تفسير سورة النمل [28-33]


الحلقة مفرغة

قال تعالى: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:28].

نادى سليمان أحد كتبته وأملى عليه سطرين أو ثلاثة، ثم أعطى الكتاب للهدهد وقال له: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ [النمل:28]، أي: ارمه إلى هؤلاء القوم الذين ذكرت، فأعطه لملكتهم التي تحكمهم وتملكهم.

ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ [النمل:28] أي: ابتعد قليلاً فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:28] أي: اسمع قولهم في هذا الكتاب، فما هو جوابهم وبم يعلقون عليه، وكيف سيستقبلونه، فهل سيستقبلونه مطيعين مستسلمين، أم عصاة مخالفين، كل ذلك أجبني عنه، وإنه لغريب في الدنيا أن يكون الهدهد سفير ملك إلى ملك، وسفير دولة إلى دولة، ولكن هذا من معجزات الأنبياء ومن خصائص سليمان، ومما خصه الله به من تسخير الدواب والجن والإنس والرياح، فهذا من عجائب قدرة الله، ولا عجب في قدرة الله التي أعطاها لسليمان.

وقد كان سليمان أعظم سلطاناً، وأدوم ملكاً وأوسعه، وكان داود أكثر عبادة، وكان كل منهما رسولاً كريماً على الله جل جلاله.

فذهب الهدهد بالكتاب يصل الوقت بالوقت إلى أن أصبح على رمية حجر من الغرفة الخاصة بـبلقيس ، وكانت مستلقية على قفاها منفردة بنفسها في خلوتها، فرمى بالرسالة كما أمره سليمان، على صدرها، ثم رجع إلى النافذة ينتظر ما ستفعله ليبلغ مولاه الملك النبي سليمان عليه السلام.

قال تعالى: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ [النمل:28] إلقاء، ولم يسلمه؛ إذ قد يقبض على الهدهد، ويعتبر طائراً غريباً، ويسجن في قفص، فلو سجن لمات، ولما احتمل القيد بعد الحرية.

قال تعالى: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:28].

وتأخذ بلقيس الكتاب، وتتعجب من الرسول، ومن حمله للرسالة، وتتعجب من كون الكتاب من سليمان، وكان اسم سليمان قد طبق الشرق والغرب في عجائبه وفي غرائبه وفي تنوع جيشه، وفي تسخير الهواء له، وفي تسخير الطير له والدواب والجن، فكيف ستجيب هذا الملك العظيم الذي يقول: إنه نبي؟! فدهشت وذهلت.

ونادت قومها، ودعت من يدعو الملأ، والملأ: أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم، فاجتمعوا، وإذا بها تخبرهم بما حدث، قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:29-31].

رسالة في سطرين، ولكن لدهشتها وذهولها وصفت الكتاب بأنه كريم، وما وجه كرامته؟! وما وجه شرفه؟! والجواب: كونه من سليمان، فسليمان كلمها وكتب إليها، وإن كان أمرها بأن تأتي مستسلمة، وإلا فسيفتك بها وبجندها وببلادها، ومن الذي يستطيع أن يحارب سليمان ليحارب الجن والإنس والدواب والطير، وهو مع ملكه نبي لله ورسول من الله إلى الخلق؟!

قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29] أي: وصلني كتاب ألقي إلي إلقاءً وما أخبرتهم بالهدهد، ولو فعلت لتلقوا الخبر بالاستغراب والتبسم، ولرأوا أن الأمر ليس بجد، وإنما هو إلى المزاح أقرب، ولكن دخلت في الموضوع من أول مرة؛ لأن الكتاب بيدها، فقالت: يَا أَيُّهَا المَلَأُ يا أيها الأشراف، يا أيها السادة، يا قوم، يا كبار عشيرتي وكبار دولتي: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29].

وهي بذلك تلفت أنظارهم، فكل واحد سيفكر قائلاً: من أين جاء الكتاب؟ وما النتيجة من هذا الكتاب؟ وما الذي أزعج الملكة؟ ولا شك في أنها كانت تكلمهم وتخبرهم بهذا الخبر وهي على غاية ما يكون من الانزعاج والقلق، مهددة في ملكها، ومهددة في سلطانها ممن لا تستطيع أن تقاتله ولا تحاربه ولا تقابل قوته بقوتها مهما كانت قوية.

معنى قوله تعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم)

قال تعالى: قَالَتْ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29] ممن؟ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ [النمل:30].

قال جمهور المفسرين: إن سليمان كتب: (من سليمان إلى ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم)، والأولى أن يقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان إلى بلقيس ملكة سبأ.

أما أن يقال: ( من سليمان إلى ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم) فليس هذا شأن الرسائل النبوية، ولا كانت رسائل الخلفاء الراشدين على هذه الطريقة، ولا كان ذلك معروفاً من المراسلة بين كبار القوم صحابة وتابعين.

والذي يظهر أنها أخبرتهم بعد أن وصفت الكتاب وشرفته فقالت: يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ [النمل:29-30] تخبرهم وتقول لهم: هذا الكتاب كريم؛ لأنه من سليمان، فهو الذي كتب إلي، وهو الذي تحدث إلي، وهو الذي قال ما سأمليه عليكم بالنص، فنصه: (بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين).

أمرهم أن لا يعلوا عليه، وألا يتكبروا، وأن لا يتجبروا، وأن يأتوه مستسلمين خاضعين، لا مسلمين بمعنى الإسلام، ولكن أمرهم بأن يأتوه ليحقق معهم، وليعلم قصتهم، إذ كيف يمكن أن يوجد قريباً منه من يعبد الشمس من دون الله، ويدعوا لها قومه، ويدعوا لها الناس، وهو نبي الله بين ظهرانيهم، أيجوز له أن يقرهم على ذلك، وأن يقبل ذلك منهم؟! كلا.

أهمية الاستفتاح بالبسملة

قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

فالبسملة الكريمة التي عرفت في شريعتنا سبق أن استعملها سليمان الملك نبي الله ابن داود الملك نبي الله.

وهذه البسملة في القرآن الكريم ليست محلاً للريب ولا الشك، فهي البسملة المؤكدة، وما عداها في أول السور ابتداءً من الفاتحة إلى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ففيها خلاف، فالجمهور على أن تلك البسملات للتيمن، وللتبرك، ولافتتاح تلاوة كلام الله وذكره ووحيه، وفي الحديث النبوي الصحيح: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر)، وفي رواية: (أقطع)، وفي رواية: (أجذم)، والمعنى واحد.

فكل كلام، وكل خطبة، وكل رسالة، وكل محاورة، وكل درس لا يبتدأ فيه بذكر الله و(بسم الله الرحمن الرحيم) أبتر ناقص، ممحوق البركة، لا يكون كاملاً، فإذا قال المرء: (باسم الله) أي: أتيمن بذكر اسم الله جل جلاله، وأستعين باسمه وبعونه وبإرادته على أن أتم قولي، وأتم كلامي، وأتم دروسي، وأتم تفكيري، فإنه يوشك لأجل هذا أن يستجيب الله له، وأن يمكنه من تحقيق رغبته وأمنيته، وأن يكون عمله مباركاً ناجزاً تاماً، فهذا من بركة (بسم الله الرحمن الرحيم).

ولذلك كانت الرسائل المحمدية النبوية التي كان يرسل بها كبار أمراء وسفراء وضباط وقادة جيوشه، كلها كان يبتدئها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، كتبت لمسلمين أو كتبت لكافرين.

والفرق بين الرسائل المرسلة للمؤمنين والرسائل المرسلة للكافرين أن الرسائل المرسلة للمسلمين تبتدئ بـ(السلام عليكم)، والمرسلة للكافرين يكون القول فيها: (السلام على من اتبع الهدى)؛ لأنه لا سلام على وثني مشرك، أو كافر، ومن باب أولى على اليهود ألعن خلق الله على الإطلاق، فلا يقال لهم: (السلام عليكم) بحال، فمن فعل ذلك كان جاهلاً جهلاً مركباً ومؤدياً ما لا يليق لكافر، وما لا يصح إلا لمسلم، فضلاً عن أن يكون ذلك لأذل الخلق وأشدهم لعنة وغضباً، إخوان القردة والخنازير وعبدة الطاغوت.

فالبدء بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، كان شأن رسائل الخلفاء الراشدين، وهكذا كانت رسائل من بعدهم من التابعين والصالحين، وهكذا الكتب، وهكذا المؤلفات، وهكذا المجالس، كلها تبتدأ بـ(باسم الله)، أولاً اقتداءً بما ورد في القرآن عندما ذكر الله لنا رسالة سليمان دون اعتراض، وأي اعتراض على (بسم الله الرحمن الرحيم) والنبي عليه الصلاة والسلام قد اتبع ذلك؟! فما ترك رسالة من رسائله إلا وافتتحها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

وفي عصرنا هذا عصر الفجور والنفاق والخلاعة وما إلى ذلك من أنواع الفسق والفجور، أخذ الناس يبتعدون عن أن يبتدءوا المجالس باسم الله، أو الكتب باسم الله، ويعدون ذلك من المخلفات، ومن الرجعيات، ليمحق الله تعالى عملهم، ويزيل عنه البركة، واليُمن، والتمام، فيبقى العمل أشبه بالتبن، فلو أكل الإنسان التبن لكاد أن يغص به، والمرء بذلك يبتعد عن آداب القرآن، والآداب النبوية، وآداب السلف الصالح.

قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] أي: إن الشأن -يا بلقيس - أن أبتدئ قولي وعملي وكتابي إليك بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) الخالق، الذي لا أول له، ولا آخر له، ولا معبود معه.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] فهو الرحمن يرحم من تاب إليه واستغفر من ذنوبه وخرج من الشرك إلى الإيمان، الرحيم بعباده، حيث يقبل التوبة من كل من تاب.

ثم دخل في الموضوع فقال: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ [النمل:31] فلا تتعاظموا ولا تتكبروا، وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]، فلا تقولي: إني ملكة، وإن لي دولة، وإن لي شأناً، فكيف أستجيب لملك بمجرد كونه دعاني؟! لا تفعلوا ذلك، وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31].

قال تعالى: قَالَتْ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29] ممن؟ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ [النمل:30].

قال جمهور المفسرين: إن سليمان كتب: (من سليمان إلى ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم)، والأولى أن يقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان إلى بلقيس ملكة سبأ.

أما أن يقال: ( من سليمان إلى ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم) فليس هذا شأن الرسائل النبوية، ولا كانت رسائل الخلفاء الراشدين على هذه الطريقة، ولا كان ذلك معروفاً من المراسلة بين كبار القوم صحابة وتابعين.

والذي يظهر أنها أخبرتهم بعد أن وصفت الكتاب وشرفته فقالت: يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ [النمل:29-30] تخبرهم وتقول لهم: هذا الكتاب كريم؛ لأنه من سليمان، فهو الذي كتب إلي، وهو الذي تحدث إلي، وهو الذي قال ما سأمليه عليكم بالنص، فنصه: (بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين).

أمرهم أن لا يعلوا عليه، وألا يتكبروا، وأن لا يتجبروا، وأن يأتوه مستسلمين خاضعين، لا مسلمين بمعنى الإسلام، ولكن أمرهم بأن يأتوه ليحقق معهم، وليعلم قصتهم، إذ كيف يمكن أن يوجد قريباً منه من يعبد الشمس من دون الله، ويدعوا لها قومه، ويدعوا لها الناس، وهو نبي الله بين ظهرانيهم، أيجوز له أن يقرهم على ذلك، وأن يقبل ذلك منهم؟! كلا.

قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

فالبسملة الكريمة التي عرفت في شريعتنا سبق أن استعملها سليمان الملك نبي الله ابن داود الملك نبي الله.

وهذه البسملة في القرآن الكريم ليست محلاً للريب ولا الشك، فهي البسملة المؤكدة، وما عداها في أول السور ابتداءً من الفاتحة إلى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ففيها خلاف، فالجمهور على أن تلك البسملات للتيمن، وللتبرك، ولافتتاح تلاوة كلام الله وذكره ووحيه، وفي الحديث النبوي الصحيح: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر)، وفي رواية: (أقطع)، وفي رواية: (أجذم)، والمعنى واحد.

فكل كلام، وكل خطبة، وكل رسالة، وكل محاورة، وكل درس لا يبتدأ فيه بذكر الله و(بسم الله الرحمن الرحيم) أبتر ناقص، ممحوق البركة، لا يكون كاملاً، فإذا قال المرء: (باسم الله) أي: أتيمن بذكر اسم الله جل جلاله، وأستعين باسمه وبعونه وبإرادته على أن أتم قولي، وأتم كلامي، وأتم دروسي، وأتم تفكيري، فإنه يوشك لأجل هذا أن يستجيب الله له، وأن يمكنه من تحقيق رغبته وأمنيته، وأن يكون عمله مباركاً ناجزاً تاماً، فهذا من بركة (بسم الله الرحمن الرحيم).

ولذلك كانت الرسائل المحمدية النبوية التي كان يرسل بها كبار أمراء وسفراء وضباط وقادة جيوشه، كلها كان يبتدئها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، كتبت لمسلمين أو كتبت لكافرين.

والفرق بين الرسائل المرسلة للمؤمنين والرسائل المرسلة للكافرين أن الرسائل المرسلة للمسلمين تبتدئ بـ(السلام عليكم)، والمرسلة للكافرين يكون القول فيها: (السلام على من اتبع الهدى)؛ لأنه لا سلام على وثني مشرك، أو كافر، ومن باب أولى على اليهود ألعن خلق الله على الإطلاق، فلا يقال لهم: (السلام عليكم) بحال، فمن فعل ذلك كان جاهلاً جهلاً مركباً ومؤدياً ما لا يليق لكافر، وما لا يصح إلا لمسلم، فضلاً عن أن يكون ذلك لأذل الخلق وأشدهم لعنة وغضباً، إخوان القردة والخنازير وعبدة الطاغوت.

فالبدء بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، كان شأن رسائل الخلفاء الراشدين، وهكذا كانت رسائل من بعدهم من التابعين والصالحين، وهكذا الكتب، وهكذا المؤلفات، وهكذا المجالس، كلها تبتدأ بـ(باسم الله)، أولاً اقتداءً بما ورد في القرآن عندما ذكر الله لنا رسالة سليمان دون اعتراض، وأي اعتراض على (بسم الله الرحمن الرحيم) والنبي عليه الصلاة والسلام قد اتبع ذلك؟! فما ترك رسالة من رسائله إلا وافتتحها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

وفي عصرنا هذا عصر الفجور والنفاق والخلاعة وما إلى ذلك من أنواع الفسق والفجور، أخذ الناس يبتعدون عن أن يبتدءوا المجالس باسم الله، أو الكتب باسم الله، ويعدون ذلك من المخلفات، ومن الرجعيات، ليمحق الله تعالى عملهم، ويزيل عنه البركة، واليُمن، والتمام، فيبقى العمل أشبه بالتبن، فلو أكل الإنسان التبن لكاد أن يغص به، والمرء بذلك يبتعد عن آداب القرآن، والآداب النبوية، وآداب السلف الصالح.

قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] أي: إن الشأن -يا بلقيس - أن أبتدئ قولي وعملي وكتابي إليك بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) الخالق، الذي لا أول له، ولا آخر له، ولا معبود معه.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] فهو الرحمن يرحم من تاب إليه واستغفر من ذنوبه وخرج من الشرك إلى الإيمان، الرحيم بعباده، حيث يقبل التوبة من كل من تاب.

ثم دخل في الموضوع فقال: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ [النمل:31] فلا تتعاظموا ولا تتكبروا، وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]، فلا تقولي: إني ملكة، وإن لي دولة، وإن لي شأناً، فكيف أستجيب لملك بمجرد كونه دعاني؟! لا تفعلوا ذلك، وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31].