خطب ومحاضرات
تفسير سورة الدخان [8-16]
الحلقة مفرغة
قال الله جل جلاله: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدخان:8-9].
قوله جل جلاله: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الدخان:8] جاء جواباً لشركهم وكفرهم، فهم مع اعترافهم بأن الله خالقهم وبأن الله ربهم ورازقهم اتخذوا معه شريكاً من ولد وصنم ووثن مما لم ينزل به سلطان ولم يأت به دليل من عقل أو نقل فيقول الله تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الدخان:8] فلا إله في الكون معبود بحق إلا الله الواحد الذي لا ثاني له في صفاته ولا أسمائه ولا أفعاله، فهو الذي يحيي ويميت، وكل ما عداه أباطيل وأضاليل وأكاذيب، فالذين عبدوا من دونه لن ينفعوا أنفسهم أو يضروها، فضلاً عن أن ينفعوا غيرهم أو يضروه.
قال تعالى: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ [الدخان:8].
فهو الله الواحد الذي هو رب الأولين من الآباء والأجداد ورب الآخرين من الأحفاد والأسباط، وهو رب الكل وخالق الكل، لا ثاني معه، وكل من يدعي سوى ذلك فقد ادعى الشرك والباطل، ولن يأتي على ذلك بسلطان بين.
قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدخان:9].
أي: بل هؤلاء الذين يشركون مع الله غيره يلعبون بأنفسهم ويلعبون بحياتهم لعب الأطفال؛ حيث لم يأتوا بما يفيدهم أو يصلحهم أو يكون حقاً أو يتفق مع أدلة العقل وأدلة الكتاب، فما أقوالهم إلا أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان.
تفسير الدخان بما نزل بكفار قريش
قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:10-12].
الارتقاب: الانتظار، أي: انتظر - يا رسولنا - يوم تأتي السماء بدخان يغشى الناس ويغمرهم ويغطيهم، فلا يكاد أحد يرى أحداً؛ لكثرة هذا الدخان وغشيانه الناس والخلق، فيملأ ما بين السماء والأرض، إذا أخرج الرجل يده لم يكد يراها، فيقول هؤلاء الناس: هذا عذاب مؤلم، وهذا هو العذاب المخزي، وهذا هو العذاب الذي لا يحتمل ولا يقاوم.
وقد ذهب ابن مسعود ، - وروي عن ابن عباس - إلى أن هذا الدخان قد كان نزل بقريش عندما دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن يصيبهم الله بسنين كسني يوسف، أي: يبتليهم بسنوات من الجوع والقحط، وسنوات من المرض والشقاء، فاستجاب الله دعاءه، فمرض هؤلاء وجاعوا وابتأسوا وعجزوا عن إصلاح أنفسهم، فأخذوا يستغيثون ويستجيرون، واشتد بهم البلاء والجوع حتى كانوا يرون الفضاء دخاناً نتيجة جوعهم ومرضهم وبؤسهم، حتى جاء كبيرهم أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! جئت بصلة الرحم، وهأنت ذا تدعو على قومك، فادع الله لهم أن يرفع عنهم ما هم فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فزالت سنوات القحط والجوع والبؤس وعاد عليهم الخير العميم والأرزاق الدارة.
قال تعالى: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12] فطلبوا من الله أن يكشف عنهم عذاب الدخان، وعذاب الجوع وعذاب القحط، فدعا لهم رسول الله بزوال ذلك وزعموا أنهم سيؤمنون فقالوا: إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12]، ولكنهم وعدوا بذلك ولم ينجزوه، ولم يصدقوا فيه، وقالوا: إنا عائدون، وكانت العودة إلى الكفر والشرك ولم تكن إلى الإيمان، وإنما كان الإيمان قولاً.
فهذا قول ابن مسعود في تفسير الآية.
تفسير الدخان بكونه علامة للساعة
الدخان سيكون علامة من علامات الساعة؛ لقول الله: يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:11] وليس قريشاً وحدها، فيسلطه الله على الخلق كلهم ويغشى الناس كلهم.
ولقوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ) ودخان قريش هذا إنما كان تخيلات نتيجة الجوع والقحط، وليس هو دخاناً في الواقع، كشأن من يجوع وشأن من يكاد يغمى عليه، فيظهر له أن الجو أصبح دخاناً، والأمر ليس كذلك، وإنما هي خيالات وأوهام صادرة من نفس ذلك الجائع والبائس والممتحن، وإلا فالسماء ليس فيها دخان.
أما أن الدخان سيكون في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى؛ فذلك ما ثبتت به الأحاديث المتواترة المستفيضة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج من بيته فإذا به يرى قوماً يتذاكرون، فوقف عليهم فقال: فيم تتحاورون؟ فقالوا: في الساعة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بينكم وبين الساعة عشر علامات: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدابة، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس تبيت معهم وتصبح معهم، ونزول الدخان من السماء يبقى أربعين يوماً وأربعين ليلة يغشى الناس يجدون له عذاباً أليماً، لا يشعر المؤمن منه إلا كما يشعر المزكوم بالزكام، والكافر والمنافق يأتيه هذا الدخان فيدخل خياشيمه وآذانه وفمه وعينيه ودبره وجميع منافذ بدنه فيلقى منه عذاباً أليماً).
وهذا الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتفق مع ظاهر الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:10-11]، ليس قريشاً وحدها، ولكن يغشى الناس كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ويكون عذاباً أليماً وعذاباً مهيناً، وأما الدخان الذي وصفه ابن مسعود فهو - في الحقيقة - ليس عذاباً؛ لأنه لا وجود له، وإنما هو متوهم، ولكن العذاب هو نتيجة جوعهم وبؤسهم ومرضهم، وليس نتيجة دخان ينزل من السماء.
معنى قوله تعالى: (يغشى الناس هذا عذاب أليم)
قوله تعالى: يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:11].
أي: فيصيحون له ويتألمون ويقولون: هذا عذاب مؤلم موجع.
ثم يرفعون الأيدي ضارعين صارخين: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12]، فيضرعون إلى الله يرجون أن يرفع عنهم غضبه وعقابه ونقمته بأن يرفع هذا الدخان المؤلم الموجع.
قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:10-12].
الارتقاب: الانتظار، أي: انتظر - يا رسولنا - يوم تأتي السماء بدخان يغشى الناس ويغمرهم ويغطيهم، فلا يكاد أحد يرى أحداً؛ لكثرة هذا الدخان وغشيانه الناس والخلق، فيملأ ما بين السماء والأرض، إذا أخرج الرجل يده لم يكد يراها، فيقول هؤلاء الناس: هذا عذاب مؤلم، وهذا هو العذاب المخزي، وهذا هو العذاب الذي لا يحتمل ولا يقاوم.
وقد ذهب ابن مسعود ، - وروي عن ابن عباس - إلى أن هذا الدخان قد كان نزل بقريش عندما دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن يصيبهم الله بسنين كسني يوسف، أي: يبتليهم بسنوات من الجوع والقحط، وسنوات من المرض والشقاء، فاستجاب الله دعاءه، فمرض هؤلاء وجاعوا وابتأسوا وعجزوا عن إصلاح أنفسهم، فأخذوا يستغيثون ويستجيرون، واشتد بهم البلاء والجوع حتى كانوا يرون الفضاء دخاناً نتيجة جوعهم ومرضهم وبؤسهم، حتى جاء كبيرهم أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! جئت بصلة الرحم، وهأنت ذا تدعو على قومك، فادع الله لهم أن يرفع عنهم ما هم فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فزالت سنوات القحط والجوع والبؤس وعاد عليهم الخير العميم والأرزاق الدارة.
قال تعالى: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12] فطلبوا من الله أن يكشف عنهم عذاب الدخان، وعذاب الجوع وعذاب القحط، فدعا لهم رسول الله بزوال ذلك وزعموا أنهم سيؤمنون فقالوا: إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12]، ولكنهم وعدوا بذلك ولم ينجزوه، ولم يصدقوا فيه، وقالوا: إنا عائدون، وكانت العودة إلى الكفر والشرك ولم تكن إلى الإيمان، وإنما كان الإيمان قولاً.
فهذا قول ابن مسعود في تفسير الآية.
وتفسير علي وتفسير ابن عباس وتفسير حذيفة بن أسيد الغفاري وحذيفة بن اليمان كاتم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ذلك، حيث قالوا:
الدخان سيكون علامة من علامات الساعة؛ لقول الله: يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:11] وليس قريشاً وحدها، فيسلطه الله على الخلق كلهم ويغشى الناس كلهم.
ولقوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ) ودخان قريش هذا إنما كان تخيلات نتيجة الجوع والقحط، وليس هو دخاناً في الواقع، كشأن من يجوع وشأن من يكاد يغمى عليه، فيظهر له أن الجو أصبح دخاناً، والأمر ليس كذلك، وإنما هي خيالات وأوهام صادرة من نفس ذلك الجائع والبائس والممتحن، وإلا فالسماء ليس فيها دخان.
أما أن الدخان سيكون في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى؛ فذلك ما ثبتت به الأحاديث المتواترة المستفيضة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج من بيته فإذا به يرى قوماً يتذاكرون، فوقف عليهم فقال: فيم تتحاورون؟ فقالوا: في الساعة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بينكم وبين الساعة عشر علامات: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدابة، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس تبيت معهم وتصبح معهم، ونزول الدخان من السماء يبقى أربعين يوماً وأربعين ليلة يغشى الناس يجدون له عذاباً أليماً، لا يشعر المؤمن منه إلا كما يشعر المزكوم بالزكام، والكافر والمنافق يأتيه هذا الدخان فيدخل خياشيمه وآذانه وفمه وعينيه ودبره وجميع منافذ بدنه فيلقى منه عذاباً أليماً).
وهذا الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتفق مع ظاهر الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:10-11]، ليس قريشاً وحدها، ولكن يغشى الناس كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ويكون عذاباً أليماً وعذاباً مهيناً، وأما الدخان الذي وصفه ابن مسعود فهو - في الحقيقة - ليس عذاباً؛ لأنه لا وجود له، وإنما هو متوهم، ولكن العذاب هو نتيجة جوعهم وبؤسهم ومرضهم، وليس نتيجة دخان ينزل من السماء.
قوله تعالى: يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:11].
أي: فيصيحون له ويتألمون ويقولون: هذا عذاب مؤلم موجع.
ثم يرفعون الأيدي ضارعين صارخين: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12]، فيضرعون إلى الله يرجون أن يرفع عنهم غضبه وعقابه ونقمته بأن يرفع هذا الدخان المؤلم الموجع.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الدخان [1-7] | 1759 استماع |
تفسير سورة الدخان [17-29] | 1713 استماع |
تفسير سورة الدخان [56-59] | 1433 استماع |
تفسير سورة الدخان [38-56] | 1386 استماع |
تفسير سورة الدخان [30-37] | 1298 استماع |