خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
تفسير سورة الدخان [30-37]
الحلقة مفرغة
قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ [الدخان:30-31].
يذكر الله جل جلاله أنه امتن على عباده المؤمنين بني إسرائيل بأنه نجاهم من عذاب مهين أليم موجع، يوم كانوا مستعبدين للفراعنة، ومستعبدين للأقباط، تقتل ذكورهم، وتستحيا نساؤهم، ويحملون ما لا يطاق حمله من الأثقال والمشقات والعذاب المهين.
يقول تعالى: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ [الدخان:30] أي: أنقذناهم وأبعدناهم عن العذاب الأليم الكائن من فرعون.
قوله تعالى: (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل، فكان العذاب المهين هو فرعون ، وكان العذاب المؤلم الموجع هو فرعون ، وقد ورد في القرآن في قصص بني إسرائيل مع فرعون ، وقصص موسى وهارون كذلك ما فيه جميع أنواع البلاء والعذاب والامتهان من فرعون وقومه لبني إسرائيل.
فيذكر الله هذا للمؤمنين، ليعلموا أنهم إن استمسكوا بإيمانهم وداوموا عليه ينجهم الله من كل محنة ومن كل عذاب، كما أنجى من كان قبلهم ممن عذب وأوذي.
وقوله تعالى: إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ [الدخان:31].
أي: كان مستعلياً في الفساد، وكان متكبراً متجبراً متعالياً بالطغيان، وبالظلم والفساد، والتألي على الله، ودعوى الإلهية، وإن هو إلا عبد مجرم آثم ظالم، فكل دعوى ادعاها كانت وبالاً عليه وعلى قومه.
وقوله تعالى: مِنَ الْمُسْرِفِينَ [الدخان:31]، أي: من الذين أسرفوا على أنفسهم فساداً وظلماً وطغياناً وتجبراً، بحيث تجاوزوا الحد بالظلم والاعتداء والطغيان، فاستحق هو وقومه عذاب الله ونقمة الله، وقد فعل.
قال تعالى: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32].
يخبر ربنا جل جلاله بأنه اختار بني إسرائيل على علم، وذلك لمجموعة من الأوصاف فيهم، فبسبب من أرسل إليهم من الأنبياء والمرسلين، وما وجد فيهم من المؤمنين، وما وجد فيهم من العالمين، كان اختيارهم من بين الأمم السابقة الماضية، فكانوا خير أهل عصرهم.
وبعض الدساسين من الإسرائيليين في التفسير حاول أن يقول: إن الاختيار كان على الأمم السابقة والأمم اللاحقة، وذاك دس ممن تظاهر بالإسلام، ومن تلقف ذلك عنه من كل ساذج، لا يكاد يعلم من الإسلام إلا اسمه.
فدُسَّ بين ثنايا التفسير أن بني إسرائيل قد اختيروا من بين جميع الأمم الماضية واللاحقة، وذاك كذب على الله، فلقد خاطب الله المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].
فالمؤمنون والمسلمون من أتباع نبينا عليه الصلاة والسلام خير الناس، فمنذ أن ظهر نبينا في هذه البقاع المشرفة المقدسة، يوم قال للناس: (إني رسول الله إليكم جميعاً) كان هو خير الرسل، وكانت أمته خير الأمم، فالأمم جميعها من بني إسرائيل وغيرهم يحتاجون إليه يوم القيامة للشفاعة العظمى، فيستشفعون بأنبيائهم واحداً واحداً، فيأبون الشفاعة ويقول كل منهم: نفسي نفسي، فيأتون إلى محمد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها أنا لها)، فيذهب فيشفع عند ربه، ويشفعه ربه، ويظل زمناً يحمد الله بمحامد وهو ساجد، إلى أن يقول له ربه: (ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، ولا يكون هذا إلا لنبي خير الأمم، وهذا ما أكده الله، ونطق به القرآن الكريم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].
فالأمة المحمدية خير الأمم على الإطلاق، خير من بني إسرائيل ومن غيرهم، على أن بني إسرائيل قد كانوا في عصرهم كذلك، وإلا فبعد ذلك ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، كما قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:78].
كما لعنهم رسول الله، ولعنتهم الكتب السماوية، وقال عنهم آخر كتب الله القرآن الكريم: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167].
فانتقلوا من كونهم خير الأمم في عصرهم إلى كونهم ألعن الأمم وأكثر الأمم عصياناً وكفراً بالله وبرسل الله، فكفروا بعيسى وهو من بني إسرائيل، وكفروا بسيد البشر نبينا العربي صلى الله عليه وسلم، فهم بين لعنات متتاليات، وغضب لم يفارقهم ولن يفارقهم حتى يكونوا في جنهم أجمعين أكتعين أبتعين.
فقوله تعالى: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32] أي: جعلناهم خير الأمم في عصرهم، وخير الشعوب في وقتهم، ولكنهم بعد ذلك بدلوا وغيروا، فبدلوا التوراة والإنجيل، كما بدلوا الزبور كذلك، ولو استطاعوا لحاولوا أن يبدلوا القرآن، ولن يبدلوه؛ لأن الله تعهد بحفظه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
ومع ذلك تظاهر بالإسلام منهم فئات وطوائف، فذهبوا يحرفون في التفسير، ويحرفون في التأويل، فأتوا بالطوام، وأتوا بالأكاذيب والأضاليل، ولكن المحققين من العلماء ميزوا ذلك، وفرزوه، وضربوهم به على أدبارهم وعلى جباههم بما كشف أمرهم، حتى إن بعضهم كان يدعي الإسلام ويتظاهر بالتقوى والصلاح والعلم، ولكن تأويله وتحريفه في التفسير كشفه وفضحه على الملأ قديماً وحديثاً، كما حكيت عن بعضهم الآن أنه حاول أن يقول: إن بني إسرائيل مفضلون على الأمم كلها، علمائها ومحدثيها، وهذا من الدس اليهودي، ولا أصل له ولا حقيقة، وقد قال ربنا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، فقوله تعالى: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32] أي: عالمي عصرهم، وعالمي زمانهم، وأما بعد ذلك فليس الأمر كذلك.
قال تعالى: وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ [الدخان:33].
آتى الله تعالى بني إسرائيل من الآيات والمعجزات ومن الفضل والمن ما تكرم به عليهم، ومن ذلك أنه أنجاهم من عذاب الفراعنة المهين، وأنقذهم وأخرجهم من أرض مصر مع موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وشق لهم البحر، وأذل عدوهم وأغرقه، وأعطاهم من الخيرات من المنّ والسلوى وأنواع المأكولات.
وبعد ذلك اتخذوا العجل إلهاً وهم حديثو عهد بالنجاة من فرعون ، فقال السامري لليهود وقد ذهب موسى لميقات ربه: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88]، فزعم لهؤلاء بكل وقاحة اليهود وبكل خبث اليهود أن موسى قد ضل إلهه، وإنما إلهه هذا العجل.
فهم في وقت نجاتهم، ووقت حصول الآيات البينات في إكرامهم نتيجة إيمان أكثرهم كفروا النعمة، وأشركوا بالله وقت نعمته ووقت رحمته، وهكذا شأن الكذبة، وشأن الفجرة، وشأن المشركين المصرين على الشرك، تراهم وقت إكرام الله لهم بالإنقاذ يشركون ويكفرون.
فقوله تعالى: وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ [الدخان:33] أي: ما فيه اختبار ظاهر بين، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] فيكون الابتلاء بالخير، كما يكون بالشر، فهناك من يصبر على الشر، حين يختبره الله، ولكن بعد ذلك يتجاوز العقبة وينقذ من بلائه، وهناك من يبتلى ويختبر بالخير فلا يصبر، فتغره الدنيا وجاهها ومالها ونساؤها، فينقلب على وجهه خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]، وهذا ما حصل لبني إسرائيل ومن هم على شاكلة بني إسرائيل كفراً وجحوداً وشركاً مستمراً بالله.
فقد كانت الآيات لهم بلاءً، وكانت اختباراً بيناً واضحاً، ولكنهم لم يصبروا على هذا البلاء والاختبار والامتحان، وقديماً قال الناس: عند الامتحان يعز المرء أو يهان، سواء أكانت المحنة سماوية أم أرضية، فكما أن الطالب عند الامتحان قد ينجح ويعلو ويبيض وجهه، أو يسود وجهه ويرسب، فكذلك المؤمن إذا ما اختبر بالخير أو بالشر وابتلي بذلك وصبر، فذاك نجاحه، فإن لم يصبر فتلك محنته وعذابه.
قال تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ [الدخان:34-35].
المراد بهؤلاء كفار العرب، وكفار الأمة المحمدية الذين جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده فكفروا برسالته، وكفروا بكتابه، فهؤلاء زادوا على ذلك قولهم: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ [الدخان:35].
فيقولون: ليس هناك إلا موتة هي الموتة الأولى موتة الدنيا، ولا حياة بعد ذلك، فزعموا أن الدهر يهلكهم، وأنها أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكهم إلا الدهر، والموت ليس إلا هو موت الدنيا، وليس بعد ذلك حياة.
فقال هؤلاء وزعموا: (إن هي) أي: ما هي.
إِلَّا مَوْتَتُنَا الأُولَى [الدخان:35] التي يموتونها في الدنيا.
وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ [الدخان:35]، أي: وما نحن بمبعوثين من الأرض بعد هذه الموتة الأولى، فزعموا كفراً وطغياناً أنه لا قيامة ولا بعث ولا نشور ولا عرض على الله بأعمالهم وكفرهم وإصرارهم على الشرك.
ثم قالوا: فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الدخان:36].
طلبوا من محمد صلى الله عليه وسلم وطلبوا من أتباعه المؤمنين امتحاناً فقالوا: فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الدخان:36].
قال أبو جهل وغيره: ائتونا بـقصي ، وائتونا بـعبد مناف لنسألهم: ما الذي وجدوا بعد الموت؟ أكلامكم حق أم باطل؟ ولو فعل ذلك صلى الله عليه وسلم لقالوا: هذا سحر وشعوذة، شأن الكافر الذي يكفر بلا دليل، ويصر على الكفر بلا سلطان ولا آية بينة.
فقولهم: فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الدخان:36] أي: إن كنتم صادقين في أن هناك حياة بعد الموت، وآخرة بعد الدنيا، فنريد أن نعلم ذلك من الآن، والأدلة عندهم لو كانوا يعلمون، فأين كانوا قبل أن يأتوا، ألم يكونوا ميتين؟ ألم يكونوا معدومين؟! ألم يكونوا غير موجودين؟! فكيف أتوا؟! ومن الذي أتى بهم؟! ومن الذي أخرجهم إلى الحياة؟!
أليس الذي يخرج الموجود من العدم قادراً عن أن يأتي بمن وجد مرة ثانية فيعيد حياته؟!
فالدليل قائم، ولكن كفرهم وإصرارهم على هذا الكفر غطى عقولهم، وأبعد فهمهم إدراكهم فابتعدوا عن الحق البين الواضح.
وقولهم: إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الدخان:36] جاء في غير محله؛ إذ لم يقل القرآن، ولم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام: سيعيدكم الله إلى دار الدنيا مرة ثانية، بل أخبرهم القرآن بأنهم سيعودون بعد انقضاء الدنيا إلى حياة ثانية في القيامة، فهذا إفك اخترعوه.
على أن هناك أقواماً من قبل طلبوا هذا، فابتلاهم الله واختبرهم، كقصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وقال له: كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259].
وأهل الكهف كانوا سبعة أو ثمانية، فأماتهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثم بعثهم وهم لا يظنون إلا أنهم كانوا نائمين، وتحقق ذلك أهل عصرهم، وكانت قصتهم مكتوبة على رقيم في باب الكهف فكان ذلك من المعجزات ومن البينات لأهل عصر هؤلاء، وليست القاعدة، أن الله لا يبعث من يموت إلا يوم القيامة.
قال تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [الدخان:37].
أي: أكفار الدعوة النبوية المحمدية هم خير سلطاناً، وخير عزاً، وخير حضارة، وخير قوة، وخير تمكناً من قوم تبع وممن كان قبلهم عندما أصروا على الكفر وأصروا على الشرك؟!
قال تعالى: (أهلكناهم) دمرهم الله تدميراً، وعاقبهم عقاباً لم يبقِ منهم ولم يذر.
قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [الدخان:37] كانوا مشركين، وأعظم الجرائم الكفر بالله، والشرك بالله، فكانوا مجرمين، وكانوا مشركين، وكانوا وثنيين، فعاقبهم الله وهم أعظم سلطاناً وأقوى بنياناً وأطول أجساماً من هؤلاء الذين يدلون بشيء قليل مما عندهم، وأردوا بذلك أن يتكبروا على الله، ويتعاظموا على رسول الله، وعلى عباد الله المؤمنين، فالله أنذرهم وتوعدهم بأن يعاملهم معاملة قوم تبع .
والأمم السابقة من قوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون وقوم إبراهيم وقوم لوط والأمم الكثيرة مضت وهلكت بين مصروع ومقتول وغريق ومرجوم من السماء إلى الأرض ومخسوف به، فهؤلاء يظنون أنهم أعظم من أولئك شأناً، وأقوى منهم بنياناً وحضارة.
و ( تبع ) كان لقباً لملوك اليمن، وقد كانوا قبل مجيء رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام بسبعمائة عام، قيل: إن تبعاً هذا الذي أشار إليه القرآن كان مؤمناً، وهو الذي بنى الحيرة، وبنى سمرقند، وهو الذي جعل لليمن حضارة في بنيانها وزروعها وبساتينها وفي قوانينها، فأسلم ثم أسلم من جاء بعده، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (إن الله ذم قوم تبع ولم يذمه) فذاك دليل على إيمانه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن تبعاً آمن.
فإن صح هذا الحديث يكون فهم عائشة وقولها مستنداً إلى النص من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وورد عنه أيضاً: (لا أدري: أ
فإن صحت هذه الأحاديث فقد تبين أن قومه كانوا مجرمين، ولم يكن هو كقومه، بل كان رجلاً صالحاً، إما مؤمناً أو نبياً، على أنه قيل: قد آمن به من رعيته مجموعات متتابعة.
وقالوا: جاء إلى المدينة المنورة (يثرب) كما كانت تسمى، فاجتمع فيها بحبرين، وأراد أن يضرب المدينة ويهلك سكانها انتقاماً وظلماً؛ لأنهم لم يبايعوه ولم يكونوا من أتباعه، فقال له هذان الحبران: إن هذه المدينة مهاجر خاتم الأنبياء، فالمدينة للصالحين المؤمنين من الناس، ولو حاولت أن تفعل لردك الله، ولعذبك الله، فخاف ثم جاء إلى مكة، وأراد أن يهدم الكعبة فخوفاه، فانقلب بعد ذلك مؤمناً بها، وذبح - فيما زعموا - ستة آلاف بدنة.
يقول الله تعالى عن كفرة قريش: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [الدخان:37]، أهلك الله أولئك بجرائمهم وبشركهم وبكفرهم، ويوشك هؤلاء أن يهلكوا كذلك، كما أهلك قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الكافرة المشركة، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [الدخان:37].