خطب ومحاضرات
تفسير سورة الدخان [1-7]
الحلقة مفرغة
سورة الدخان سورة مكية فيها تسع وخمسون آية، وهذه السورة ورد فيها حديثان ضعيفان رواهما الترمذي وطعن في سندهما؛ لضعف بعض رواتهما:
الأول: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حم [الدخان:1] في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك).
والثاني: كذلك عند الترمذي : (من قرأ حم [الدخان:1] في ليلة الجمعة غفر له).
وتلاوة القرآن في جميع الليالي وفي جميع الأيام ليس فيها إلا الخير والأجر والفضل، وعلى كل حرف عشر حسنات، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا أقول (ألم) حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) أي: من يقرأ هذا الحرف المقطع يكون له ثلاثون حسنة.
قال تعالى: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان:1-3].
قوله تعالى: حم[الدخان:1] هو من الحروف المقطعة، وفيها أقاويل وآراء من الصحابة ثم التابعين، فبعضهم قال: هي من أسماء الله الحسنى.
والبعض قال: (حم) أي: حم القضاء ونزل أمر الله.
ومنهم من قال: هي رموز لمعان، ومنهم من قال: ذلك للدلالة على أن القرآن المعجز مكون من الحروف الأبجدية العربية، فالقرآن هو الكتاب المعجز الذي عجز البشر عن أن يأتوا بمثله وتحداهم الله فقال: لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[الإسراء:88]، وهذا التعجيز كان منذ (1400) عام، وهذا من معجزات القرآن، فلم يأت أحد بليغ ولا فصيح بما يشبه فصاحة القرآن وبلاغته من قريب أو بعيد وقد قال بعض الناس: ما وجه الإعجاز ما دامت حروف الهجاء العربية قد أخذ منها هذا القرآن وهو بلسان عربي مبين، فما يمنعني أن أقول مثله؟! قال هذا المعري الشاعر الشامي، فأتى بالغث من القول وما يضحك الثكلى.
وهناك مجنون أرعن ادعى النبوة وكتب للنبي صلى الله عليه وآله في حياته: من مسيلمة نبي الله إلى محمد نبي الله، فكتب له صلى الله عليه وسلم (من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب
وجاءه مرة عمرو بن العاص وهو لا يزال على كفره من مكة، فقال: إيهٍ يا مسيلمة ، ما الذي نزل عليك من الوحي؟ قال: نزل علي اليوم أن لي نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم لا يعدلون! فقال له عمرو وهو لا يزال على شركه: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب. فلم يصدقه، فأسرع به ذلك إلى الإيمان برسول الله عندما سمع القرآن وفصاحته وبلاغته وإعجازه الذي حضر تلاوته فصحاء العرب وقد أوتوا الفصاحة دون خلق الله جميعهم، فلغتهم أبلغ اللغات وأفصح اللغات وأرفع اللغات وأجمل اللغات، فلما سمعوه قال الوليد بن المغيرة : ما نقول فيه؟ فقال بعضهم: نقول: شاعر، فقال: لقد علمت الشعر فما هو بالشعر، فقالوا: ما تقول فيه إذاً؟! قال: إن له لحلاوة، وإن عليه لطراوة، وإن أعلاه مثمر وأسفله مغدق.
فمن القرآن يقول: إن هذا هو الكلام الذي بلغ من الفصاحة ومن البلاغة ومن البيان ما لا يكاد يقف عنده عقل، وهذا الذي قيل لا يزال قائماً إلى الآن، فرسول الله عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم، وهو سيد العرب فصاحة وبلاغة، ومع ذلك عندما نأتي إلى فصاحة رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديثه وفي خطابته وفي محاوراته وفي مناظراته ونقيس قوله بقول الله، نجد الفرق كما بين السماء والأرض.
وقد رأينا في عصرنا من هو من أبلغ الخلق، ولا نظن أنه سبقه على مثل فصاحته منذ ألف سنة مثله، وأعني به مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، فقد كان له من البلاغة والفصاحة في القول ما لا يكاد يستطيع أن يقول مثله الكثيرون ممن مضوا، وإلى عصرنا لم يأت مثله، ومع ذلك حين تقيس كلامه مع كلام الله تجد الفرق شاسعاً جداً.
وهناك علامة أخرى، وهي حين تأتي إلى خطبة فصيحة تقرؤها المرة الأولى، فتقول: ما أبلغها ما أفصحها، فإذا قرأتها ثانية نزل إعجابك قليلاً، فإذا كررتها مرات تملها وتطعن في فصاحتها وبلاغتها.
واقرأ القرآن صباحاً ومساء، في شبابك وفي كهولتك وفي شيخوختك، فإذا بك لا تمله حلاوة وبلاغة وفصاحة، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلق من كثرة الرد)، فلا يصبح كلاماً بالياً ممجوجاً لكثرة ما تقوله وتردده، بل عند كل ترديد تضيف معنى جديداً وتفهم مغزى آخر، فأنت في علوم ومعارف كلما تتلوه، ولكن بشرط أن تتلوه بوعي وبإدراك وبتدبر، لا أن تتلوه وأنت تحسب حسابك في بيتك وعملك وأوهامك في خيالك، ففي هذه الحالة قد تقرأ الجزء والجزأين وتنسى أين أنت، وإذا طرأ طارئ ووقفت عند الآية ثم أردت العودة إليها فإنك تنسى أين كنت.
يقول تعالى: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الدخان:1-2]، وكأنه يقول: القرآن مؤلف من هذه الحروف، فافعلوا إن شئتم مثله، فهي بأيديكم، وهيهات هيهات، قال بهذا المعنى الزمخشري ، وأكده بعض المعاصرين وهو الشيخ الشنقيطي رحمه الله، أدركته منذ سنوات وأنا لا أزال في جامعة دمشق، وعندما وجدت الشنقيطي يؤكد هذا الرأي ويساند الزمخشري زدت ثقة بالفهم الذي فهمته.
يقول تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الدخان:2] .
يقسم الله جل جلاله بالكتاب، أي: بالقرآن البين الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ولا ركاكة فيه ولا غموض، وليس هو معقد المعاني، بل هو بين واضح لمن أفهمه الله لغة العرب ودرسها، وأما الجاهل فلا يمكن أن يؤمن به ولا بفهمه ولا بتلاوته، إنما العلم بالتعلم.
وقوله تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الدخان:2] قال علماؤنا: لا يجوز القسم إلا بالله أو بصفة من صفاته، فأنت تقول: والله، والرحمن، والعزيز، وكتاب الله، أي: كلام الله، وهي صفة من صفات الله جل وعلا، وليس ذلك يميناً بغير ما يتعلق بالله، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).
ولربنا أن يقسم بما يشاء وكيف شاء، وهذا في القرآن كثير، وما أقسم الله به يدل على رفعته وعلى مقامه عند الله.
قال تعالى: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان:1-3].
قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: أنزلنا الكتاب، فهذا الكتاب هو كلام الله، وهو قول الله، وهو الذي أنزله جل جلاله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بواسطة رسول الملائكة إلى البشر جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3] يقسم الله بكتابه على أن القرآن الذي أنزله وأوحى به أنزله في ليلة مباركة.
والليلة المباركة قال عنها قوم: إنها ليلة النصف من شعبان، وانتصر لهذا القول تابعون، ووصفوا هذه الليلة بأنها فيها يفرق كل أمر حكيم من الأعمال ومن الأرزاق وكل ما يتعلق بالخلق، ورووا في ذلك أحاديث، منها أن ليلة النصف من شبعان تؤمر فيها الملائكة بكتابة الأعمار والأرزاق والأعمال للخلق مدة سنة.
ولكن تلك الأحاديث المروية يقول عنها ابن العربي المعافري الأندلسي - وهو إمام في الحديث وإمام في التفسير وإمام في الفقه - يقول: لم يصح في ليلة النصف من شبعان في صلاة ولا دعاء، ولم يرد شيءٌ في فضلها البتة، وكرر هذا أعلام جاءوا بعده، وأكد هذا ابن كثير ، وقال: من قال ذلك فقد أبعد النجعة، أي: ابتعد عن الحق والصواب في هذا.
والأمر كذلك، فلم ينزل الله هذا الكتاب الكريم في ليلة النصف، ومن المعلوم أن من أصول التفسير أن تفسر الآية بالآية، فالله تعالى يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] فالقرآن بنص الآية الكريمة أنزله الله في شهر رمضان، والنصف من شعبان لا صلة له برمضان.
وذكر الله ليلة القدر فقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، فكان نزول القرآن في رمضان وفي الليلة المباركة كما قال هنا، وهي ليلة القدر، أنزله الله جميعاً بأجزائه الثلاثين إلى سماء الدنيا، ثم أخذ جبريل ينزل به على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم منجماً، أي: مفرقاً حسب الوقائع وحسب النوازل وحسب المصالح لمدة ثلاث وعشرين سنة، فكانت أول آية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وكان آخر آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
وأنزله الله كله قبل ذلك في شهر رمضان في العشر الأواخر في ليلة القدر، فذكر الشهر في آية، وزاد البيان بذكر نزول القرآن في ليلة القدر، وهي ليلة مباركة، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، وشهر رمضان كله مبارك، أعاده الله علينا بالخيرات والبركات والنصر المبين وذل اليهود وتحطيم النصارى والمنافقين، وأعاننا الله وإياكم على صيامه وقيامه وعبادته، وتقبل الله منا ومنكم ذلك، ورزقنا العون في كل ذلك.
فهو شهر مبارك وهي ليلة مباركة متضاعفة بركتها، وهي ليلة القدر التي قال الله عنها: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] فهي ببركتها ويمنها ونورها وعبادتها وإشراقها وما قاله عنها ربنا وما ذكره نبينا عليه الصلاة والسلام عنها مباركة كثيرة البركات.
قال تعالى: إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان:3]، أي: كنا في هذه الليلة قد أنذرنا الخلق وأوعدناهم وبلغناهم أنا أرسلنا إليهم رسولاً هو محمد العربي الهاشمي صلى الله عليه وسلم، جاء بشيراً للمؤمنين وجاء نذيراً للكافرين، يبشر هؤلاء بالجنة والرضوان وينذر أولئك باللعنة وجهنم.
قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:4-5].
هذه الليلة من خصائصها أنه يفرق فيها -أي: يوزع- كل أمر حكيم.
ففي هذه الليلة تكتب الأرزاق وتختم الأعمار وتختم الأعمال وتكلف الملائكة جند الله الذين لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، فهذا للأرزاق، وهذا للموت، وهذا للمرض، وهذا للعمارة، وهذا للخراب، وهذا للصلاح، وهذا للفساد، والله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ولذلك كان قيام الليل في رمضان من أعظم العبادات، حيث يقوم الإنسان يتهجد ويدعو الله ساجداً وبعد كل ركعتين وعقب التهجد بأن الله تعالى يكرمنا بالعمل الصالح، ويكرمنا بالحلال الطيب، ويصلحنا وأولادنا، ويبعدنا عن الفتن الظاهرة والباطنة، وليخطر ببال هذا الداعي قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] .
قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]، والأمر الحكيم أمر إلهي، وأمر الله كله حكيم، وهو الموضوع مواضعه.
قال تعالى: أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا [الدخان:5]، فالقرآن نزل بأمر من الله جل جلاله منه مباشرة.
إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:5]، فأرسل الله تعالى عبده ونبيه وخاتم رسله بهذا القرآن الكريم بأمر من عنده، وجعله رسولاً نبياً، وجعله المبلغ عنه في جميع شعوب الأرض منذ عصره عليه السلام إلى آخر يوم من الدنيا، فكلهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن استجاب فهو من أمة الإجابة، ومن عصى فهو من أمة الدعوة، كالأولاد إن بروا فهم أولاد وإن عقوا فهم أولاد، وعقوقهم لا يخرجهم من البنوة ولا يطرحهم في الشوارع.
كما قص الله علينا قصة نوح عندما قال له تعالى عن ابنه: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] فلم ينف بنوته، ولم ينف نسبه، ولكنه قال عنه: عمل غير عمل الصالحين، وكان في نفسه غير صالح، فهو كله عمل غير صالح.
وقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التشريع بأن من أتى زوجته يسمي الله على ذلك، فإن رزقه الله ولداً كان ولداً صالحاً، فإن لم يذكر الله شاركه الشيطان فيه، أي: كان من أعمال الشيطان، كما قال تعالى عن ولد نوح: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] ، وفي قراءة: (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ).
قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:3-4] أي: تفرق وتوزع الأعمار والأرزاق والأعمال أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:5] كان نزول هذا القرآن بأمر من الله لعبده ورسوله جبريل من الملائكة إلى عبده ورسوله من البشر نبينا عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان:6].
أرسل الله بهذا الكتاب محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعباد، وهذا يؤيده قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] من الجن والإنس، حتى الكافر هو رحمة له، فلا يأخذه دون أن يترك له فرصة للعبادة، فلعله يوماً يتعظ ويقول: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ولعله يخرج منه ولد صالح يقول: (لا إله إلا الله) فذلك من رحمة الله بالكافر، ومع كفره يرزقه الله ويصحه ويعطيه الولد ويرزقه الزوجة، كل ذلك من الرحمة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة)، فلنشكر الله على هديته، ولندع الله تعالى أن نثبت على الإيمان بربنا والإيمان بنبينا صلى الله عليه وعلى آله.
قال تعالى: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان:6]، فكان نزول القرآن على قلب محمد عليه الصلاة والسلام رحمة من الله ورأفة بعباده وإكراماً لخلقه وإحساناً إليهم.
وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان:6] هذه صفة من صفات الله ونعوته الكريمة، وفي نفس الوقت هي إنذار وتهديد، أي: أن الله أنزل القرآن وأرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة، وهو السميع لإيمان المؤمن وكفر الكافر، وهو العليم بقوله، وهو العليم بعمله.
فيا سعد من قال كلمة التوحيد وآمن بها ومات عليها، ويا شقاء من أنكرها ومات على إنكارها، وهو تعالى العليم بحال عباده، وبمن آمن وأخلص في إيمانه، وبمن كفر وأصر على كفره!
قال تعالى: رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [الدخان:7].
فهو رب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو رب السموات ورب الأرض، ورب ما بين السموات والأرض من أفلاك ومن مجرات ومن خلق، وهو أعلم بهم، فهو الرب الخالق الرب المدبر المحيي المميت الرازق، وهو رب جميع الخلق، ليس رب محمد فقط، ولا رب الأولين فقط، ولا رب الآخرين فقط ولكنه رب الأولين والآخرين ورب كل ما خلق.
قال تعالى: رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [الدخان:7] مما نرى ومما نعلم ومما نقرأ عنه ومما أخبرنا به القرآن وحدثنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [الدخان:7] أي: يا هؤلاء الذين سمعوا هذا الكتاب وبلغهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنتم موقنين بهذا، وإن كنتم على يقين بالتوحيد، وعلى يقين بصدق هذا الكتاب وأنه منزل من الله، وعلى يقين بصدق المنزل إليه محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا رحمة لكم ورحمة بكم، وإن كنتم غير مؤمنين وغير موقنين فإن العذاب ينتظر كل من لم يكن كذلك، فهو قد أبى الرحمة ورفض الرحمة وابتعد عن الرحمة، فما أتعسه وما أشقاه، جاءه الخير فرفضه وداس عليه، فعليه لعنة الله جزاء عصيانه وتمرده.
ثم قال تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ [الدخان:8].
فهو ربنا ورب آبائنا ورب الخلق أجمعين، وهو إله في السماء وإله في الأرض، وهو الإله المعبود المستحق للعبادة من كل ما خلق من ملائكة وجن وإنس وحيوان، وهو رب آبائنا ورب أجدادنا ورب أولادنا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الدخان:8] لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، هو المحيي المميت الذي أحيانا بعد عدم.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الدخان [8-16] | 1783 استماع |
تفسير سورة الدخان [17-29] | 1713 استماع |
تفسير سورة الدخان [56-59] | 1433 استماع |
تفسير سورة الدخان [38-56] | 1386 استماع |
تفسير سورة الدخان [30-37] | 1298 استماع |