السواك وسنن الفطرة [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن من الآداب التي نبّه عليها الشارع الحكيم: استحباب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر عليها، فيجتهد الإنسان في تقليم الأظفار، ويستقصي في ذلك، لكن بشرط ألا يؤذي الأصبع أو يدميه.

وقت وحدّ قص الأظفار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من الآداب التي نبّه عليها الشارع الحكيم: أنه يستحب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر على الأظفار.

فيجتهد الإنسان في تقليم الأظفار، ويستقصي في ذلك، لكن بشرط ألا يؤذي الأصبع أو يدميه.

وقص الأظافر سنة مستحبة؛ لأنه من الفطرة، ويتفاحش بتركه، وربما حك به الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة فتصير رائحة ذلك في رءوس الأصابع، وهناك بعض الروايات في كيفية قص الأظفار، ويكون ذلك في يوم الخميس أو الجمعة أو غيرها، ولم يثبت توقيت تقليم الأظفار بيوم معين، فغالب العلماء يفضلون أن يكون ذلك يوم الجمعة؛ باعتباره يوم العيد الأسبوعي، وكذلك غيره من سنن الفطرة، لكن لا دليل يخصص لفعل هذه الأشياء وقتاً معيناً أو محدداً، فمتى استحقت الأظافر القص، فعلى الإنسان أن يفعل، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط هو الحاجة في هذا وفي جميع خصال الفطرة المذكورة، لكن الحد الأقصى أربعين يوماً، يقول الترمذي الحكيم : فأما قص الأظفار؛ فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر، وهو مجتمع الوسخ، وربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ، فلا يزال جنباً، ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول، فهو جنب على حاله، حتى يعمّ الغسل جسده كله؛ فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار.

وبعدما يقص الإنسان أظفاره، يستحب له حينئذٍ أن يغسل رؤوس الأصابع؛ تكميلاً لنظافتها، وحمل بعض العلماء حديث عائشة رضي الله عنها في غسل البراجم أن المراد به: غسل رؤوس الأصابع، ويحتمل أن البراجم هي هذه العقد التي في الأصبع.

كما قال الإمام الخطابي رحمه الله: البراجم: العقد التي في رءوس الأصابع، والرواجب: ما بين البراجم؛ لأنه ربما تجتمع فيها الفضلات فيها أحياناً، وغسل البراجم سنة مستقلة وليست بواجبة.

والحديث الذي جاء في غسل البراجم وأنه من خصال الفطرة، أخذ منه بعض العلماء استحباب غسل التعرجات التي تظهر عند فرد الأصابع، وألحقوا بذلك ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ، فيزيله بالمسح ونحوه.

استحباب ترك الأظفار في حال السفر والغزو

يسنّ ألا يحيف على الأظفار في التقليم عند الغزو والسفر، فقد ذكر العلماء أن من كان في حالة سفر أو غزو وجهاد، فلا ينبغي له أن يستقصي في قص الأظافر؛ لأنه ربما احتاج إلى فك حبل مثلاً أو شيء معين، فتكون أظافره طويلة طولاً يسيراً بحيث يستطيع أن يمسك بها ويفك به ما يحتاج إليه، وذكر بعض العلماء أنه قد يستخدم الأظافر في قتال العدو عند فقد السلاح، وعن عمر رضي الله عنه قال: وفّروا الأظفار في أرض العدو؛ فإنه سلاح. قالوا: والسفر في معناه.

حكم تطويل المرأة لأظفارها وصبغها بالمناكير

أما ما تفعله بعض النساء الفاسقات من تدميم أظفارهن بالصبغ الأحمر، الذي يسمى: المانوكير، وإطالة أظفارهن إلى حدّ يشبه الوحش، فهذا كله من المنكرات التي تدل على فساد في الذوق وفساد في الفطرة، ولا أدري كيف يرون هذا جمالاً؟! إذ كيف يصبح شكل امرأة تطيل أظافرها كالوحوش، وتصبغها أيضاً بلون الدم كأنها تلطّخت بدم الفريسة؟! فسبحان الله! هذا انتكاس في الذوق والفطرة، فضلاً عن مخالفته للآداب الشرعية، فضلاً عن أنه لا يصح أن تعلن عن نفسها أنها لا دين لها ولا خلق ولا تقوى ولا خوف ولا استحياء من الله، فهي لا تصلي؛ لأن هذا الطلاء يكون حائلاً وحاجزاً بين الماء وبين البشرة على أظافرها، فهل يعقل أن تظل كل يوم تستعمل المزيلات المعروفة مثل الأسيتون أو غيره؟! وغالب هؤلاء النساء لا دين لهن، ولا خوف لديهن من عقاب الله تبارك وتعالى، ويظهرن هذه الزينة القبيحة الدميمة، ويرين هذه الأشياء جمالاً، فهذا منكر مذموم؛ لأن فيه تغييراً لخلق الله تبارك وتعالى، وهذا الفعل يستلزم اللعن كما جاء في الحديث قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الواشمات والمستوشمات.) إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: (المتفلّجات بالحُسْن المغيرات لخلق الله). أيضاً: لأن في هذا الفعل السيئ القبيح تشبهاً بالكافرات الفاجرات، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من تشبه بقوم فهو منه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس منّا من عمل بسنة غيرنا). وأيضاً: لأن هذه منافاة للفطرة السليمة، التي هي: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الفطرة خمس) وذكر منها: (وتقليم الأظفار)، وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: (وقّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة) رواه مسلم وغيره. ولذلك يقول بعض الشعراء مخاطباً مثل هذه النساء الفاسقات: قل للجميلة ..؛ وأنا أغيّر هذا اللفظ وأقول: قل للجهولة أرسلت أظفارها إني لخوفٍ كدتُ أمضي هارباً إن المخالب للوحوش نخالها فمتى رأينا للظباء مخالباً؟!! بالأمس أنتِ قصصتِ شعركِ غيْلةً وأزحتِ عن وضع الطبيعة حاجباً وغداً نراكِ نقلتِ ثغركِ للقفا وأزحتِ أنفكِ رغم أنفكِ جانباً مَن علّم الحسناء أن جمالها في أن تخالف خلقها وتجانبا؟! إن الجمال من الطبيعة رسمُه إن شذّ خطٌّ منه لم يك صائباً فهذا شيء يستقبح، ومن الانتكاس في الذوق والفطرة أن يرى الناس هذا الخبث والدمامة جمالاً، فهو جمالٌ عند من لا دين له ولا خلق.

استحباب دفن الأظافر بعد تقليمها

هذا أدب شرعي مهجور، ومن تمكن من أداء هذا الأدب فسوف يذوق حلاوته ويجد له طعماً عظيماً، ويتملكه الإحساس بتكريم الإنسان، كما في قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، هذا الأدب الذي قد يستغربه كثير من الناس في هذا الزمان، وهو: أنه يستحب للإنسان دفن ما قلّم من أظفاره أو أزال من شعره، وكل ما ينفصل عن بدن الإنسان في حياته فمن الأدب أن يدفنه في التراب. يقول مهنأ : سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه، قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه. وقال القرطبي رحمه الله: جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه وزال عنه فيحق عليه أن يدفنه. لأن الإنسان لو مات فإنه يدفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضاً تقام حرمته بدفنه، كي لا يتفرق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة، وبالذات المسلم الذي كرمه الله عز وجل بصفة الإسلام إلى جانب صفة الإنسانية، فينبغي له ألا يلقي هذه الأشياء التي انفصلت عن جسده في الأماكن القذرة أو المهينة، وإنما يدفنها كما يُدفن بدنه عند موته. وحكى السفاريني عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في قول الله تبارك وتعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26] قال: يلقون فيها الدم والشعر والأظافر وهم أحياء، وتدفنون فيها موتاكم. وإذا راجعت تفسير هذه الآية فإنك تجد أن هذا القول مشهور في تفسيرها، ويذكره المفسرون ضمن عدة أوجه في تفسير هذه الآية: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا [المرسلات:25] والكفت: الضم والجمع، أي: تضمكم وتجمعكم، وفي الحديث: (نهى عن الكفت في الصلاة)، والكفت: الضم، أي: يضم ثيابه، وهذا الفعل مكروه في الصلاة. ولا أدري لماذا يقوم كثير من الإخوة بارك الله فيهم أحياناً باختراع عمل ليس له أصل؟ ثم نجد كثيراً من الناس يقلدونه تقليداً تلقائياً، حتى ينتشر هذا الفعل ويشيع، مع أنه لا يعرف لهذا الفعل دليل ولا أصل، فما ندري من أين أتت لبعض المصلين فكرة أنه إذا كان يرتدي سروالاً طويلاً يتجاوز الكعبين، فإذا أراد أن يصلي أخذ يشمر ويكفت السروال؛ لأنه يخاف من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبل صلاة المسبل) أو (لا ينظر الله إلى مسبل)، فهو يريد ألا يقع في هذا الوعيد، فيصبح حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأنه فرّ من وعيد الإسبال فوقع في الكفت، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الكفت، فلا يصح لك أن تصلي وأنت مشمّر أكمامك، بل إنك إذا شرعت في الصلاة عليك أن تفك هذا التشمير، كما قال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي سجد وشعره معقود: (دعه يسجد معك) فكذلك من صور كفت الثياب في الصلاة ما يفعله هؤلاء الإخوة الذين يتناقلون هذه العادة بعضهم عن بعض، ولا يُعرف لها أصل، والذي قادنا إلى هذا الاستطراد هو معنى كلمة: الكفت، أي: الضم، ومنها التشمير في الصلاة. قال القرطبي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا [المرسلات:25] أي: ضامّة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها، وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه...، يقال: كفتُّ الشيء أكفته: إذا جمعُته وضممْتُه، والكفت: الضم والجمع...، وقال أبو عبيد : (( كِفَاتًا )) أوعية. ثم قال القرطبي : وقيل: هي كِفات للأحياء، يعني: دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض، إذ لا ضمّ في كون الناس عليها، والضمّ يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه. الاحتفاف: أي أنها تحف بالشيء وتضمه، وكان بعض السلف يأتي المقابر فيقول: هذه كفات الأموات. ويأتي المنازل والبيوت فيقول: هذه كفات الأحياء. والإمام القرطبي رحمه الله يعرض قول من قال: إنها لا تسمى كفاتاً إلا إذا احتفت بالشيء وضمّته ضمّاً كاملاً، وهذا لا يكون إلا في الدفن. وهنا مسألة تعرض لها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي تتعلق بحكم إزالة الإنسان لشيء من جسده وهو جنب، فقد سُئل رحمه الله تعالى عن الرجل إذا كان جُنُباً وقصّ ظفره أو شاربه، أو مشط رأسه، هل عليه شيء في ذلك؟ فأجاب: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال: (إن المؤمن لا ينجس)، وفي صحيح الحاكم زيادة: (حياً ولا ميتاً)، وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلاً شرعياً، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن)، فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، حيث قال له: (ألق عنك شعر الكفر واختتن)، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر، والله أعلم. اهـ.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من الآداب التي نبّه عليها الشارع الحكيم: أنه يستحب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر على الأظفار.

فيجتهد الإنسان في تقليم الأظفار، ويستقصي في ذلك، لكن بشرط ألا يؤذي الأصبع أو يدميه.

وقص الأظافر سنة مستحبة؛ لأنه من الفطرة، ويتفاحش بتركه، وربما حك به الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة فتصير رائحة ذلك في رءوس الأصابع، وهناك بعض الروايات في كيفية قص الأظفار، ويكون ذلك في يوم الخميس أو الجمعة أو غيرها، ولم يثبت توقيت تقليم الأظفار بيوم معين، فغالب العلماء يفضلون أن يكون ذلك يوم الجمعة؛ باعتباره يوم العيد الأسبوعي، وكذلك غيره من سنن الفطرة، لكن لا دليل يخصص لفعل هذه الأشياء وقتاً معيناً أو محدداً، فمتى استحقت الأظافر القص، فعلى الإنسان أن يفعل، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط هو الحاجة في هذا وفي جميع خصال الفطرة المذكورة، لكن الحد الأقصى أربعين يوماً، يقول الترمذي الحكيم : فأما قص الأظفار؛ فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر، وهو مجتمع الوسخ، وربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ، فلا يزال جنباً، ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول، فهو جنب على حاله، حتى يعمّ الغسل جسده كله؛ فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار.

وبعدما يقص الإنسان أظفاره، يستحب له حينئذٍ أن يغسل رؤوس الأصابع؛ تكميلاً لنظافتها، وحمل بعض العلماء حديث عائشة رضي الله عنها في غسل البراجم أن المراد به: غسل رؤوس الأصابع، ويحتمل أن البراجم هي هذه العقد التي في الأصبع.

كما قال الإمام الخطابي رحمه الله: البراجم: العقد التي في رءوس الأصابع، والرواجب: ما بين البراجم؛ لأنه ربما تجتمع فيها الفضلات فيها أحياناً، وغسل البراجم سنة مستقلة وليست بواجبة.

والحديث الذي جاء في غسل البراجم وأنه من خصال الفطرة، أخذ منه بعض العلماء استحباب غسل التعرجات التي تظهر عند فرد الأصابع، وألحقوا بذلك ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ، فيزيله بالمسح ونحوه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
السواك وسنن الفطرة [1] 2248 استماع
السواك وسنن الفطرة [4] 1722 استماع
السواك وسنن الفطرة [2] 1090 استماع
السواك وسنن الفطرة [6] 1024 استماع
السواك وسنن الفطرة [5] 892 استماع