تفسير سورة النمل [45-53]


الحلقة مفرغة

قال الله جل جلاله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ [النمل:45] .

يخبرنا الله جل جلاله بأنه أرسل إلى قبائل ثمود أخاهم صالحاً، أي: أخاهم نسباً وعشيرة وقد كانوا ذوي حضارة وذوي بأس وذوي قوة، ولكنهم مع ذلك كانوا أهل شرك، وأهل ظلم، وأهل إفساد فأرسل الله إليهم نبيه صالحاً يأمرهم بعبادة الله وحده وتركهم لعبادة الأوثان والأصنام، فطلبوا معجزة، وهي أن يخلق الله لهم ناقة طولها كذا وعرضها كذا، وأن تكون حاملة في شهرها العاشر، وأن ينفجر بها صخر فتخرج كما لو عاشت قبل ذلك سنين، فكان ذلك، فما زادهم ذلك إلا عتواً واستكباراً وظلماً في الأرض.

لقد أمرهم الله تعالى بواسطة نبيهم صالح أن يعبدوا الله وحده ويتركوا الأوثان والأصنام فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ [النمل:45] فأصبحوا فريقين: فريق آمن بالله وترك الأوثان والأصنام، وفريق بقي على شركه وبقي على وثنيته، فضاروا يختصمون: هذا ينصر دينه الباطل، والمؤمنون ينصرون دينهم ويستدلون على صحته بما ورد عن صالح من المعجزات، وبما عرفته نفوسهم وآمنت به عقولهم مما لا ينكره ذو عقل سليم.

قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].

وعندما دعاهم صالح إلى عبادة الله وهددهم وأنذرهم بعقوبة الله أخذ أهل الكفر يستعجلون هذه العقوبة، وأخذوا يقولون له: إن كنت صادقاً فأرنا ما عندك، فقال لهم: قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ [النمل:46].

أي: (قال) صالح: (يَا قَوْمِ) وهم قومه وأبناء عشيرته (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) تطلبون العجلة بالسيئة والعقوبة والبطش والعقاب قبل الحسنة؟

وقال لهم: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46] أي: أما كان الواجب عليكم عوضاً عن أن تطلبوا السيئة والعقوبة أن تستغفروا الله من ذنوبكم لعله يرحمكم، ولعله ينجيكم من عذابه وعقوبته.

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي: لعل الله ينقذكم وينجيكم من عذابه ومن عقوبته ويرحمكم بذلك.

وتلك عادة الكافرين قديماً وحديثاً، وهكذا قال كفار العرب أيضاً، وهكذا قال الكفار الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزالون يقولون ذلك ويتحدون الحق ويطلبون أن يحل بهم العذاب والنقمة، وهو حال لا محالة.

وإذا بهم يجيبونه جواب الكافرين المعهود منهم قديماً وحديثاً: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل:47] .

قوله: (اطيرنا) أي: تطيرنا، أي: تشاءموا بصالح ورسالته وبمن آمنوا به وتركوا عبادة الأوثان والأصنام، وهذا من فساد عقولهم، إذ عندما حدث ما حدث عاقبهم الله بالجدب، فقل الزرع وجاعوا، فأصبح هذا يدافع عن دينه الحق، وذاك يدافع عن باطله، فمن أجل ذلك قالوا: لو لم يكن صالح ولو لم تكن دعوته لكنا في غير خصام ولا نزاع، أي: سيبقون متوحدين بالوثنية، وما أدراهم بذلك؟! فالله يمهل ولا يهمل جل جلاله.

فقال لهم صالح: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ)، والتطير كان من عادة العرب، حيث كانوا إذا أرادوا عملاً يأتون إلى الطير وهي في أعشاشها، فيزجرونها لتطير، فإن طارت يميناً تفاءلوا بخير، وإن طارت شمالاً تشاءموا بشر.

تطيرنا أي: وجدوا طائر الشؤم في صالح وفي رسالته ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فالله فاعل الخير، وهو فاعل كل شيء، فما من خير إلا برحمته، وما من شر إلا بعقابه، فهو خالق الخير وخالق الشر.

وهنا يقول صالح لقومه: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أي: الله جل جلاله هو الخالق للخير والخالق للشر، خلق الخير برحمته وجعل الشر عقوبة لأهل الشر، وما من عقوبة إلا بذنب.

قال تعالى: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) تشاءموا بصالح وبمن آمن معه وبمن أسلموا ودعوا إلى الله وتركوا عبادة الأوثان والأصنام، فقال لهم صالح: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) فهو خالق الخير وخالق الشر، يخلق الخير رحمة بعباده، والشر عقوبة لأهل الشر من الكفرة والمخالفين.

ثم عاد صالح فقال لهم: (بل أنتم قوم تفتنون) أي: بل أنتم -يا هؤلاء- قوم فتنكم الله واختبركم وابتلاكم بالخير والشر، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، فالخير يكون فتنة والشر كذلك، أي: ابتلاء من الله ليرى عبده هل سيصبر على البلاء أم سيكفر؟ وهل سيشكر الله ويحمده على الخير أم سيطغى ويتجبر، فالشر ابتلاء وفتنة، والخير ابتلاء وفتنة والكل من الله جل جلاله.

ثم قال الله عن قادة الكفر والفساد: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل:48].

كان في أرض ثمود في الحجر بين حدود الحجاز والشام تسعة رهط، والرهط: الجماعة، ومعنى ذلك أنهم تسعة رجال يتزعمون تسع جماعات بأنواع الفساد، وأنواع الفتنة، وأنواع الكفر، يؤلبون على رسول الله صالح عليه السلام، ويؤلبون على من آمنوا به من أقوامهم وعشائرهم، وهؤلاء التسعة هم من كبرائهم وزعمائهم، وذكروا لهم أسماء، وما تلك الأسماء إلا عن مثل وهب بن منبه وكعب الأحبار وأمثالهما، والقول بذلك لا يسانده آية من كتاب الله ولم تؤيده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسماء هؤلاء الرهط التسعة لا يزيدون ولا ينقصون، وإنما ضربوا مثلاً في أعمالهم لا في أسمائهم، ولو كان في أسمائهم مغزى وفائدة لذكرت أسماؤهم في القرآن أو لذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ [النمل:48] أي: في مدينة الحجر -مدينة قوم ثمود- تسعة أشخاص من زعمائهم وكبرائهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، حيث يخالفون، ويؤلبون على أهل الحق، ويدعون لعبادة الأوثان والأصنام، فما قال صالح من دعوة إلى الله إلا وأتى هؤلاء التسعة فخالفوه ودعوا قومهم إلى عدم طاعته وعدم امتثال أمره.

قال سعيد بن المسيب : كان يأتون إلى الدنانير والدراهم فيقطعونها ويكسرونها، وينقصون من وزنها، فيأخذون حقوق الناس في هذه الدنيا، وهذا أمر قد حرمته الشريعة، وحرمته الشرائع السابقة.

هذا وقد كان جرمهم وإفسادهم أكبر من ذلك، وليس بعد الكفر ذنب، فهم يدعون إلى الكفر وإلى الشرك وإلى البقاء على عبادة الأصنام وترك الإيمان بالله، ومخالفة رسول الله صالح نبيهم، فهم مفسدون بكل نوع من أنواع الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالله وصفهم بالإفساد وعدم الإصلاح.

ثم قال الله تعالى عن هؤلاء المفسدين التسعة: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [النمل:49].

أي: تآمروا وتحالفوا بالله، فليذهب كل واحد منا حالفاً بالله ومقسماً به، ومعناه: أنهم كانوا يؤمنون بالله ويشركون به أوثانهم وأصنامهم.

قال تعالى: (قالوا) أي: هؤلاء الرهط التسعة (تقاسموا) يأمر بعضهم بعضاً، أي: ليقسم كل واحد منا وليحلف بالله، (لنبيتنه وأهله) أي: سنذهب إليه بياتاً، وأكدوا ذلك بلام القسم وبنون التوكيد الثقيلة، أي: سنقتله غدراً ليلاً، ونقتل معه أهله، ليبقي عملنا سراً لا يطلع عليه أحد ولا يخبر به أحد أحداً، فنحن سنقتل صالحاًومن نجده معه من أهله، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ويقصدون بأهله الذين أسلموا وآمنوا به، ويقصدون بالولي هنا الورثة أولياء الدم.

أي: سيقسمون للوارث لصالح ولأهل صالح على أنهم ما شهدوا وما حضروا مهلكه ولا مهلك أهله، مؤكدين ذلك بلام القسم وبنون التوكيد.

قال تعالى عنهم: (وإنا لصادقون) أي: أقسموا بالله على غدره وقتله وقتل أهله، وبعد قتله في زعمهم سيقسمون لوليه ولوارثه قائلين: ما شهدنا مقتلاً وما شهدنا هلاكاً، وإننا لصادقون ما كذبنا. وهكذا الغدر، وهكذا الوثنية والكفر.

قال تعالى عنهم: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:50].

مكر هؤلاء التسعة الرهط، أي: غدروا وخانوا، واتخذوا الغدر حيلة في زعمهم، فسيتسترون بالظلام ليلاً ليقتلوا صالحاً وهو نائم حيث لا يشعر بهم، وليقتلوا أهله حيث لا يشعرون بهم، ثم يقسمون لأوليائهم على أنهم لم يشهدوا ولم يحضروا ولم يعلموا ولم يسمعوا مقتلهم، وإنهم لصادقون.

قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا فمكرهم غدر وخيانة، ومكر الله بهم جزاء على مكرهم، وإنما التعبير بالمكر من باب المشاكلة والمشابهة في اللفظ، أي: هذا المكر الذي مكروه كانوا يمكرونه بأنفسهم وهم لا يشعرون، فما كانوا ليشعروا بجزاء الله على مكرهم، وبأن مكر الله أتم وأكبر، وسيكون المدمر والمهلك أبداً لهم ولأقوامهم، كشأن كل كافر غادر وكل عدو متربص بالدعاة إلى الله من أنبياء وورثة الأنبياء.

قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:50] فلم يشعروا بمكر الله بهم.

قال تعالى: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل:51].

لقد جاءوا ليلاً ودخلوا مغارة ليهيئوا عدة سلاحهم وكانوا قريبين من صالح وأهله، وإذا بهذا الكهف الذي دخلوه تسقط عليهم الحجارة منه فأصبحوا هلكى جميعاً.

وكان هذا العذاب بعدما قتل هؤلاء التسعة الرهط الناقة بعد أن طلبوها لتكون معجزة لصالح داعية إلى إيمانهم وإسلامهم، وقد اشترطوا أن تخرج من صخرة، وأن تكون عشراء، أي: في شهرها العاشر من الحمل، فكان الأمر كما طلبوا، فما زادتهم هذه المعجزة التي طلبوا إلا إصراراً على الكفر، وتعالياً وتكبراً على نبي الله صالح وعلى من آمنوا به واتبعوه، فذهبوا فقتلوا الناقة، فأنذرهم صالح ثلاثة أيام ليحل بهم في اليوم الثالث الهلاك والدمار، ولذلك قال هؤلاء الثلاثة بعد قتل الناقة وإنذار صالح لهم خلال ثلاثة أيام: سنستبقه فنقتله في اليوم الأول قبل الوصول إلى اليوم الثالث من الهلاك، فنقتله وأهله جميعاً، فمكروا مكراً، وكان مكر الله وعقوبته أسرع من مكرهم السوء، ومن استعلائهم واستكبارهم في الأرض، فما كادوا يصلون إلى باب منزل صالح حتى استقبلتهم الحجارة من كل جانب، وكان الذي يضربهم بها ملائكة الله، فكانوا يرون الضرب ولا يرون الضارب، وسالت دماؤهم ثم هلكوا، فجاء قومهم صباحاً وقالوا لصالح: أنت الذي قتلتهم.

وعندما أنذرهم ظهر في اليوم الأول خراج أحمر في كل شخص من الكافرين، وفي اليوم الثاني صار أصفر، وفي اليوم الثالث ضربوا حتى أصبحوا كالعهن المنفوش، وأصبحوا كالعصف المأكول، كما وصف الله الذين جاءوا لتدمير الكعبة في السنة التي ولد فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فرموا بتلك الحجارة فجعلتهم كعصف مأكول.

ففي اليوم الثاني من تلك الأيام الثلاثة جاء جبريل فصاح بهم صيحة فقئت منها مراراتهم، وتمزقت منها أكبادهم، وأصبحوا جاثمين كأن لم يغنوا بالأمس، وأصحبوا كأنهم أعجاز نخل خاوية، فلا ترى لهم من باقية، قال تعالى: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل:51]، فكانت العاقبة والنهاية لمكرهم وعصيان صالح ومحاولة قتله أن دمرهم الله تدميراً، وأهلكهم إهلاكاً، ومزقهم تمزيقاً، فأصبحوا وكأن لم يكونوا يوماً.

قال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:52].

وقد كان هذا في عصر نزول القرآن، حيث بقيت آثار ديارهم، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر على الحجر، فأخذ الجيش من ماء الحجر وعجنوا به وجعلوه للشرب والسقاية، وعندما علم ذلك صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يعلفوا العجين الدواب، وأمرهم بالخروج منها، وكانت آثارهم لا تزال باقية، كما قال الله تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً [النمل:52]، (أي): حال كونها خاوية.

أي: انظروا إليها، فالحجر في حدود البلاد المجاورة لكم، فقوله تعالى: (فتلك بيوتهم) إشارة قريبة إلى بيوتهم ومساكنهم وحضارتهم ومنازلهم.

(خاوية): خالية من حركاتهم ومن طغيانهم وجبروتهم.

(بما ظلموا) أي: بسبب ظلمهم، والظلم مدمر، والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.

ومن هنا جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، والظلم يدع الديار بلاقع، وكما يدين الفتى يدان، وكما يفعل بغيره يسلط الله عليه من يجازيه بمثل فعله في الدنيا، ولعذاب الله في الآخرة أشد وأنكى.

قال تعالى: (إن في ذلك) أي: في قصة صالح وثمود وعقوبة الله لهم وتدمير الله لظالميهم، وقصة التسعة الرهط من قادتهم وزعمائهم.

(لآية) أي: لعلامة على قدرة الله وعظمة الله وبطش الله بالظالمين الكافرين، ومعنى ذلك أن من يفعل فعلهم ممن عاصروا نبيهم أو أتوا بعد نبيهم من أمته فكذلك يجازون وكذلك يعاقبون وكذلك يدمرون.

قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:52] أي: يعلمون هذا ويقرءونه، ويطلعون عليه، ويعلمون سير الرسل والأنبياء مع أقوامهم، وكيف كان العقاب وكيف كان الجزاء بهلاكهم وتدميرهم والقضاء عليهم.

قال تعالى: وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [النمل:53].

أنجى الله الذين آمنوا بصالح من قوم ثمود، وكانوا يتقون الله بعدم معصيته، وعدم المخالفة لنبيه صالح، فهؤلاء لم يدمرهم الله ولم يهلكهم، بل أورثهم الأرض التي كانت لهؤلاء الكافرين، وجعلهم سادة الأرض وملوكها وقادتها والمحكمين فيها، وهي سنة الله جل جلاله في المؤمنين مع الكافرين، كما أورث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أرض الكافرين في جزيرة العرب وأرض فارس والروم وأرض كل كافر بالله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ...).

فهذه هي قصة صالح بما فيها من معانٍ وعبر لكل مؤمن.

ثم ننتقل منها حيث نقلنا الله جل جلاله إلى قصة لوط، وتأتي قصة لوط باستمرار بعد ذكر قصة صالح.