استحباب اتخاذ الجمة
استحباب ترجيل الشعر ودهنه وتطييبه
يستحب ترجيل الشعر وإكرامه، وترجيل الشعر تسريحه وإكرامه، فالإنسان حين يتخذ شعراً يكرم هذا الشعر ولا يشوه منظره بكثرة الشعر وهو لا يعتني به، وربما دبّت فيه الحشرات والهوام، فهذا من الآداب الشرعية. قال عليه الصلاة والسلام: (
من كان له شعر فليكرمه). وقد يشكل على بعض الناس بعض الأحاديث في هذا الباب، كحديث (
نهى عن الترجّل إلا غبّاً)، وحديث: (
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإرفاه، قيل: وما الإرفاه؟ قال: كثرة التدهن والتنعم)، وفي بعض الأحاديث: (
إياي والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) فيحمل ذلك على من جعل الشعر شغله الشاغل، فليس له مشغلة سوى النظر في المرآة ودهن شعره وتسريحه كما هي عادة النساء، فلا يليق بالرجل أن يكون هذا هو شغله الشاغل، فالإنسان مأمور بإكرام شعره إن كان له شعر، وإن كان لا يعتني بشعره فالأفضل أن يقصره. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (
تحت كل شعرة جنابة) فإذا تطهر المسلم فلابد أن يروي أصول الشعر؛ ليصل الماء إلى أصل كل شعرة في بدنه، يقول
علي بن أبي طالب بعدما روى هذا الحديث: فمن ثمّ عاديت شعري. فكان يزيل شعر رأسه حتى يحتاط لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (
تحت كل شعرة جنابة). والغبّ كما في الحديث -وهو ضعيف-: (
ادّهنوا غباً) أي: أن تدهن شعرك ببعض الزيوت، ثم تتركه حتى يجف، ثم بعد يوم أو يومين تدهنه مرة ثانية. ومن التنبيهات التي تتعلق بهذا الباب: أن من السنّة تطييب الشعر بالطيب كما في الحديث: (
حُبّب إلي من دنياكم النساء والطيب)، لكن الرجل يتطيب في شعره ولحيته فقط، ولا يضع الطيب على جبهته ولا على خده، فهذا طيب النساء لحديث
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (
أنها كانت تطيب الرسول صلى الله عليه وسلم في شعره ولحيته)، فالذي يليق بالرجل أن يتطيب في شعره ولحيته، ولا يضع الطيب على جبهته أو خده. ويستحب فرق الشعر من وسط الرأس؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه فرق شعره مخالفةً لأهل الكتاب، وكان من شروط أمير المؤمنين
عمر على أهل الذمة: ألّا يفرقوا شعورهم؛ حتى لا يتشبهوا بالمسلمين.
استحباب خضاب الشيب بغير السواد
يُسنّ خضاب الشيب بالصفرة أو الحمرة، وليس بالسواد، وخضاب الشعر يعتبر من السنن المهجورة بسبب ضغط المجتمع؛ لأن المجتمع غالباً يكون منحرفاً عن الشرع، يستنكر على الإنسان إذا خضب لحيته مثلاً بالحناء، ويظن كثير من الناس أن من خضب شعره قد ارتكب شيئاً من شأن النساء، أو أنه يتصابى، إلى غير ذلك من الحجج السقيمة الواهية، وهم بهذا يهجرون سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل ويحذرون منها، وقد رغب النبي عليه الصلاة والسلام في أن يغيّر الشيب بأي لون ما عدا اللون الأسود فإنه نهى عنه وأمر باجتنابه، لكن ما عدا ذلك يستحب للإنسان أن يغير الشيب في رأسه ولحيته بأي لون، وأفضله الكتم، والكتم هو نوع من الحناء. فمن السنن المؤكدة تغيير الشيب بالصفرة أو الحمرة، لا بالسواد. يقول الإمام
ابن قدامة : ويستحب خضاب الشيب بغير السواد، قال
أحمد : إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به. وذاكر -أي: ناقش- الإمام
أحمد رجلاً لم يكن يخضب الشيب، فقال: لم لا تختضب؟ قال: أستحيي، قال: سبحان الله! سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: هل تستحي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ -قال
المروزي : قلت: يحكى عن
بشر بن الحارث أنه قال: قال لي
ابن داود : خضبت؟ قلت: أنا لا أتفرغ لغسلها فكيف أتفرغ لخضابها؟ فقال
أحمد : أنا أُنكر أن يكون
بشر كشف عمله. ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
غيروا الشيب)، و
أبو بكر و
عمر خضبا، والمهاجرون كذلك، فهؤلاء لم يتفرغوا لغسلها؟! والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالخضاب، فمن لم يكن على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس من الدين في شيء. يقول: يستحب الخضاب بالحناء والكتم، لما روى
الخلال و
ابن ماجة بإسنادهما عن
عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلت على
أم سلمة رضي الله عنها، فأخرجت إلينا شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوباً بالحناء والكَتَم. الكتم يقال: هو نبات يخرج باليمن، والصبغ به يجعل الشعر أسود ضارباً إلى الحمرة، والصبغ به وبالحناء معاً يخرج بين السواد والحمرة. يقول: وخضب
أبو بكر بالحناء والكَتَم ولا بأس بالورفة والزعفران؛ لأن
أبا مالك الأشجعي قال: كان خضابنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الورفة والزعفران. وعن
الحكم بن عمرو الهتاري قال: دخلت أنا وأخي
رافع على أمير المؤمنين
عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال لي
عمر بن الخطاب : هذا خضاب الإسلام، وقال لأخي
رافع : هذا خضاب الإيمان؛ أي: لأنه خضب بالصفرة، والصفرة أفضل من الحناء. والخضاب يكون في الشعر فقط؛ لأن الرجل إذا خضب يقصد الشيب في شعره ولحيته، لكن ليس بالسواد إلا في حالة واحدة فقط، حيث اجتهد بعض العلماء فقالوا: يستحب لمن شابَ شعر رأسه ولحيته في حالة الجهاد -أي: في قتال الأعداء- أن يخضب بالسواد؛ لإرهاب الأعداء، وإظهار أن في المسلمين الفتوّة والشباب، وأنهم ليسوا كباراً في السن، والله أعلم. ولا يجوز للرجل بحال من الأحوال أن يخضب اليدين والرجلين، كما جاء في بعض الأحاديث: (
هذا فعل المخنثين)، وإن كان الحديث ضعيفاً، لكن هذا من شأن النساء، وقد استثنى بعض العلماء حالة التداوي، لكن الأصل أن هذا من التشبه بالنساء، وقد (
لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). ويُكره الخضاب بالسواد، قيل لـ
أبي عبد الله : تكره الخضاب بالسواد؟ قال: إي والله. قال: وجاء
أبو بكر بأبيه رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً -الثغامة نبات شديد البياض- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
غيّروهما، وجنبوه السواد)، أي: غيروا لون رأسه ولحيته. وروى
أبو داود بإسناده عن
ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (
يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة) . ورخص فيه
إسحاق : للمرأة أن تتزين به لزوجها، لكن يتضح هنا بإطلاق الأدلة أنه لم يستثنِ المرأة في شيء من ذلك، فيجوز للمرأة أن تغير الشيب، لكن ليس بالسواد.
أحكام حلق شعر الرأس
اختلفت الرواية عن الإمام
أحمد في حكم حلق الرأس، فجاء عنه: أنه مكروه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: (
سيماهم التحليق) أي أن الإمام
أحمد كره حلق الرأس إطلاقاً، قال: إنه يكون في هذه الحالة تشبه بالخوارج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله علامة للخوارج حينما قال فيهم: (
سيماهم التحليق)، وهذا يحتمل أنهم يتعبدون بحلق الرأس. وقال
عمر لـ
صبيغ : لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك بالسيف. قوله: (الذي فيه عيناك) أي: وجهك، و
صبيغ بن عسل هو رجل من أهل العراق، كان يكثر السؤال عن المتشابهات، فبلغ ذلك أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتاه يوماً فسأله عن بعض الآيات المتشابهات في القرآن، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله:
صبيغ ، قال: وأنا عبد الله:
عمر ، فقام بالدَّرّة، وظل يضربه حتى أوجعه، ثم حبسه إلى أن برئ، ثم أتى به مرة ثانية وعاقبه، ثم تركه حتى برئ، ثم أتى به بعد ذلك أيضاً ليعاقبه، فقال له
صبيغ : يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد شفائي فقد والله برئتُ، وإن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً. فتركه أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأمر الناس بمقاطعته، وألّا يكلمه أحد، فشقّ ذلك عليه، وأُرسل إلى أمير المؤمنين فيه: أنه قد حسنت توبته، فأذن له حينئذٍ في مخاطبة الناس. هذا خبره مختصراً. وقد قال أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه عندما قابل
صبيغاً : لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك بالسيف. لأنه لو كان محلوقاً إذاً لكانت هذه قرينة تدل على أنه من الخوارج الأشرار الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وقال فيهم: (
طوبى لمن قتلهم أو قتلوه) . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة) رواه
الدارقطني في الأفراد. وفي بعض الأحاديث: (
ليس منا من حلق)، وقال
ابن عباس : الذي يحلق رأسه في المصر -يعني: في حالة الإقامة في بلده- شيطان. أما في حجة أو عمرة فهذا مستحب. وقال
أحمد : كانوا يكرهون ذلك. فكل هذه الأدلة استدل بها الإمام
أحمد على كراهة حلق واستئصال شعر الرأس. وفي رواية عن الإمام
أحمد : لا يكره حلق الرأس، لكن تركه أفضل. قال:
حنبل بن إسحاق : كنت أنا وأبي نحلق رءوسنا في حياة
أبي عبد الله ، فيرانا ونحن نحلق، فلا ينهانا، وكان هو يأخذ رأسه بالجلمين، ولا يحفيه، ويأخذه وسطاً. أي: كما نفعله نحن الآن بأن يأخذه بالوسط، فلا يستئصله ولا يكثره. وروى
ابن عمر رضي الله عنهما : (
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى غلاماً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاه عن ذلك) رواه
مسلم . وهذا الفعل اسمه: القزع، وفي لفظ قال: (
احلقه كله أو دعه كله) . وروي عن
عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: (
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر أمهل آل جعفر ثلاثة أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعو بني أخي، فجيء بنا، قال: ادعو لي الحالق، فأمر بنا فحلق رءوسنا). ولأنه لا يكره استئصال الشعر بالمقراض. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
ليس منا من حلق)، يعني: أن يحلق الإنسان شعره بسبب نزول المصيبة، وأحياناً قد يكون الأمر بالعكس، فعندما تأتي المصيبة يترك بعض الناس شعره لنزول المصيبة به. وبعض الناس قد يموت قريب له أو عزيز عليه، فتجده يعفي لحيته، فهذا يدخل فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من نشر الشعر لحزن أو جزع من قضاء الله؛ لأن هذا الذي أعفى لحيته في المصيبة ما فعل ذلك لوجه الله، ولا امتثالاً لأمره، بل جزعاً فقط، والجزع محرم، ثم إن هذا الذي يترك لحيته ينبغي عليه أن يعفيها، لكن ليس في المصيبة فقط، بل في كل حال من الأحوال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر ببقائها وإعفائها، والشرع حرم حلقها. ولا ينبغي أن يجمع بين هذين الأمرين: أولاً: أنه ينشر شعره في حال المصيبة فإذا مضت عاد إلى معصية حلق شعره، وفي الحديث: (
ليس منا من حلق أو صلق أو خرق) . قوله: (حلق) أي: يحلق شعره عند المصيبة جزعاً، (أو صلق) والصالقة: هي التي تصوت صوتاً عالياً عند وقوع المعصية، (أو خرق)، يعني: مزّق -والعياذ بالله- ثيابه؛ جزعاً لقضاء الله عز وجل! قال
ابن عبد البر : وقد أجمع العلماء على إباحة الحلق، وكفى بهذا حجة -أي: حلق شعر الرأس للرجل فقط- وأما استئصال الشعر بالمقراض فغير مكروه رواية واحدة، قال
أحمد : إنما كرهوا الحلق بالموس، وأما بالمقراض فليس فيه بأس؛ لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق.
أحوال حلق شعر الرأس
أما الكلام في حكم حلق شعر الرأس فله أحوال نوردها باختصار: الحالة الأولى: إن كان في حج أو عمرة فهو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: دعا للمحلقين فقال: (
اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: وللمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: وللمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: وللمقصرين؟ فقال: وللمقصرين)، فلم يدعُ للمقصرين إلا بعدما دعا للمحلقين ثلاثاً، وفي هذا فضيلة عظيمة للتحليق على التقصير، والحلق والتقصير عبادة، والعبادة لا تنبغي إلا لله، فلا ينبغي أن يحلق الإنسان شعر رأسه أو شاربه أو عانته تعبداً إلا لله تبارك وتعالى. فمن الناس من يحجون إلى قبر
البدوي و
الدسوقي ويفعلون الموالد الشركية ويحلقون رءوس أولادهم كما يفعل في الحج والعمرة والعياذ بالله! وهذا الحلق نوع من أنواع الضلالات والشركيات التي يرتكبونها في شركياتهم، حيث أن الحلق فيه تذلل لله تبارك وتعالى، ولذلك فإن بعض القادة العسكريين الظَلَمة حينما يريدون أن يعاقبوا جندياً أو يذلوه يقومون بحلق شعر رأسه، وفي السجون كذلك، وهذا لا ينبغي أن يكون إلا لله تبارك وتعالى. فإن كان الحلق في حج أو عمرة فهو مستحب، أو كان لحاجة كالتداوي من مرض ما، فإنه يكون جائزاً ومباحاً. أما إذا لم يحلق الإنسان شعر رأسه في الحج أو العمرة، أو لحاجة كالتداوي، وإنما حلق رأسه لغير هذه الأسباب بنية التعبد والتزهد والتزين والتقرب به إلى الله، فهذه بدعة وضلالة، وهذه ظاهرة في الخوارج لعنهم الله. وحلق شعر الرأس في غير النسك، ولغير حاجة فيه قولان للعلماء: القول الأول: أنه مكروه. القول الثاني: أنه مباح. فالذين قالوا: مباح. هم أصحاب
أبي حنيفة و
الشافعي ، والذين قالوا: مكروه.
مالك وغيره، وعلّلو ذلك بقولهم: لأنه شعار المبتدعة؛ ولأن الخوارج كانوا يفعلونه، صحيح أنه تشبه بالخوارج ولا ينوي التعبد بذلك، لكنه في الظاهر يتشبه بهم، فهذا شعار معروف لهم، وإذا اشتهر شعار معين يدل على فرقة معينة من الفرق الضالّة، فينبغي للإنسان ألا يتلبس بهذا الشعار. مثال: فرقة الفرماوية: وهي فرقة ضالة، وهم يتعبدون بارتداء اللون الأخضر، ولعل من ابتلي بهم وعايشهم فإنه يعرف منهم هذا، فإن اللون الأخضر يعتبر عندهم لون مقدس، فتجد عندهم لون القميص أخضر، والعمامة خضراء، و-سبحان الله- كثير منهم عيونهم خضراء!! أما حلق بعض الرأس فمكروه، كما يفعل كثير من الناس في الصعيد مثلاً، أو في بعض الأرياف، أو كما يفعل بعض المسلمين الأفغان للأسف حينما يحجون أو يعتمرون، وإذا مكث أحدهم في مكة مدة، فإنه يحلق بعض رأسه، ولا يحلق رأسه كله في الحج أو العمرة، بل كلما اعتمر عُمرة فإنه يحلق جزءاً من شعر رأسه ويترك الجزء الآخر، وفي العمرة التي بعدها يحلق جزءاً آخر، وهكذا يتابع بين العمرات بحيث يحلق في كل مرة جزءاً من شعر رأسه، وهذا هو عين القزع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في حديث
ابن عمر : (
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى غلاماً قد حلق رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك) ، وفي لفظ: (
احلقه كله أو دعه كله) . ورواه أيضاً
أبو داود ، ولفظه: (
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، وقال: احلقه كله أو دعه كله) ، وأيضاً في شروط
عمر رضي الله عنه على أهل الذمة: أن يحلقوا مقدم رءوسهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين، فمن فعله من المسلمين كان متشبهاً بهم.
حكم حلق شعر رأس المرأة
لا تختلف الرواية عن الإمام أحمد في كراهة حلق المرأة رأسها من غير ضرورة، فمن المعروف أن شعر المرأة من الزينة، حتى عند العرب في الجاهلية، وأشعارهم في ذلك مشهورة، فليس من التزين بالنسبة للمرأة أن تكفّ شعرها من غير ضرورة.
قال أبو موسى : (برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة) متفق عليه.
والصالقة: هي المرأة التي تصوّت صوتاً عالياً إذا مات لها ميت.
والحالقة: التي تحلق رأسها جزعاً عند المصيبة. وهذا موجود في بعض بلاد الجنوب، فإنهم للأسف يفعلون كثيراً من هذه الكبائر والمخالفات عند المصائب والمآثم.
وروى الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) ، وقال الحسن : هي مُثلة. أي: تشويه لخلقة المرأة.
وقد جاء عن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها أنها اجتهدت فأخطأت، حيث حلقت رأسها في الحج، وهذا مخالف للسنة كما ذكرنا.
وذهب بعض العلماء إلى أن هذا حكم عام، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا خاص بزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن أمهات المؤمنين يحرم عليهن النكاح بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53].
فلأجل ذلك رُخّص لهن في الحلق، أما غيرهن فيحتمل أن تتزوج وبالتالي فلا يجوز لها أن تزيل الشعر الذي يعتبر من الزينة اللازمة في المرأة.
يقول الأثرم : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته -أي: تعجز عن أن تعالج شعر رأسها وتسرحه وتهتم به- أتأخذه على حديث ميمونة ؟ قال: لأي شيء تأخذه؟ قيل له: لا تقدر على الدهن وما يصلحه وتقع فيه الدواب. قال: إذا كان لضرورة فأرجو ألا يكون به بأس.
والمرأة المسلمة التي تترخص وتأخذ باجتهاد بعض العلماء الذين يبيحون لها أن تأخذ من شعر رأسها، فإن كان للتداوي فهذا شيء ليس فيه كلام، لكن إن كان للزينة فأولاً: لا ينبغي لها أن تأخذه أخذاً قريباً من أخذ الرجل لشعر رأسه، لأنها حينئذ تصبح متشبهة بالرجال.
ثانياً: لا تنوي بذلك الفعل أن تتشبه بالكافرات أو الفاجرات.
حكم نتف أو حلق الشيب وحلق القفا