد أن الميثاق الذي أخذه الله عز وجل هو ميثاق الفطرة، وليس الميثاق الذي جاء في حديث ابن عباس لضعف الحديث.

ترجيح القول

إذاً: عندنا في الميثاق قولان:

القول الأول: ما جاء في حديث ابن عباس من أن الله أخذ على الناس الميثاق في عالم الذر فقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172]، وهذا القول اختاره شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، ونسبه ابن القيم إلى جماعة وطائفة من السلف والخلف.

القول الثاني: الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم وابن كثير في تفسيره من أن الميثاق هو ميثاق الفطرة لضعف حديث ابن عباس؛ ولأن الآية ليس فيها ما يدل على ذلك، فإن الله عز وجل قال: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ [الأعراف:172] ولم يقل: (من آدم) فالأخذ من بني آدم وليس من آدم، ولم يقل: من ظهره، بل قال: ( من ظهورهم ) ولم يقل: ذريته، بل قال: ( ذريتهم) كل هذا يدل على أن الأخذ ليس ما جاء في حديث ابن عباس ، وأن الأخذ هنا هو أخذ الميثاق عليهم حيث فطرهم جل وعلا منذ أوائل خلقهم، وهو خروجهم من آبائهم نطفاً إلى أرحام أمهاتهم فمن تلك اللحظة أخذ الله جل وعلا الميثاق عليهم بالفطرة التي قارنت خلقهم.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) والفطرة التي ولد عليها هي الإقرار بالتوحيد للرب جل وعلا لو خلي من الموانع والشواغل والصوارف.

فإذا كان كذلك فما الجواب على قوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172]؟ يقول: (أشهدهم على أنفسهم) الشهادة على أنفسهم في القرآن يراد بها الإقرار، ولا يلزم في هذا النطق، بل الشهادة تكون حالاً ومقالاً.

فالشهادة على النفس معناها الإقرار أي: جعلهم مقرين بهذا الميثاق: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172] أي: قررهم عليه، والشهادة لا يلزم منها التكلم، بل قد تكون الشهادة بالحال لا بالمقال، ومن ذلك قوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:17] وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر حالاً لا مقالاً، فإنهم لم يقروا بأنهم كفار، إنما شهادتهم شهادة حالية لا شهادة مقالية.

وكذلك قوله: قَالُوا بَلَى [الأعراف:172] القول قد يكون باللفظ، وقد يكون بالحال، وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل لتقرير هذا المعنى، وكذلك نقله ابن القيم في أحكام أهل الذمة، والمراد أن الآية ليس فيها دليل على ما ذكر في الميثاق السابق الذي جاء في حديث ابن عباس .

أما إخراج الذرية فقد جاءت فيه أحاديث كثيرة، لكن ليس منها صحيح يثبت أن الله كلمهم وخاطبهم، إنما فيها أن الله أخرجهم وميزهم إلى فريقين: إلى أهل السعادة وإلى أهل الشقاء، وهذا ليس فيه ذكر للميثاق، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي ثابتة صحيحة، لكن الذي لم يصح هو تكليم الله لهم في ذلك الوقت وإخراجهم وأخذه الميثاق عليهم.

فقول المؤلف رحمه الله: (والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق) يحتمل أن المؤلف رحمه الله تعالى أراد بالميثاق ما جاء في حديث ابن عباس ، ويحتمل أنه يريد بالميثاق الفطرة، وهما قولان لأهل العلم كما سبق.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حقيقة الميثاق، هل هو ما جاء في بعض الأحاديث كما في حديث ابن عباس : (أن الله سبحانه وتعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم، ونثرهم بين يديه كالذر، ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى) أي: أقروا له بالربوبية سبحانه وتعالى؟ على هذا حمل جماعة من العلماء الميثاق في هذه الآية وفسروه به، فقالوا: قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172] هو ما أخذه الله تعالى في عالم الذر مما كان قبل خلقهم.

وهذا الميثاق هل يذكره الناس أو لا يذكرونه؟

الجواب: أنهم لا يذكرونه، ولا إشكال في أنه ما من أحد يذكر هذا الميثاق الذي أخذه الله عليه في عالم الذر ، ولذلك ذهب جماعة من العلماء إلى أن الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم هو ميثاق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو المشار إليه في قوله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] ، وهو المشار إليه في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) فالفطرة: هي الإقرار بالرب جل وعلا، وهو المشار إليه فيما رواه الإمام مسلم في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء -أي: على التوحيد- فاجتالتهم الشياطين) أي: صرفتهم ، وهذا أمر لا ينكره أحد، بل هو مما ركز في الفطر، ولذلك كان المشركون إذا سئلوا: من الخالق؟ من الرازق؟ من المالك؟ من المدبر؟ كانوا يجيبون: الله، وهذا إقرار منهم بمقتضى الميثاق الذي واثقهم الله وفطرهم عليه، وهذا الذي ذهب إليه جماعة من العلماء: منهم شيخ الإسلام رحمه الله، ومنهم ابن القيم ، وأن الميثاق ليس ما جاء في بعض الأحاديث: من أنه أخرجهم من ظهر أبيهم في عالم الذر وأخذ عليهم الميثاق، قالوا: ومما يدل على ذلك:

أولاً: أن الأحاديث التي وردت فيها ضعيفة، وأن هذا الميثاق لا يذكره أحد ، والله سبحانه وتعالى قال في الآية ما يدل على أن هذا الميثاق حاضر في أذهانهم لا يغيب عنهم، فقال سبحانه وتعالى: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] يعني: لئلا تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] ، ومعنى الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا [الأعراف:172] يعني: هذا الأخذ من ظهور بني آدم علته وسببه: أن لا يقول الناس يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] ، وهل يذكر الناس هذا الميثاق؟

الجواب: لا. فإذا كانوا لا يذكرونه في الدنيا فالغفلة عنه وعدم ذكره في الآخرة من باب أولى، وهذا مما يؤيد أن الميثاق الذي أخذه الله عز وجل هو ميثاق الفطرة، وليس الميثاق الذي جاء في حديث ابن عباس لضعف الحديث.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [17] 2732 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [8] 2628 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [20] 2361 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [2] 2350 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [13] 2232 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [5] 2074 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [15] 2060 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [6] 2052 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [9] 2044 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [4] 2037 استماع