تفسير سورة النمل [62-64]


الحلقة مفرغة

قال الله جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

يذكر ربنا جل جلاله جملة من آياته الكريمات في كلامه الشريف الكريم دلالة على قدرته، ودلالة على وحدانيته، ودلالة على أنه الواحد لا شريك له، ولا أحد يستحق عبادة أو إلهية أو ربوبية غيره جل جلاله، فيقول جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

فيا أيها الناس من مؤمنين ومشركين! من الذي يستجيب للمضطر إذا دعاه، وكان في بلاء، أو كان في قهر، أو كان في ذل، ويكشف ما ابتلي به الإنسان من قهر ومرض وذل واستعباد إذا رفع يديه إلى الله ضارعاً وقال: (يا رب)؟! فمن الذي يستجيب له؟! ومن الذي يكشف عنه ضره؟! وهل يفعل هذا غير الله؟! هل تفعله تلك الأصنام وتلك الأوثان؟! وكل خلق الله هل يقدرون على أن يزيلوا كرب الناس وسوءهم؟! وهل يستطيعون أن يزيلوا ما يعيشون فيه من ضر وبلاء وسوء؟! فتعالى الله القادر على كل شيء، ملجأ كل فقير، وكل مريض، وكل مقهور، وكل مضطر لرحمته، ولا غنى بأحد من الخلق عن رحمته جل جلاله.

ولا ينكر ذلك إلا من ذهب عقله، وكثر الران على قلبه، فلا يميز بين نهار وليل، وبين حق وباطل، وبين نور وضلال.

وطالما ابتلي الناس بأضرار، فما زادوا عند دعاء ربهم على أن نادوا: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، فاستجاب الله جل جلاله.

وتحضرني هنا قصة حكاها ابن كثير في التفسير، وهي أن رجلاً كان يكاري على بغل له بين مدينة دمشق إلى بلدة الزبداني، فركب معه رجل ذات مرة، فمرا على طريق غير مسلوكة، فقال له الراكب: خذ هذا الطريق فهو أيسر وأقرب، فقال له: هذه طريق مجهولة. فقال: بل هي أقرب، فتبعه ودخل إلى أن وصلا إلى مكان وعر وواد عميق، فرأى جثث موتى، وعظاماً لبشر، فنزل ذلك الراكب وأخذ سكيناً ليقتل الرجل، فقال له: خذ هذا البغل ودعني، فقال: البغل قد أصبح ملكي، ولابد من قتلك.

فاستسلم له ثم قال: إن كان ولابد فدعني أصلي لله ركعتين. فقال: عجل، قال: فقلت: الله أكبر، فأرتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرف، وهو يعجلني، وإذا بي أتذكر هذه الآية الكريمة، فأخذت أضرع إلى الله، وأقول: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، وإذا بفارس يظهر وبيده حربة، فيأتي إلى هذا الظالم ويطعنه بها فيصرعه على الأرض، فلما قضيت صلاتي التفت فرأيت ذلك فقلت للفارس: يا عبد الله! قل لي من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي تضرعت إليه ودعوته!

وهكذا أنقذه الله وأنجاه، فالله جل جلاله عليه الإجابة وعلينا الدعاء، كما قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

وهنا يقول جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62].

فيا من تعبدون غير الله وتشركون به سواه! إن وقعتم في بلاء وضر وذلّ، فمن ذا الذي إذا دعوتموه استجاب لكم، وكشف ما بكم من ضر؟! هل آلهتكم هذه الميتة الجامدة التي لا تضر ولا تنفع، وتُخلق ولا تَخلق، ولا تعي ولا تسمع، أم الله الذي يقدر على رفع الضر وكشف السوء سواه؟!

معنى قوله تعالى: (ويجعلكم خلفاء الأرض)

يقول تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62].

أي: فمن الذي يجعلكم خلفاء يخلف بعضكم بعضاً، حيث يكون الأجداد، ثم يخلف الأجدادَ الأبناء، ثم يأتي بعدهم الأسباط والأحفاد، وهكذا خلف من بعد سلف، يخلف بعضنا بعضاً.

فقد كانت الدنيا لأجدادنا فخلفهم آباؤنا، وهي اليوم لنا، وستكون بعدنا لأبنائنا، وهكذا يذهب عصر ويأتي عصر، ويفنى جيل ويأتي جيل، ويبقى الله الواحد القهار: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

فمن الذي جعل بعضنا يخلف بعضاً، ويجعل من الماء بشراً سوياً كاملاً، ثم يجعل من الرجل الكامل تراباً وكأنه لم يكن؟! فهل يقدر على ذلك الآلهة الباطلة والأصنام الحجرية؟! لا أحد يقدر على ذلك إلا الله، فهو القادر على كل ذلك.

أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62]، فربنا جل جلاله يذكر لنا بعض أنواع قدرته، وأنواع خلقه، وأنواع رزقه، ثم يقول لنا: هل مع الله إله سواه يقدر على ذلك؟!

باسم الله الأعظم

وطالما تساءل الناس: ما هو اسم الله الأعظم؟! وقد ورد في الحديث المتواتر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)، ومن هذه الأسماء اسم ما دعي به الله جل جلاله إلا وأجاب الداعي، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وقد ذكر العلماء كثيراً من الأسماء كل يرى أن ما ذكره هو الاسم الأعظم.

ولكن الذي قاله المحققون، والذي قاله العلماء العارفون هو أن اسم الله الأعظم هو الذي يقال ساعة الاضطرار عندما يكون الإنسان في ضر وفي ضيق وفي بلاء، فيرفع يده إلى الله جل جلاله قائلاً: يا رب! أنت القادر على كل شيء، فلا أحد يستطيع كشف ما بي إلا أنت، ولا ينصرني سواك.

فهذا الاضطرار الذي يخرج من الأعماق، والذي يقوله الداعي وهو في حالة لهفة وحالة ضرورة، فيكون دعاؤه دعاء الصادق، ودعاء الراجي، ودعاء من يعترف بأنه لا أحد يقدر على إنقاذه وكشف ضره من سلاطين الأرض وجبابرتها وطغاتها، ومن ملائكة السماء، سوى الله جل جلاله، فلا ملك ولا رسول يقدر على ذلك، والذي يقدر عليه الرسول والملك هو ما أقدره الله عليه، أو ما دعا به الله كما تدعوه أنت، وما هو إلا عبد من عبيد الله، كما أننا وكل الخلق عبيد لله جل جلاله.

معنى قوله تعالى: (قليلاً ما تذكرون)

قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

أي: فما أقل ما تتذكرون وتتفكرون وتعقلون الأمور! وما أقلّ ما تنفردون بأنفسكم، وتختلون خلوة تعيدون فيها النظر، قائلين: هل لهذا الكون من مكون ومن موجد؟!

فمن الذي خلق هذه السماوات العلى وما فيها من نجوم وكواكب ثابتة؟! ومن الذي خلق هذه الأرض وما عليها من جبال راسيات، وبحار متلاطمات، وخلق يموج بعضهم في بعض، بلغات مختلفة وملل مختلفة وأشكال متباينة؟! فهل يفعل ذلك أحد إلا الله؟! وهل خلق ذلك غير الله؟!

وقد فكر المؤمن فآمن واعتقد ذلك، ولكن غير المؤمن لم يفكر، ولم يتذكر، ولم يعِ، وإنما عاش مقلداً لآبائه الكفرة، وأجداده الفسقة، ومن اتخذهم أئمة في الكفر والشرك، فما زادوه إلا وبالاً، وما زادوه إلا مصائب، وما زادوه إلا شركاً وكفراً.

يقول تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62].

أي: فمن الذي يجعلكم خلفاء يخلف بعضكم بعضاً، حيث يكون الأجداد، ثم يخلف الأجدادَ الأبناء، ثم يأتي بعدهم الأسباط والأحفاد، وهكذا خلف من بعد سلف، يخلف بعضنا بعضاً.

فقد كانت الدنيا لأجدادنا فخلفهم آباؤنا، وهي اليوم لنا، وستكون بعدنا لأبنائنا، وهكذا يذهب عصر ويأتي عصر، ويفنى جيل ويأتي جيل، ويبقى الله الواحد القهار: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

فمن الذي جعل بعضنا يخلف بعضاً، ويجعل من الماء بشراً سوياً كاملاً، ثم يجعل من الرجل الكامل تراباً وكأنه لم يكن؟! فهل يقدر على ذلك الآلهة الباطلة والأصنام الحجرية؟! لا أحد يقدر على ذلك إلا الله، فهو القادر على كل ذلك.

أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62]، فربنا جل جلاله يذكر لنا بعض أنواع قدرته، وأنواع خلقه، وأنواع رزقه، ثم يقول لنا: هل مع الله إله سواه يقدر على ذلك؟!

وطالما تساءل الناس: ما هو اسم الله الأعظم؟! وقد ورد في الحديث المتواتر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)، ومن هذه الأسماء اسم ما دعي به الله جل جلاله إلا وأجاب الداعي، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وقد ذكر العلماء كثيراً من الأسماء كل يرى أن ما ذكره هو الاسم الأعظم.

ولكن الذي قاله المحققون، والذي قاله العلماء العارفون هو أن اسم الله الأعظم هو الذي يقال ساعة الاضطرار عندما يكون الإنسان في ضر وفي ضيق وفي بلاء، فيرفع يده إلى الله جل جلاله قائلاً: يا رب! أنت القادر على كل شيء، فلا أحد يستطيع كشف ما بي إلا أنت، ولا ينصرني سواك.

فهذا الاضطرار الذي يخرج من الأعماق، والذي يقوله الداعي وهو في حالة لهفة وحالة ضرورة، فيكون دعاؤه دعاء الصادق، ودعاء الراجي، ودعاء من يعترف بأنه لا أحد يقدر على إنقاذه وكشف ضره من سلاطين الأرض وجبابرتها وطغاتها، ومن ملائكة السماء، سوى الله جل جلاله، فلا ملك ولا رسول يقدر على ذلك، والذي يقدر عليه الرسول والملك هو ما أقدره الله عليه، أو ما دعا به الله كما تدعوه أنت، وما هو إلا عبد من عبيد الله، كما أننا وكل الخلق عبيد لله جل جلاله.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النمل [6-12] 2170 استماع
تفسير سورة النمل [13-17] 2014 استماع
تفسير سورة النمل [45-53] 2009 استماع
تفسير سورة النمل [82-87] 1850 استماع
تفسير سورة النمل [65-75] 1681 استماع
تفسير سورة النمل [88-93] 1681 استماع
تفسير سورة النمل [54-61] 1664 استماع
تفسير سورة النمل [28-33] 1568 استماع
تفسير سورة النمل [76-81] 1558 استماع
تفسير سورة النمل [1-5] 1413 استماع